رد: في حضرة الغياب ... محمود درويش (( متجدد))
غريب في مدينة بعيدة
عندما كنت صغيرا
وجميلا
كانت الوردة داري
و الينابيع بحاري
صارت الوردة جرحا
و الينابيع ظمأ
_هل تغيّرت كثيرا؟
_ما تغيّرت كثيرا
عندما نرجع كالريح
إلى منزلنا
حدّقي في جبهتي
تجدي الورد نخيلا
و الينابيع عرق
تجديني مثلما كنت
صغيرا
وجميلا..
رد: في حضرة الغياب ... محمود درويش (( متجدد))
على غلاف أسطورة
ينام المغنّي على أسطوانة
يخبيء أقماره في الخزانة
و ينسى زمانه
و ينسى مكانه
و يحلم خارج أرض اللغات
و كان مغنّيك يحترف الابتسام
و يؤمن بالسيف
إن كان غمد السيوف عقيدة
و يحتقر الحبّ ،
إن كام مسألة في قصيدة
و كان ربابة كل الخيام.
أراد مرايا جديدة
فلم يجد الصورة المقنعة
أراد ميادين واسعة
فتاهت بها الزوبعه.
وحن إلى قيده
كي يفّر من الظلّ و القبّعة
دعيه يقل ما لديه
من الصمت و التجربة
لقد صدئت شمسه المتعبة
و نام على أسطوانة
و خبأ أقماره في خزانه.
رد: في حضرة الغياب ... محمود درويش (( متجدد))
سقوط القمر
في البال أغنية
يا أخت ،
عن بلدي ،
نامي
لأكتبها..
رأيت جسمك
محمولا على الزرد
و كان يرشح ألوانا
فقلت لهم:
جسمي هناك
فسدّوا ساحة البلد
كنا صغيرين،
و الأشجار عالية
و كنت أجمل من أمّي
و من بلدي..
من أين جاؤوا؟
و كرم اللوز سيّجه
أهلي و أهلك
بالأشواك و الكبد!..
إنا نفكّر بالدنيا،
على عجل،
فلا نرى أحدا،
يبكي على أحد،
و كان جسمك مسبيا
و كان فمي
يلهو بقطرة شهد
فوق وحل يدي!..
في البال أغنية
يا أخت
عن بلدي،
نامي.. لأحفرها
و شما على جسدي..
رد: في حضرة الغياب ... محمود درويش (( متجدد))
الصوت الضائع في الأصوات
نعرف القصة من أولها
و صلاح الدين في سوق الشعارات ،
و خالد
بيع في النادي المسائّي
بخلخال امرأة!
و الذي يعرف.. يشقى.
_نحن أحجار التماثيل
و أخشاب المقاعد
و الشفاه المطفأه _
أوقفي نبضك يا سيّدتي!
.يصغر الميدان من طلعته..
.أسكتوا ..
.باسمنا يستوقف الشمس على حدّ الرماح
.صفّقوا..
.صفّقوا
إن تطفئوا تصفيقكم
يرتطم المرّيخ بالأرض
و لا يبقى أحد..
_نحن لا نسمع شيئا
قد سمعنا ألف عام
و تنازلنا عن الأرصفة السمراء
كي نغرق في هذا الزحام.
و نريد الآن أن نرتاح
من مهنتنا الأولى،
نريد الآن أن تصغوا لنا
فدعونا نتكلّم .
نضع الليلة حدا للوصاية.
دمنا يرسم في خارطة الأرض الصريعة
كا أسماء الذين اكتشفوا
درب البداية
كي يفرّوا من توابيت الفجيعة.
فدعونا نتكلم
ودعوا حنجرة الأموات فينا
تتكلّم ..
رد: في حضرة الغياب ... محمود درويش (( متجدد))
امرأة جميلة في سدوم
يأخذ الموت على جسمك
شكل المغفرة ،
وبودي لو أموت
داخل اللذة يا تفاحتي
يا امرأتي المنكسرة..
و بودّي لو أموت
خارج العالم.. في زوبعة مندثرة
(للتي أعشقها وجهان:
وجه خارج الكون
ووجه داخل سدوم العتيقة
و أنا بينهما
أبحث عن وجه الحقيقة)
صمت عينيك يناديني
إلى سكّين نشوة
و أنا في أوّل العمر ..
رأيت الصمت
و الموت الذي يشرب قهوة
و عرفت الداء
و الميناء
لكنك.. حلوة!..
..و أنا أنتشر الآن على جسمك
كالقمح، كأسباب بقائي ورحيلي
و أنا أعرف أن الأرض أمي
و على جسمك تمضي شهوتي بعد قليل
و أنا أعرف أنّ الحب شيء
و الذي يجمعنا، الليلة، شيء
و كلانا كافر بالمستحيل.
و كلانا يشتهي جسما بعيدا
و كلانا يقتل الآخر خلف النافذة !
(التي يطلبها جسمي
جميلة
كالتقاء الحلم باليقظة
كالشمس التي تمضي إلى البحر
بزي البرتقالة ..
و التي يطلبها جسمي
جميلة
كالتقاء اليوم بالأمس
و كالشمس التي يأتي إليها البحر
من تحت الغلاله)
لم نقل شيئا عن الحبّ
الذي يزداد موتا
لم نقل شيئا
و لكنا نموت الآن
موسيقى وصمتا
و لماذا؟
و كلانا ذابل كالذكريات الآن
لا يسأل: من أنت ؟
و من أين: أتيت؟
و كلانا كان في حطين
و الأيام تعتاد على أن تجد الأحياء
موتى ..
أين أزهاري ؟
أريد الآن أن يمتليء البيت زنابق
أين أشعاري؟
أريد الآن موسيقى السكاكين التي تقتل
كي يولد عاشق
و أريد الآن أن أنساك
كي يبتعد الموت قليلا
فاحذري الموت الذي
لا يشبه الموت الذي
فاجأ أمّي..
(التي يطلبها جسمي
لها وجهان :
وجه خارج الكون
ووجه داخل سدوم العتيقة
و أنا بينهما
أبحث عن الحقيقة
رد: في حضرة الغياب ... محمود درويش (( متجدد))
قراءة في وجه حبيبتي
..وحين أحدّق فيك
أرى مدنا ضائعة
أرى زمنا قرمزيا
أرى سبب الموت و الكبرياء
أرى لغة لم تسجل
و آلهة تترجل
أمام المفاجأة الرائعة.
..و تنتشرين أمامي
صفوفا من الكائنات التي لا تسمى
و ما وطني غير هذي العيون التي
تجهل الأرض جسما..
و أسهر فيك على خنجر
واقف في جبين الطفولة
هو الموت مفتتح الليلة الحلوة القادمة
و أنت جميلة
كعصفورة نادمة..
..و حين أحدق فيك
أرى كربلاء
و يوتوبيا
و الطفولة
و أقرأ لائحة الأنبياء
وسفر الرضا و الرذيلة..
أرى الأرض تلعب
فوق رمال السماء
أرى سببا لاختطاف المساء
من البحر
و الشرفات البخيلة !..
رد: في حضرة الغياب ... محمود درويش (( متجدد))
المطر الأول
في رذاذ المطر الناعم
كانت شفتاها
وردة تنمو على جلدي،
و كانت مقلتاها
أفقا يمتدّ من أمسي
إلى مستقبلي..
كانت الحلوة لي
كانت الحلوة تعويضا عن القبر
الذي ضم إلها
و أنا جئت إليها
من وميض المنجل
و الأهازيج التي تطلع من لحم أبي
نارا.. و آها..
