رد: حلقات تفسير سور القران
وروى البيهقي في دلائل النبوة من حديث عمارة (1) بن غَزِيَّة ، عن أبي الزُّبَير ، عن جابر قال : انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وبقي معه أحد عشر رجلا من الأنصار ، وطلحة بن عبيد الله وهو يصعد (2) الجبل ، فلقيهم المشركون ، فقال : "ألا أحَدٌ لِهَؤُلاءِ ؟" فقال طلحة : أنا يا رسول الله ، فقال : "كمَا أنْتَ يَا طَلْحَةُ". فقال رجل من الأنصار : فأنا يا رسول الله ، فقاتل عنه ، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بقي معه ، ثم قُتل الأنصاري فلحقوه فقال : "ألا رجُلٌ لِهؤُلاءِ ؟" فقال طلحة مثل قوله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قوله ، فقال رجل من الأنصار : فأنا يا رسول الله ، فقاتل عنه وأصحابه يصعدن ، ثم قتل فلحقوه ، فلم يزل يقول مثل قوله الأول فيقول (3) طلحة : فأنا (4) يا رسول الله ، فيحبسه ، فيستأذنه رجل من الأنصار للقتال فيأذَنُ له ، فيقاتل (5) مثل من كان قبله ، حتى لم يبق معه إلا طلحة فَغشَوْهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مَنْ لِهَؤلاءِ ؟" فقال طلحة : أنا. فقاتل مثْل قتال جميع من كان قبله وأصيبت أنامله ، فقال : حس ، فقال رسول الله : "لوْ قُلْتَ : بِاسْمِ اللهِ ، وذَكرت اسْمَ الله ، لَرَفَعَتْكَ الملائِكَة والنَّاسُ يَنْظُرونَ إلَيْكَ ، حَتَّى تلجَ بِكَ فِي جَوِّ السَّمَاءِ" ، ثم صعد (6) رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم مجتمعون (7).
وقد روى البخاري ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن وَكِيع ، عن إسماعيل ، عن قَيْس بن أبي حازم قال : رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم - يعني يوم أحد (8).
وفي الصحيحين من حديث مُعْتَمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي عُثمان النَّهْدِي قال : لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام ، التي قاتل فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم غَيْرُ طلحةَ بن عبيد الله وسعد ، عن حَديثهما (9) وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد وثابت عن أنس بن مالك ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش ، فلما رَهِقُوه قال : "مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ - أو : وهو رفيقي في الجنة ؟" فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ، ثم رهقوه أيضا ، فقال : "من يردهم عنا وله الجنة ؟" فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل. فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبيه : ما أنْصَفْنَا أصْحَابنا".
رواه مسلم عن هُدبة بن خالد ، عن حماد بن مسلمة (10) به نحوه (11).
وقال الحسن بن عرفة : حدثنا ابن مروان بن معاوية ، عن هاشم بن هاشم الزهري ، قال سمعت سعيد بن المسيَّب يقول : سمعت سعد بن أبي وقاص [رضي الله عنه] (12) يقول : نَثُل لي
رسول (1) الله صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أحد قال : "ارْمِ فِدَاكَ أبِي وأُمِّي".
رد: حلقات تفسير سور القران
وأخرجه البخاري ، عن عبد الله بن محمد ، عن مروان بن معاوية (2).
وقال محمد بن إسحاق (3) حدثني صالح بن كيسان ، عن بعض آل سعد ، عن سعد بن أبي وقاص ؛ أنه رمى يوم أحد دونَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال سعد : فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يناولني النَّبْلَ ويقول : "ارْمِ فِدَاكَ أبِي وأُمِّي" حتى إنه ليناولني السهم ليس له نصل ، فأرمي به.
وثبت في الصحيحين من حديث إبراهيم بن سعد عن أبيه ، عن جده ، عن سعد بن أبي وقاص (4) قال : رأيت يوم أحد عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وعن يساره رجلين ، عليهما ثياب بيض ، يقاتلان عنه أشد القتال ، ما رأيتهما قبل ذلك اليوم ولا بعده ، يعني : جبريل وميكائيل عليهما السلام (5).
وقال أبو الأسود ، عن عروة بن الزبير قال : كان أبَيُّ بن خَلَف ، أخو بني جُمَح ، قد حلف وهو بمكة لَيَقْتُلَن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما بلغتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حَلْفَتُه قال : "بَلْ أنَا أقْتُلُهُ ، إنْ شَاءَ الله". فلما كان يوم أحد أقبل أبَي في الحديد مُقَنَّعا ، وهو يقول : لا نَجَوْتُ إن نجا محمد. فحمل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد قتْله ، فاستقبله مُصْعَب بن عُمَير ، أخو بني عبد الدار ، يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ، فقتل مصعب بن عمير ، وأبصر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تَرْقُوَة أبي بن خلف من فَرْجةَ بين سابغة الدرع والبيضة ، وطعنه فيها بحربته ، فوقع إلى الأرض عن فرسه ، لم يخرج من طعنته دم ، فأتاه أصحابه فاحتملوه وهو يخور خُوار الثور ، فقالوا له : ما أجزعك إنما هو خدش ؟ فذكر لهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أنا أقْتُلُ أُبيا". ثم قال : والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المَجَاز لماتوا أجمعون. فمات إلى النار ، فسحقا لأصحاب السعير.
وقد رواه موسى بن عُقْبة في مغازيه ، عن الزُّهْري ، عن سعيد بن المسيّب بنحوه.
وذكر محمد بن إسحاق قال : لما أسْنِدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب ، أدركه أبي بن خَلَفَ وهو يقول : لا نجوتُ إن نجوتَ فقال القوم : يا رسول الله ، يَعْطف عليه رجل منا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "دَعُوُه" فلما دنا تناول رسول الله [صلى الله عليه وسلم] (6) الحربة من الحارث بن الصِّمَّة ، فقال بعض القوم ما ذكر (7) لي : فلما أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه انتفض بها انتفاضة ، تطايرنا عنه تطاير الشّعْر عن ظهر البعير إذا انتفض ، ثم استقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم فطعنه في عنقه طعنة تدأدَأ منها عن فرسه مرارًا.
وذكر الواقدي ، عن يونس بن بُكَير ، عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمرو بن قتادة ، عن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أبيه نحو ذلك (8).
قال الواقدي : كان ابن عمر يقول : مات أبَيّ بن خلف ببطن رَابِغٍ ، فإني لأسير ببطن رابغ بعد
هوى من الليل إذا أنا بنار تتأجّح (1) فهبتها ، فإذا رجل يخرج منها في سلسلة يجتذبها يهيج به العطش ، وإذا رجل يقول : لا تسقه ، فإن هذا قتيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا أبيّ بن خلف.
