مُسَالِم و ع . ا . طِ . ل // غرة كل شهر ميلادي ..

بسم الله الرحمن الرحيم

توطئة ..

أتشرف بالردود والتعليقات والتوجيهات والتوصيات على هذه الحلقات المتسلسلة وهي تاج " فوق راسي " وحافز للمواصلة , لكنني لن أستطيع الرد إلا بعد تمام الحلقات حتى لا تتداخل ردودي مع تسلسل الحلقات , وقد أخصص موضوعا مستقلا لاستقبال التساؤلات والتعليقات والرد عليها إذا لزم الأمر ..
....................
سيبدأ نشر الحلقات الشهرية يوم الثلاثاء القادم غرة شهر يونيو 2010

طلب خاص : أتمنى ألا تنقل الحلقات من هنا ..

تمهيد ..

أعلنت مصلحة الإحصاءات العامة مؤخراً أن عدد العاطلين والعاطلات في بلدنا قد وصل إلى ( 448547 ) يمثل 10.5% من قوّة العمل في المملكة منهم 44% من الجامعيين والجامعيات و39,9% من الحاصلين والحاصلات على الثانوية العامة وإن 89 % منهم أعمارهم بين 24 و 29 عاما ..

حتماً سأكون قارئاً هُنا .. سأترك تساؤلاتي إلى نهاية الحلقات .. الهامس جهرا / حدائقُ بنفسج

" مُسالِم و ع . ا . طِ . ل " ..

بقلم : ناصر فلوس

( 1 )

عُطيل ..

فتحت عيوني بعد موتةٍ صغرى كما أفعل يومياً لتسعةٍ وثلاثين سنةً سابقة ..
يا تُرى .. كم الساعة الآن ؟
وخير يا طير ! .. هل يوجد فرق ؟
أكانت الخامسة صباحاً أم الخامسة مساءً ..
أم كانت الثالثة عصراً أم الثالثة فجراً ..
أيامي متشابهة .. كئيبة .. مملة .. لا حياة فيها
يومي كأمسي وغدي كيومي .. وهكذا دواليك
النوم أحلى أوقات حياتي لأنه الوسيلة الوحيدة للهروب من " الواقع الذي لا أرغبه " ومع ذلك لا أستطيع تجاوز الخمس ساعات نائماً كل أربعة وعشرين ساعة // للأسف الشديد !
.............

ولدت عام 1972 لأبوين طاعنين في السن بعد شقيقين وشقيقتين بينهما عدد من الأشقاء والشقيقات الذين توفوا أطفالاً , وجئت " آخر العنقود " .
وكان الاهتمام بي ـ رغم ذلك ـ عادياً , بل وأقل من عادي !
كانت الولادة في البيت على يد الداية " أم علي " التي وُلِد على يديها كل أبناء جيلي في قريتنا الصغيرة .
اختار لي أبي هذا الاسم إكراماً لصديق له من جنسية دولةٍ مجاورةٍ " شقيقة " يحمل هذا الاسم لم تره عيني مطلقاً .
قريتنا حدوديةٌ مع الدولة الجارة وبيننا وبين أهلها صلاتٌ وصداقات ..
أبي هذا هو الزواج الأول له رغم تقدمه في العمر عند زواجه بأمي, وأمي هذا هو الزواج الثاني لها بعد زِيجةٍ أولى لم تدُم طويلاً حيث وافى الأجل زوجها الأول دون أطفال ..
وهما أبنا عمومةٍ جمعهما " حبٌ " منذ صغرهما وفرقهما زواج أمي ـ رغماً عنها ـ من زوجها الأول ـ من جارتنا الدولة الشقيقة ـ حتى توفي ثم حانت الفرصة لأبي , وكان سبب تأخره في الزواج حتى عمر متأخر هو صدمةُ زواجها غير المتوقعةِ من غيره , وبقي وفياً لها حتى صارت أرملةً فتزوجها .
قاسيان كقسوة الحياة المحيطة بهما , لا يبتسمان إلا لماماً ..
لكنهما حنونان .. بلا حدود
مشغولان طوال النهار كلٌ في مُحيطه :
أبي راعٍ بسيط بأغنامه القليلة يقصد أسواق المنطقة الشعبية سبعة أيام في الأسبوع لبيع وشراء الأنعام من إبلٍ وبقرٍ وغنم .. في أبسط صورها .
وأمي ربة بيتٍ تبدأ يومها قبل الفجر بإطعام دجاجاتها وإرواء أغنام الدار وتجهيز طعام الفطور لوالدي قبل انطلاقه للسوق وينتهي بتجهيز طعام العشاء بعد غروب الشمس .
لا تكاد تخرج من بيتها إلا نادراً , فهي تخيط الملابس لنساء القرية والبعض من القرى المجاورة بمبالغ " معقولة " تناسب قدرات السيدات وترضي مجهودها على آلة الخياطة التي تعمل عليها منذ أبصرت الدنيا .
كان منزلنا متواضعا كحال كل جيراننا " بيت شعبي من الطين والقشّ " وعُشةٍ مجاورة وحائط من الأشواك ..
تقول أمي أنني ولدت قبل اكتمال التسعة أشهر وعشت السنة الأولى من حياتي عليلاً تتلاقطني أيادي النساء " مدّعِيَات الطّب " من تجربةٍ لتجربة ومن اختبارٍ لآخر ومن وصفةٍ لثانية حتى أدْرَكَتْ ـ حسب روايتها ـ أنني هالك لا محالة في إحدى الليالي الماطرة بعد أن بلغت الأشهر الأربعة الأولى .. لولا لطف الله حيث نفع العلاج الشعبي الذي وصفته جدتي ـ رحمها الله ـ وكان " دِهاناٍ " لكامل جسمي .
لم ألقَ رعاية " وقائية " وصحية عندما كنت رضيعاً ثم طفلاً لعدم وجود مركز صحي قريب منا , بل لعدم اعتراف والديَّ والمجتمع الصغير الذي أعيش فيه بمهنة " الطب " من أساسه !