(كان لي في المطر الأول
يا ذات العيون السود
بستان ودار
كان لي معطف صوف
وبذار
كان لي في بابك الضائع
ليل و نهار.. )
سألتني عن مواعيد كتبناها
على دفتر طين
عن مناخ البلد النائي
و جسر النازحين
و عن الأرض التي تحملها
في حبّة تين ،
سألتني عن مرايا انكسرت
قبل سنين ..
عندما ودّعتها
في مدخل الميناء
كانت شفتاها
قبلة
تحفر في جلدي صليب الياسمين...
رد: في حضرة الغياب ... محمود درويش (( متجدد))
لا جدران للزنزانه
كعادتها،
أنقذتني من الموت زنزانتي
و من صدأ الفكر، و الاحتيال
على فكرة منهكة
وجدت على سقفها وجه حرّيتي
و بيّارة البرتقال
و أسماء من فقدوا أمس أسماءهم
على تربة المعركة
سأعترف الآن،
ما أجمل الاعتراف
فلا تحزني أنت يوم الأحد
و قولي لأهل البلد:
سنرجيء حفل الزفاف
إلى مطلع السنة القادمة
تفرّ العصافير من قبضتي
و يبتعد النجم عنّي.. و الياسمين
و تنقص أعداد من يرقصون
و يذبل صوتك قبل الأوان
و لكنّ زنزانتي
كعادتها،
أنقذتني من الموت
زنزانتي..
وجدت على سقفها وجه حريتي
فشع جبينك فوق الجدار ..
رد: في حضرة الغياب ... محمود درويش (( متجدد))
الدانوب ليس أزرق
هي لا تعرفه.
كان الزمان
واقفا كالنهر في جثّته
قالت له:
عندي مكان.
كان ذاك اليوم صيفيّا
و كان العاشقان
يستردان من الرّزنامه الأولى
حساب الشمس ،
كان الأمس
و الحاضر كان ..
هي لا تعرفه
قالوا لها: يأتي مع النهر
الذي يأتي مع الفجر
و كان التوأمان
ضفتي نهر.. يسيران معا
أو يقفان
و هما..لا يعرفان !..
كان ذاك اليوم حقلا
من ذبول وحنان
و عما يقتربان
و يموتان من الموت
و لا يلتقيان..
هي لا تعرفه
لكنها تشربه كالماء في رمل الزمان .
بعد عامين من الهجرة
في الهجرة
ماتا
في انفجار القبلة الأولى
و في جثّته، كان الزمان
واقفا كالنهر في جثّته
قالت له:
عندي مكان..
رد: في حضرة الغياب ... محمود درويش (( متجدد))
و يسدل الستار
عندما ينطفيء التصفيق في القاعة
و الظلّ يميل
نحو صدري..
يسقط المكياج عم وجه الجليل
و لهذا.. أستقيل!..
أجد الليلة نفسي
عاريا
كالمذبحة
كان تمثيلي بعيدا عن مواويل أبي
كان تمثيلي غريبا عن عصافير الجليل
و ذراعي مروحة
و لهذا أستقيل
لقنوني كل ما يطلبه المخرج
من رقص على إيقاع أكذوبه
و تعبت الآن ،
علقت أساطيري على حبل غسيل
و لهذا.. أستقيل.
باسمكم،أعترف الآن بأن المسرحية
كتبت للتسلية
رضي النقاد لكنّ عيون المجدلّية
حفرت في جسدي
شكل الجليل
و لهذا.. أستقيل
يا دمي ..
فرشاتهم ترسم لوحات عن اللد
و أنت الحبر ،
ما يافا سوى جلد طبول
و عظامي كالعصا في قبضة المخرج
لكني أقول:
أتقن الدور غدا يا سيدي
و لهذا.. أستقيل
سيداتي..
آنساتي..
سادتي!
سلّيتكم عشرين عام
آن لي أن أرحل اليوم
و أن أهرب من هذا الزحام
و أغنّي في الجليل
للعصافير التي تسكن عشّ المستحيل
و لهذا.. أستقيل
أستقيل
أستقيل ..
رد: في حضرة الغياب ... محمود درويش (( متجدد))
حبيبتي تنهض من نومها
حبيبتي تنهض من نومها
طفولتي تأخذ، في كفّها،
زينتها من كل شيء..
و لا _
تنمو مع الريح سوى الذاكرة
لو أحصت الغيم الذي كدسوا
على إطار الصورة الفاترة
لكان أسبوعا من الكبرياء
و كلّ عام قبله ساقط
و مستعار من إناء المساء..
يوم تدحرجت على كل باب
مستسلما للعالم المشغول
أصابعي تزفر: لا تقذفوا
فتات يومي للطريق الطويل
بطاقة التشريد في قبضتي
زيتونة سوداء،
و هذا الوطن
مقصلة أعبد سكّينها
إن تذبحوني، لا يقول الزمن
رأيتكم!
و كالة الغوث لا
تسأل عن تاريخ موتي، و لا
تغيّر الغابة زيتونها،
لا تسقط الأشهر تشرينها !
طفولتي تأخذ في كفها،
زينتها من أي يوم
و لا _
تنمو مع الريح سوى الذاكرة
و إنني أذكر مرآتها
في أول الأيام،حين اكتسى
جبينها البرق، لكنني
أضطهد الذكرى، لأن المسا
يضطهد القلب على بابه..
أصابعي أهديتها كلها
إلى شعاع ضاع في نومها
و عندما تخرج من حلمها
حبيبتي أعرف درب النهار
أشق درب النهار.
كلّ نساء اللغة الصافية
حبيبتي..
حين يجيء الربيع
الورد منفيّ على صدرها
من كل حوض، حالما بالرجوع
و لم أزل في جسمها ضائعا
كنكهة الأرض التي لا تضيع
كل نساء اللغة دامية
حبيبتي..
أقمارها في السماء
و الورد محروق على صدرها
بشهوة الموت، لأن المساء
عصفورة في معطف الفاتحين
و لم أزل في ذهنها غائبا
يحضرها في كل موت وحين ..
كل نساء اللغة النائمة
حبيبتي
تحلم أنّ النهار
على رصيف الليلة الآتية
يشرب ظل الليل و الانكسار
من شرف الجندي و الزانية
تحلم أن المارد المستعار
من نومنا، أكذوبة فانية
و أن زنزانتنا، لا جدار
لها، و أن الحلم طين و نار
كل نساء اللغة الضائعة
حبيبتي..
فتشت عتها العيون
فلم أجدها.
لم أجد في الشجر
خضرتها..
فتشت عنها السجون
فلم أجد إلاّ فتات القمر
فتّشت جلدي..
لم أجد نبضها
و لم أجدها في هدير السكون
و لم أجدها في لغات البشر
حبيبة كل الزنابق و المفردات
لماذا تموتين قبلي
بعيدا عن الموت و الذكريات
و عن دار أهلي ؟..
لماذا تموتين قبل طلاق النهار
من الليل ..
قبل سقوط الجدار
لماذا؟
لكل مناسبة لفظة..
و لكن موتك كان مفاجأة للكلام
و كان مكافأة للمنافي
و جائزة للظلام
فمن أين اكتشف اللفظة اللائقة
بزنبقة الصاعقة؟
سأستحلف الشمس أن تترجل
لتشربني عن كثب ..
و تفتح أسرارها ..
سأستحلف الليل أن يتنصل
من الخنجر الملتهب
و يكشف أوراقه للمغني
تفاصيل تلك الدقائق
كانت..
عناوين موت معاد
و أسماء تلك الشوارع
كانت..
