نزار قبانى
شاعر كلماتة قوية مؤثرة
نريد قصيدة وطنية اسمها اعلنوا وفاة العرب
لك الشكر
عرض للطباعة
نزار قبانى
شاعر كلماتة قوية مؤثرة
نريد قصيدة وطنية اسمها اعلنوا وفاة العرب
لك الشكر
متى يعلنون وفاة العرب
-1-
أحاولُ منذ الطُفولةِ رسْمَ بلادٍ
تُسمّى - مجازا - بلادَ العَرَبْ
تُسامحُني إن كسرتُ زُجاجَ القمرْ ..
وتشكرُني إن كتبتُ قصيدةَ حبٍ
وتسمحُ لي أن أمارسَ فعْلَ الهوى
ككلّ العصافير فوق الشجرْ ..
أحاول رسم بلادٍ
تُعلّمني أن أكونَ على مستوى العشْقِ دوما
فأفرشَ تحتكِ ، صيفا ، عباءةَ حبي
وأعصرَ ثوبكِ عند هُطول المطرْ ..
- 2 -
أحاولُ رسْمَ بلادٍ ..
لها برلمانٌ من الياسَمينْ .
وشعبٌ رقيق من الياسَمينْ .
تنامُ حمائمُها فوق رأسي .
وتبكي مآذنُها في عيوني .
أحاول رسم بلادٍ تكون صديقةَ شِعْري .
ولا تتدخلُ بيني وبين ظُنوني .
ولا يتجولُ فيها العساكرُ فوق جبيني .
أحاولُ رسْمَ بلادٍ ..
تُكافئني إن كتبتُ قصيدةَ شِعْرٍ
وتصفَحُ عني ، إذا فاض نهرُ جنوني
- 3 -
أحاول رسم مدينةِ حبٍ ..
تكون مُحرّرةً من جميع العُقَدْ ..
فلا يذبحون الأنوثةَ فيها .. ولايقمَعون الجَسَدْ ..
- 4 -
رَحَلتُ جَنوبا .. رحلت شمالا ..
ولا فائدهْ !
فقهوةُ كلِ المقاهي ، لها نكهةٌ واحدهْ ..
وكلُ النساءِ لهنّ - إذا ما تعرّينَ -
رائحةٌ واحدهْ !
وكل رجالِ القبيلةِ لايمْضَغون الطعامْ
ويلتهمون النساءَ بثانيةٍ واحدهْ .
- 5 -
أحاول منذ البداياتِ ..
أن لاأكونَ شبيها بأي أحدْ ..
رفضتُ الكلامَ المُعلّبَ دوما .
رفضتُ عبادةَ أيِ وثَنْ ..
- 6 -
أحاول إحراقَ كلِ النصوصِ التي أرتديها .
فبعضُ القصائدِ قبْرٌ ،
وبعضُ اللغاتِ كَفَنْ .
وواعدتُ آخِرَ أنْثى ..
ولكنني جئتُ بعد مرورِ الزمنْ !
- 7 -
أحاول أن أتبرّأَ من مُفْرداتي
ومن لعْنةِ المبتدا والخبرْ .
وأنفُضَ عني غُباري ..
وأغسِلَ وجهي بماء المطرْ .
أحاول من سلطة الرمْلِ أن أستقيلْ ..
وداعا قريشٌ ..
وداعا كليبٌ ..
وداعا مُضَرْ .
- 8 -
أحاول رسْمَ بلادٍ
تُسمّى - مجازا - بلادَ العربْ
سريري بها ثابتٌ
ورأسي بها ثابتٌ
لكي أعرفَ الفرقَ بين البلادِ وبين السُفُنْ ..
ولكنهم .. أخذوا عُلبةَ الرسْمِ منّي ،
ولم يسمحوا لي بتصويرِ وجهِ الوطنْ !
- 9 -
أحاول منذ الطفولةِ
فتْحَ فضاءٍ من الياسَمينْ
وأسّستُ أولَ فندقِ حبٍ .. بتاريخ كل العربْ ..
ليستقبلَ العاشقينْ ..
وألغيتُ كل الحروب القديمةِ ..
بين الرجال .. وبين النساءْ ..
وبين الحمامِ .. ومَن يذبحون الحمامْ ..
وبين الرخام ومن يجرحون بياضَ الرخامْ ..
ولكنهم .. أغلقوا فندقي ..
وقالوا بأن الهوى لا يليقُ بماضي العربْ !
وطُهْرِ العربْ !
وإرثِ العربْ !
فيا لَلعجبْ !!
- 10 -
أحاول أن أتصورَ ما هو شكلُ الوطنْ ؟
أحاول أن أستعيدَ مكانِيَ في بطْنِ أمي
وأسبحَ ضد مياه الزمنْ ..
وأسرقَ تينا ، ولوزا ، و خوخا ،
وأركضَ مثل العصافير خلف السفنْ .
أحاول أن أتخيّلَ جنّة عَدْنٍ
وكيف سأقضي الإجازةَ بين نُهور العقيقْ ..
وبين نُهور اللبنْ ..
وحين أفقتُ .. اكتشفتُ هَشاشةَ حُلمي
فلا قمرٌ في سماءِ أريحا ..
ولا سمكٌ في مياهِ الفُرات ..
ولا قهوةٌ في عَدَنْ !
- 11 -
أحاول بالشعْرِ .. أن أُمسِكَ المستحيلْ ..
وأزرعَ نخلا ..
ولكنهم في بلادي ، يقُصّون شَعْر النخيلْ ..
أحاول أن أجعلَ الخيلَ أعلى صهيلا
ولكنّ أهلَ المدينةِ يحتقرون الصهيلْ !
- 12 -
أحاول - سيدتي - أن أحبّكِ ..
خارجَ كلِ الطقوسْ ..
وخارج كل النصوصْ ..
وخارج كل الشرائعِ والأنْظِمَهْ
أحاول - سيدتي - أن أحبّكِ ..
في أي منفى ذهبت إليه ..
لأشعرَ - حين أضمّكِ يوما لصدري -
بأنّي أضمّ تراب الوَطَنْ ..
- 13 -
أحاول - مذْ كنتُ طفلا ، قراءة أي كتابٍ
تحدّث عن أنبياء العربْ .
وعن حكماءِ العربْ .. وعن شعراءِ العربْ ..
فلم أر إلا قصائدَ تلحَسُ رجلَ الخليفةِ
من أجل حفْنةِ رزٍ .. وخمسين درهمْ ..
فيا للعَجَبْ !
