في جازان
قُدِّر لي خلال الأسبوعين الماضيين أن أحلّ ضيفاً على مدينة عزيزة على قلبي من مدن المملكة, وكل مدن المملكة وقراها وهجرها عزيزة على قلبي هي الأخرى.
كانت البداية في منطقة جازان وتحديداً في محافظة صامطة وهي من أكبر محافظات المنطقة. فما إن نزلت من على سلم الطائرة إلا وحظيتُ مع غيري من أعيان وأهالي منطقة جازان باستقبال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز الذي تزامن وصول طائرته مع وصولي إلى هناك, حيث تم تجديد إمارته لمنطقة جازان فكانت فرصة لا تعوض للالتقاء بأمير وأعيان وأهالي جازان ورؤساء الدوائر الحكومية هناك, بالإضافة إلى المسؤولين والعسكريين ومحافظي المحافظات والتعرف عليهم عن قرب.
لقد كانت رحلتي إلى جازان مغامرة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى, فمن المغامرة أن تذهب إلى جازان وهي منطقة العلماء والمفكرين والأدباء والشعراء, لتلقي محاضرة عن مقومات الانتماء الوطني, حيث تشعر بالتقزّم أمام عمالقة الفكر والأدب والثقافة والعلم والفنون الذين جاملوني بحضورهم الكثيف والمُبهر في ليلة هي من أروع الليالي في حياتي.
استدرجني لمثل هذه المغامرة الفكرية أخي وصديقي والكاتب الصحفي والطبيب الدكتور حمود أبوطالب, وهو من أبناء المنطقة المخلصين والمحبين لها إلى درجة الجنون, حيث قدّم لي كل عبارات المديح والإطراء والإغواء والاستجداء لإقناعي لإلقاء محاضرة هناك, فنجح في اللعب على عواطفي الوطنية لأستجيب لمطلبه في نهاية المطاف, مع علمي المسبق والحذر بكون مثل هذه الخطوة مغامرة غير محسوبة النتائج أمام أناس عُرف عنهم حب الوطن أكثر مني وأثروا الساحة المحلية بالإنتاج العلمي والأدبي والشعري والقصصي والفلكلوري, وليسوا بحاجة إلى من يُعلمهم أصول الانتماء الوطني, وخاصة من إنسان مثلي لازال يحبو في ميدان الفكر والثقافة, ومع ذلك تواضع أهالي جازان وكلفوا أنفسهم عناء الحضور بكثافة, كباراً وصغاراً, إلى قاعة المعهد العلمي بمحافظة صامطة للاستماع إلى أفكار هذا القادم من عاصمة الوطن فتفاعلوا معي وتفاعلت معهم بصورة أخوية لم أعهدها.
أما الشخصية الأخرى التي ساهمت في استدراجي إلى مثل هذه المغامرة, فكان سعادة الأستاذ سلطان السديري محافظ محافظة صامطة والذي لا تملك أمام تواضعه وتواصله الدائم إلا الاستجابة. فقد بهرتني هذه الشخصية بعمق ولائها للوطن ولمنطقة جازان ولمحافظة صامطة على وجه التحديد, حيث كان على رأس المستقبلين لي في المطار ومن ثم اصطحابي بسيارته الخاصة إلى محافظة صامطة التي يُدير شؤونها ويتلمس احتياجاتها.
بالفعل كانت ليلة رائعة وأنتَ تُحاط بمشاعر المودة والمحبة والترحاب من جميع الأهالي بغض النظر عن أعمارهم ومستوياتهم العلمية والوظيفية. ولن أنسى رائحة البخور والفل والياسمين التي تُطاردك أينما ذهبت لتجد نفسك أمام لوحة جميلة ومشرقة للمكان ولساكني المكان. وأقصد بذلك منطقة جازان وأهلها الكرام... فما أسعد الوطن بهذه المنطقة ورجالها المخلصين الأوفياء... وما أسعدني بأن حظيتُ برؤية جازان وأهلها الذين تركوا في نفسي انطباعاً جميلاً لن تمحوه الأيام من ذاكرتي مهما طالت.
بارك الله في هذا الوطن وأهله... وأجدها فرصة لأن أدعو الجميع لزيارة مناطق المملكة المختلفة, حيث ستجدون المتعة والفائدة والعبرة والتنوع والثراء الثقافي... فهل أنتم فاعلون? أرجو ذلك... وللجميع أطيب تحياتي.
د.عبدالله الفوزان
* جامعة الملك سعود- كلية الآداب
- قسم علم الاجتماع- ص.ب 2456
هذا بعد الإختصار