وثبت في الصحيحين ، من رواية عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن هَمَّام بن مُنَبِّه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوا بِرَسُولِ اللهِ - وهو حينئذ يشير إلى رباعيته - اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَبِيلِ اللهِ" (2).
رد: حلقات تفسير سور القران
ورواه البخاري أيضًا (3) من حديث ابن جُرَيج ، عن عَمْرو بن دينار ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس قال : اشتد غضب الله على من قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بيده في سبيل الله ، اشتد غضب الله على قوم دَمَّوا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال محمد بن إسحاق بن يسار ، رحمه الله : أصيبت رَبَاعِية رسول الله صلى الله عليه وسلم وشج في وَجْنَته ، وكُلِمَت شَفَتُه (4) وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص.
فحدثني صالح بن كَيْسان ، عمن حدثه ، عن سعد بن أبي وقاص قال : ما حَرَصْتُ على قتل أحد قَط ما حرصت على قتل عُتْبة بن أبي وقاص وإن كان ما علمته لسيئ الخلُق ، مُبْغَضًا في قومه ، ولقد كفاني فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى مَنْ دَمَّى وَجْهَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم" (5).
وقال عبد الرزاق : أنبأنا معْمَر ، عن الزهري ، عن عثمان الجزَري ، عن مقْسَم ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على عُتْبةَ بن أبي وقاص يوم أحُد حين كَسر رَبَاعيتَه ودَمى وجهه فقال : "اللَّهُمَّ لا تحل (6) عَلَيْهِ الْحَوْل حَتَّى يموتَ كَافِرًا". فما حال عليه الحولُ حتى مات كافرًا إلى النار (7).
ذكر الواقدي عن ابن أبي سبرة ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فَرْوة ، عن أبي الحُويرث ، عن نافع بن جبير قال : سمعتُ رجُلا من المهاجرين يقول : شهدت أحُدًا فنظرت إلى النَّبْل يأتي من كل ناحية ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم (8) وسطها ، كُلُّ ذلك يُصْرَف عنه ، ولقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهري يقول يومئذ : دُلّوني على محمد ، لا نَجَوتُ إن نجا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ليس معه (9) أحد ، ثم جاوره (10) فعاتبه في ذلك صَفْوان ، فقال : والله ما رأيته ، أحلف بالله إنه منا ممنوع. خرجنا أربعة فتعاهدنا وتعاقدنا على قتله ، فلم نخلص إلى ذلك.
قال الواقدي : الثَّبْتُ عندنا أن الذي رمى في وَجْنَتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن قَميئة (11) والذي دَمى شفته (12) وأصاب رباعيته عتبة بن أبي وقاص (13).
وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا ابن المبارك ، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله ،
أخبرني عيسى بن طلحة ، عن أم المؤمنين عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : كان أبو بكر ، رضي الله عنه ، إذا ذكر يوم أحد قال (1) ذاك (2) يوم كُله لطلحة ، ثم أنشأ يحدث قال : كنت أول من فَاء يوم أحد ، فرأيت رجلا يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دونه - وأراه قال : حَميَّة فقال (3) فقلت : كن طَلْحَةَ ، حيث فاتني ما فاتني ، فقلت : يكون رجلا من قومي أحب إلي ، وبيني وبين المشركين رجل لا أعرفه ، وأنا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، وهو يخطف المشي خطفا لا أحفظه (4) فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح ، فانتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : وقد كسرت رَبَاعِيتُه وشُجّ في وجهه ، وقد دخل في وَجْنَته حلقتان من حِلَق المِغْفَر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "عَليكُما صَاحِبَكُما". يريد طلحة ، وقد نزف ، فلم نلتفت إلى قوله ، قال : وذهبت لأن أنزع (5) ذلك (6) من وجهه ، فقال أبو عبيدة : أقسمت عليك بحقي لما تركتني. فتركته ، فكره أن يتناولها بيده فيؤذي النبي (7) صلى الله عليه وسلم ، فَأزَمَّ عليها (8) بِفِيهِ فاستخرج إحدى الحلقتين ، ووقعت ثَنيَّته مع الحلقة ، ذهبت لأصنع ما صنع ، فقال : أقسمت عليك بحقي لما تركتني ، قال : ففعل مثل ما فعل في المرة الأولى ، فوقعت ثنيته الأخرى مع الحلقة ، فكان أبو عبيدة ، رضي الله عنه ، أحسن (9) الناس هَتْما ، فأصلحنا من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أتينا طلحة في بعض تلك الجفار ، فإذا به بضع وسبعون أو أقل أو أكثر من طعنة ورَمْيَة وضربة ، وإذا قد قُطعَتْ إصبعه ، فأصلحنا من شأنه.
رد: حلقات تفسير سور القران
ورواه الهيثم بن كُلَيب ، والطبراني ، من حديث إسحاق بن يحيى به. وعند الهيثم : فقال أبو عبيدة : أنشدك (10) يا أبا بكر إلا تركتني ؟ فأخذ أبو عبيدة السّهم بفيه ، فجعل يُنَضْنِضَه كراهيةَ (11) أن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم اسْتل السهم بفيه فبدرت (12) ثنية أبي عبيدة.
وذكر تمامه ، واختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه (13) وقد ضَعّف علي بن المديني هذا الحديث من جهة إسحاق بن يحيى هذا ، فإنه تكلم فيه يحيى بن سعيد القطان ، وأحمد ، ويحيى بن معين ، والبخاري ، وأبو زُرعة ، وأبو حاتم ، ومحمد بن سعد ، والنسائي وغيرهم.
وقال ابن وَهْب : أخبرني عَمْرو بن الحارث : أن عُمَر بن السائب حدثه : أنه بلغه أن مالكا أبا [أبي] (14) سعيد الخُدْري لمَّا جرح النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد مَصّ الجرح حتى أنقاه ولاح أبيض ، فقيل له : مُجَّه. فقال : لا والله لا أمجه أبدا. ثم أدبر يقاتل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة ، فلينظُرْ إلى هذا " فاستشهد (15).
وقد ثبت في الصحيحين من طريق عبد العزيز بن أبي حازم (16) عن أبيه ، عن سَهْل بن سَعْد أنه
سئل عن جُرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : جُرح وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكسِرت رَبَاعِيتُه ، وهُشِمَت البَيْضة على رأسه ، فكانت (1) فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسل الدم ، وكان عَلِي يسكب عليها (2) بالمِجَنّ (3) فلما رأت فاطمة [رضي الله عنها] (4) أن الماء لا يزيدُ الدم إلا كثرة ، أخذت قطعةَ حَصِير فأحرقته ، حتى إذا صار (5) رمادا ألصقته بالجُرْح ، فاستمسك الدم (6).
