بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إلى محمد الفيصل
من أين لك هذا.. وهل بنيت معلوماتك على إحصائية دقيقة؟
رداً على مقال الكاتب محمد الفيصل في جريدة الجزيرة العدد (12589) الأحد 28 صفر 1428هـ بعنوان (المعلم كان قدوة..!)..
في الحقيقة هذا المقال وجدته في أحد منتديات الانترنت، ولم أصدق ما ذكر حتى رجعت إلى جريدة الجزيرة العدد والتاريخ المذكور أعلاه، وقرأت المقال كاملاً، ولم أتمالك نفسي بعد أن ظلم 400 ألف معلم ومعلمة، ووصفهم (بالجهل)، وبأنهم (غير مؤهلين)، وبأن مستواهم (منحدر)، كما وصف عقولهم ب(الساذجة والهمجية).
بدأ الكاتب مقالته بهذه العبارة:
(معلم) عندما تطرق هذه الكلمة المسامع فإن أول ما يتبادر إلى أذهان الطلاب: (العصا، الضرب، القسوة، عدم الاحترام، الجهل...).
فأقول له:
من أين لك هذا؟ هل بنيت ذلك على دراسات علمية؟ وأثبتت هذه الدراسات ذلك، أم أنك وجهت اتهامك هذا جزافاً بدون أدنى دليل؟
ثم قال:
وفي كل يوم تفاجئنا الصحافة بحدثٍ مؤلم وآخر مؤسف؛ فذاك قد لَكَمَ طالباً حتى تحطمت أسنانه، وآخر يعض طالباً حتى ينزف الدم منه.
وأقول له:
كم عدد الطلاب الذين فاجأتك بهم الصحافة؟ وكم نسبتهم من طلاب المملكة العربية السعودية؟
وكم عدد المدرسين الذين فاجأتك بهم الصحافة؟ وكم نسبتهم من مدرسي المملكة العربية السعودية؟
أرجو أن تعترف بأن العدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وأن لكل قاعدة شواذ، وبالنسبة للصحافة للأسف معظم هذه الأحداث تسويقية وتعاد أكثر من مرة.
ويقول الكاتب:
ومشاهد (البلوتوث) ليست ببعيدة عن ذلك؛ فأغلب من يحملون أجهزة الجوال قد لاحظوا وجود كثير من المقاطع المبكية. أخي الحبيب تأكد من هذه المشاهد وهل فعلاً هي حقيقية؟ ثم أيضاً كم عددها؟ وكم نسبتها؟
ثم اتهم المعلمين والمؤسسات التعليمية المتخصصة بقوله:
ولكن الذي أعرفه أن المعلمين (غير مؤهلين) وغير قادرين على التعاطي مع (المهنة) التعليمية على الوجه الصحيح وبالشكل المطلوب.
وأقول له:
كيف تعرف بأن المعلمين غير مؤهلين؟
هل ذهبت إلى كليات المعلمين التربوية وقرأت مناهجها من الألف إلى الياء؟
وهل هذه الكليات التربوية المتخصصة لإعداد المعلمين غير قادرة على ذلك؟ إذن ما هو دورها؟ ولماذا هي قائمة إذا كانت غير قادرة على تأهيل المعلمين؟
وهل كل ما درسه المعلم في هذه الكليات من كتب علم النفس وطريقة التعامل مع الأطفال والمراهقين وفهم حاجاتهم النفسية والعقلية والبدنية ذهب هباء هكذا؟
هل يوجد لديك دليل علمي على ذلك؟
وهل بنيت اتهامك هذا على دراسة وبحث تربوي؟
لكي تطلق حكمك هذا؟
ثم أكمل بقوله:
فأبناؤنا يكرهون المدارس ولا يرغبون في الذهاب إليها، وهذا شامل لمختلف المستويات والمراحل في التعليم (العام).
فأقول له:
هل تعلم ما في نفوس أبنائنا؟ أيضاً هل يوجد لديك دراسة ميدانية أثبتت ذلك؟ وأثبتت أن المدرسين هم السبب في ذلك، أم أن هناك أسباباً أخرى؟
وقال:
حتى أن الطالب (يُصْدَم) عندما ينتقل إلى المرحلة الجامعية، التي يكون التعامل فيها مبنياً على الاحترام المتبادل بين (الأستاذ) و(التلميذ) على النقيض من المراحل السابقة.