ولم أر إلا قبائل ليست تُفرّق ما بين لحم النساء ..
وبين الرُطَبْ ..
فيا للعَجَبْ !
ولم أر إلا جرائد تخلع أثوابها الداخليّهْ ..
لأيِ رئيسٍ من الغيب يأتي ..
وأيِ عقيدٍ على جُثّة الشعب يمشي ..
وأيِ مُرابٍ يُكدّس في راحتيه الذهبْ ..
فيا للعَجَبْ !
- 14 -
أنا منذ خمسينَ عاما ،
أراقبُ حال العربْ .
وهم يرعدونَ ، ولايمُطرونْ ..
وهم يدخلون الحروب ، ولايخرجونْ ..
وهم يعلِكونَ جلود البلاغةِ عَلْكا
ولا يهضمونْ ..
- 15 -
أنا منذ خمسينَ عاما
أحاولُ رسمَ بلادٍ
تُسمّى - مجازا - بلادَ العربْ
رسمتُ بلون الشرايينِ حينا
وحينا رسمت بلون الغضبْ .
وحين انتهى الرسمُ ، ساءلتُ نفسي :
إذا أعلنوا ذاتَ يومٍ وفاةَ العربْ ..
ففي أيِ مقبرةٍ يُدْفَنونْ ؟
ومَن سوف يبكي عليهم ؟
وليس لديهم بناتٌ ..
وليس لديهم بَنونْ ..
وليس هنالك حُزْنٌ ،
وليس هنالك مَن يحْزُنونْ !
- 16 -
أحاولُ منذُ بدأتُ كتابةَ شِعْري
قياسَ المسافةِ بيني وبين جدودي العربْ .
رأيتُ جُيوشا .. ولا من جيوشْ !
رأيتُ فتوحا .. ولا من فتوحْ !
وتابعتُ كلَ الحروبِ على شاشةِ التلْفزهْ ..
فقتلى على شاشة التلفزهْ ..
وجرحى على شاشة التلفزهْ ..
ونصرٌ من الله يأتي إلينا .. على شاشة التلفزهْ !
- 17 -
أيا وطني : جعلوك مسلْسلَ رُعْبٍ
نتابع أحداثهُ في المساءْ .
فكيف نراك إذا قطعوا الكهْرُباءْ ؟
- 18 -
أنا .. بعْدَ خمسين عاما
أحاول تسجيل ما قد رأيتْ..
رأيتُ شعوبا تظنّ بأنّ رجالَ المباحثِ
أمْرٌ من الله .. مثلَ الصُداعِ .. ومثل الزُكامْ ..
ومثلَ الجُذامِ .. ومثل الجَرَبْ ..
رأيتُ العروبةَ معروضةً في مزادِ الأثاث القديمْ ..
ولكنني .. ما رأيتُ العَرَبْ !
يا سيِّدتي :
كنتِ أهمّ امرأةٍ في تاريخي
قبل رحيل العامْ .
أنتِ الآنَ .. أهمّ امرأةٍ
بعد ولادة هذا العامْ ..
أنتِ امرأةٌ لا أحسبها بالساعاتِ وبالأيَّامْ .
أنتِ امرأة ٌ ..
صُنعَت من فاكهة الشّعرِ ..
ومن ذهب الأحلامْ ..
أنتِ امرأة ٌ .. كانت تسكن جسدي
قبلَ ملايين الأعوامْ ..
أربعُ رسائلَ ساذجة إلى بيروت
الرسالة الأولى
كيفَ هيَ الأحوالْ ؟
نسألكمْ . ونحنُ ندري جيّداً
سَذَاجةَ السُؤَالْ .
نسألكمْ .
ونحنُ كالأيتام في جنازةِ الجَمَالْ .
الرسالة الثانية
أَلم تَبيعُوا قَمَراً .. لتشتروا زلزالْ ؟
والقلوعَ ..
والرمالْ ..
أَلمْ تبيعُوا الكَرَزَ الأحمرَ في غاباتكم
والزَعْتَرَ البرّيَ ..
والوزَّالْ ؟
أَلم تبيعُوا ؟
شَجَرَ التُفَّاحِ .. والعصفورَ ..
والتنُّورَ .. والشلالْ ؟
وضِحْكَةَ الأَطفالْ ؟
أَلمْ تَبيعُوا وَجَعَ النَايَاتِ في جُرُودكمْ
وزُرْقَةَ الموَّالْ ؟
أَلَمْ تَبيعُوا جَنَّةً
كيْ تسكُنوا الأَطلالْ ؟
الرسالةُ الثالثة
يا أصدقاءَ الشِعْر ، في بيروتْ
أَلمْ تَبيعُوا آخِرَ النُجُوم في سمائكمْ ؟
أَلمْ تَبيعُوا ؟
ما تبقَّى من حُلَى نسائكمْ
ألم تبيعُوا للميلشياتِ التي تجلُدُكمْ
آخرَ خيطٍ من قميصِ الشِعْرْ ؟
الرسالةُ الرابعة
يا أصدقاءَ الصَبْرِ ، في بيروتْ
قُولُوا لنا :
في أَيِّ أَرضٍ يزرعونَ الصَبرْ ؟
قُولُوا لنا :
هل ممكنٌ أَن تَنْهَضَ الوردةُ من فِراشِها ؟
ويستفيقَ العِطرْ .
وأَن يفيضَ الحبرْ .
من بعد ما هُمْ شَطَبُوا
أَجملَ سَطْرٍ في كِتَابِ العُمْرْ ...
في أَيِّ أَرضٍ يزرعونَ الصَبرْ ؟
قُولُوا لنا :
هل ممكنٌ أَن تَنْهَضَ الوردةُ من فِراشِها ؟
ويستفيقَ العِطرْ .
هل ممكنٌ أَن ترجعَ الحروفُ من غُرْبَتِها ؟
وأَن يفيضَ الحبرْ .