و صايا نبي يباد
و لكنني جئت من طرف السنة الماضية
على قنطرة
ألا تفتحين شبابيك يوم جديد
بعيد عن المقبرة؟!..
لأبطالنا، أنشد المنشدون
و كانوا حجارة
و كانوا يريدون أن يرصفوا
بلاطا لساحاتنا
وصمتا، لأن السكوت طهارة
إذا ازدحم المنشدون
و يبدو لنا حين نطرق باب الحبيب
بأن الجدار وتر
و يبدو لنا أنه لن يغيب
سوى ليلة الموت، عنّا
و لكننا ننتظر
ألا تقفزين من الأبجديه
إلينا، ألا تقفزين؟
فبعد ليالي المطر
ستشرع أمتنا في البكاء
على بطل القادسية !
أسحل دقات قلبك فوق الجفون
و أعصب بالريح حلقي
إذا كثر النائمون..
و من ليل كل السجون
أصيح:
أعيدوا لنا بيتها
أعيدوا لنا صمتها
أعيدوا لنا موتها..
عيناك، يا معبودتي، هجرة
بين ليالي المجد و الانكسار.
شرّدني رمشك في لحظة
ثم عادني لاكتشاف النهار.
عشرون سكّينا على رقبتي
و لم تزل حقيقتي تائهة
و جئت يا معبودتي
كلّ حلم
يسألني عن عودة الآلهه
_ترى !رأيت الشمس
في ذات يوم ؟
_رأيتها ذابلة.. تافهة
في عربات السبي كنا، و لم
تمطر علينا الشمس إلاّ النعاس
كان حبيبي طيبا، عندما
ودعني ..
كانت أغانينا حواس .
عيناك، يا معبودتي،منفى
نفيت أحلامي و أعيادي
حين التقينا فيهما!
من يشتري تاريخ أجدادي ؟
من يشتري نار الجروح التي
تصهر أصفادي؟
من يشتري الحب الذي بيننا؟
من يشتري موعدنا الآتي؟
من يشتري صوتي و مرآتي ؟
من يشتري تاريخ أجدادي
بيوم حريّة؟..
_معبودتي! ماذا يقول الصدى
ماذا تقول الريح للوادي؟
_كن طيّبا،
كن مشرقا طالردى
و كن جديرا بالجناح الذي
يحمل أولادي..
ما لون عينيها؟
يقول المساء:
أخضر مرتاح
على خريف غامض.. كالغناء
و الرمش مفتاح
لما يريد القلب أن يسمعه.
كانت أغانينا سجالا هناك
على جدار النار و الزوبعة
_هل التقينا في جميع الفصول؟
_كنا صغيرين. و كان الذبول
سيّدنا
_هل نحن عشب الحقول
أم نحن وجهان على الأمس؟
_الشمس كانت تحتسي ظلنا
و لم نغادر قبضة الشمس
_كيف اعترفنا بالصليب الذي
يحملنا في ساحة النور؟
_لم نتكلم
نحن لم نعترف
إلا بألفاظ المسامير!..
عيناك، يا معبودتي ،عودة
من موتنا الضائع تحت الحصار
كأنني ألقاك هذا المساء
للمرة الأولى..
و ما بيننا
إلا بدايات، و نهر الدماء
كأنه لم يغسل الجيلا.
أسطورتي تسقط من قبضتي
حجارة تخدش وجه الموت
و الزنبق اليابس في جبهتي
يعرف جو البيت..
_من يرقص الليلة في المهرجان
_أطفالنا الآتون
_من يذكر النسيان؟
_أطفالنا آتون
_من يضفر الأحزان
إكليل ورد في جبين الزمان ؟
_أطفالنا الآتون
_من يضع السكر في الألوان؟
_أطفالنا الآتون
_و نحن يا معبودتي ،
أي دور
نأخذه في فرحة المهرجان ؟
_نموت مسرورين
في ضوء موسيقي
أطفالنا الآتين !..
رد: في حضرة الغياب ... محمود درويش (( متجدد))
أنا آت إلى ظل عينيك
أنا آت إلى ظل عينيك ..آت
من خيام الزمان البعيد، و من لمعان السلاسل
أنت كل النساء اللواتي
مات أزواجهن، و كل الثواكل
أنت
أنت العيون التي فرّ منها الصباح
حين صارت أغاني البلابل
ورقا يابسا في مهب الرياح!
أنا آت إلى ظلّ عينيك.. آت
من جلود تحاك السجاجيد منها.. و من حدقات
علقت فوق جيد الأميرة عقدا.
أنت بيتي و منفاي.. أنت
أنت أرضي التي دمّرتني
أنت أرضي التي حوّلتني سماء..
و أنت
كل ما قيل عنك ارتجال و كذبه1
لست سمراء،
لست غزالا،
و لست الندى و النبيذ،
و لست
كوكبا طالعا من كتاب الأغاني القديمة
عندما ارتجّ صوت المغنين.. كنت
لغة الدم حين تصير الشوارع غابه
و تصير العيون زجاجا
و يصير الحنين جريمة
لا تموتي على شرفات الكآبه
كلّ لون على شفتيك احتفال
بالليالي التي انصرمت.. بالنهار الذي سوف يأتي
إجعلي رقبتي عتبات التحول،
أول سطر بسفر الجبال
الجبال التي أصبحت سلما نحو موتي !
و السيط التي احترقت فوق ظهري و ظهرك
سوف تبقى سؤال
أين سمسار كل المنابر؟
أين الذي كان.. كان يلوك حجارة قبري و قبرك
ما الذي يجعل الكلمات عرايا؟
ما الذي يجعل الريح شوكا، و فحم الليالي مرايا؟
ما الذي ينزع الجلد عني، و يثقب عظمي؟
ما الذي يجعل القلب مثل القذيفه؟
وضلوع المغنين سارية للبيارق؟
ما الذي يفرش النار تحت سرير الخليفة؟
ما الذي يجعل يجعل الشفتين صواعق؟
غير حزن المصفد حين يرى
أخته.. أمه.. حبه
لعبة بين أيدي الجنود
و بين سماسرة الخطب الحامية
فيعض القيود. و يأتي
إلى الموت.. يأتي
إلى ظل عينيك.. يأتي!
أنا آت إلى ظل عينيك آت
من كتاب الكلام المحنط فوق الشفاه المعاده
أكلت فرسي، في الطريق، جراده
مزّقت جبهتي، في الطريق، سحابه
صلبتني على الطريق ذبابة!
فاغفري لي..
كل هذا الهوان ،اغفري لي
انتمائي إلى هامش يحترق !
و اغفري لي قرابه
ربطتني بزوبعة في كؤوس الورق
و اجعليني شهيد الدفاع
عن العشب
و الحب
و السخرية
عن غبار الشوارع أو غبار الشجر
عن عيون النساء جميع النساء
و عن حركات الحجر.
و اجعليني أحب الصليب الذي لا يحب
واجعليني بريقا ضغيرا بعينيك
حين ينام اللهب 1
أنا آت إلى ظل عينيك.. آت
مثل نسر يبيعون ريش جناحه
و يبيعون نار جراحه
بقناع. و باعوا الوطن
بعصا يكسرون بها كلمات المغني
و قالوا: اذبحوا و اذبحوا..
ثم قالوا هي الحرب كر وفر
ثم فروا..
وفروا
وفروا..
و تباهوا.. تباهوا..
أوسعوهم هجاء وشتما، و أودوا بكل الوطن !
