يوميات صائم(اليوم السادس عشر)
بسم الله الرحمن الرحيم
يوميات صائم(اليوم السادس عشر)
((الصبر))
الصبر في اللغة: هو الحبس أي حبس النفس عن الجزع وهو الحلم أي التأني وطول البال.
والصبرفي الاصطلاح: هو حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع أو ما يقتضي حبسها عنه أو هو حبس النفس على ما تكره ابتغاء مرضاة الله كما قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}سورة الكهف الآية(28)
والصبر نعمة من نعم الله التي أنعمها على عباده المؤمنين ولولا نعمة الصبر لما تمكن الإنسان من تحمل فراق الأحبة الذين يرحلون إلى عالم الأموات ولبقيت عيناه تذرفان الدمع حتى يجف دمعهما ولا تحمل الأهوال المفجعة ولكن الله أنعم على عبادة بالصبر الذي يعينهم على تحمل فجائع ومصائب الدنيا.
والصبر خلق عظيم ومن الأخلاق التي أمرنا ربنا بالتمسك بها وأمرنا بها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أمامنا وقدوتنا ومعلمنا ومرشدنا وهو الذي يشفع فينا يوم القيامة..
وصف الله تعالى كلاً من الصبر والصفح والهجر بالجميل في آيات كثيرة ونذكر منها الآيات التالية:
قال الله تعالى:{ إِنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر(3)ِ } سورة العصر الآيتان(2-3)
والصبر تكرر ذكره في القرآن لأهميته:
قال الإمام أحمد : تدبرت كتاب الله فوجدت الله تعالى قد ذكر الصبر في أكثر من تسعين موضعاً وهذا فيه دليل على فضل الصبر وعظيم شأنه.
ونذكر من الآيات التي ورد فيها ذكر الصبرالآيات التالية على سبيل المثال لا الحصر:
قال الله تعالى: {إنَمَا يُوَفَى الصَابِرُونَ أجّرَهُم بِغَيرٍ حِسابٍ}سورة الزمر الآية(10)
قال الله تعالى: {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا}سورة المعارج الآية(5)
وقال: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيل}سورة الحجر الآية(85)
وقال تعالى: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلا}سورة المزمل الآية(10)
وقال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}سورة الأحقاف الآية(35)
وقال تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ}سورة القلم الآية(48)
وقال تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ}سورة النحل الآية(127)
وقال تعالى: {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}سورة هود الآية(115)
وقال تعلى: {يَا بُنَيْ أَقِمْ الْصَلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إنً ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}سورة لقمان الآية(17)
ومن الأحاديث التي تأمر وتحث على الصبر الأحاديث الأتية:
1-عَنْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أنها سألت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عَنْ الطاعون؟ فأخبرها" أنه كان عذابا يبعثه اللَّه تعالى عَلَى من يشاء فجعله اللَّه تعالى رحمة للمؤمنين، فليس مِنْ عبد يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتسبا، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب اللَّه له إلا كان له مثل أجر الشهيد " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
2- وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: {.. ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر } [رواه البخاري ومسلم].
3- وعن أنس قال: سمعت رسول الله يقول: { إن الله عز وجل قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ـ أي عينيه ـ فصبر عوضته عنهما الجنة } [رواه البخاري].
4- وفي الصحيحين عن أنس قال: مر النبي بامرأة تبكي عند قبر فقال: { اتقي الله واصبري } فقالت: إليك عني فإنك لم تُصب بمصيبتي ـ ولم تعرفه ـ فقيل لها: إنه النبي ، فأخذها مثل الموت، فأتت باب النبي فلم تجد على بابه بوابين، فقالت: يا رسول الله، لم أعرفك. فقال : { إنما الصبر عند الصدمة الأولى } فإن مفاجأة المصيبة بغتة لها روعة تزعزع القلب وتزعجه بصدمها، فإن صبر للصدمة الأولى انكسرت حدتها وضعفت قوتها فهان عليه استدامة الصبر.
