البيان في توثيق تسمية منطقة جازان
البيان في توثيق تسمية منطقة جازان
--------------
المقدمة
تلقت الإدارة العامة للتعليم بمنطقة جازان منذ فترة تعميم سعادة وكيل إمارة منطقة جازان الأستاذ / خالد بن تركي العطيشان باعتماد اسم " جازان " بدلاَ من " جيزان " ثم عممت الإدارة العامة للتعليم تعميم سعادته على كافة مدارس المنطقة .
وقد أوجد هذا في نفسي رغبة في البحث في الأصول التاريخية لهذا الاسم ، لاسيما وأن الباحث والمؤرخ المعروف الشيخ / محمد بن أحمد العقيلي أكد أصالة الاسم جازان ، كما جاء في تعميم سعادة وكيل الإمارة .
وبعد عام كامل من التخطيط وجمع المراجع والبحث والدراسة أكتمل لدي البحث وفق الخطة المرسومة .
وهو يغطي الفترة من عهد النبوة إلى عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود يرحمه الله . والبحث أن جازان بهذا الاسم كان معروفاً في القرن الأول الهجري في كتب السنة والتاريخ وعيون الشعر العربي الخالد ، إلى جانب أسماء إقليمية أخرى كـ ( مخلاف الحكم ) و ( مخلاف عثر ) وبعدها ( المخلاف السليماني ) .
كما تضمن البحث أيضاً تاريخ ظهور مسمى ( بندر جازان ) ومراحل تطور مدينة ( جازان البحر ) ـ حتى أصبحت هذه المدينة قاعدة لإمارة المنطقة بأسرها منذ أشراقة العهد السعودي المعاصر ، حيث قدم إليها أول أمير من قبل الملك عبد العزيز آل سعود / صالح بن عبد الواحد وأتخذها مقراً لإمارة المنطقة واستمرت حتى يومنا هذا .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله …… وبعد :
عُرفت منطقة جازان الحالية في العهد الجاهلي ثم الإسلامي حتى العصر الحديث بثلاثة أسماء تاريخية : اثنان منها احتصَّا بجزأي المنطقة الجنوبي والشمالي هما :
مخْلاف حَكَم
وَمخْلاف عَثَّر
ويتزامن الاسمان النفوذ السياسي في كل منهما حتى إنتهيا في النصف الأخير من القرن الرابع الهجري بتوحيدهما في إطار سياسي واحد عًرف بـ " المخلاف السليماني " . استمر " المخلاف السليماني " اسم شهرة للمنطقة منذ نشأته في ذلك التاريخ حتى منتصف القرن الرابع عشر حيث اشرق الحكم السعودي ( في دوره الثالث ) على ربوع الجزيرة العربية ، ومنها المخلاف السليماني ، وبإشراقته أشرق اسم جديد لعموم منطقة المخلاف هو الاسم الحالي للمنطقة " جازان " وما زال يزداد ذيوعاً وتألقاً مستمداُ قوة ذيوعة وتألقه من الحكم السعودي نفسه حتى توارى الاسم القديم رغم عراقته وقدم تاريخه .
وسنتناول فيما يلي إيضاحاً لأصل وتاريخ كل اسم من الأسماء الأربعة وحدود ومسمى كل منها :
مخلاف حكم
مخلاف عثر
المخلاف السليماني
منطقة جازان
ربما يلاحظ الدارس لتاريخ منطقة جازان أن الأسماء الثلاثة الأولى تشترك في إضافتها للفظ " المخلاف " .
فمـا هو المخلاف ؟
جاء في القـاموس : " المِخْلاف الكَوْرة "
و " الكورة كل صُقع يشتمل على عدة قرى لها قصبة أو مدينة أو نهر " يجمع بإسمه تلك القرى .
وعن إشتقاقه يقول ياقوت ( ت626هـ ) : لم أسمع في اشتقاقه شيئاً ، لكنه يؤكد أن التسمية ناتجة عن تخلف القبائل في بعض النواحي واستقرارهم بها . فإذا استقرت القبيلة في ناحية ما سموها مخلافاً لتخلفها في تلك الناحية ، وسموا المخلاف بإسم أب تلك القبيلة .