حين كانت يداي السياج، و كنت حديقه
لعبوا الترد تحت ظلال النعاس
حين كانت سياط جهنم تشرب جلدي
شربوا الخمر نخب انتصار الكراسي !..
حين مرت طوابير فرسانهم في المرايا
ساومونا على بيت شعر، و قالوا:
ألهبوا الخيل.كل السبايا
أقبلت أقبلت من خيام المنافي
كذبوا لم يكن جرحنا غير منبر
للذي باعة.. باع حطين.. باع السيوف ليبني منبر
نحو مجد الكراسي!
أنا آت إلى ظل عينيك.. آت
من غبار الأكاذيب.. آت
من قشور الأساطير آت
أنت لي.. أنت حزني و أنت الفرح
أنت جرحي و قوس قزح
أنت قيدي و حريتي
أنت طيني و أسطورتي
أنت لي.. أنت ل..ي بجراحك
كل جرح حديقة !
أنت لي.. أنت لي.. بنواحك
كل صوت حقيقه
أنت شمسي التي تنطفيء
أنت ليلي الذي يشتعل
أنت موتي ،و أنت حياتي
و سآتي إلى ظل عينيك.. آت
وردة أزهرت في شفاه الصواعق
قبلة أينعت في دخان الحرائق
فاذكريني ..إذا ما رسمت القمر
فوق وجهي ،و فوق جذوع الشجر
مثلما تذكرين المطر
و كما تذكرين الحصى و الحديقه
و اذكريني ،
كما تذكرين العناوين في فهرس الشهداء
أنا صادقّت أحذية الصبية الضعفاء
أنا قاومت كل عروش القياصرة الأقوياء
لم أبع مهرتي في مزاد الشعار المساوم
لم أذق خبز نائم
لم أساوم
لم أدق الطبول لعرس الجماجم
و أنا ضائع فيك بين المراثي و بين الملاحم
بين شمسي و بين الدم المستباح
جئت عينيك حين تجمد ظلي
و الأغاني اشتهت قائليها!..
رد: في حضرة الغياب ... محمود درويش (( متجدد))
كتابة على ضوء بندقية
شولميت انتظرت صاحبها في مدخل البار ،
من الناحية الأخرى يمر العاشقون،
و نجوم السينما يبتسمون.
ألف إعلان يقول:
نحن لن نخرج من خارطة الأجداد ،
لن نترك شبرا واحدا للاجئين
شولميت انكسرت في ساعة الحائط ،
عشرون دقيقة
وقفت، و انتظرت صاحبها
في مدخل البار، و ما جاء إليها.
قال في مكتوبه أمس:
"لقد أحرزت، يا شولا و ساما و إجازة
إحجزي مقعدنا السابق في البار
أنا عطشان يا شولا، لكأس وشفه
قد تنازلت عن الموت الذي يورثني المجد
لكي أحبو كطفل فوق رمل الأرصفة
و لكي أرقص في البار".
من الناحية الأخرى ،
يمر الأصدقاء
عرفوا شولا على شاطيء عكا
قبل عامين ،و كانوا
يأكلون الذرة الصفراء..
كانوا مسرعين
كعصافير المساء..
شولميت انكسرت في ساعة الحائط، خمسين دقيقة
وقفت ،و انتظرت صاحبها
شولميت استنشقت رائحة الخروب من بدلته
كان يأتي، آخر الأسبوع كالطفل إليها
يتباهى بمدى الشوق الذي يحمله
قال لها: صحراء سيناء أضافت سببا
يجعله يسقط كالعصفور في بلور نهديها
و قال:
ليتني أمتد كالشمس و كالرمل على جسمك ،
نصفي قاتل و النصف مقتول،
وزهر البرتقال
جيد في البيت و النزهة، و العيد الذي أطلبه
من فخدك الشائع في لحمي.. مميت
في ميادين القتال!..
و أحسست كفه تفترس الخصر
فصاحت: لست في الجبهة..
قال:
مهنتي!
قالت له: لكنني صاحبتك
قال: من يحترف القتل هناك
يقتل الحب هنا.
وارتمي في حضنها اللاهث موسيقي،
و غىّ لغيوم فوق أشجار أريحا..
يا أريحا! أنت في الحلم وفي اليقظة ضدّان،
و في الحلم و في اليقظة حاربت هناك
و أنا بينهما مزّقت توراتي
و عذبت المسيحا..
يا أريحا! أوقفي شمسك.إنّا قادمون
نوقف الريح على حد السكاكين،
إذا شئنا، و ندعوك إلى مائدة القائد،
إنا قادمون..
و أحسّت يده تشرب كفّيها. و قال
عندما كان الندى يغسل وجهين بعيدين
عن الضوء: أنا المقتول و القاتل
لكنّ الجريدة
و طقوس الاحتفال
تقتضي أن أسجن الكذبة في الصدر،
و في عينيك، يا شول،ا و أن أمسح رشّاشي
بمسحوق عقيدة!
أغمضي عينيك لن أقوى على رؤية
عشرين ضحية
فيهما، تستيقظ الآن، و قد كنت بعيدة
لم أفكّربك.. لم أخجل من الصمت الذي
يولد في ظل العيون العسلّية .
و أصول الحرب لن تسمح أن أعشق
إلا البندقيّة!..
سألته شولميت:
و متى نخرج من هذا الحصار ؟
قال، و الغيمة في حنجرته:
أي أنواع الحصار؟
فأجاب: في صباح الغد تمضي .
و أنا أشرح للجيران أن الوهلة الأولى
خداع للبصر..
نحن لا ندفع هذا العرق الأحمر..
هذا الدم لا ندفعه.
من أجل أن يزداد هذا الوطن الضاري حجر
قال: إن الوقت مجنون.
و لم يلتئم الليلة جسمانا
دعيني .
أذب الآن بجسم الكستنا و الياسمين
أنت_يا سيدي_ فاكهتي الأولى.
و ناما..
و بكى في فرح الجسمي.ن في عيدعما لون القمر
شولميت استسلمت للذكريات
كل روّاد المقاهي و الملاهي شبعوا رقصا
و في الناحية الأخرى، تدوخ الفتيات
بين أحضان الشباب المتعبي.ن
و على لائحة الإعلان يحتد وزير الأمن:
لن نرجع شبرا واحدا للاجئين ..
و الفدائيون مجتثون، منذ الآن
لن يخمش جنديّ و من مات
على تربة هذا الوطن الغالي
له الرحمة و المجد.. ورايات الوطن!
شولميت اكتشفت أنّ أغاني الحرب
لا توصل القلب و النجوى إلى صاحبها
نحن في المذياع أبطال
و في التابوت أطفال
و في البيت صور ..
_ليتهم لم يكتبوا أسماءنا
في الصفحة الأولى،
فلن يولد حي من خبر..
_وعدوا موتك بالخلد بتمثال رخام
وعدوا موتك بالمجد و لكن رجال الجنرال
سوف ينسونك في كل رخام
و سينسونك في كل احتفال..
شولميت اكتشفت أن أغاني الحرب
لا توصل صمت القلب و النجوى إلى صاحبها
فجأة عادت بها الذكرى
إلى لذّتها الأولى، إلى دنيا غريبة
صدقّت ما قال محمود لها قبل سنين
_كان محمود صديقا طيب القلب
خجولا كان، لا يطلب منها
غير أن تفهم أنّ اللاجئين
أمة تشعر بالبرد ،
و بالشوق إلى أرض سليبة
و حبيبا صار فيما بعد،
لكنّ الشبابيك التي يفتحها
في آخر الليل.. رهيبة
كان لا يغضبها، لكنه كان يقول
كلمات توقع المنطق في الفخّ،
إذا سرّت إلى آخرها
ضقت ذرعا بالأساطير التي تعبدها
و تمزّقت، حياء، من نواطير الحقول..