وقوله : { فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ } أي : فجازاكم غَما على غَم كما تقول العرب : نزلت ببني فلان ، ونزلت على بني فلان.
قال ابن جرير : وكذا قوله : { وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ } [طه : 71] [أي : على جذوع النخل] (7).
قال ابن عباس : الغم الأول : بسبب الهزيمة ، وحين قيل : قتل محمد صلى الله عليه وسلم ، والثاني : حين علاهم المشركون فوق الجبل ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "اللَّهُمَّ لَيْسَ لَهُمْ أنْ يَعْلُونا".
وعن عبد الرحمن بن عوف : الغم الأول : بسبب الهزيمة ، والثاني : حين قيل : قُتِلَ محمد صلى الله عليه وسلم ، كان ذلك عندهم أعظم من الهزيمة.
رواهما ابن مَرْدُويَه ، وروي عن عمر بن الخطاب نحو ذلك. وذكر ابن أبي حاتم عن قتادة نَحْوَ ذلك أيضا.
وقال السُّدِّي : الغم الأول : بسبب ما فاتهم من الغنيمة والفتح ، والثاني : بإشراف العدو عليهم.
وقال محمد بن إسحاق { فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ } أي : كَرْبا بعد كرب ، قَتْل مَنْ قُتل من إخوانكم ، وعُلُو عدوكم عليكم ، وما وقع في أنفسكم من قول من قال : "قُتل نبيكم" (8) فكان (9) ذلك متتابعا (10) عليكم غما بغم.
وقال مجاهد وقتادة : الغم الأول : سماعهم قتل محمد ، والثاني : ما أصابهم من القتل والجراح. وعن قتادة والربيع بن أنس عكسُه.
وعن السُّدِّي : الأول : ما فاتهم من الظَّفَر والغنيمة ، والثاني : إشراف العدو عليهم ، وقد تقدم هذا عن السدي.
قال ابن جرير : وأولى هذه الأقوال بالصواب قولُ من قال : { فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ } فأثابكم بغَمكُم أيها المؤمنون بحرمان الله إياكم غنيمةَ المشركين والظَّفر بهم والنصرَ عليهم ، وما أصابكم من القتل والجراح يومئذ - بعد الذي أراكم (11) في كل ذلك ما تحبون - بمعصيتكم ربكم ، وخلافكم أمر النبي (12) صلى الله عليه وسلم ، غَم ظنكم أن نبيكم قد قتل ، وميل العدو عليكم بعد فُلولكم منهم.
وقوله : { لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ } أي : على ما فاتكم من الغنيمة بعدوكم { وَلا مَا أَصَابَكُمْ } من القتل والجراح ، قاله ابن عباس ، وعبد الرحمن بن عوف ، والحسن ، وقتادة ، والسدي { وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }.
رد: حلقات تفسير سور القران
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)
{ ثُمَّ أَنزلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) }
يقول تعالى مُمْتَنا على عباده فيما أنزل عليهم من السكينة والأمَنَة ، وهو النعاس الذي غشيهم وهم مسْتَلْئمو السلاح في حال هَمِّهم وغَمِّهم ، والنعاس في مثل تلك الحال دليل على الأمان (1) كما قال تعالى في سورة الأنفال ، في قصة بدر : { إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ[ وَيُنزلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ ] (2) } [الأنفال : 11].
وقال [الإمام] (3) أبو محمد عبد الرحمن ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو نعيم وكيع (4) عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن عبد الله بن مسعود قال : النعاس في القتال من الله ، وفي الصلاة من الشيطان.
قال البخاري : قال (5) لي خليفة : حدثنا يزيد بن زُرَيْع ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، عن أبي طلحة ، رضي الله عنه ، قال : كنت فيمن تَغَشاه (6) النعاس يوم أحُد ، حتى سقط سيفي من يدي مرارا ، يسقط وآخذه ، ويسقط وآخذه.
هكذا رواه في المغازي معلقا. ورواه في كتاب التفسير مُسْنَدًا عن شيبان ، عن قتادة ، عن أنس ، عن أبي طلحة قال : غَشينا النعاس ونحن في مَصَافنا يوم أحد. قال : فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ، ويسقط وآخذه.
رد: حلقات تفسير سور القران
وقد رواه الترمذي والنسائي والحاكم ، من حديث حَمَّاد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، عن
أبي طلحة قال : رفعت رأسي يوم أحُد ، وجعلت أنظر وما منهم يومئذ أحد إلا يميد (1) تحت جَحَفَتِه من النعاس. لفظ الترمذي ، وقال : حسن صحيح.
ورواه النسائي أيضا ، عن محمد بن المثنى ، عن خالد بن الحارث ، عن أبي قتيبة ، عن ابن أبي عدي ، كلاهما عن حميد ، عن أنس قال : قال أبو طلحة : كنت فيمن ألقي عليه النعاس - الحديث (2).
وهكذا رُوي عن الزبير وعبد الرحمن بن عوف ، رضي الله عنه (3).
وقال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الحسين محمد بن يعقوب ، أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي ، حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخزومي ، حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا شيبان ، عن قتادة ، حدثنا أنس بن مالك ؛ أن أبا طلحة قال : غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحُد ، فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ، ويسقط وآخذه ، قال : والطائفة الأخرى المنافقون ليس لهم هَمٌّ إلا أنفسهُم ، أجبن قوم وأرعنه ، وأخْذَله للحق { يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ } كَذَبَةَ ، أهل (4) شك وريب في الله ، عز وجل (5).
هكذا رواه بهذه الزيادة ، وكأنها من كلام قتادة ، رحمه الله ، وهو كما قال ؛ فإن الله عز وجل يقول : { ثُمَّ أَنزلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ } يعني : أهل الإيمان واليقين والثبات (6) والتوكل الصادق ، وهم الجازمون بأن الله سينصر رسوله ويُنْجِز له مأموله ، ولهذا قال : { وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } يعني : لا يغشاهم النعاس من القلق والجزع والخوف { يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ } كما قال في الآية الأخرى : { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا [وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا] (7) } [الفتح : 12] وهكذا هؤلاء ، اعتقدوا أن المشركين لما ظهروا تلك الساعة أنَّها الفيصلة (8) وأن الإسلام قد باد وأهلُه ، هذا شأن أهل الريب والشك إذا حصل أمر من الأمور الفظيعة ، تحصل لهم هذه الظنون الشنيعة.