هل ممكنٌ أَنْ نستعيدَ عُمْرَنا ؟
من بعد ما هُمْ شَطَبُوا
أَجملَ سَطْرٍ في كِتَابِ العُمْرْ
موّال دمشقي
لقـدْ كَتَبْنـا .. وأرسَـلْنـا المَرَاسـيلا
وقـدْ بَـكَيْنـا .. وبَلَّلْنـا المَـنـاديلا
قُـل للّذيـنَ بأرضِ الشّـامِ قد نزلـوا
قتيلُكُـم لمْ يَـزَلْ بالعشـقِ مـقتـولا
يا شـامُ ، يا شـامَةَ الدُّنيا ، ووَردَتَها
يا مَـنْ بحُسـنِكِ أوجعـتِ الأزاميلا
ودَدْتُ لو زَرَعُـوني فيـكِ مِئـذَنَـةً
أو علَّقـونـي على الأبـوابِ قِنديـلا
يا بلْدَةَ السَّـبْعَةِ الأنهـارِ .. يا بَلَـدي
ويا قميصاً بزهـرِ الخـوخِ مشـغولا
ويـا حِصـاناً تَخلَّـى عَـن أعِنَّتِـهِ
وراحَ يفـتـحُ معلـوماً ومـجهـولا
هـواكَ يا بَـرَدَى كالسَّـيْفِ يسكُنُني
ومـا مَلكْـتُ لأمـرِ الحـبِّ تَبديـلا
أيّـامَ في دُمَّـرٍ كُنّا .. وكـانَ فَمـي
على ضفائرِها .. حَفْـراً .. وتَنزيـلا
والنهـرُ يُسـمِعُنا أحلـى قـصائـدِه
والسَّـرْوُ يلبسُ بالسّـاقِ الخَـلاخيلا
يا مَنْ على ورقِ الصّفصَفاتِ يكتِبُني
شعراً ... وينقشُني في الأرضِ أيلولا
يا مَنْ يعيدُ كراريسي .. ومَدرَسَـتي
والقمحَ ، واللّوزَ ، والزُّرقَ المواويلا
يا شـامُ إنْ كنتُ أُخفـي ما أُكابِـدُهُ
فأجمَـلُ الحبِّ حـبٌّ ـ بعدَ ما قيلا
http://www.nizar.net/photos/nizarphotos/n08.jpg
سيدتي
التي تمرُّ كالدهشةِ في أرض ِ البشر ْ
حاملة ً في يدها قصيدة ً
وفي اليدِ الأخرى قمر ْ !
يا امرأة ً أحبها
تفجّر الشعر إذا داستْ على أيّ حجر ْ
يا امرأة ً تحملُ في شحوبها
جميعَ أحزان ِ الشجَـر ْ
ما أجملَ المنفى إذا كنا معا ً
يا امرأة ً توجز ُ تاريخي
وتاريخ َ المطر ْ !
http://samtah.net/vb/uplooaded/2536_01224952315.gif
لماذا أ ُضيعُ
أمامَ يديكِ اتــّـزاني ؟
إذا ما لعـبتِ بزرّ قميصي
تحوّلـتُ فورا ً
إلى غيمَـة ٍ مِـنْ دُخــان ِ
http://samtah.net/vb/uplooaded/2536_01224952315.gif
الحِـكــْـمَــة ُ
أسـْـوَأ ُ طـبَــق ٍ نــُـقــَـدّمـُـهُ
لامـْــرأة ٍ نــُـحِــبـّـهــا !
http://samtah.net/vb/uplooaded/2536_01224952315.gif
إلى ثلاثينية
دخلتِ الثلاثينَ مُـنذ شهور ٍ ..
ومَازلتُ أشعـرُ رغم الحوار ِ المُثـقـف ِ
أنكِ بعـدُ .. تخافين مني !
ألا بُـدّ أنْ يتدخلَ شيخ ُ القبيلة ِ
بيني وبينكِ .. كيْ تطمئني ؟
أ ُحـِــبـّــك ِ
ولا أضعُ نقطة ً في آخر ِ السّـطــرْ
http://farm2.static.flickr.com/1102/...1109c37f20.jpg
حُـب بـعـنـفـوان
أحبكِ .. لا أدري حدودَ مَحبتي
طِـباعي أعاصيرٌ .. وعاطفتي سَـيْـلُ
وأعرف أني مُـتعبٌ يا صديقتي
وأعرفُ أني أهوج ٌ .. أنني طفلُ
أحبُّ بأعصابي , أحبُّ بريشتي
أحبُّ بكلي .. لا اعتدالٌ , ولا عقــْـلُ
أنا الحبُّ عندي جدة ٌ وتطرفٌ
وتكسيرُ أبعاد ٍ .. ونارٌ لها أكـْـلُ
وتحطيمُ أسوار ِ الثواني بلمحةٍ
وفتحُ سماءٍ كلها أعينٌ شهــْـلُ
وتخطيطــُ أكوان ٍ , وتعميرُ أنجم ٍ
ورسمُ زمان ٍ .. مَا لهُ .. مَا لهُ شكلُ
أنا مَا أنا .. فلتقبليني مُغامرا ً
تجارته ُ الأشباحُ , والوهمُ , والليلُ
أحبكِ تعتزينَ في خمسَ عشرةٍ
ونهدكِ في خير ٍ .. وخصركِ معتـلُ
وصدركِ مملوءٌ بألفِ هديةٍ
وثغركِ دفاقُ الينابيع ِ مبتلُّ
تعيشينَ بي كالعطر ِ يحيا بوردة ٍ
وكالخمر في جوفِ الخوابي لها فعــْـلُ
وقبلكِ لمْ أوجدْ .. فلما مررتِ بي
تساءلتُ في نفسي : ترى كنتُ مِـنْ قبلُ ؟
بعينيكِ .. قد خبأتُ أحلى قصائدي
إذا كان فضلُ الغـنى .. فلك الفضْـلُ
http://forums.fatakat.com/image.php?...ine=1244021219
إلى حبيبتي في رأس السنة
أنقلُ حبّي لكِ من عامٍ إلى عامْ..
كما ينقل التلميذ فروضه المدرسيّة إلى دفترٍ جديدْ
أنقل صوتَكِ.. ورائحتَكِ.. ورسائلكِ..
ورقمَ هاتفكِ.. وصندوقَ بريدك..
وأعلِّقها في خزانة العام الجديدْ..
وأمنحكِ تذكرةَ إقامة دائمة في قلبي..
إنني أحبّكِ..
ولن أترككِ وحدكِ على ورقة 31 ديسمبر أبداً
سأحملكِ على ذراعيّ..
وأتنقَّل بكِ بين الفصول الأربعه..
ففي الشتاء، سأضع على رأسك قبّعةَ صوف حمراءْ..
كي لا تبْردي..
وفي الخريف، سأعطيكِ معطفَ المطر الوحيد
الذي أمتلكه..
كي لا تتبلَّلي..
وفي الربيع..
سأتركك تنامين على الحشائش الطازجه..
وتتناولينَ طعامَ الإفطار..
مع الجنادب والعصافير..
وفي الصيف..
سأشتري لكِ شبكةَ صيدٍ صغيره..
لتصطادي المحارَ..