صدقّت ما قال محمود لها قبل سنين
عندما عانقها، في المرة الأولى، بكت
من لذة الحب.. و من جيرانها
كل قومياتنا قشرة موز،
فكرت يوما على ساعده،
و أتى سيمون يحميها من الحب القديم
و من الكفر بقوميتها.
كان محمود سجينا يومها
كانت" الرملة" فردوسا له.. كانت جحيم..
كانت الرقصة تغريها بأن تهلك في الإيقاع.
أن تنعس فيما بعد في صدر رحيم
سكر الإيقاع. كانت وحدها في البار
لا يعرفها إلا الندم .
و أتى سيمون يدعوها إلى الرقص
فلّبت
كان جنديا وسيم
كان يحميها من الوحدة في البار،
و يحميها من الحب القديم
و من الكفر بقوميتها..
شولميت انتظرت صاحبها في مدخل البار القديم
شولميت انكسرت في ساعة الحائط ساعات..
و ضاعت في شريط الأزمنة
شولميت انتظرت سيمون_ لا بأس إذن
فليأت محمود.. أنا أنتظر الليلة عشرين سنة
كل أزهارك كانت دعوة للانتظار
ويداك الآن تلتفان حولي
مثل نهرين من الحنطة و الشوك.
و عيناك حصار
و أنا أمتد من مدخل هذا البار
حتى علم الدولة، حقلا من شفاه دموية
أين سيمون و محمود؟
من الناحية الأخرى
زهور حجريّة.
و يمر الحارس الليلي .
و الإسفلت ليل آخر
يشرب أضواء المصابيح،
و لا تلمع إلا بندقيّة..
رد: في حضرة الغياب ... محمود درويش (( متجدد))
يوميات جرح فلسطيني
( إلى فدوى طوقان )
*
-1-
نحن في حلّ من التذكار
فالكرمل فينا
و على أهدابنا عشب الجليل
لا تقولي: ليتنا نركض كالنهر إليها،
لا تقولي!
نحن في لحم بلادي.. و هي فينا!
-2-
لم نكن قبل حزيران كأفراح الحمام
ولذا، لم يتفتّت حبنا بين السلاسل
نحن يا أختاه، من عشرين عام
نحن لا نكتب أشعارا،
و لكنا نقاتل
-3-
ذلك الظل الذي يسقط في عينيك
شيطان إله
جاء من شهر حزيران
لكي يصبغ بالشمس الجباه
إنه لون شهيد
إنه طعم صلاة
إنه يقتل أو يحيي
و في الحالين!آه!
-4-
أوّل الليل على عينيك ،كان
في فؤادي، قطرة قطرة من آخر الليل الطويل
و الذي يجمعنا، الساعة، في هذا المكان
شارع العودة
من عصر الذبول.
-5-
صوتك الليلة،
سكين وجرح و ضماد
و نعاس جاء من صمت الضحايا
أين أهلي؟
خرجوا من خيمة المنفى، و عادوا
مرة أخرى سبايا!
-6-
كلمات الحب لم تصدأ،و لكن الحبيب
واقع في الأسر_ يا حبي الذي حملني
شرفات خلعتها الريح
أعتاب بيوت
وذنوب.
لم يسع قلبي سوى عينيك
في يوم من الأيام
و الآن اغتنى بالوطن!
-7-
و عرفنا ما الذي يجعل صوت القبّرة
خنجرا يلمع في وجه الغزاة
و عرفنا ما الذي يجعل صمت المقبرة
مهرجانا.. و بساتين حياة!
-8-
عندما كنت تغنين رأيت الشرفات
تهجر الجدران
و الساحة تمتد إلى خصر الجبل
لم نكن نسمع موسيقى
و لا نبصر لون الكلمات
كان في الغرفة مليون بطل
-9-
في دمي من وجهه صيف
و نبض مستعار
عدت خجلان إلى البيت
فقد خر على جرحي شهيدا
كان مأوى ليلة الميلاد
كان الانتظار
و أنا أقطف من ذكراه عيدا
-10-
الندى و النار عيناه
إذا ارددت اقترابا منه غنى
و تبخرت على ساعده لحظة صمت و صلاة
آه سميه كما شئت شهيدا
غادر الكوخ فتى
ثم أتى لما أتى
وجه إله
-11-
هذه الأرض التي تمتص جلد الشهداء
تعد الصيف بقمح و كواكب
فاعبديها
نحن في أحشائها ملح و ماء
و على أحضانها جرح يحارب
-12-
دمعتي في الحلق يا أخت
و في عيّني نار
و تحررت من الشكوى على باب الخليفة
كل من ماتوا
و من سوف يموتون على باب النهار
عانقوني، صنعوا مني.. قذيفة !
-13-
منزل الأحباب مهجور.
و يافا ترجمت حتى النخاع
و التي تبحث عني
لم تجد مني سوى جبهتها
أتركي لي كل هذا الموت، يا أخت
أتركي هذا الضياع
فأنا أضفره نجما على نكبتها
-14-
آه يا جرحي المكابر
وطني ليس حقيبه
و أنا لست مسافر
إنني العاشق ،و الأرض حبيبه
-15-
و إذا استرسلت في الذكرى!
نما في جبهتي عشب الندم
و تحسرت على شيء بعيد
و إذا استسلمت للشوق،
تبنيت أساطير العبيد
و أنا آثرت أن أجعل من صوتي حصاه
و من الصخر نغم !
-16-
جبهتي لا تحمل الظل.
و ظلي لا أراه
و أنا أبصق في الجرح الذي
لا يشعل الليل جباه !
خبئي الدمعه للعيد
فلن نبكي سوى من فرح
و لنسم الموت في الساحة
عرسا.. و حياه!
-17-
و ترعرعت على الجرح، و ما قلت لأمي
ما الذي يجعلها في الليل خيمه
أنا ما ضيّعت ينبوعي و عنواني و اسمي
و لذا أبصرت في أسمالها
مليون نجمه!
-18-
رايتي سوداء،
و الميناء تابوت
و ظهري قنطرة
يا خريف العالم المنهار فينا
يا ربيع العالم المولود فينا
زهرتي حمراء
و الميناء مفتوح،
و قلبي شجرة!
-19-
لغتي صوت خرير الماء
في نهر الزوابع
و مرايا الشمس و الحنطة
في ساحة حرب
ربما أخطأت في التعبير أحيانا
و لكن كنت_ لا أخجل_ رائع
عندما استبدلت بالقاموس قلبي!
-20-
كان لا بد من الأعداء
كي نعرف أنا توأمان !
كان لا بد من الريح
لكي نسكن جذع السنديان !
و لو أن السيد المصلوب لم يكبر على عرش الصليب
ظل طفلا ضائع الجرح.. جبان.
-21-
لك عندي كلمه
لم أقلها بعد،
فالظل على الشرفة يحتل القمر
و بلادي ملحمة
كنت فيها عازفا.. صرت وتر!
-22-
عالم الآثار مشغول بتحليل الحجارة
إنه يبحث عن عينيه في ردم الأساطير
لكي يثبت أني :
عابر في الدرب لا عينين لي
لا حرف في سفر الحضارة!
و أنا أزرع أشجاري. على مهلي
و عن حبي أغني!