ثم أخبر تعالى عنهم أنهم { يَقُولُونَ } في تلك الحال : { هَلْ لَنَا مِنَ الأمْرِ مِنْ شَيْءٍ } قال الله تعالى : { قُلْ إِنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ } ثم فَسر ما أخفوه في أنفسهم بقوله : { يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا } أي : يسرون (9) هذه المقالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال [محمد] (10) بن إسحاق بن يسار : فحدثني يحيى بن عباد (11) بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير قال : قال الزبير : لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الخوف علينا ، أرسل الله علينا النوم ، فما منا من رجل إلا ذقنه في صدره ، قال : فوالله إني لأسمع قول مُعْتَب بن
قُشَير ، ما أسمعه إلا كالحلم ، [يقول] (1) { لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا } فحفظتها منه ، وفي ذلك أنزل الله [تعالى] (2) { لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا } لقول مُعتَب. رواه ابن أبي حاتم.
رد: حلقات تفسير سور القران
قال الله تعالى : { قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ } أي : هذا قدر مقدر من الله عز وجل ، وحكم حَتْم لا يحاد (3) عنه ، ولا مناص منه.
وقوله : { وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ } أي : يختبركم بما جرى عليكم ، وليميز الخبيثَ من الطيب ، ويظهر أمْرَ المؤمن والمنافق للناس في الأقوال والأفعال ، { وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } أي : بما يختلج (4) في الصدور من السرائر والضمائر.
ثم قال (5) { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا } أي : ببعض ذنوبهم السالفة ، كما قال بعض السلف : إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها ، وإن من جَزَاء السيئةَ السيئة بعدها (6).
ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ } أي : عَمّا كان منهم من الفرار { إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ } أي : يغفر الذنب ويحلُم عن خلقه ، ويتجاوز عنهم ، وقد تقدم حديث ابن عمر في شأن عثمان ، رضي الله عنه ، وتوليه يوم أحد ، وأن الله [قد] (7) عفا عنهم ، عند قوله : { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } ومناسب ذكره هاهنا.
قال (8) الإمام أحمد : حدثنا معاوية بن عَمْرو ، حدثنا زائدة ، عن عاصم ، عن شقيق ، قال : لقي عبدُ الرحمن بن عوف الوليد بن عقبة (9) فقال له الوليد : ما لي أراك جفوتَ أمير المؤمنين عثمانَ ؟ فقال له عبد الرحمن : أبلغه أني لم أفر يوم عَيْنَيْن (10) - قال عاصم : يقول يوم أحد - ولم أتخلف عن بدر ، ولم أترك سُنة عمر. قال : فانطلق فَخَبر ذلك عثمان ، قال : فقال : أما قوله : إني لم أفر يوم عَيْنَيْن (11) فكيف يعَيرني بذَنْب قد (12) عفا الله عنه ، فقال : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ } وأما قولُهُ : إني تخلفت يوم بدر فإني كنت أمرض رقَيَّة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ماتت ، وقد ضرب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم ، ومن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم فقد شهِد. وأما قوله : "إني لم أترك سنَّة عمر" فإني لا أطيقها ولا هو ، فأته فحدثه بذلك (13).
رد: حلقات تفسير سور القران
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) }
{ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) }
ينهى تعالى عباده المؤمنين عن مشابهة الكفار في اعتقادهم الفاسد ، الدال عليه قولهم عن إخوانهم الذين ماتوا في الأسفار وفي (1) الحروب : لو كانوا تركوا ذلك لما أصابهم ما أصابهم. فقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإخْوَانِهِمْ } أي : عن إخوانهم { إِذَا ضَرَبُوا فِي الأرْضِ } أي : سافروا للتجارة ونحوها (2) { أَوْ كَانُوا غُزًّى } أي : في الغزو { لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا } أي : في البلد { مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا } (3) أي : ما ماتوا في السفر ولا قتلوا في الغزو.
وقوله : { لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ } أي : خلق هذا الاعتقاد في نفوسهم ليزدادوا حسرة على موتهم وقتْلهم (4) ثم قال تعالى ردا عليهم : { وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ } أي : بيده الخلق وإليه يرجع الأمر ، ولا يحيا أحد ولا يموت إلا بمشيئته وقدره ، ولا يُزَاد في عُمُر أحد ولا يُنْقَص منه إلا بقضائه وقدره { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي : وعلمه وبصره نافذ في جميع خلقه ، لا يخفى عليه من أمورهم شيء.
وقوله : { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } تضمن هذا أن القتل في سبيل الله ، والموت أيضا ، وسيلة إلى نيل رحمة الله وعَفوه ورضوانه ، وذلك خير من البقاء في الدنيا وجمع حطامها الفاني.
ثم أخبر بأن كل من مات أو قتل فمصيره ومرجعه إلى الله ، عز وجل ، فيجزيه بعمله ، إن خيرًا فخير ، وإن شرا فشر فقال : { وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ }
رد: حلقات تفسير سور القران
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163) لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)
{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163) لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) }
يقول تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم ، ممتنا عليه وعلى المؤمنين فيما ألان به قلبه على أمته ، المتبعين لأمره ، التاركين لزجره ، وأطاب لهم لفظه : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ } أي : أي شيء جعلك لهم لينا لولا رحمة الله بك وبهم.
قال قتادة : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ } يقول : فبرحمة من الله لنت لهم. و"ما" صلة ، والعربُ تصلها بالمعرفة كقوله : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ } [النساء : 155 ، المائدة : 13] وبالنكرة كقوله : { عَمَّا قَلِيلٍ } [المؤمنون : 40] وهكذا (1) هاهنا قال : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ } أي : برحمة من الله (2).
وقال الحسن البصري : هذا خُلُقُ محمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله به.
وهذه الآية الكريمة شبيهة بقوله تعالى : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [التوبة : 128].
وقال الإمام أحمد : حدثنا حَيْوة ، حدثنا بَقِيَّة ، حدثنا محمد بن زياد ، حدثني أبو راشد الحُبْراني قال : أخد بيدي أبو أمَامة الباهلي وقال : أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "يَا أبَا أُمامَةَ ، إنَّ مِنَ الْمُؤْمِنينَ مَنْ يَلِينُ لِي قَلْبُه". (3) انفرد (4) به أحمد (5).
ثم قال تعالى : { وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } الفظ : الغليظ ، [و] (6) المراد به هاهنا غليظ الكلام ؛ لقوله بعد ذلك : { غَلِيظَ الْقَلْبِ } أي : لو كنت سيِّئَ الكلام قاسي القلب عليهم لانفضوا عنك وتركوك ، ولكن الله جمعهم عليك ، وألان جانبك لهم تأليفا لقلوبهم ، كما قال عبد الله بن عمرو : إنه رأى صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة : أنه ليس بفَظٍّ ، ولا غليظ ، ولا سَخّاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح (7).
وروى أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي ، أنبأنا بشْر بن عُبَيد الدارمي ، حدثنا عَمّار بن عبد الرحمن ، عن المسعودي ، عن ابن أبي مُلَيْكَة ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنَّ الله أمَرَنِي بِمُدَارَاةِ النَّاس كَمَا أمَرني بِإقَامَة الْفَرَائِضِ" (8) حديث غريب (9).