5- عن أم سلمة قالت: قال رسول الله : { إذا أصاب أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك أحتسب مصيبتي فأجرني فيها، وأبدل لي بها خيراً منها } [رواه أبو داود].
6- لما احتضر أبو سلمة قال: ( اللهم اخلفني في أهلي خيراً مني ). فلما قبض قالت أم سلمة: ( إنا لله وإنا إليه راجعون، عند الله أحتسب مصيبتي ). فانظر عاقبة الصبر والاسترجاع ومتابعة الرسول والرضا عن الله إلى ما آلت إليه. ونالت أم سلمه نكاح أكرم الخلق على الله محمد صلى الله عليه وسلم .
ومن أقوال السلف الصالح في الصبر:
1 - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( وجدنا خير عيشنا بالصبر ) وقال أيضاً: ( أفضل عيش أدركناه بالصبر، ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريماً ).
2 - وقال علي رضي الله عنه: ( ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس بار الجسد ). ثم رفع صوته فقال: ( ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له ) وقال أيضاً: ( والصبر مطية لا تكبو ).
3 - وقال الحسن: ( الصبر كنز من كنوز الخير، لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده ).
4 - وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: ( ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه فعوضه مكانها الصبر إلا كان ما عوضه خيراً مما انتزعه ).
5 - وقال سليمان بن القاسم رحمه الله: ( كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر ).
6 - وقال ميمون بن مهران رحمه الله: ( الصبر صبران: فالصبر على المصيبة حسن، وأفضل منه الصبر عن المعصية ) وقال أيضاً: ( ما نال أحد شيئاً من جسم الخير فما دونه إلا بالصبر ).
إخوتي أخواتي في الله من منا يصبر الصبر الجميل ومن منا يصفح الصفح الجميل ومن منا يهجر الهجر الجميل؟؟؟
أنواع الصبر ثلاثة كما قال أهل العلم وهي:
1-الصبر على طاعة الله.
2-الصبر عن معصية الله.
3-الصبر على أقدار الله.
ولنا في صبر الأنبياء أسوة نقتدي بها:
1-مثلنا الرائع في الصبر هو نبينا محمد (عليه الصلاة والسلام) ابتداءً من الدعوة الإسلامية ومعارك صدر الإسلام . وكان صبره بابا للفرج وظهور الإسلام.
ولو أخذنا أنموذجاً من صبره صلى الله عليه وسلم لرأينا العجب العجاب، فقد جاءه ملك الجبال وقال له: {لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين، فقال: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يقول: (لا إله إلا الله) } فبعد أن بلغ الهم منه مبلغه وبعد الرجم والصد والإعراض والتكذيب له يكون منه هذا الموقف من الصبر والصفح كما أمره ربه عز وجل.
1-صبر نبي الله نوح عليه السلام على قومه الذين استمر يدعهم لعبادة الله ألف سنة إلا خمسين عاما مع إيذاءهم له والاستهزاء به.
2-صبر النبي يعقوب عليه السلام لما ابتلي بفراق ولده يوسف (عليه السلام) وذهاب بصره قال: (فصبر جميل) 3- صبر يوسف عليه السلام حينما ألقاه أخوته في ظلمة الجُب وبيع وفارق أباه وأُدخل السجن بضع سنين .
4- صبر نبي الله أيوب (عليه السلام) الذي ابتلاه الله تعالى بهلاك أهله وماله وتتابع المرض المزمن.. وثبت وصبر.
5-صبر نبي الله يونس في بطن الحوت .
6- صبر المسلمون الأوائل على حصار المشركين لهم في شِعب أبي طالب ثلاث سنوات قطع فيها المشركون عنهم الزاد . لكنهم انتصروا على الحصار بإيمانهم وصبرهم.