-23-
غيمة الصيف التي.. يحملها ظهر الهزيمة
علّقت نسل السلاطين
على حبل السراب
و أنا المقتول و المولود في ليل الجريمة
ها أنا ازددت التصاقا.. بالتراب!
-24-
آن لي أن أبدل اللفظة بالفعل و آن
لي أن أثبت حبي للثرى و القبرة
فالعصا تفترس القيثار في هذا الزمان
و أنا أصغر في المرآه
مذ لاحت ورائي شجره
رد: في حضرة الغياب ... محمود درويش (( متجدد))
الجسر
مشيا على الأقدام،
أو زحفا على الأيدي نعود
قالوا..
و كان الضخر يضمر
و المساء يدا تقود ..
لم يعرفوا أن الطريق إلى الطريق
دم و، مصيدة ،و بيد
كل القوافل قبلهم غاصت،
و كان النهر يبصق ضفّتيه
قطعا من اللحم المفتت،
في وجوه العائدين
كانوا ثلاثة عائدون:
شيخ، و ابنته، وجندي قديم
يقفون عند الجسر..
كان الجسر نعاسا، و كان الليل قبّعة
و بعد دقائق يصلون ،هل في البيت ماء؟
و تحسس المفتاح ثم تلا من القرآن آيه ...)
قال الشيخ منتعشا: و كم من منزل في الأرض
يألفه الفتي
قالت: و لكن المنازل يا أبي أطلال!
فأجاب: تبنيها يدان ..
و لم يتم حديثه، إذ صاح صوت في الطريق: تعالوا!
و تلته طقطقة البنادق ..
لن يمرّ العائدون
حرس الحدود مرابط
يحمي الحدود من الحنين
(أمر بإطلاق الرصاص على الذي يجتاز
هذا الجسر. هذا الجسر مقصلة الذي رفض
التسول تحت ظل وكالة الغوث الجديدة
و الموت بالمجان تحت الذل و الأمطار، من
يرفضه يقتل عند هذا الجس، هذا الجسر
مقصلة الذي ما زال يحلم بالوطن )
الطلقة الأولى أزاحت عن جبين اللليل
قبعة الظلام
و الطلقة الأخرى..
أصابت قلب جندي قديم
و الشيخ يأخذ كف ابنته و يتلو
همسا من القرآن سورة
و بلهجة كالحلم قال:
_عينا حبيبتي الصغيرة،
لي، يا جود، ووجهها القمحي لي
لا تقتلوها، و اقتلوني
(كانت مياه النهر أغزر.. فالذين
رفضوا هناك الموت بالمجان أعطوا النهر لونا آخرا.
و الجسر، حين يصير تمثالا، سيصبغ_ دون
ريب_ بالظهيرة و الدماء و خضرة الموت
المفاجيء)
..و برغم أن القتل كالتدخين ..
لكنّ الجنود "الطيبين".
الطالعين على فهارس دفتر ..
قذفته أمعاء السنين .
لم يقتلوا الاثنين..
كان الشيخ يسقط في مياه النهر
و البنت التي صارت يتيمه
كانت ممزقة الثياب ،
وطار عطرك الياسمين
عن صدرها العاري الذي
ملأته رائحة الجريمة
و الصمت خيم مرة أخرى ،
و عاد النهر يبصق ضفتيّه
قطعا من اللحم المفتت
..في وجوه العائدين
لم يعرفوا أن الطريق إلى الطريق
دم و مصيدة. و لم يعرف أحد
شيئا عن النهر الذي
يمتص لحم النازحين
(و الجسر يكبر كل يوم كالطريق،
و هجرة الدم في مياه النهر تنحت من حصى
الوادي تماثيلا لها لون النجوم، و لسعة الذكرى،
و طعم الحب حين يصبر أكبر من عبادة)
رد: في حضرة الغياب ... محمود درويش (( متجدد))
جواز سفر
لم يعرفوني في الظلال التي
تمتصّ لوني في جواز السفر
و كان جرحي عندهم معرضا
لسائح يعشق جمع الصور
لم يعرفوني، آه.. لا تتركي
كفي بلا شمس
لأن الشجر
يعرفني ..
تعرفني كل أغاني المطر
لا تتركيني شاحبا كالقمر !
كلّ العصافير التي لاحقت
كفي على باب المطار البعيد
كل حقول القمح ،
كل السجون،
كل القبور البيض
كل الحدود ،
كل المناديل التي لوّحت ،
كل العيون
كانت معي، لكنهم
قد أسقطوها من جواز السفر
عار من الاسم من الانتماء؟
في تربة ربيتها باليدين ؟
أيوب صاح اليوم ملء السماء:
لا تجعلوني عبرة مرتين !
يا سادتي! يا سادتي الأنبياء
لا تسألّوا الأشجار عن اسمها
لا تسألوا الوديان عن أمها
من جبهتي ينشق سيف الضياء
و من يدي ينبع ماء النهر
كل قلوب الناس ..جنسيتي
فلتسقطوا عني جوار السفر !
رد: في حضرة الغياب ... محمود درويش (( متجدد))
الرجل ذو الظل الأخضر
في ذكرى جمال عبد الناصر
-----
نعيش معك
نسير معك
نجوع معك
و حين تموت
نحاول ألا نموت معك !
و لكن،
لماذا تموت بعيدا عن الماء
و النيل ملء يديم ؟
لماذا تموت بعيدا عن البرق
و البرق في شفتيك
و أنت وعدت القبائل
برحلة صيف من الجاهلية
و أنت وعدت السلاسل
بنار الزنود القوية
و أنت وعدت المقاتل
بمعركة.. ترجع القادسية
نرى صوتك الآن ملء الحناجر
زوابع..
تلو
زوابع
نرى صدرك الآن متراس ثائر
ولافتة للشوارع
نراك
نراك
نراك ..
طويلا
..كسنبلة في الصعيد
جميلا
..كمصنع صهر الحديد
وحرا
..كنافذة في قطار بعيد
و لست نبيا،
و لكن ظلك أخضر
أتذكر ؟
كيف جعلت ملامح وجهي
و كيف جعلت جبيني
و كيف جعلت اغترابي و موتي
أخضر
أخضر
أخضر..
أتذكر وجهي القديم ؟
لقد كان وجهي يحنّط في متحف انجليزي
و يسقط في الجامع الأمويّ
متى يا رفيقي ؟
متى يا عزيزي ؟
متى نشتري صيدلية
بجرح الحسين.. و مجد أميّة
و نبعث في سدّ أسوان خبزا و ماء
و مليون كيلواط من الكهرباء؟
أتذكر ؟
كانت حضارتنا بدويا جميل
يحاول أن يدرس الكيماء
و يحلم تحت ظلال النخيل
بطائرة.. و بعشر نساء
و لست نبيا
و لكن ظلك أخضر..
نعيش معك
نسير معك
نجوع معك
و حين تموت
نحاول ألا نموت معك
ففوق ضريحك ينبت قمح جديد
و ينزل ماء جديد
و أنت ترانا
نسير
نسير
رد: في حضرة الغياب ... محمود درويش (( متجدد))
مزامير
-1-
أحبك، أو لا أحبك_
أذهب، أترك خلفي عناوين قابلة للضياع.
و أنتظر العائدين، و هم يعرفون مواعيد موتي و يأتون.
أنت التي لا أحبّك حين أحبّك، أسوار بابل
ضيّقة في النهار، وعيناك واسعتان، ووجهك
منتشر في الشعاع
كأنك لم تولدي بعد. لم نفترق بعد. لم تصرعيني
وفوق سطوح الزوابع كلّ كلام جميل ،و كل
لقاء وداع
و ما بيننا غير هذا اللقاء، و ما بيننا غير هذا الوداع.