ولهذا قال تعالى : { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ } ولذلك (1) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمر إذا حَدَث ، تطييبًا لقلوبهم ؛ ليكونوا فيما يفعلونه (2) أنشط (3) لهم [كما] (4) شاورهم يوم بدر في الذهاب إلى العير (5) فقالوا : يا رسول الله ، لو استعرضت بنا عُرْض البحر لقطعناه معك ، ولو سرت بنا إلى بَرْك الغَمَاد لسرنا معك ، ولا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ، ولكن نقول : اذهب ، فنحن معك وبين يديك وعن يمينك وعن [شمالك] (6) مقاتلون.
رد: حلقات تفسير سور القران
الله يجزيك الجنة أخوي خالد
ويجعل هالموضوع لك صدقة جارية
رد: حلقات تفسير سور القران
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة styler
الله يجزيك الجنة أخوي خالد
ويجعل هالموضوع لك صدقة جارية
بارك الله فيك اخي وجزاك الله الجنة
رد: حلقات تفسير سور القران
وشاورهم - أيضا - أين يكون المنزل ؟ حتى أشار المنذر بن عمرو المعتق ليموتَ ، بالتقدم إلى أمام القوم ، وشاورهم في أحد في أن يقعد في المدينة أو يخرج إلى العدو ، فأشار جمهُورُهم بالخروج إليهم ، فخرج إليهم.
وشاورهم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذ ، فأبى عليه ذلك السَعْدَان : سعدُ بن معاذ وسعدُ بن عُبَادة ، فترك ذلك.
وشاورهم يومَ الحُدَيبية في أن يميل على ذَرَاري المشركين ، فقال له الصديق : إنا لم نجيء (7) لقتال أحد ، وإنما جئنا معتمرين ، فأجابه إلى ما قال.
وقال عليه السلام (8) في قصة (9) الإفك : "أشِيروا عَلَيَّ مَعْشَرَ الْمُسْلِمينَ فِي قَوْمٍ أبَنُوا (10) أهلِي ورَمَوهُم ، وايْمُ اللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أهْلِي مِنْ سُوءٍ ، وأبَنُوهم بمَنْ - واللهِ - مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إلا خَيْرًا". واستشار عليا وأسامة في فراق عائشة ، رضي الله عنها.
فكان (11) [صلى الله عليه وسلم] (12) يشاورهم في الحروب ونحوها. وقد اختلف الفقهاء : هل كان ذلك واجبا عليه أو من باب الندب تطييبا لقلوبهم ؟ على قولين.
وقد قال الحاكم في مستدركه : حدثنا أبو جعفر محمد بن محمد البغدادي ، حدثنا يحيى بن أيوب العلاف (13) بمصر ، حدثنا سعيد بن [أبي] (14) مريم ، أنبأنا سفيان بن عيينة ، عن عَمْرو بن دينار ، عن ابن عباس في قوله : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ } قال : أبو بكر وعمر ، رضي الله عنهما. ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (15).
وهكذا رواه الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : نزلت في أبي بكر وعمر ، وكانا حَوَاري رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيريه وأبَوَي المسلمين.
وقد روى الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، حدثنا عبد الحميد ، عن شَهْرَ بن حَوْشَب ، عن عبد الرحمن
بن غَنْم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر : "لوِ اجْتَمَعْنا (1) فِي مَشُورَةٍ مَا خَالَفْتُكُمَا" (2).
وروى ابن مَرْدُويه ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العَزْم ؟ قال (3) "مُشَاوَرَةُ أهْلِ الرَّأْي ثُمَّ اتِّبَاعُهُمْ" (4).
وقد قال ابن ماجة : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يحيى بن أبي بكير (5) عن شيبان (6) عن عبد الملك بن عُمير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "المُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ".
ورواه أبو داود والترمذي ، وحسّنه [و] (7) النسائي ، من حديث عبد الملك بن عُمير بأبسط منه (8).
ثم قال ابن ماجة : حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ، حدثنا أسود بن عامر ، عن شريك ، عن الأعمش ، عن أبي عَمْرو الشيباني ، عن أبي (9) مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "المُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ". تفرد به (10).
[وقال أيضا] (11) وحدثنا أبو بكر ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة وعلي بن هاشم ، عن ابن أبي ليلى ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذَا اسْتَشَارَ أحَدُكُمْ أخَاهُ فَليشِر (12) عليْهِ. تفرد به أيضا (13).
وقوله : { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } أي : إذا شاورتهم في الأمر وعزَمْت عليه فتوكل على الله فيه { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }
رد: حلقات تفسير سور القران
وقوله : { إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } وهذا كما تقدم من قوله : { وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } [آل عمران : 126] ثم أمرهم بالتوكل عليه فقال : { وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }
وقوله : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } قال ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وغير واحد : ما ينبغي لنبي أن يخون.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا المسيَّب بن واضح ، حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن
سفيان (1) [عن] (2) خصيف ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : فقدوا قطيفة يوم بدر فقالوا : لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها. فأنزل الله : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } أي : يخون.
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا خصِيف ، حدثنا مِقْسَم حدثني ابن عباس أن هذه الآية : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } نزلت في قطيفة (3) حمراء فُقدت يوم بدر ، فقال بعض الناس : أخذها (4) قال فأكثروا في ذلك ، فأنزل الله : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }
وكذا رواه أبو داود ، رحمه الله ، والترمذي جميعا ، عن قتيبة ، عن عبد الواحد بن زياد ، به. وقال الترمذي : حسن غريب. ورواه بعضهم عن خَصِيف ، عن مِقْسَم - يعني مرسلا (5).
وروى ابن مَرْدُويه من طريق أبي عمرو بن العلاء ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : اتهم المنافقون رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء فُقِد ، فأنزل الله ، عز وجل : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ }
وقد وروي من غير وجه عن ابن عباس نحو ما تقدم. وهذا تبرئة له ، صلوات الله وسلامه عليه ، عن جميع وجوه الخيانة في أداء الأمانة وقسم الغنيمة وغير ذلك.
وقال العوفي عن ابن عباس : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } أي : بأن يَقْسم لبعض السرايا ويترك بعضا (6) وكذا قال الضحاك.
وقال محمد بن إسحاق : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } بأن يترك بعض ما أنزل إليه فلا يبلغه أمته.
وقرأ الحسن البصري وطاوس ، ومجاهد ، والضحاك : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } بضم الياء أي : يخان.
وقال قتادة والربيع بن أنس : نزلت هذه الآية يوم بدر ، وقد غَلّ بعض أصحابه. رواه ابن جرير عنهما ، ثم حكى عن بعضهم أنه قرأ (7) هذه القراءة بمعنى يُتَّهم بالخيانة.