وطيورَ البحر..
والأسماكَ المجهولةَ العناوينْ…
إنني أُحبّكِ..
ولا أريد أن أربطكِ بذاكرة الأفعال الماضيَهْ..
ولا بذاكرة القطارات المسافرهْ..
فأنتِ القطارُ الأخيرُ الذي يسافر ليلاً ونهاراً
فوق شرايين يدي..
أنتِ قطاري الأخير..
وأنا محطَّتكِ الأخيرَهْ..
إنني أُحبّكِ..
ولا أريد أن أربطكِ بالماء.. أو الريح
أو بالتاريخ الميلادي أو الهجري..
ولا بحركات المدّ والجزْر..
أو ساعات الخسوف والكسوفْ
لا يهمُّني ما تقوله المراصدْ..
وخطوطُ فناجين القهوَهْ..
فعيناكِ وحدهما هما النُبوءَهْ
وهما المسؤولتانِ عن فَرح هذا العالم…
أُحبّكِ..
وأحبُّ أن أربطكِ بزمني.. وبطقسي..
وأجعلكِ نجمةً في مداري..
أريد أن تأخذي شكلَ الكلمةْ..
ومساحةَ الورَقه..
حتى إذا نشرتُ كتاباً.. وقرأه الناس..
عثروا عليكِ، كالوردة في داخلهْ..
أريدُ أن تأخذي شكلَ فمي..
حتى إذا تكلّمتُ..
وجدكِ الناسُ تستحمّينَ في صوتي..
أريدكِ أن تأخذي شكلَ يدي..
حتى إذا وضعتُها على الطاولة..
وجدكِ الناسُ نائمةً في جوفها..
كفراشةٍ في يد طفل..
إنني لا أحترفُ طقوسَ التهنئة..
إنني أحترفُ العشقَ..
وأحترفُكِ..
يتجوّل هو فوق جلدي..
وتتجوّلينَ أنتِ تحت جلدي..
وأما أنا..
فأحمل الشوارعَ والأرصفةَ المغسولة بالمَطَر..
على ظهري.. وأبحثُ عنكِ..
لماذا تتآمرين عليَّ مع المَطَرْ؟ ما دمتِ تعرفينْ..
أن كلَّ تاريخي معكِ.. مقترنٌ بسقوط المَطَرْ..
وأن الحساسيّةَ الوحيدة التي تصيبني..
عندما أشمّ رائحةَ نهديكِ..
هي حساسية المَطَرْ..
لماذا تتآمرين عليَّ ؟. ما دمتِ تعرفينْ..
أن الكتابَ الوحيد الذي أقرؤه بعدكِ..
هو كتابُ المَطَر..
إنني أُحبّكِ..
هذه هي المهنةُ الوحيدة التي أتقنُها..
ويحسدني عليها أصدقائي.. وأعدائي..
قَبْلَكِ.. كانتِ الشمسُ، والجبالُ، والغاباتُ..
في حالة بطالة..
واللغةُ بحالة بطالة.. والعصافيرُ بحالة بطالة…
فشكراً لأنكِ أدخلتِني المدرسَهْ..
وشكراً.. لأنكِ علَّمتني أبجديةَ العشقْ..
وشكراً .. لأنكِ قبلتِ أن تكوني حبيبتي
إنها تثلج نساءً
1
إنها تثلج نساءً ..
أنزع معطف المطر الذي أرتديه ،
وأقفل مظلتي ،
وأتركهن يتساقطن على جسدي
واحدةً .. واحده
ثماراً من النار
وعصافير من الذهب .
إنها تثلج نساءً ..
أفتح جميع أزرار قميصي
وأتركهن يتزحلقن على هضابي
ويغتسلن بمياهي
ويرقصن في غاباتي
وينمن في آخر الليل كالطيور فوق أشجاري ..
3
أخرج كالطفل إلى الحديقه
وأتركهن يكرجن كاللآليء على جبيني
إمرأةً .. إمرأه
ولؤلؤةً .. لؤلؤه ..
أحملهن كالثلج على راحة يدي
وأخاف عليهن أن يذبن كالثلج بين أصابعي
من حرارة العشق .
4
إنها تثلج نساءً ..
البوادي تخرج .. والحواضر تخرج
الأغنياء يخرجون .. والفقراء يخرجون
واحدٌ يحمل بارودة صيد
وواحدٌ يحمل صنارة سمك
وواحدٌ يحمل بطحة عرق
وواحدٌ يحمل مخدةً وسريرا ..
5
إنها تثلج نساءً ..
والوطن كله مستنفرٌ للهجوم على اللون الأبيض
وواحدٌ يريد أن يتزوج الثلج ..
وواحدٌ يريد أن يأكله ..
وواحدٌ يريد أن يأخذه لبيت الطاعه ..
وواحدٌ يسحب دفتر شيكاته من جيبه
ليشتري أي نهدٍ أشقر يسقط من السماء
كي يجعله ديكوراً في حجرة نومه .
6
يسمع الثلج قرع الطبول ، وخشخشة السلاسل
ويرى بريق الخناجر ، والتماع الأنياب
يخاف الثلج على عذريته ..
ويقرر أن يسقط في بلادٍ أخرى ..
يسمع الثلج قرع الطبول ، وخشخشة السلاسل
ويرى بريق الخناجر ، والتماع الأنياب
يخاف الثلج على عذريته ..
فيحزم حقيبته ،
ويقرر أن يسقط في بلادٍ أخرى ..
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قول نزار قباني بأن بلاده قد قتلت الله عز وجل فيقول:
(بلادي ترفض الـحُبّا
بلادي تقتل الرب الذي أهدى لها الخصبا
وحوّل صخرها ذهبا
وغطى أرضها عشبا..
بلادي لم يزرها الرب منذ اغتالت الربا..) (يوميات امرأة لا مبالية) صفحة 620]
وهنا يعترف نزار قباني بأنه قد رأى الله في عمّان مذبوحاً على أيدي رجال البادية فيقول في مجموعة (لا) في (دفاتر فلسطينية) صفحة 119:
(حين رأيت الله.. في عمّان مذبوحاً..
على أيدي رجال البادية
غطيت وجهي بيدي..
وصحت : يا تاريخ !
هذي كربلاء الثانية..)
أما هنا فيذكر نزار قباني بأن الله تعالى قد مات مشنوقاً على باب المدينة، وأن الصلوات لا قيمة لها، بل الإيمان والكفر لا قيمة لهما فيقول في مجموعة (لا) أيضاً في (خطاب شخصي إلى شهر حزيران) صفحة 124:
(أطلق على الماضي الرصاص..