إلى أن قال:
وهذا الخلل يتلخص في شيء واحد معين وهو (المعلم).
أخي الحبيب:
بما أنك لم تقدم دليلاً علمياً يثبت ذلك إذن اتهامك للمعلم باطل وعار من الصحة، ثم لماذا وجهت اتهامك هذا إلى المعلم فقط؟ لماذا لم تتهم الأنظمة الإدارية بذلك؟
مثلاً: الطابور الروتيني الصباحي الذي ألزمت به المدارس ويتهرب منه طلاب المرحلة الثانوية ويرون أنه غير مناسب لهم فهم كبار ولا يحتاجون إليه.
ومن هنا إذا كان ذلك صحيحاً فأرجو من المتخصصين في التربية والمشرفين التربويين تقديم الدراسات على ذلك؛ لكي نعرف السبب: هل هو المعلم أم الأنظمة الإدارية أم ماذا؟ أما نحن المعلمين فلا يوجد لدينا الوقت الكافي لعمل دراسات ميدانية؛ نظراً لانشغالنا بالتدريس والتصحيح أثناء اليوم الدراسي والتحضير وإعداد الدروس بعد العودة إلى المنزل.
ثم وصف المعلم قائلاً:
الذي لم يعد يمتلك من المقومات ما يؤهله للعمل على هذا الجانب (الصعب)؛ فالمراحل الدراسية في التعليم العام (الابتدائي، المتوسط، الثانوي) مقسمة بحسب الفئات العمرية, وكل مرحلة منها تختص بأمور تميّزها عن غيرها، ونحن نلاحظ أن (المعلم) يتنقل بين المراحل التعليمية بشكل غريب و(مثير للفضول)، والذي يحدد هذا الانتقال طبعاً هو (المزاج..!!) و(الواسطة)، وتتلخص المزايا في كل مرحلة بالتالي: المرحلةالابتدائية ينتهي العمل فيها في حدود الساعة الثانية عشرة ظهراً، بالإضافة إلى عدم وجود اختبارات وتصحيح و(وجع راس) على حد تعبير البعض.
كيف تتهم المرحلة الابتدائية بانتهاء العمل فيها الثانية عشرة ظهراً اتهام باطل ثم ألا تعلم بأن اليوم في اليوم الدراسي بهذه المرحلة 7 حصص وكل حصة 45 دقيقة وبين الحصة والأخرى 5 دقائق وتنتهي الحصة السابعة الساعة الواحدة وخمساً وثلاثين دقيقة من السبت إلى الثلاثاء بالإضافة إلى 6 حصص يوم الأربعاء.
يظهر لي أنك لا تعلم حجم المعاناة التي يعيشها المعلم، ولا تعلم بأن المعلم حينما ينتقل من المرحلة الابتدائية إلى المتوسطة أو الثانوية هي كثرة الضغوط والأعمال الموكلة إليه، وللأسف كلما انتقل إلى مرحلة يجدها أسوأ من غيرها.
وأما قولك عدم وجود اختبارات وتصحيح و(وجع رأس).. ليتك تعرف أنني في هذا الفصل الدراسي مسئول عن 280 (مائتين وثمانين طالباً)، وسأشرح لك ذلك:
- الصف الأول 3 فصول وعدد طلابه 90 بمعنى حصتي رياضيات في الأسبوع لكل صف = 6 حصص.
- الصف الثالث 3 فصول وعدد طلابه 90 بمعنى 4 حصص رياضيات في الأسبوع لكل صف = 12 حصة.
- الصف السادس 4 فصول وعدد طلابه 100 بمعنى حصة تربية وطنية في الأسبوع لكل صف = 4 حصص.
- مجموع الحصص 24 حصة.