رد: حلقات تفسير سور القران
ثم قال تعالى : { وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد. وقد وردت السنة بالنهي عن ذلك أيضا في أحاديث متعددة.
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الملك ، حدثنا زهير - يعني ابن محمد - عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي مالك الأشجعي [رضي الله عنه] (8) عن النبي صلى الله عليه وسلم (9) أعْظَمُ الْغُلُولِ عِنْدَ اللهِ ذِراعٌ مِنَ الأرْضِ : تَجِدُونَ الرَّجُلَيْن جَارَيْن في الأرْضِ - أو فِي الدَّار - فَيَقْطَعُ أحَدُهُمَا
مِنْ حَظِ صِاحِبِه ذِراعًا ، فَإذَا اقْتَطَعَهُ طُوِّقَهُ مِنْ سَبعِ (1) أرضِينَ إلى يَوْمِ الْقِيَامة" (2).
["وفي الصحيحين عن سعيد بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من ظلم قَيْد شبر من الأرض طُوِّقَه يوم القيامة من سبع أرضين"] (3) (4).
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا موسى بن داود ، حدثنا ابن لَهِيعة ، عن ابن (5) هُبَيْرة والحارث بن يزيد (6) عن عبد الرحمن بن جبير. قال : سمعت المُسْتَوْرد بن شدّاد يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "مَنْ وَلِيَ لَنَا عَمَلا وَلَيْسَ لَهُ مَنزلٌ فَلْيَتَّخِذْ مَنزلا أَوْ لَيْسَتْ لَهُ زَوْجَةٌ فَلْيَتَزَوَّجْ ، أَوْ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَلْيَتَّخِذْ خَادِمًا ، أَوْ لَيْسَت (7) لَهُ دَابَّةٌ فَلْيَتَّخِذْ دَابَّةً ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ غَالٌّ" (8).
هكذا رواه الإمام أحمد ، وقد رواه أبو داود بسند آخر وسياق آخر فقال :
حدثنا موسى بن مروان الرَّقِّي ، حدثنا المعافي ، حدثنا الأوزاعي ، عن الحارث بن يزيد (9) عن جبير بن نُفَير ، عن المستورد بن شداد. قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "مَنْ كَانَ لَنَا عَامِلا فَلْيَكْتَسِبْ زَوْجَةً ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ فَلْيَكْتَسِبْ خَادِمًا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ فَلْيَكْتَسِبْ مَسْكَنًا". قال : قال أبو بكر : أُخْبِرْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : "مَنْ اتَّخَذَ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ غَالٌّ ، أَوْ سَارِقٌ" (10).
قال شيخنا الحافظ المزّي [رحمه الله] (11) رواه جعفر بن محمد الفرْيَابي ، عن موسى بن مروان فقال : عن عبد الرحمن بن جُبَير بدل جبير بن نفير ، وهو أشبه بالصواب.
حديث آخر : قال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيب ، حدثنا حَفْص (12) بن بشْر ، حدثنا (13) يعقوب القُمّي (14) حدثنا حفص بن حميد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى لله عليه وسلم "لا أعْرِفَنَّ أحَدَكُمْ يَأْتي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْملُ شَاةً لَهَا ثُغَاءٌ ، فَيُنَادِي : يَا مُحَمَّدُ ، يَا مُحَمَّدُ ، فَأقُولُ : لا أمْلِكُ [لَكَ] (15) مِنَ اللهِ شَيْئًا ، قَدْ بَلَّغْتُكَ. ولا أعْرِفَنَّ أحَدَكُمْ [يأْتِي] (16) يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ جَمَلا لَهُ رُغَاءٌ ، فَيَقُولُ : يَا مُحَمَّدُ ، يَا مُحَمَّدُ. فَأَقُولُ : لا أمْلِكُ لَكَ مِن اللهِ شَيْئًا ، قَدْ بَلَّغْتُكَ. ولا أعْرِفَنَّ أَحَدكمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ فَرَسًا لَهُ حَمْحَمَةٌ ، يُنَادِي : يَا مُحَمَّدُ ، يَا مُحَمَّدُ. فَأَقُولُ : لا أمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، قَدْ
بَلَّغْتُكَ. وَلا أعْرِفَنَّ أحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ [قَشْعًا] (1) من أدْمٍ ، يُنَادِي : يَا مُحَمَّدُ ، يَا مُحَمَّدُ. فأقُولُ : لا أمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، قَدْ بَلَّغْتُكَ".
لم يروه أحدٌ من أهل (2) الكتب الستة (3).
رد: حلقات تفسير سور القران
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن الزهري ، سمع عُرْوَة يقول : أخبرنا أبو حميد الساعدي قال : استعمل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رَجُلا من الأزْد يقال له : ابن اللُّتْبِيَّة على الصدقة ، فجاء فقال : هذا لكم وهذا أهدي لي. فقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال : "مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَجِيءُ فَيَقُولُ : هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي. أَفَلا جَلَسَ (4) فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لا ؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَأْتِي أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا بِشَيْءٍ إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ" ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ : "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ" ثَلاثًا.
وزاد هشَام بن عُرْوَة : فقال (5) أبو حميد : بَصَرُ عيني ، وسمع أذني ، وسلوا (6) زيد بن ثابت.
أخرجاه من حديث سفيان بن عيينة (7) وعند البخاري : وسلوا زيد بن ثابت. ومن غير وجه عن الزهري ، ومن طريق (8) عن هشام بن عروة ، كلاهما عن عروة ، به.
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى ، حدثنا إسماعيل بن عَيَّاش ، عن يحيى بن سعيد ، عن عروة بن الزبير ، عن أبي حُمَيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "هَدَايا الْعُمَّالِ غُلُولٌ".
وهذا الحديث من أفراد أحمد (9) وهو ضعيف الإسناد ، وكأنه مختصر من الذي قبله ، والله أعلم.
حديث آخر : قال أبو عيسى الترمذي في كتاب الأحكام ، حَدّثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا أبو أسامة ، عن داود بن يزيد الأوْدَي ، عن المغيرة بن شِبْل ، عن قيس بن أبي حازم ، عن معاذ بن جَبَل قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ، فلما سرت أرسل في أثَري فَرُددتُ ، فقال : "أَتَدْرِي لِمَ بَعَثْتُ إلَيْكَ ؟ لا تُصِيبَنَّ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِي فَإنَّهُ غُلُولٌ ، { وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } لهذا دَعَوْتُكَ ، فَامْضِ لِعَمَلِكَ".
هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وفي الباب عن عَدِيّ بن عَميرة ، وبُرَيدة ، والمستورد بن شداد ، وأبي حُمَيد ، وابن عمر (10).