كن المسدس والجريمة..
من بعد موت الله، مشنوقاً، على باب المدينة.
لم تبق للصلوات قيمة..
لم يبق للإيمان أو للكفر قيمة..)
أما عن استهزائه بالدين ومدحه للكفر والإلحاد فيقول:
(يا طعم الثلج وطعم النار
ونكهة كفري ويقين) [الأعمال الشعرية الكاملة (2/39)]
كما أن نزار قباني قد سئِمَ وملَّ من رقابة الله عز وجل حين يقول :
(أريد البحث عن وطن..
جديد غير مسكون
ورب لا يطاردني
وأرض لا تعاديني) [(يوميات امرأة لا مبالية) صفحة 597]
ويعترف نزار قباني بأنه من ربع قرن وهو يمارس الركوع والسجود والقيام والقعود وأن الصلوات الخمس لا يقطعها !! وخطبة الجمعة لا تفوته، إلا أنه اكتشف بعد ذلك أنه كان يعيش في حظيرة من الأغنام، يُعلف وينام ويبول كالأغنام، فيقول في ديوانه (الممثلون) صفحة 36-39:
الصلوات الخمس لا أقطعها
يا سادتي الكرام
وخطبة الجمعة لا تفوتني
يا سادتي الكرام
وغير ثدي زوجتي لا أعرف الحرام
أمارس الركوع والسجود
أمارس القيام والقعود
أمارس التشخيص خلف حضرة الإمام
وهكذا يا سادتي الكرام
قضيت عشرين سنة..
أعيش في حظيرة الأغنام
أُعلَفُ كالأغنام
أنام كالأغنام
أبولُ كالأغنام
وكما يصف نزار قباني (الشعب) بصفات لا تليق إلا بالله تعالى فيقول في ديوانه (لا غالب إلا الحب) صفحة 18:
أقول : لا غالب إلا الشعب
للمرة المليون
لا غالب إلا الشعب
فهو الذي يقدر الأقدار
وهو العليم، الواحد، القهار...
كما أن للشيطان نزار قصيدة بعنوان (التنصُّت على الله) ينسب فيها الولد لله ويرميه بالجهل، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً فيقول في صفحة 170 :
ذهب الشاعر يوماً إلى الله..
ليشكو له ما يعانيه من أجهزة القمع..
نظر الله تحت كرسيه السماوي
وقال له: يا ولدي
هل أقفلت الباب جيداً ؟؟.
ومن صور استهزائه بالله وبحكمته في خلق مخلوقاته على ما يريده سبحانه قوله في ديوانه (أشهد أن لا امرأة إلا أنتِ) !!( ) تحت قصيدة بعنوان (وماذا سيخسر ربي؟)!! صفحة 82 :
وماذا سيخسر ربي؟
وقد رسم الشمس تفاحة
وأجرى المياه وأرسى الجبالا..
إذا هو غير تكويننا
فأصبح عشقي أشد اعتدالا..
وأصبحت أنتِ أقلَّ جمالا..
ويتمادى نزار قباني في سخريته واحتقاره حتى وصل إلى ذلك اليوم الذي قال عنه الجبار تعالى ( ياأَيُها النَاسُ اتَقُوا رَبَكُم إِن زَلزَلَةَ الساعَةِ شَيءٌ عَظِيم* يَومَ تَرَونَها تَذْهَلُ كُلُ مُرضِعَةٍ عَما أَرضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُ ذَاتِ حَملٍ حَمْلَها وَتَرى الناسَ سُكَارى وَمَا هُم بِسُكَارى وَلكِنَ عَذابَ اللهِ شَدِيد ) [الحج:1-2]
إنه يوم القيامة الذي يسخر منه نزار قباني؛ إذ يشبهه بنهدي عشيقته فيقول في ديوانه (الحب) صفحة 47:
كيف ما بين ليلة وضحاها
صار نهداك.. مثل يوم القيامة ؟.
وهنا يصرح الملحد نزار قباني بأنه قد قرأ آيات من القرآن مكتوبة بأحرف كوفية عن الجهاد في سبيل الله، وعن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن الشريعة الحنفية، لكنه لا يبارك في داخل سريرته إلا الجهاد على نحور البغايا، وأثداء العاهرات، وبين المعاصم الطرية، فيقول في ديوانه (لا) صفحة 57:
أقرأُ آياتٍ من القرآن فوق رأسه
مكتوبةً بأحرف كوفية
عن الجهاد في سبيل الله
والرسول
والشريعة الحنيفة
أقول في سريرتي:
تبارك الجهاد في النحور، والأثداء
والمعاصم الطرية..
كما أن نزار قباني لم يسلم من استهزائه حتى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم خير خلق الله أجمعين بعد الأنبياء والمرسلين فها هو يصف الصحابي الجليل أبا سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه بأنه من الطغاة بل يجمع بينه وبين فرعون هذه الأمة أبي جهل عليه لعائن الله، فيقول في ديوانه (لا) صفحة 76:
تعال يا غودو..
وخلصنا من الطغاة والطغيان
ومن أبي جهل، ومن ظلم أبي سفيان
ويقول أيضاً :
(ماذا أعطيكِ ؟ أجيبـي، قلقي. إلحادي. غثياني.
ماذا أعطيكِ سوى قدرٌ يرقص في كف الشيطان) [المصدر السابق (1/406)]
ومن أقواله التي صرح فيها بأنه قد كفر بالله العلي العظيم قوله:
(فاعذروني أيها السادة إن كنت كفرت) [المصدر السابق (3/277)]
وهنا يذكر نزار قباني بأن الله جل وعلا يغسل يديه من بعض خلقه تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً فيقول في أعماله السياسية الكاملة صفحة 46 :
ليس في الحيِّ كلِّه قُرشيٌّ
غَسَلَ اللهُ من قريش يديه
وهنا يسأل المرتد المارق نزار قباني نفسه على وجه السخرية والاستهزاء متشككاً في ربه وخالقه وصاحب الفضل عليه سبحانه وتعالى وهل قد أصبح عز وجل زعيماً لمجموعة من اللصوص والسُراق، كما يقول في أعماله السياسية الكاملة صفحة 98:
قلت لنفسي وأنا..
أواجه البنادق الروسية المخرطشة
واعجبى.. واعجبى..
هل أصبح الله زعيم المافيا؟؟
كما يدعي نزار قباني أن الله عز وجل يغني ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، فيقول في أعماله السياسية الكاملة صفحة 135:
آهٍ.. يا آه..