أحبّك، أو لا أحبذك_
يهرب مني حبيبي ،و أشعر أنك لا شيء أو كل شيء.
و أنك قابلة للضياع
أريدك، أو لا أريدك_
إن خرير الجداول محترق بدمي، ذات يوم أراك،
و أذهب
و حاولت أن أستعيد صداقة أشياء غابت_ نجحت
و حاولت أن أتباهى بعينين تتسعان لكل خريف_
نجحت_ و حاولت أن أرسم اسما يلائم زيتونة
حول خاصرة_ فتناسل كوكب .
أريدك حين أقول أنا لا أريدك..
و جهي تساقط، نهر بعيد يذوب جسمي و في السوق
باعوا دمي كالحساء المعلب
أريدك حين أقول أريدك_
يا امرأة وضعت ساحل البحر الأبيض المتوسط في
حضنها.. و بساتين آسيا على كتفيها.. و كلّ
السلاسل في قلبها.
أريدك، أو لا أريدك_
إنّ خرير الجداول. إن حفبف الصنوبر. إنّ هدير
البحار، وريش البلابل محترق في دمي_ ذات
يوم أراك، و أذهب
أغنّيك، أو لا أغنّيك_
أسكت، أصرخ. لا موعد للصراخ و لا موعد
للسكوت. و أنت الصراخ الوحيد و أنت السكوت
الوحيدّ.
تداخل جلدي بحنجرتي، تحت نافذتي تعبر الريح
لابسة حرسا. و الظلام بلا موعد. حين ينزل
عن راحتّي الجنود
سأكتب شيئا.
و حين سينزل عن قدميّ الجنود
سأمشي قليلا..
و حين سيسقط عن ناظريّ الجنود
أراك.. أرى قامتي من جديد.
أغنّيك،أو لا أغنّيك
أنت الغناء الوحيد، و أنت تغنّيني لو سكتّ. و أنت
السكوت الوحيد .
-2-
في الأيام الحاضرة
أجد نفسي يابسا
كالشجر الطالع من الكتب
و الريح مسألة عابرة .
أحارب.. أو لا أحارب؟
ليس هذا هو السؤال
المهمّ أن تكون حنجرتي قوية
أعمل.. أو لا أعمل؟..
ليس هذا هو السؤال
المهمّ أن أرتاح ثمانية أيام في الأسبوع
حسب توقيت فلسطين
أيّها الوطن المتكرر في الأغاني و المذابح،
دلّني على مصدر الموت
أهو الخنجر.. أم الأكذوبة؟
لكي أذكر أن لي سقفا مفقودا
ينبغي أن أجلس في العراء.
و لكيلا أنسى نسيم بلادي النقي
ينبغي أن أتنفس السل
و لكي أذكر الغزال السابح في البياض
ينبغي أن أكون معتقلا بالذكريات.
و لكيلا أنسى أن جبالي عالية
ينبغي أن أسرّح العاصفة من جبيني.
و لكي أحافظ على ملكية سمائي البعيدة
يجب ألاّ أملك حتى جلدي .
أيّها الوطن المتكرر في المذابح و الأغاني
لماذا أهرّبك من مطار إلى مطار
كالأفيون..
و الحبر الأبيض
و جهاز الإرسال؟!
أريد أن أرسم شكلك.
أيّها المبعثر في الملفات و المفاجآت
أريد أن أرسم شكلك
أيّها المتطاير على شظايا القذائف و أجنحة العصافير
أريد أن أرسم شكلك
فتخطف السماء يدي.
أريد أن أرسم شكلك
أيّها المحاضر بين الريح و الخنجر
أريد أن أرسم شكلك
كي أجد شكلي فيك
فأتهم بالتجريد و تزوير الوثائق و الصور الشمسية
أيّها المحاصر بين الخنجر و الريح
و يا أيّها الوطن المتكرر في الأغاني و المذابح
كيف تتحول إلى حلم و تسرق الدهشة
لتتركي حجرا
لعلّك أجمل في صيرورتك حلما
لعلك أجمل !..
لم يبق في تاريخ العرب
اسم أستعيره
لأتسلّل به إلى نوافذك السريّة.
كل الأسماء السرية محتجزة
في مكاتب التجنيد المكيفة الهواء
فهل تقبل اسمي_
اسمي السري الوحيد_
محمود درويش ؟
أما اسمي الأصلي
فقد انتزعته عن لحمي
سيط الشرطة و صنوبر الكرمل
أيّها الوطن المتكرر في المذابح و الأغاني
دلّني على مصدر الموت
أهو الخنجر
أم الأكذوبة؟!
رد: في حضرة الغياب ... محمود درويش (( متجدد))
يوم كانت كلماتي
تربة ..
كنت صديقا للسنابل
يوم كانت كلماتي
غضبا..
كنت صديقا للسلاسل
يوم كانت كلماتي
حجرا..
كنت صديقا للجداول .
يوم كانت كلماتي
ثورة ..
كنت صديقا للزلازل
يوم كانت كلماتي
حنظلا ..
كنت صديق المتفائل
حين صارت كلماتي
عسلا..
غطّى الذباب
شفتي!..
-4-
تركت وجهي على منديل أمّي
و حملت الجبال في ذاكرتي
ورحلت ..
كانت المدينة تكسر أبوابها
و تتكاثر فوق سطوح السفن
كما تتكاثر الخضرة في البساتين التي تبتعد
إنني أتكيء على الريح
يا أيتها القامة التي لا تنكسر
لماذا أترنح؟.. و أنت جداي
و تصقلني المسافة
كما يصقل الموت الطازج وجوه العشاق
و كلما ازددت اقترابا من المزامير
ازددت نحولا ..
يا أيتها الممرات المحتشدة بالفراغ
مت أصل؟..
طوبى لمن يلتف بجلده!
طوبى لمن يتذكر اسمه الأصلي بلا أخطاء !
طوبى لمن يأكل تفاحة و لا يصبح شجرة
طوبى لمن يشرب من مياه الأنهار البعيدة
و لا يصبح غيما!
طوبى للصخرة التي تعشق عبوديتها
و لا تختار حرية الريح !..
5
أكلما وقفت غيمة على حائط
تطايرت إليها جبهتي كالنافذة المكسورة
ونسيت أني مرصود بالنسيان
وفقدت هويتي؟
إنني قابل للانفجار
كالبكارة..
وكيف تتسع عيناي لمزيد من وجوه الأنبياء؟
إتبعيني أيتها البحار التى تسأم لونها
لأدلك على عصا أخرى
إنني قابل للأعجوبة
كالشرق..
أنا حالة تفقد حالتها
حين تكفّ عن الصراخ
هل تسمّون الرعد رعدا والبرق برقا
إذا تحجّر الصوت، وهاجر اللون؟!
أكلما خرجت من جلدي.
ومن شيخوخة المكان
تناسل الظلّ، وغطاني..ظ
أكلما أطلقت رياحي في الرماد
بحثا عن جمرة منسيّة
لا أجد غير وجهي القديم الذي تركته
على منديل أمي؟
إنني قابل للموت
كالصاعقة..
6
أشجار بلادي تحترف الخضرة
وأنا أحترف الذكرى
والصوت الضائع في البرية
ينعطف نحو السماء، ويركع:
أيّها الغيم! هل تعود؟
لست حزينا إلى هذا الحدّ
ولكن ،لا يحب العصافير
من لا يعرف الشجر،
ولا يعرف المفاجأة
من اعتاد الأكذوبة
لست حزينا إلى هذا الحد
ولكن، لا يعرف الكذب
من لم بعرف الخوف
أنا لست منكمشا إلى هذا الحد
ولكن الأشجار هي العالية.