ولو تأمل الإنسان واقع دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، والأنبياء من قبله وما ابتلوا به، لتأثر واعتبر بذلك الاجتهاد مع الصبر في الدعوة والعمل؛ فإن نوحاً عليه السلام صبر وصابر ألف سنة إلا خمسين عاماً، وكان يدعو قومه ليلاً ونهاراً؛ سراً وجهاراً.. وما ترك وسيلة إلا واتخذها، كما فصل الله قصته في سورة نوح.
والأجمل من الصبر أن نحصل على أجر وثواب الصبر.
منهم الصابرون:
والصابرون المؤمنون هم الذين يقاومون ضربات الزمن الموجعة بالحكمة ، ونحن لا نستطيع التكهن أيّنا أكثر صبراً من الآخر. الله وحده أعلم بما في الصدور وبمدى صعوبة ظروف هذا الإنسان او ذاك . والمدهش إنّ هناك أشخاصاً يبتلون ويصبرون ولا يعلنون بلواهم ولا يبثون شكواهم للناس ويظهرون للآخرين بابتسامات دافئة يبرق فيها الأمل. أمل ثواب الصبر الجميل .
وحين نصفُّ الصبر بالجميل نعني به الصبر الذي لا شكوى فيه إلا إلى الله والشكوى إلى الله تعالى لا تلغي صفة جمال الصبر.
وقد أنشد الشاعر زهير بن أبي سلمى:
ثلاث يعـز الصبر عـند حلولها***ويذهل عنها عقل كل لبيب
خروج اضطرار من بلاد يحبها**وفـرقة أخـوان وفقد حبيب
الصبر في علم الاجتماع الحديث:
ويفسر المختصون في علم الاجتماع الحديث أن الصبر يتعلق بقدرة الإنسان الذاتية ، أي إمكانيته على تحمل الظروف الصعبة التي يمرُّ بها ، دون أن تكون هذه القدرة محددة بمدة زمنية. وتتوقف كيفية التحمل على شخصية الإنسان وخبرته الحياتية ونضوجه الفكري ونمط تكوينه فقد يكون مزاجيا ً لا يتحمل شيئا ً أو على العكس يكون قويا ً لا تهزه أي ظروف . ويطلق عليه بأنه إنسان صبور ومتأنٍ وغير متسرع . والإنسان يصبر عن قناعة ويجزع عن قناعة أيضا ً وثمة رابط بين التفاؤل والصبر إذ إن التفاؤل والتخطيط للمستقبل يجعلان الإنسان يصبر ويحتسب وهو يسير نحو غده.
أسأل الله العظيم أن أكون وإياكم من الصابرين لوجه الله ومن المحسنين الذين لا يضيع الله أجرهم.
أعلى مراتب الصبر والصفح والهجر:
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين : "الصبر الجميل: هو الذي لا ضجر فيه ولا ملل. وذلك أن الإنسان قد يصبر، لكن الصبر الجميل درجة أعلى، وهي التي لا ضجر فيها ولا ملل ولا تسخط.
قال والهجر الجميل: هو الهجر الذي لا أذية فيه، والصفح الجميل: هو الذي لا عتاب فيه.
وهذه الأعمال -الصبر والصفح والهجر- لها درجة عليا، وهي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم متحلياً بها، فكان صبره صلى الله عليه وسلم من الصبر الجميل، وهجره من الهجر الجميل، وصفحه من الصفح الجميل، فبعض الناس قد يصبر ويصفح ويهجر، لكن لا يصل إلى هذه المرتبة.
والآن أدعو نفسي وادعوا إخوتي وأختي في الله التحلي بالصبر الذي هو شطر الإيمان وخلقاً فاضلاً من أخلاق الأنبياء والصالحين والصبر الذي هو قائداً للنفس إلى طاعة الله. وصارفاً للنفس عن معصية الله.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.
وإلى اللقاء مع يوم صائم أخر بإذن الله تعالى
.