مرحبا أستاذنا
الرائع جدا
والممتع جدا
والذي نفرح بطلته كلما رأينا معرفه في قصة جديدة لنتابعها بشغف
لأن طرحه يختلف كثيرا عما قرأناه سابقا .
طرح مجتمعي محلي يلامس نفوسنا بقوة
ويذكرنا بحالنا وحال مجتمعنا .
لا ترد سيدي على مشاركاتنا لكي لا ينقطع تسلسل القصة
وأيضا لا تتأخر علينا .
حفظك الله ورعاك

دمت بخير ٍومحبه
تحيتي لكـ محمله بأجمل الورودوالرياحيين
http://up.d3iny.com/uploads/images/d...41f95642ad.gif</B></I>

( +1 )

سالم ..

بدأ ضوء الشمس يدغدغ السماء ومع ذلك لا زال الأرق صاحبي وخليلي ..
مع أني على سرير النوم بُعيد صلاة الفجر مقابل شاشة التلفزيون الفضية .
أحلم بمذاق النوم في الليل ولكن يبدو أن هذا الحلم صار بعيد المنال .
مع أني أبلغ الآن تسعة وعشرين عاما ولا زلت شاباً إلا أنّ نوم الليل لم أعد أذُقْهُ منذ ثماني سنوات سبقت تقريباً.
حالي كحال " البومة " ولا بارقة أمل في الأفق لتغيير هذا الحال .
وسبب ذاك الأرق هو تساوي الليل والنهار في حياتي لا أقل ولا أكثر .
ولدت عام 1982 في " العاصمة " لأب يعمل " رجل أمن " وأم صارت اليوم " طالبة ابتدائي " بعد مولودين معوقين ومتخلفين عقليا , وكنت سليماً صحيحا " وبِكرهما من وجهة نظرهما " لذا نلت فوق الدلال ولا زلت حتى اليوم . ولذا كانت التسمية كذلك ..
كانت ولادتي في " المستشفى العسكري " وتحت عنايةٍ ورعايةٍ عالية لي ولوالدتي .
مكثت في " الحضانة " حسب رواية والدي شهراً كاملا لعدم اكتمال نمو بعض الوظائف في جسمي رغم أني لم أخرج للدنيا إلا بعد أن أكملت الأشهر التسعة في رحم أمي .
انتقلت من حضانة المستشفى لحضانة أمي في شقتنا المستأجرة في أحد أحياء " العاصمة " القديمة , والتكييف صيفا والتدفئة شتاءا يساويان الأجواء عندي طوال السنة .
زواج أبي بأمي تقليدي فهما ابنا خال , بدأ والدي البحث عن عمل خارج منطقتنا وعمره ثمانية عشر عاماً وقصد العاصمة فعمل أجيراً وحمالا حتى حصل على فرصة عمل في الأمن وتحسنت أوضاعه بعد ثلاث سنوات من عمله في الأمن فقرر الزواج وعاد للمنطقة وتزوج ثم غادر لمقر عمله في العاصمة فبدأت أمي حياة جديدة مختلفة كليا عن الحياة التي كانت تحياها في الجنوب .
بمباركة والدي وتأثر والدتي بالمجتمع الجديد الذي انتقلت إليه في العاصمة من القرية الجنوبية " المتواضعة " في كل شيء حيث مسقط رأسنا قررت أمي العودة لمقاعد الدراسة في الحارة التي نسكنها لذا أطلقت عليها لقب " طالبة ابتدائي " سلفا ,,

(-1)

أحلام ..