هل تعلم بالتقويم المستمر؟ وهل تعلم بأن كل طالب من هؤلاء يجب معرفة إتقانه كل مهارة من مهارات المقرر وتوثيق ذلك باختبارات قصيرة؟
هل تعلم بأن كل درس لابد من تصحيحه لهؤلاء الطلاب 280 طالباً، وأن كل مهارة لابد من تصحيحها لـ280 طالباً؟
وهل تعلم أنه لا يكاد يخلو أسبوع واحد من تصوير 280 صورة وعلى حسابي الخاص؟ هل تعلم بأنني مطالب بشراء 280 ملفاً لكي أضع فيها نتائج هذه الاختبارات القصيرة؟ وهل تعلم بالإضافة إلى ذلك بأنني مطالب بإشراف يومي أثناء الفسحة وأثناء الطابور الصباحي ومشاركة في الأنشطة المدرسية وريادة الصف ومناوبة نهاية الدوام تمتد أحياناً إلى الثالثة والرابعة عصراً؟... إلخ.
وأكمل حديثه بقوله:
أما المرحلة المتوسطة والثانوية فتتميّزان عن المرحلة الابتدائية، بوجود طلاب يستطيعون قراءة المناهج وفهمها تلقائياً.
جميل جداً أنك اعترفت بوجود طلاب يستطيعون قراءة المناهج وفهمها تلقائياً (وهذا إن دل فإنما يدل على تميز معلمي المرحلة الابتدائية وقدرتهم على إعداد جيل لديه القدرة على التعلم الذاتي).
وأخذ الكاتب يكيل الاتهامات للمعلم؛ إذ يقول:
فعدد ضئيل جداً، بل شبه معدوم من (المعلمين) يحرص على القيام بمهامه التعليمية (الوظيفية) بالشكل المطلوب، وعلى الوجه الذي يبرئ ذمته عند الله - سبحانه وتعالى -، وهذا شيء خطير؛ لأنه يقوم على تربية أجيال ومستقبل هذا الوطن مرتبط بها، ومعقود بما يمكن أن تصل إليه من آمال وتطلعات وأمجاد ستصب في مصلحة البلاد.
أقول له:
يا أخي.. اتق الله في قذفك هذا لـ400 ألف معلم ومعلمة تسلحوا بشتى العلوم العلمية والتربوية والنفسية من كليات متخصصة في ذلك.
ولم يتوقف الكاتب عند هذا الحد بل أخذ يشكك في قدرات المعلمين على تطوير الذات؛ إذ يقول:
إن عدم القدرة على الرقي بالذات وان**ار الغريزة (التطويرية) لدى المعلم ومعرفة مكامن الضعف ومواطن (الفشل)، من أهم الأسباب التي قادت (المدرس) إلى هذا المستوى من الانحدار والإخفاق الذريع في قيادة عربة التعليم (اليائسة)، التي تواصل مسيرتها (الجادة) والسريعة إلى الخلف.
هل سألت نفسك عن السبب؟ وهل سألت المسؤولين عن حقوق المعلم المادية والمعنوية؟ ثم هل تعرف اليوم العالمي للمعلم؟ وهل قدم المجتمع شيئاً لذلك؟ ثم من هم الذين لديهم القدرة على الرقي بالذات؟ ربما يكون كتاب الأعمدة لديهم القدرة على ذلك.
ويقول سامحه الله:
فالمعلمون يلتحقون بهذه المهنة لسببين رئيسين؛ الأول: ارتفاع معاش المعلم مقارنة بالوظائف الأخرى.
هذه العبارة أضحكتني كثيراً. أخي الكريم.. هل تعلم بأن السلم الوظيفي للمعلم الصادر عن وزارة الخدمة المدنية حبر على ورق منذ منتصف عام 1417هـ بمعنى أن المعلم يتم تعيينه على مستوى أقل من الذي يستحقه نظاماً، والسبب في ذلك الأنظمة الإدارية والبيروقراطية بين وزارة التربية والتعليم ووزارة الخدمة المدنية، وكل وزارة تلقي اللوم على الوزارة الأخرى.