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن عُلَيَّة ، حدثنا أبو حيان يحيى بن سعيد التّيْميّ ، عن أبي زُرْعَة بن عُمَر بن جرير ، عن أبي هريرة ، قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ، فذكر الغُلُول فعَظَّمه وعَظَّم أمره ، ثم قال : "لا أُلْفِيَنَّ أَحَدُكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ ، فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَغِثْنِي. فَأَقُولُ : لا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ ، فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَغِثْنِي. فَأَقُولُ : لا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لا أُلْفِيَنَّ أَحَدُكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ ، فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدُكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي. فَأَقُولُ : لا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا ، قَدْ بَلَّغْتُكَ".
أخرجاه من حديث أبي حَيَّان ، به (1).
رد: حلقات تفسير سور القران
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، حدثني قيس ، عن عدِيّ بن عُميرَة الكندي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يَأَيُّهَا النَّاسُ ، مَنْ عَمِلَ لَنَا [مِنْكُمْ] (2) عملا (3) فكَتَمَنَا مِنْهُ (4) مِخْيَطا فَمَا فَوْقَهُ فَهُوَ غُلُّ يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" قال : فقال (5) رجل من الأنصار أسود - قال مُجَالد : هو سعيد (6) بن عبادة - كأني أنظر إليه ، فقال : يا رسول الله ، اقبل عني عملك. قال : "وَمَا (7) ذَاك ؟" قال : سمعتك تقول كذا وكذا. قال : "وَأَنا أقُولُ ذَاكَ (8) الآن : مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئ بِقَليلِهِ وَكَثِيرِه ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَهُ. وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى". وكذا رواه مسلم ، وأبو داود ، من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد ، به (9).
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا أبو إسحاق الفَزَاري ، عن ابن جُرَيج ، حدثني منبوذ ، رجل من آل أبي رافع ، عن الفضل بن عبيد الله (10) بن أبي رافع ، عن أبي رافع قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلّى العصر رُبَّما ذهب إلى بني عبد الأشهل فيتحدث معهم حتى ينحدر المغرب (11) قال أبو رافع : فبينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مسرعًا إلى المغرب إذ مر بالبقيع فقال : "أُفٍّ لَكَ.. أُفٍّ لَكَ" مرتين ، فكبر (12) في [ذرعي] (13) وتأخرت وظننت أنه يريدني ، فقال : "مَا لَكَ ؟ امش" قال : قلتُ : أحدثت حدثا يا رسول الله ؟ قال : "وَمَا ذَاكَ ؟" قلت : أفَّفْتَ بي (14) قال : "لا وَلَكِنْ هَذَا قَبْرُ فُلانٍ ، بَعَثْتُهُ (15) سَاعِيًا عَلَى آلِ فُلانٍ ، فَغَلَّ نَمِرَة فَدُرِعَ الآنَ مِثْلَهُ مِنْ نَارٍ" (16).
حديث آخر : قال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن سالم الكوفي المفلوج - وكان بمكة -
حدثنا عُبَيْدة بن الأسود ، عن القاسم بن الوليد ، عن أبي صادق ، عن ربيعة بن ناجد ، عن عبادة بن الصامت ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الوبرة من جنب البعير من المغنم ، ثم يقول : "مَا لِيَ فِيهِ إلا مِثْلَ مَا لأحَدِكُمْ ، إيَّاكُمْ والْغُلُولَ ، فَإنَّ الْغُلُولَ خزْي عَلَى صَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أدُّوا الخَيْطَ والمِخْيَطَ وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ ، وَجَاهِدُوا فِي سبيل الله الْقَرِيب (1) والْبَعِيدَ ، في الْحَضَرِ والسَّفَرِ ، فإنَّ الجِهَادَ بَابٌ مِنْ أبْوَابِ الْجَنَّةِ ، إنَّهُ لَيُنْجِي اللهُ بِهِ مِنَ الْهَمِّ والْغَمِّ ؛ وأقِيمُوا حُدُودَ اللهِ فِي الْقَرِيبِ والْبَعِيدِ ، وَلا تَأْخُذُكُمْ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائمٍ". وقد روى ابنُ ماجة بَعْضَه عن المفلوج ، به (2).
حديث آخر : عن عَمْرو بن شُعَيب ، عن أبيه ، عن جدِّه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رُدُّوا الْخِيَاط (3) وَالْمِخْيَطَ ، فَإنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَنارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (4).
رد: حلقات تفسير سور القران
حديث آخر : قال أبو داود : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن مُطَرِّف ، عن أبي الجَهْم ، عن أبي مسعود الأنصاري قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعيًا ثم قال : "انْطَلِقْ - أَبَا مَسْعُودٍ - لا أُلْفِيَنَّكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَجِيءُ عَلَى ظَهْرِكَ بَعِيرٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ لَهُ رُغَاءٌ قَدْ غَلَلْتَهُ". قال : إِذًا لا أَنْطَلِقُ. قال : إِذًا لا أُكْرِهُكَ". تفرد به أبو داود (5).
حديث آخر : قال أبو بكر بن مَرْدُويَه : أنبأنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، أنبأنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، أنبأنا عبد الحميد بن صالح أنبأنا أحمد بن أبان ، عن علقمة بن مَرْثَد ، عن ابن (6) بُرَيدة ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنَّ الْحَجَرَ لَيُرْمَى بِهِ [فِي] (7) جَهَنَّمَ فَيَهْوِي سَبْعِينَ خَرَيِفًا مَا يَبْلُغُ قَعْرَهَا ، وَيُؤْتَى بِالْغُلُولِ فَيُقْذَفُ مَعَهُ" ، ثم يُقَالُ لَمَنْ غَلَّ ائْتِ بِهِ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : { وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } (8).
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم (9) بن القاسم ، حدثنا عِكْرِمة بن عمار ، حدثني سماك الحَنفي أبو زُميل ، حدثني عبد الله بن عباس ، حدثني عُمَر بن الخطاب قال : لما كان يومُ خَيْبَر أقبل نَفَر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : فلان شهيد ، وفلان شهيد. حتى أَتوْا على رجل فقالوا : فلان شهيد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كَلا إنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا - أو عَبَاءَةٍ". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يَا ابْنَ الْخَطَّابِ اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ : إنَّه لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلا الْمُؤْمِنُونَ". قال : فخرجت فناديت : ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون.
وكذا رواه مسلم ، والترمذي من حديث عكرمة بن عمار به. وقال الترمذي : حسن صحيح (1).
حديث آخر : قال ابن جرير : حدثنا سعيد بن يحيى الأموي ، حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن عُبَادة مُصَدقًا ، فقالَ : "إيَّاكَ يَا سَعْدُ أنْ تَجِيء يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِبَعِيرٍ تَحْمِلُهُ لَهُ رُغَاءٌ" قَالَ : لا آخذه ولا أجيء به. فأعفاه. ثم رواه من طريق عُبَيد الله (2) عن نافع ، به ، نحوه (3).