جاء في حديث معاذ : " من تحول من خلاف إلى مخلاف فعُشره وصدقته إلى مخلاف عشيرته الأول ، وإذا حال عليه الحول " .
وعليه فالمخلاف كلمة تطلق على المنطقة المتعددة القرى يجمع بينها في الغالب مدينة تكون مرجعاً ويكون اسمها جامعاً لتلك القرى .
" كمخلاف مكة " " ومخلاف المدينة " ومخلاف عثَّر " .
كما يكون معناه أيضاً : المنطقة أو الناحية التي تخلفت بها قبيلة ما ، ولتخلفها واستقرارها بها ، عرفت تلك المنطقة أو الناحية بالمخلاف وسمي المخلاف أب تلك القبيلة :
: كمخلاف حَكَم " " ومخلاف هَمَدان "
والمخلاف تسمية مألوفة في جنوب الجزيرة العربية والحجاز واليمامة ، بل وفي البصرة والكوفة أيضاً .
مخلاف حَكَم
هو نسبه إلى قبيلة حكم بن سعد العشيرة من مَذْحِج
قاعدته مدينة الخصُوف على عدوة وادي خُلب " والشَّرجة ساحله ( مرساه ) .
وملوكه من حكم آل عبد الجدَ " في الجاهلية ثم الإسلام
حدوده : يمتد هذا المخلاف من وادي صبياء شمالاً إلى أودية عبس جنوباً . قال الهمداني ( ت بعد 344هـ ) وهو يعدد أودية تهامة . " يتلوه ( أي وادي مور ) وادايا بني عبس من حكم ، ووادي حيران وخذلان "
وهذه الأودية جنوب حرض ، ضمن أراضي الجمهورية اليمنية حالياً .
وبذلك فإن الحدود القديمة لمخلاف حكم تجاوزت حرض أو ( الشرجة ) لتشمل عبس .
مخلاف عثر
" وهو مخلاف عظيم وتغر جميل وسـاحل جليل " وأحد أسـواق العرب .
مـلوكه : من بني مخزوم .
حدوده : يمتد من وادي صبيا جنوباً إلى وادي حمضة شمالاً غير أن الأقدمين لم تكن إشارتهم إلى وادي حمضة على أنه نهاية مخلاف عثر بل إلى أن الوادي من عثر والحدود الإدارية لمنطقة جازان من الناحية الشمالية تمتد إلى ما وراء حمضة والقحمة لتصل إلى وادي ذهبان ( شمال القحمة ) ، لأن قبيلة المنجحة التي تتبع للقحمة تمتد منازلهم إلى الضفة الجنوبية لوادي ذهبان ، لتبدأ من ضفته الشمالية قبيلة بني هلال التابعة للبرك ، من منطقة مكة المكرمة .
هذه حدود المخلافين : حكم وعثر . قبل وحدتهما التي تمت في منتصف القرن الرابع الهجري ، ويأتي الحديث عن ذلك .
وسنجد فيما بعد أن حدود المخلافين تجـاوزت بعد هذا التاريخ هذه الحدود لتشمل أصقاعاً واسعة شمالاً وجنوباً .
المخلاف السُلَيْماني
وهذه التسمية الأكثر شهرة من التسميتين السابقتين ( حكم وعثر ) ليس في تاريخ المنطقة فحسب ، بل في كافة كتب التاريخ المعنية بجنوب الجزيرة العربية .
ومبدأ تلك الشهرة يرجع إلى النصف الأخير من القرن الرابع الهجري ، إذ تمكن السلطان الشهير سليمان بن طرف سنة 373هـ ولأول مرة في تاريخ المنطقة من توحيد المخلافين ( حكم ـ وعثر ) في مخلاف واحد كبير ، يمتد من الأطراف الجنوبية لمخلاف حكم ( جنوب أودية " عبس بن ثواب الحكمي ) جنوباً ، إلى آخر حدود مخلاف عثر على ضفاف وادي ذهبان عند بلدة البرك شمالاً .