هل تعلم بأن ثلث راتب المعلم يخصم منه شهرياً بسبب هذه الأنظمة؟
هل تعلم بأن المعلم يصرف من جيبه الخاص على مدرسته؟
هل تعلم أن المعلم يشتري الوسائل التعليمية من جيبه الخاص، سواء الحاسب المحمول أو جهاز (الدايتاشول)، وغيرها من الوسائل؟
هل تعلم بأن المعلم أسبوعياً يذهب إلى المكتبة لشراء أقلام السبورة وما استجد من وسائل تعليمية؟
هل تعلم بأن المعلم مطالب بإحضار حوافز وهدايا تشجيعية لطلابه وخاصة في المرحلة الابتدائية؟
هل تعلم بأن هناك بالمدارس ما يسمى (بالقطة)، وهي أن يدفع كل معلم مبلغاً معيناً لتحسين أوضاع المدرسة، سواء التكييف أم غرفة المدرسين أم لتجهيز الفصول بالوسائل التعليمية، بل يصل الأمر إلى البويات والسيراميك (ربما لا يصدق القارئ هذا الكلام؛ فأقول: والله إأن هذا هو الحاصل، ومن أراد الدليل فليذهب إلى أقرب مدرسة إليه).
هل تعلم بأن الموظف الوحيد من موظفي الدولة الذي يصرف على وزارته هو المعلم؟
هل تعلم بأن الموظف الوحيد من موظفي الدولة الذي لم يأخذ حقوقه التي كفلها له النظام هو المعلم؟
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
إلى أن قال بكل جراءة:
فالطريقة الفوضوية العشوائية لاختيار المعلم هي الأخرى تمثِّل طرفاً رئيساً في فشل تعليمنا؛ فأصبح الطالب يتفوّق على المعلم (الجاهل) بمسافات بعيدة (شاسعة).
سامحك الله يا أخي الكريم.. كيف تصف من علمك القراءة والكتابة ومهارات الحياة (بالجهل)؟
صدق من قال:
أعلمه الرماية كل يوم
فلما اشتد ساعده رماني
ثم هل تعلم أن المعلم يمر باختبارات تحريرية قبل دخوله للكلية، بالإضافة إلى المقابلات الشخصية التي يجريها أعضاء هيئة التدريس بالكلية أم عندك شك في ذلك وفي حصولهم على الدرجات العلمية؟
وأيضا يمرّ باختبارات بعد تخرجه في الكلية وإجرائه مقابلات شخصية أخرى من قبل مشرفين أكفاء أم عندك أيضاً شك في هؤلاء؟
وهل تعلم بأن المعلم غير الصالح للتدريس يحول إلى وظيفة أخرى؟ وبهذا لا يوجد معلم في الميدان غير صالح للتدريس.
ويصف الكاتب رجال التربية والتعليم بقوله:
أم أنها العاهات التعليمية التي كنَّا وما زلنا نعاني منها في مدارسنا، التي تتخذ من سياسة (إن لم تكن معي فأنت ضدي..!)، مع الطلاب الذين لا حول لهم ولا قوة في مواجهة هذه العقول (الساذجة.. الهمجية)؟
لقد وصف عقول المعلمين بالساذجة.. الهمجية. وأقول لك: بما أن عقول المعلمين ساذجة وهمجية فكيف تخرج من تحت أيديهم الأطباء والمهندسون والعلماء والأدباء والمفكرون؟ ثم من هم الذين عقولهم ليست ساذجة ولا همجية؟ هل هم كتاب الصحف أم هم الموظفون المدنيون في الإدارات الحكومية؟ أم..؟!
وأخذ الكاتب يصف عقول المعلمين بقوله:
التي لا تعترف بأي أسلوب للحوار أو حتى النقاش في أبسط المسائل التي تتعلّق بصميم المنهج، ومن يخالف تلك السياسة فإن (الأنياب) الحادة أو (العصي الغليظة).. ستكون بانتظاره.
أخي الكريم.. بما أننا نحن المعلمين لا نعترف بأي أسلوب للحوار فإننا ندعوك لإقامة ملتقى للحوار لكي تعلمنا ما هو الحوار؟
أخيراً أقول: إذا كان هذا حال المجتمع؛ لا يحترم العلم وأهله؛ فكيف بأبناء المجتمع؟
وأرجو أن تكون هذه الحالات شاذة وفردية ولا تمثل المجتمع.
وليعلم الجميع بأن العالم بأسره قائم على التعليم، ولن تنهض الأمم بدون الاهتمام بالتعليم... والله من وراء القصد.
وهذا مقال للأخ /
ماجد محمد السلمي في جريدة الجزيرة
منقول