هل صار غناءُ الحاكم قُدسيّاً
كغناء الله ؟؟.
وهنا يثبت نزار قباني المنحدر من سلالة الشياطين أن الله عز وجل له رائحة، تعالى الله وتنزه عن ذلك، فيقول في أعماله السياسية الكاملة صفحة 455:
الاقتراب من ناديا تويني صعبٌ..
كالاقتراب من حمامةٍ
مرسومةٍ على سقف كنيسة..
كالاقتراب من ميعاد غرام..
كالاقتراب من حورية البحر..
كالاقتراب من ليلة القدر..
كالاقتراب من رائحة الله..
كما أن نزار قباني يُصرح بلا خجل ولا خوف من الله تعالى بأن هناك مِن الكائنات والمخلوقات مَن قدَّمت استقالتها الجماعية إلى الله !! وذلك بعد موت الشاعرة اللبنانية ناديا تويني فيقول في أعماله السياسية الكاملة صفحة 462:
ولأن ناديا تويني كانت جزءاً من سفر العصافير
وسفر المراكب
ورائحة النعناع
وبكاء الأمطار على قراميد بيروت القديمة
فلقد قدَّمت كل هذه الكائنات
استقالتها الجماعية إلى الله...
لأنها بعد -ناديا تويني- تشعر أنها عاطلة عن العمل.
ومن صور زندقته وجراءته على دين الله تعالى: جعله الزنا عبادة، وتشبيهه إياه بصلاة المؤمن لربه وخالقه كما ينقل ذلك منير العكش في كتابه ( أسئلة الشعر ) في مقابلة أجراها مع نزار قباني صفحة 196حيث يقول :
(كل كلمة شعرية تتحول في النهاية إلى طقس من طقوس العبادة والكشف والتجلي…
كل شيء يتحول إلى ديانة
حتى الجنس يصير ديناً
والسرير يصير مديحاً وغرفة اعتراف
والغريب أنني أنظر دائماً إلى شِعري الجنسي بعينيْ كاهن، وأفترش شَعر حبيبتي كما يفترش المؤمن سجادة صلاة، أشعر كلما سافرت في جسد حبيبتي أني أشف وأتـطهـر وأدخل مملكة الخير والحق والضوء..
وماذا يكون الشعر الصوفي سوى محاولة لإعطاء الله مدلولاً جنسياً ؟ )
ومن صور استهزائه وسخريته بالجبار جل وعلا: وصفه بأن له حُجرةً قمرية يدخل فيها، يقول الملحد:
(يكون الله سعيداً في حجرته القمرية)
[مجموعة الأعمال الشعرية (2/188)]
ويتمادى نزار قباني بوصف ربه وخالقه سبحانه وتعالى بكل صفات النقص والاستهزاء والعيب واصفاً إياه بأنه سبحانه: خالف كتبه السماوية، وأنه انحاز إليه بصورة مكشوفة عياذاً بالله تـعالى، وزعمه أن لله بيتاً يذهب إليه، تقدس ربنا وتنـزه، وأنه صديق لله، فيقول:
(حين وزع الله النساء على الرجال
وأعطاني إياك
شعرت أنه انحاز بصورة مكشوفة إليّ
وخالف كل الكتب السماوية التي ألفها
فأعطاني النبيذ وأعطاهم الحنطة
ألبسـني الحرير وألبسهم القطن
أهدى إليَّ الوردة وأهداهم الغصن
حين عرّفني الله عليك ذهب إلى بيته
فكرت أن أكتب له رسالة.. على ورق أزرق
وأضعها في مغلف أزرق.. وأغسلها بالدمع الأزرق أبدأها بعبارة : يا صديقي، كنت أريد أن أشكره..
لأنه اختاركِ لي..
فالله كما قالوا لي لا يستلم إلا رسائل الحب
ولا يجاوب إلا عليها..
حين استلمت مكافأتي، ورجعت أحملك على راحة يدي، كزهرة مانوليا..
بُستُ يد الله، وبُستُ القمر والكواكب واحداً واحداً) [المصدر السابق (2/402)]
ويغرق نزار قباني في أوحال الردة، ومستنقع الإلحاد، فينسب للواحد القهار الزوجة والعشيقة تعالى ربنا وتقدس، ويزعم أن الملائكة تتحرر في السماء فتمارس الزنا ( الحب ) كما يقول :
(لأنني أحبكِ، يحدث شيءٌ غير عادي، في تقاليد السماء، يصبح الملائكة أحراراً في ممارسة الحب، ويتزوج الله حبيبته) [المصدر السابق (2/442)]
ومن نماذج كفره العفن تشبيهه الخالق بالـمخلوق فيقول :
(إلهٌ في معابدنا نصليه ونبتهل
يغازلنا وحين يجوع يأكلنا …
إلهٌ لا نقاومه يعذبنا ونحتمل
إلهٌ ماله عمر إلهٌ اسمه الرجل) [المصدر نفسه (1/631)]
كما أن نزار قباني بلغ من الكبرياء والاستعلاء ما بلغه فرعون في عصره حتى وصف نفسه بأنه إله الشعر يتصرف كيف يشاء، يقول :
(إنني على الورق أمتلك حرية
وأتصرف كـإله
وهذا الإله نفسه هو الذي يخرج بعد ذلك إلى الناس ليقرأ ما كتب، ويتلذذ باصطدام حروفه بهم
إن الكتـب المقدسة جميعاً ليست سوى تعبير عن هذه الرغبة الإلهية في التواصل
وإلا حكم الله على نفسه بالعزلة) [(أسئلة الشعر) صفحة 178]
وكذلك جعل نزار قباني الله مـحتاجاً إلى خلقه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، قال - عامله الله بما يستحق-:
(الله يفتش في خارطة الجنة عن لبنان) [المصدر السابق (2/323)]
كما يصف الله جل جلاله بالجهل وعدم المعرفة بخلقٍ من مخلوقاته وهو الإنسان وقلبه، فيقول :
(…القلب الإنساني قمقمٌ رماه الله على شاطئ هذه الأرض، وأعتقد أن الله نفسه لا يعرف محتوى هذا القمقم، ولا جنسية العفاريت التي ستنطلق منه، والشعر واحد من هذه العفاريت) [( أسئلة الشعر ) صفحة 195]
وكذلك يعترف نزار قباني للملأ أجمعين أنه قد باع الله من أجل عاهرةٍ فاجرة فيقول :
(على أقدام مومسةٍ هنا دفنت ثاراتك..
ضيعت القدس..