لكنه مالبث أن مد نفوذه إلى الشمال حتى تخوم وادي حلي بن يعقوب شمالاً . ونُسب المخلاف الموحد فيما بعد إلى مؤسسة المذكور فعرف بالمخلاف السليماني ورغم قصر مدة حكم هذا السلطان ـ لا تزيد كثيراً عن عشرين سنة ـ ورغم تواري أسرته عن مسرح الأحداث السياسية بعد وفاته فإن الاسم : " المخلاف السليماني " استمر اسم شهرته للمنطقة حتى منتصف القرن الرابع عشر الهجري ، فتلك عشرة قرون كاملة .
بعدها أخذ يلوح في أفق المنطقة تسمية أخرى ، ما تزال تتردد على مسامع العامة والخاصة حتى أصبحت التسمية الأقرب في الخطاب والكتاب في الوقت الذي أخذت فيه التسمية التاريخية تتلاشى شيئاً فشيئاً حتى باتت التسمية " المخلاف السليماني " غير معروفة الدلالة إلا لذوي الإهتمام والمطالعات التاريخية " .
فما هي التسمية الجديدة التي تلاشت أمامها تسمية " بعد عشر قرون متوالية وما الأصل فيها ؟ .
جَـازَان
تردد اسم جازان بهذا اللفظ ، على الأقل منذ بداية التاريخ الإسلامي على صفحات كثير من المصادر التاريخية والأدبية ، كما تردد على صفحات كتب الحديث والتراجم إلا أن نجم شهرته تأثر تألقاً وأقولاً تبعاً لقوة تأثيره في الحديث السياسي .
وربما ساهمت المراكز السياسية بمسمياتها المنوة عنها آنفاً في بُعد هذا الإسم عن مسرح الإعلام السياسي ، لشغل تلك المسميات مساحة كبيرة منه ومع ذلك تمكن اسم جازان بين وقت وآخر من تحقيق الحضور الإعلامي المناسب أبتداء بجازان الوادي ، ومروراً بجازان الداخلية ، ثم جازان البندر ( الساحلية ) وإنتهاء بجازان المقاطعة ثم جازان المنطقة الإدارية .
وفيما يلي رصد مرحلي لإسم جازان منذ بداية ظهوره ودلالاته المختلفة عبر العصور التاريخية المتعاقبة حتى العصر الحاضر : ـ
القرن الهجري الأول :
وفيه تردنا أقدم إشارة صريحة تحمل اسم جازان بهذا اللفظ ، حيث أقطع الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك ( ت 99هـ ) الشاعر أبا دهبل الجمحي ( 126) أرضاً بمنطقة الدارسة جازان .
تشير المصـادر إلـى أن عـلاقة الشـاعر بالمنطقة ربمـا بدأت منذ حكومة عبد الله بن الزبير التي قامت بين 63ـ 73هـ
حيث ولَّى الأخيرُ الشاعر عملاً في جنوب الجزيرة العربية ، وربما يكون هذا العمل منطقة الدراسة جازان ـ وأن سليمان أعدها له .
ويرجح د . الزيلعي أن الشاعر مكث زمناً ليس بالقصير في منطقة جازان بدليل ورود كثير من أمكنتها في شعره بما فيها " جـازان " .
حيث يقول :
سقى الله جازانا ومن حل وليه وكل مسيل من سهام وسردد
القرن الثاني :
وفيه عاش الإمام يحي بن آدم القرشي ، وألف كتابه المعروف : الخراج وأورد فيه حديث ضَمَدٍ وجَازَان .
حيث أورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً هذا نصه .
إن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني أحب الجهاد والهجرة وأنا في مال لا يصلحه غيري . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" لن يألِتَك الله من عملك شيئاً ولو كنت بضمد وجازان "
وهذا الحديث إن صح يعتبر أقدم نص يرد فيه جازان بهذا اللفظ ، تليه أرجوزة الجمحي فيما أعلم .
منقوووووووول
تحياتي لكم
0