رد: حلقات تفسير سور القران
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، حدثنا صالح بن محمد بن زائدة ، عن سالم بن عبد الله ، أنه كان مع مَسْلَمة بن عبد الملك في أرض الروم ، فوُجِد في متاع رجل غُلُول. قال : فسأل سالمَ بْنَ عبد الله فقال : حدثني أبي عبدُ الله ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "مَنْ وَجَدْتُمْ فِي مَتَاعِهِ غُلُولا فأحْرِقُوهُ" : قال : وأحسبه قال : واضربوه قال : فأخرج متاعَه في السوق ، فَوَجَد فيه مصحفا ، فسأل سالم : بعهُ وَتَصَدَّقْ بثمنه.
وهكذا رواه علي بن المديني ، وأبو داود ، والترمذي من حديث عبد العزيز بن محمد الأتَدْرَاوَرْدي (4) - زاد أبو داود : وأبو إسحاق الفزاري - كلاهما عن أبي واقد الليثي الصغير صالح بن محمد بن زائدة ، به (5).
وقد قال علي بن المديني ، رحمه الله ، والبخاري وغيرهما : هذا حديث منكر من رواية أبي واقد هذا. وقال الدارقطني : الصحيح أنه من فتوى سالم فقط ، وقد ذهب إلى القول بمقتضى هذا الحديث الإمام [أحمد] (6) بن حنبل ، رحمه الله ، ومن تابعه من أصحابه ، وخالفه أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، والجمهور ، فقالوا : لا يحرق متاع الغالّ ، بل يعزر تعزير مثله. وقال البخاري : وقد امتنع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة على الغال ، ولم يحرق متاعه ، والله أعلم.
طريق أخرى عن عمر : قال ابن جرير : حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث : أن موسى بن جُبَير حدثه : أن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحباب الأنصاري حدثه : أن عبد الله بن أنيس حدثه : أنه تذاكر هو وعمر بن الخطاب يوما الصدقة فقال : ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر غلول الصدقة : "مَنْ غَلَّ مِنْهَا بَعِيرًا أوْ شَاةً ، فإنَّهُ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ؟ قال عبد الله بن أنيس : بلى.
ورواه ابن ماجة ، عن عمرو بن سَوّاد ، عن عبد الله بن وهب ، به (7).
ورواه الأموي عن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن قال : عقوبة الغال
أن يخرج رحله ويحرق على ما فيه.
ثم روي عن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن عثمان بن عطاء ، عن أبيه ، عن علي [رضي الله عنه] (1) قال : الغال يجمع رحله فيحرق ويجلد دون حد [المملوك ، ويحرم نصيبه ، وخالفه أبو حنيفة ومالك والشافعي والجمهور فقالوا : لا يحرق متاع الغال ، بل يعزر تعزير مثله ، وقد قال البخاري : وقد امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة على الغال ولم يحرق متاعه ، والله أعلم] (2
رد: حلقات تفسير سور القران
وقال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، أنبأنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن خُمَيْر (3) بن مالك قال : أُمر بالمصاحف أن تُغَيَّرَ قال : فقال ابن مسعود : من استطاع منكم أن يَغُلَّ مصحفا (4) فلْيغُلُّه ، فإنه من غَلَّ شيئا جاء به يوم القيامة ، ثم قال (5) قرأت من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة ، أفأترك ما أخذتُ من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ (6).
وروى وَكِيع في تفسيره عن شريك ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن إبراهيم ، قال : لما أمر بتحريق (7) المصاحف قال عبد الله : يا أيها الناس ، غُلُّوا المصاحف ، فإنه من غَلّ يأت بما غَلّ يوم القيامة ، ونعم الغُل المصحف. يأتي به أحدكم يوم القيامة (8).
وقال [أبو] (9) داود عن سَمُرَة بن جُنْدُب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غنم غنيمة أمر بلالا فينادي في الناس ، فَيَجيئُون بغنائمهم يخمسه ويُقسمه ، فجاء رجل يوما بعد النداء بزمام من شعر فقال : يا رسول الله ، هذا كان مما (10) أصبنا (11) من الغنيمة. فقال : "أسَمِعْتَ بِلالا يُنَادِي ثلاثا ؟" ، قال : نعم. قال : "فَمَا مَنَعَكَ أنْ تَجِيء بِه ؟" فاعتذر إليه ، فقال : "كَلا أَنْتَ تَجِيءُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَلَنْ أقْبَلَهُ مِنْكَ" (12).
وقوله : { أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } أي : لا يستوي من اتبع رضوان الله فيما شرعه ، فاستحق رضوان الله وجزيل ثوابه وأُجِير من وَبِيل عقابه ، ومن استحق غضب الله وألزم به ، فلا محيد له عنه ، ومأواه يوم القيامة جهنم وبئس المصير.
وهذه لها نظائر في القرآن كثيرة كقوله تعالى : { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى } [الرعد : 19] وكقوله { أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ] (13) } [القصص : 61].
رد: حلقات تفسير سور القران
أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)
ثم قال : { هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ } قال الحسن البصري ومحمد بن إسحاق : يعني : أهل الخير وأهل الشر درجات ، وقال أبو عبيدةَ والكسائي : منازل ، يعني : متفاوتون في منازلهم ودرجاتهم في الجنة ودركاتهم في النار ، كما قال تعالى : { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا } الآية [الأنعام : 132] ؛ ولهذا قال : { وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } أي : وسَيُوفيهم إياها ، لا يظلمهم خيرا ولا يزيدهم شرا ، بل يجازي كلا بعمله.
وقوله : { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ } أي : من جنسهم ليتمكنوا من مخاطبته وسؤاله ومجالسته والانتفاع به ، كما قال تَعالَى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ (1) لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا } [الروم : 21] أي : من جنسكم. وقال تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ } [الكهف : 110] وقال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأسْوَاقِ } [الفرقان : 20] وقال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى } [يوسف : 109] وقال تعالى : { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ } [الأنعام : 130] فهذا أبلغ في الامتنان أن يكون الرسل إليهم منهم ، بحيث يمكنهم مخاطبته ومراجعته في فَهْم الكلام عنه ، ولهذا قال : { يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ } يعني : القرآن { وَيُزَكِّيهِمْ } أي : يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر لتزكُوَ نفوسهم وتطهر من الدَّنَسِ والخَبَث الذي كانوا متلبسين به في حال شركهم وجاهليتهم (2) { وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } يعني : القرآن والسنة { وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ } أي : من قبل هذا الرسول { لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ } أي : لفي غَي وجهل ظاهر جليّ بين لكُل أحد.
{ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) }