سيداتي، آنساتي، سادتي
أنا أحبّ العصافير
وأعرف الشجر
أنا أعرف المفاجأة
لأني لم أعرف الأكذوبة.
أنا ساطع كالحقيقة والخنجر
ولهذا أسألكم:
أطلقوا النار على العصافير
لكي أصف الشجر.
أوقفوا النيل
لكي أصف القاهرة.
أوقفوا دجلة أو الفرات أو كليهما
لكي أصف بغداد.
أوقفوا بردى
لكي أصف دمشق !
واوقفوني عن الكلام
لكي أصف نفسي..
-7-
ظلّ النخيل، و آخر الشهداء، و المذياع يرسل صةرة
صوتية عن حالة الأحباب يوميّا، أحبّك في
الخريف و في الشتاء
_لم تبك حيفا، أنت تبكي، نحن لا ننسى تفاصيل
المدينة، كانت امرأة، و كانت أنبياء
البحر! لا، البحر لم يدخل منازلنا بهذا الشكل
خمس نوافذ غرقت و لكن السطوح تعج
بالعشب المجفف و السماء
و دعت سجاني سعيدا كان بالحرب الرخيصة
آه يا وطن الفرنفل و المسدس لم تكن أمي معي
وذهبت أبحث عنك خلف الوقت و المذياع شكلك
كان يكسرني و يتركني هباء
كان الكلام خطيئة و الصمت منفى و الفدائيون
أسرى توقهم للموت في واديك كان الموت تذكر
الدخول إلى يديك و كنت تحتقر البكاء
و الذكريات هوية الغرباء أحيانا و لكن الزمان
يضاجع الذكرى و ينجب لاجئين و يرحل
الماضي و يتركهم بلا ذكرى أتذكرنا و ماذا
لو تقول بلى أنذكر كل شيء عنك ماذا
لو تقول بلى و في الدنيا قضاة يعبدون الأقوياء
من كل نافذة رميت الذكريات كقشرة البطيخ
و استلقيت في الشفق المحاذي للصنوبر ( تلمع
الأمطار في بلد بعيد تقطف الفتيات خوخا غامضا
و الذكريات تمرّ مثل البرق في لحمي و ترجعني
إليك إليك إن الموت مثل الذكريات كلاهما
يمشي إليك إليك يا وطنا تأرجح بين كل
خناجر الدنيا و خاصرة السماء
ظل النخيل و آخر الشهداء و المذياع يرسل صورة
صوتية عن حالة الأحباب يوميا أحبك في
الخريف و في الشتاء
-8-
حالة الاحتضار الطويلة
أرجعتني إلى شارع في ضواحي الطفولة
أدخلتني بيوتا..قلوبا
..سنابل
منحتني هوية
جعلتني قضيّة
حالة الاحتضار الطويلة.
كان يبدو لهم
أنني ميّت ،و الجريمة مرهونة بالأغاني
فمرّوا، و لم يلفظوا اسمي .
دفنوا جثتي في الملفات و الانقلابات
و ابتعدوا
(و البلاد التي كنت أحلم فيها_ سوف
تبقى البلاد التي كنت أحلم فيها).
كان عمرا قصيرا
و موتا طويلا
و أفقت قليلا
و كتبت اسم أرضي على جثتي
و على بندقيّة
قلت: هذا سبيلي
و هذا دليلي
إلى المدن الساحليّة.
و تحركت ،
لكنهم قتلوني.
دفنوا جثتي في الملفات و الانقلابات،
و ابتعدو.ا
(و البلاد التي كنت أحلم فيها_
سوف تبقى البلاد التي كنت أحلم فيها).
أنا في حالة الاحتضار الطويلة
سيّد الحزن.
و الدمع مع كل عاشقة عربيّة
و تكاثر حولي المغنّون و الخطباء
و على جثتي ينبت الشعر و الزعماء
و كل سماسرة اللغة الوطنيّة
صفذقوا
صفّقوا
صفقوا
و لتعش
حالة الاحتضار الطويلة
حالة الاحتضار الطويلة
أرجعتني إلى شارع في ضواحي الطفولة
أدخلتني بيوتا.. قلوبا سنابل
جعلتني قضيّة
منحتني هويّة
و تراث السلاسل.
رد: في حضرة الغياب ... محمود درويش (( متجدد))
-9-
إني أتأهبّ للانفجار
على حافة الحلم
كما تتأهب الآبار اليابسة
للفيضان.
إني أتأهّب للانطلاق
على حافة الحلم
كما تتأهب الحجارة
في أعماق المناجم الميتة
إني أتحفّز للموت
على حافة الحلم
كما يتحفز الشهيد للموت
مرة أخرى.
إني أتأهّب للصراخ
على حافة الحقيقة
كما يتأهب البركان
للانفجار.
-10-
الرحيل انتهى
من يغطي حبيبي
كيف مر المساء المفاجيء
كيف اختفى
في عيون حبيبي ؟
الرحيل انتهى.
أصدقائي يمرون عني .
أصدقائي يموتون فجأة
في جناح السنونو.
الرحيل ابتدأ
حين فر السجين .
ما عرفت الضياع
في صرير السلاسل
كان لحمي مشاع
كسطوح المنازل
لعدوي و لكن
ما عرف الضياع
في صرير السلاسل
أصدقائي يمرون عني
أصدقائي يموتون فجأة.
-11-
أداعب الزمن
كأمير يلاطف حصانا.
و ألعب بالأيام
كما يلعب الأطفال بالخرز الملون
إني أحتفل اليوم
بمرور يوم على اليوم السابق
و أحتفل غدا
بمرور يومين على الأمس
و أشرب نخب الأمس
ذكرى اليوم القادم
و هكذا.. أواصل حياتي1
عندما سقطت عن ظهر حصاني الجامح
و انكسرت ذراعي
أوجعتني إصبعي التي جرحت
قبل ألف سنة!
و عندما أحييت ذكرى الأربعين لمدينة عكا
أجهشت في البكاء على غرناطة
و عندما التفّ حبل المشنقة حول عنقي
كرهت أعدائي كثيرا
لأنهم سرقوا ربطة عنقي !
-12-
نرسم القدس :
إله يتعرّى فوق خطّ داكن الخضرة.أشباه عصافير تهاجر
و صليب واقف في الشارع الخلفيّ. شيء يشبه البرقوق
و الدهشة من خلف القناطر
و فضاء واسع يمتدّ من عورة جندي إلى تاريخ شاعر.
نكتب القدس:
عاصمة الأمل الكاذب ..الثائر الهارب.. الكوكب
الغائب. اختلطت في أزقّتها الكلمات الغريبة،
و انفصلت عن شفاه المغّنين و الباعة القبل
السابقة.
قام فيها جدار جديد لشوق جديد، و طروادة
التحقت بالسبايا. و لم تقل الصخرة الناطقة
لفظة تثبت العكس .طونى لمن يجهض النار في
الصاعقة!.
و تغني القدس :
يا أطفال بابل
يا مواليد السلاسل
ستعودون إلى القدس قريبا
و قريبا تكبرون.
و قريبا تحصدون القمح من ذاكرة الماضي
قريبا يصبح المع سنابل
آه، يا أطفال بابل
ستعودون إلى القدس قريبا
و قريبا تكبرون.
و قريبا
و قريبا
وقريبا..
هلّلويا
هلّلويا!