بعت الله..
بعت رماد أمواتك) [" على لسان لعوب " (1/448)]
ويغوص نزار قباني في أعماق الوثنية والكفر فيجعل لله تعالى عمراً، إذ يشبه عمر حزنه على عشيقته بعمر الله، فيقول :
(عمر حزني، مثل عمر الله، أو عمر البحور)
[المصدر السابق (1/757)]
ويمعن نزار قباني في الازدراء والاحتقار والاستهزاء من صاحب العظمة والكبرياء سبحانه وتعالى فيصفه بالبكاء، والعصبية، والإضراب عن الطعام، فيقول:
(فلا تسافري مرةً أخرى
لأن الله منذ رحلتِ دخل في نوبة بكاء عصبية
وأضرب عن الطعام) [المصدر السابق (2/562)]
وهنا يزداد نزار قباني استهزاءً واحتقاراً لله تعالى، فيقول:
(ساعتنا واقفة..
لا الله يأتينا ولا موزع البريد
من سنة العشرين حتى سنة السبعين)
[المصدر السابق (2/648)]
وكما أن نزار قباني لم يهدأ له بال حتى تفنن بإلقاء الشتائم على الرب سبحانه وتعالى؛ فوصفه في هذه الـمرة بالنسيان لكلامه، فقال :
(ولماذا نكتب الشعر وقد نسي الله الكلام العربي) [المصدر نفسه ( 2/648)]
ويقول في الأعمال السياسية (3/105)
(حين يصير الدمع في مدينة..
أكبر من مساحة الأجفان..
يسقط كل شيء..
الشمس والنجوم والجبال والوديان..
والليل والنهار والشطآن..
والله والإنسان..
حين تصير خوذة كالرب في السماء
تصنع بالعباد ما تشاء
تمعسهم تهرسهم تميتهم تبعثهم
تصنع بالعباد ما تشاء)
أما هذه المرَّة فَيَصِلُ نزار قباني إلى مرحلة من الاستعلاء لم يصل إليها أحد من العالمين، فيصف نفسه بالربوبية والرسالة لـعشيقته عياذاً بالله من كل مرتدٍ وكافر، فيقول:
(لا تخجلي مني فهذي فرصتي
لأكون رباً أو أكون رسولاً) [المصدر نفسه (2/761)]
ويقول أيضاً :
(لا أحد يقدر أن يغادر المكان يشتري جريدة أو كعكة أو قطعة صغرى من اللبان لربه
لا أحد يقدر أن يقول: يارباه لا أحد) [المصدر السابق (3/292)]
كما يسعى نزار قباني إلى تدنيس أسماء الله تعالى وصفاته ويلصقها بأشياء حقيرةٍ؛ وذلك ليهوّن من شأنها وقدرها في قلوب عباده، فيقول:
(ونهدك هذا المليء المضيء، الجريء، العزيز القدير) [المصدر السابق (2/820)]
وفي ديوانه (قالت لي السمراء) وتحت قصيدة له بعنوان (فم) يسأل الله عز وجل عن كيفية خلق فم حبيبته ومعشوقته بطريقةٍ كلها استهزاء وسخرية، فيقول في صفحة 107:
(من أين يا ربي عصرت الجنى؟..
وكيف فكرت بهذا الفمِ..
وكيف بالغت بتدويره..
وكيف وزعت نقاط الدمِ ؟..
كم سنةً ضيعت في نحته ؟..
قل لي. ألم تتعب..؟ ألم تسأم؟).
وكذلك يشجع نزار قباني كل شيء ليستكبر على الله تعالى، بل ويشجع كل شيء على أن يرفض السجود بين يدي الله عز وجل فيقول في صفحة 45:
(وشجعت نهديك..فاستكبرا على الله..حتى فلم يسجدا).
كما أنه يُشبِّه وجه حبيبته بوجه الله تعالى، فيقول في المصدر نفسه صفحة 55:
(في شكل وجهك أقرأ شكل الإله الجميل).
ويعترف نزار قباني في دواوينه السوداء - بعد وصف النهد على صدر عشيقته - بأنه يعبد الأصنام مع علمه بإثم ذلك، فيقول في صفحة 124:
(على القميص الـمُنْعَمِ صنمانِ عاجيانِ..
قد ماجا ببحرٍ مضرمٍ صنمانِ..
إني أعبد الأصنام رغم تأثمي..).
وفي كتابه (قصتي مع الشعر) يقول نزار قباني في ملحق الصور:
(قرري أنتِ إلى أين ؟
فإن الحب في بـيروت
مثل الله في كل مكان !..).
قلت: تعالى ربنا وتقدس عن قول هذا الأفاك الجاهل الأثيم، فالله تعالى في كل مكان بعلمه وإحاطته لا بذاته.
وهو يُعلن أيضاً أنه يـحترف عبادة النساء، فيقول في المصدر السابق صفحة 153:
(أنا لا أحترف قتل الجميلات
وإنما أحترف عبادتـهن).
ويصرح نزار قباني بسخف الأحكام الشرعية؛ بغمزه ولمزه لها بقوله في قصيدته (الخرافة)!! في ديوان (قصائد متوحشة) صفحة 29 :
(حين كنا في الكتاتيب صغاراً..
حقنونا بسخيف القول ليلاً ونهاراً..
درّسونا..
ركبة المرأة عورة
ضحكة المرأة عورة).
ويقول في (أشعار مجنونة) صفحة 190:
(ما الذي يفعله ضوء القمر ببلادي..
ببلاد الأنبياء..
وبلاد البسطاء..
فالملايين التي تركض من دون نعال..
والتي تؤمن في أربع زوجات.. وفي يوم القيامة).
ويخاطب نزار قباني عشيقته متمرداً على جميع الشرائع بقوله:
(أحاول سيدتي أن أحبك..
خارج كل الطقوس..
وخارج كل النصوص..
وخارج كل الشرائع والأنظمة) [قصيدته (خمسون عاماً في مديح النساء) صفحة 211]
كما يرفض الشيطان نزار أن يتلقى الأوامر من ربه ومولاه جلَّ في علاه بقوله:
(لا تستبدي برأيك فوق فراش الهوى..
لأني من الله.. لا أتلقى الأوامر) [قصيدته (سيبقى الحب سيدتي) صفحة 140]
وهنا يبدأ الشيطان نزار مرة أخرى بالاستهزاء من الله تعالى وأنبيائه الكرام، فيقول:
(وطن بدون نوافذ..
هربت شوارعه.. مآذنه.. كنائسه..