يشغلني رضيعي عن الاستمتاع بنومٍ هانئٍ وطويل لذا فمنذ قدم للدنيا قبل أربعةِ أشهرٍ من الآن لا أذكر أنني غفوت لأكثر من ساعتين متواصلتين فهو يصحو كل ساعتين طالباً صدري لكي يرتوي ويأخذ غذاءه وصار أكبر أحلامي حالياً الحصول على ليلة نومٍ طويلةٍ متواصلة كما كنت قبل ولادته ..
ولدت في الولايات المتحدة الأمريكية في جاكسونفيل بولاية فلوريدا عام 1988 ميلادية لأبٍ سعودي يعمل في البحرية السعودية وأمٍ أمية يرجع مسقط رأسهما لقريةٍ جنوبية حدودية في البلد .
مؤهلةٌ لحمل الجنسية الأمريكية بسبب ولادتي على أراضيها وحصولي على شهادة ميلاد من ذاك البلد .
والدي غادر قريته الصغيرة بعد وفاة والده مباشرةً قبل أن يبلغ العشرين قاصداً إحدى المدن الكبيرة بحثا عن لقمة عيشٍ يسد بها رمقه ورمق أمه وإخوانه الصغار .
عمل في البداية حمالاً لمواد البناء في مشروع معماري بأجرةٍ يوميةٍ ثم قصد حلقة الخضار أجيراً بأجرٍ أسبوعي وتمرّغ في عدد من الأعمال المختلفة فترةً طويلة وكان في نفس الوقت يدرس في مدرسةٍ لتعليم الكبار ليلاً تجاوز فيها المرحلة الابتدائية والمتوسطة في أربع سنوات وجمع قدراً طيباً من المال من جهوده في الأعمال التي امتهنها وغاب طوال سنواتٍ ستٍ عن أمه وإخوانه ولم يزرهم مطلقا ولا يعلم عنهم شيئاً لعدم وجود هواتف لديهم ولانشغاله " بنفسه " كثيراً حتى عن الهدف الرئيس من مغادرته القرية ( سد رمق أمه وإخوانه الصغار ) .
والدتي جارةٌ لوالدي وليست هناك قرابةُ دمٍ بينهما عدا الجيرة والمعرفة التامة ببعضهما عندما كانوا صغاراً ثم شباباً في مجتمعِ كان الاختلاطٌ عادياً فيه في ذلك الوقت وتلك البيئة .
كان للتأمين الصحي الذي تحظى به العائلة في الولايات المتحدة الأمريكية دوراً في حصولى على رعاية وعناية صحية " عالية " في أكثر بلدان العالم تحضراً وتطوراً ..
خرجت للدنيا بعمليةٍ قيصرية هي الثانيةُ لأمي بعد شقيقي الذي يكبرني بسنتين , لكن الفارق بيننا أنه ولد في السعودية بينما ولدت أنا في أمريكا ..
كانت صحتي بعد خروجي طيبةً وللعناية الطبية العالية دور في ذلك بعد إرادة ومشيئة المولى ـ سبحانه ـ ..

الله يعطيك العافيه

( 2 )
عُطيل ..

أخذت حقي من صدر أمي فوق الحولين وكان ذلك سببا في تحول ضعفي في الشهور الأولى لقوة وعافية بعد ذلك , ومع أن بيتنا وقريتنا " الجنوبية " لا وجود للكهرباء فيها إلا أن مجتمعنا الصغير كان متكيفا مع الحر الشديد الذي يلازمنا معظم السنة فيتم رش أرضية البيت المفتوح دوما من جهتين ومحيطه بالماء وتزرع حول البيت النباتات العالية المخضرة دائماً , وتوفر " الجِرار " الماء البارد الذي يساهم في التخفيف من الإحساس بالحر.
امتهنت أكل الرمل لوجوده حولي دائماً وأثر ذلك مستقبلا علي , وكانت أمي تضربني يومياً كي أمتنع عن هذه العادة المؤذية , لكن هيهات والممنوع حولي كل اليوم .
انتقل غذائي بشكل تدريجي من صدر أمي لحليب الأغنام والأبقار وكان طعامنا ـ في أغلبه ـ من سطح الأرض ( ملوخية ـ شَدَخ ـ رِجْلة ـ غِلف ـ دجاج ـ بيض ـ لحم ) وكان أبي يجلب الطماطم والكوسة والفلفل والسمك من السوق , وبعض العصائر والحلويات المجهزة محليا ..