وفر الله مذعوراً..
وفر جميع الأنبياء) [قصيدته (هل تسمعين صهيل أحزاني) صفحة 188]
كما يتخذ نزار قباني إلـهه هواه فيقول:
(هو الهوى.. هو الهوى..
الملك القدوس
والآخر القادر) [قصيدته السابقة صفحة 63]
الغدير
يوم ولدت في 21 آذار(مارس) 1923 في بيت من بيوت دمشق
القديمة, كانت الأرض هي الأخرى في حالة ولادة..
و كان الربيع يستعد لفتح حقائبه الخضراء .
الأرض و أمي حملتنا في وقت واحد .. و وضعتنا في
وقت واحد . هل كانت مصادفة يا ترى أن تكون ولادتي
هي الفصل الذي تثور فيه الأرض على نفسها, و ترمي
فيه الأشجار كل أثوابها القديمة ؟ أم كان مكتوباً علي أن
أكون كشهر آذار, شهر التغيير والتحولات ؟ .
كل الذي أعرفه أنني يوم ولدت, كانت الطبيعة تنفذ إنقلابها
على الشتاء .. وتطلب من الحقول والحشائش والأزهار
والعصافير أن تؤيدها في إنقلابها .. على روتين الأرض .
هذا ما كان يجري في داخل التراب, أما في خارجه فقد كانت
حركة المقاومة ضد الإنتداب الفرنسي تمتد من الأرياف السورية
إلى المدن و الأحياء الشعبية. و كان حي (الشاغور), حيث
كنا نسكن, معقلاً من معاقل المقاومة, وكان زعماء هذه
الأحياء الدمشقية من تجار و مهنيين, و أصحاب حوانيت, يمولون
الحركة الوطنية, و يقودونها من حوانيتهم و منازلهم.
أبي , توفيق القباني , كان واحداً من هؤلاء الرجال, و بيتنا
واحداً من تلك البيوت .
و يا طالما جلست في باحة الدار الشرقية الفسيحة , أستمع
بشغف طفولي غامر , إلى الزعماء السياسيين السوريين
يقفون في إيوان منزلنا , و يخطبون في ألوف
الناس , مطالبين بمقاومة الإحتلال الفرنسي , و محرضين
الشعب على الثورة من أجل الحرية .
و في بيتنا في حي (مئذنة الشحم) كانت تعقد الإجتماعات
السياسية ضمن أبواب مغلقة , و توضع خطط الإضرابات
والمظاهرات ووسائل المقاومة. وكنا من وراء الأبواب نسترق
الهمسات ولا نكاد نفهم منها شيئا ً ..
و لم تكن مخيلتي الصغيرة في تلك الأعوام من الثلاثينيات
قادرة على وعي الأشياء بوضوح . ولكنني حين رأيت
عساكر السنغال يدخلون في ساعات الفجر الأولى منزلنا
بالبنادق والحراب ويأخذون أبي معهم في سيارة مصفحة
إلى معتقل (تدمر) الصحراوي ..عرفت أن أبي كان
يمتهن عملا ً آخر غير صناعة الحلويات ..
كان يمتهن صناعة الحرية . كان أبي إذن يصنع الحلوى
ويصنع الثورة . و كنت أعجب بهذه الإزدواجية فيه ,
وأدهش كيف يستطيع أن يجمع بين الحلاوة و بين الضراوة ..
1970
الحافية
صامتة ٌ أنت ..
فهل تدرين بأن يديك الصامتتين ..
كتابا شعر ؟
حافية ٌ أنت ..
فهل تدرين بأن امرأة ً حافية القدمين
تغير إيقاع التاريخ ،
وتقلب خارطة الدنيا ،
وتطيل العمر ؟
التعاريف
أنا ضد كل التعاريف في الحب ..
فهي جميعا ً قوالب ..
وضد جميع الوصايا القديمة ،
ضد جميع النصوص ،
وضد جميع المذاهب ..
فلا يصنع الحب إلا ّ التجارب ..
ولا يصنع البحر إلا ّ الرياح وإلا ّ المراكب
ولا يستطيع الحديث عن الحرب إلا ّ المحارب
أنا أفعـل الحب .. لكنْ إذا سألوني عنه ُ
فإني أفضلُ أنْ لا أجَـاوب
http://www.ittijahat.com/2nd_isseu/qabbani.jpg
الإفتتاحية
إلى امرأة لا تعاد
تسمى . . مدينة حزني
إلى من تسافر مثل السفينة في ماء عيني
وتدخل وقت الكتابة
ما بين صوتي وبيني
أقدم موتي إليك .. على شكل شعـر
فكيف تـظـنين أني أغني ؟
يا قدس
بكيت .. حتى انتهت الدموع
صليت .. حتى ذابت الشموع
ركعت .. حتى ملّني الركوع
سألت عن محمد ، فيكِ وعن يسوع
يا قُدسُ ، يا مدينة تفوح أنبياء
يا أقصر الدروبِ بين الأرضِ والسماء
يا قدسُ ، يا منارةَ الشرائع
يا طفلةً جميلةً محروقةَ الأصابع
حزينةٌ عيناكِ ، يا مدينةَ البتول
يا واحةً ظليلةً مرَّ بها الرسول
حزينةٌ حجارةُ الشوارع
حزينةٌ مآذنُ الجوامع
يا قُدس ، يا جميلةً تلتفُّ بالسواد
من يقرعُ الأجراسَ في كنيسةِ القيامة ؟
صبيحةَ الآحاد ..
من يحملُ الألعابَ للأولاد ؟
في ليلةِ الميلاد ..
يا قدسُ ، يا مدينةَ الأحزان
يا دمعةً كبيرةً تجولُ في الأجفان
من يوقفُ العدوان ؟
عليكِ ، يا لؤلؤةَ الأديان
من يغسل الدماءَ عن حجارةِ الجدران ؟
من ينقذُ الإنجيل ؟
من ينقذُ القرآن ؟
من ينقذُ المسيحَ ممن قتلوا المسيح ؟
من ينقذُ الإنسان ؟
يا قدسُ .. يا مدينتي
يا قدسُ .. يا حبيبتي
غداً .. غداً .. سيزهر الليمون
وتفرحُ السنابلُ الخضراءُ والزيتون
وتضحكُ العيون ..
وترجعُ الحمائمُ المهاجرة ..
إلى السقوفِ الطاهرة
ويرجعُ الأطفالُ يلعبون
ويلتقي الآباءُ والبنون
على رباك الزاهرة ..
يا بلدي ..
يا بلد السلام والزيتون