(+2 )

سالم ..

أصابت لوثة الحضارة أمي متأثرة بالمجتمع الجديد الذي تعيشه حاليا والبيئة التعليمية في مقر دراستها فحرمتني من صدرها وأبدلته برضاعةٍ صناعية تملؤها بالبودرة .
ولد شقيقي المعوقين في الجنوب بينما كنت مولودهما الأول في العاصمة , وذوقتني أمي بداية من الشهر الثالث طعاما معلباً يجلبه والدي من الصيدلية المجاورة , وحصلت على دراجة أجلس فيها وسريرا مستقلا بجانب سرير أمي وأبي انتقلت بعدها لغرفة مستقلة مجاورة لغرفة نومهما .
حصلت على التطعيمات الإلزامية في المستشفى العسكري من بعد الولادة مباشرة وحتى اكتمل عمري أربع سنوات .
تمتعت بصحة طيبة في طفولتي لوجود عناية طبية دائمة ولحرص والدي أكثر عليّ خصوصا بعد تجربتهما المريرة مع أخي وأختي اللذان سبقاني في القدوم للدنيا ولكن بوضع صحي خاص .
دائما ما تلجأ أمي لشراء الطعام من المطاعم المتنوعة في العاصمة ونادرا ما تطبخ في مطبخ منزلنا الحديث ذي الديكور العصري الذي كلّف أبي مبلغا كبيرا .

(-2 )

أحلام ..

ولدت في بلد الأحلام وتعلمت لغته من المحيط الذي عشت فيه , وصارت لغتي الأولى بعد ذلك .
كانت الدنيا في نظري " ملعبا كبيرا " حيث خصص لي والدي غرفة للألعاب تزينها كل ألوان البهجة والفرح وتم تخصيص سرير خاص بي في غرفتنا أنا وشقيقي منذ الشهور الأولى بجوار غرفتهما .
كان للتأمين الشامل لكل جزئية في حياتنا دوره في الحصول على عناية صحية عالية لي , ونفسية واجتماعية لوالدتي بصورة خاصة حيث يرتاد منزلنا بجداول مسبقة إخصائيين نفسييين واجتماعيين تعودت عيوني على رؤيتهم وجلوسهم لساعات مع والدتي .
كان معظم طعامي وأن رضيعة من صدر أمي المتفرغة للبيت مع بعض الرضعات الصناعية على أوقات متفرقة , وظل طعامي وأنا طفلة من مطبخ أمي في البيت كذلك .
دخلت مع والدي رضيعة وطفلة دور السينما والمسرح والمكتبات وتجولنا " سياحيا " في عدد كبير من الولايات المجاورة .

ياللمفارقات !

هل سنقضي بقيّة أيام الشهر في انتظار الحكايات ، التي لاتليق إلا بكلّ مساء ؟

راجع خطتك الشهريّة ، لعلك ترأف بنا !

( 3 )

عُطيل ..

عشت طفولتي سعيداً مبتهجاً منطلقا ليس لمكان لعبي حدود مكانيةٌ أو زمانية فكل أبناء القرية أقرباء تقريباً ويعرف صغيرنا كل أفراد القرية من الجنسين فنحن مجتمعٌ واحد يشاركه الفرد في فرحه أو ترحه كل أبناء القرية رجالاً ونساء , بل وحتى رجال وسيدات القرى المحيطة بنا .
نخترع نحن أطفال القرية ونبتكر ألعابنا التي لا تكلفنا سوى تجميع مكوناتها من منازلنا أو شوارع القرية أو حتى مخلفات المنازل .
ترتسم السعادة على الوجوه الصغيرة بالمشاركة في ابتكار الألعاب واللعب بها , ولا يمكن أن أنسى سعادتنا الكبيرة ونحن نطارد حشرة " الزموح " ـ هكذا كنا نسميه ـ وجمعها بأعداد كبيرة من أطراف القرية من على أشجارها وتلالها الصغيرة , ومنظر دورانها من الألم بعد تكسير قدميها وغرس الأعواد في أحشائها لا يفارقني مطلقا , وكنا نصنع سيوفا
من الخشب ونتقاتل كفرقتين في شوارع القرية الترابية وأزقتها الضيقة نهارا , بينما يمارس الكبار ألعابهم ليلا وسط مراقبتنا ومتابعتنا وتشجعينا للعبة الساري والمزقرة وغيرهما .