رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ومنها قوله
( حمت خدها والثمر عن حائم شج ... له أمل في مورد ومورد )
( وكم هام قلبي لارتشاف رضابها ... فأعرب عن تفصيل نحو المبرد ) ومن لطائف مجونه في التورية قوله
( تزوج الشيخ أبي شيخة ... ليس لها عقل ولا ذهن )
( لو برزت صورتها في الدجا ... ما جسرت تبصرها الجن )
( كأنها في فرشها رمة ... وشعرها من حولها قطن )
( وقائل قال ما سنها ... فقلت ما في فمها سن )
قال الشيخ أثير الدين أبو حيان رأيت أبا الحسين بالقاهرة عند الشيخ قطب الدين ابن القسطلاني فقال لي الشيخ قطب الدين هذا هو الأديب أبو الحسين الجزار فأنشدني لنفسه وكتبت عنه
( من منصفي من معبر ... كثروا علي وأكثروا )
( صادقتهم وأرى الخروج ... من الصداقة يعسر )
( كالخط يسهل في الطروس ... ومحوه يتعذر )
( وإذا أردت كشطته ... لكن ذاك يؤثر ) ومما شرح الصدور والقلب من قول الحمامي
( وكدرت حمامي بغيبتك التي ... تكدر فيها العيش من كل مشرب )
( فما كان صدر الحوض منشرحا بها ... ولا كان قلب الماء فيها بطيب ) ومنه قوله
( لي منزل معروفه ... ينهل غيثا كالسحب )
( أقبل ذا العذر به ... وأكرم الجار الجنب )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ومن لطائفه ما كتب به إلى السراج الوراق على يد مليح ولسانه
( عبدك يا مولاي وافى بها ... وفى بها معنى لمن يعقل )
( وهو على الباب ومقصوده ... وفيك فهم أنه يدخل ) ومن نكته اللطيفة قوله
( أصبحت من أغنى الورى ... وطائرا بالفرح )
( الخمر عندي ذهب ... أكتاله بالقدح ) وقوله
( أقول للكاس إذ تبدى ... بكف أحوى أغن أحور )
( أخربت بيتي وبيت غيري ... وأصل ذا كعبك المدور ) ومن لطائفه في تغزلاته قوله
( ما زال يسقيني زلال رضابه ... لما خفيت ضنى وذبت توقدا )
( ويظنني حيا رويت بريقه ... فإذا دعا قلبي يجلو به الصدى ) أخذه الشيخ جمال الدين بن نباتة وتقوى عليه بالسيف فقال
( أدعو السيوف صقيلة من لحظه ... وإذا دعوت لماه جاوبني الصدى ) ومن لطائفه في مداعباته قوله
( رأيت شخصا آكلا كرشة ... وهو أخو ذوق وفيه فطن )
( وقال ما زلت محبا لها ... قلت من الإيمان حب الوطن ) وممن انتظم في سلك الجماعة وانتصر للتورية وحسن مواقعها ناصر الدين حسن بن النقيب
( وجردت مع فقري وشيخوختي التي ... بها اليوم نومي عن جفوني مشرد )
( فلا يدعي غيري مقامي فإنني ... أنا ذلك الشيخ الفقير المجرد )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ومن نكته الغريبة في التورية قوله
( أقول وقد شنوا إلى الحرب غارة ... دعوني فإني آكل الخبز بالجبن ) ومثل ذلك قوله
( أقول لنوبة الحمى أتركيني ... ولا يك منك لي ما عشت أوبه )
( فقالت كيف يمكن ترك هذا ... وهل يبقى الأمير بغير نوبه )
ومن لطائف قوله
( قالوا رأينا العلق ينفق مسرفا ... والعلق لا شيء لديه ولا معه )
( فأجبتهم إنفاقه من جحره ... قالوا صدقت لذاك ينفق من سعه )
ومن لطائف ما وقع في تورية السعة قول أبي الحسين الجزار وقد وقف على باب ابن الزبير ومنع من الدخول دون غيره فكتب رقعة وأرسلها إلى ابن الزبير فإذا فيها
( الناس قد دخلوا كالأير أجمعهم ... والعبد مثل الخصي ملقى على الباب )
فلما وقف ابن الزبير على هذا البيت أمر بعض الخدم أن يقف على الباب وينادي أدخل يا خصي فدخل وهو يقول هذا دليل على السعة ومنه قوله
( ومكرش أضحى يحلق سفله ... لعساه لا يشكى إليه ويشكر )
( ويقص لحيته فإن ناديته ... لباك وهو محلق ومقصر ) ويعجبني من لطائفه قوله في داره
( ودار خراب بها قد نزلت ... ولكن نزلت إلى السابعة )
( طريق من الطرق مسلوكة ... محجتها للورى شاسعه )
( فلا فرق ما بين أني أكون ... بها أو أكون على القارعه )
( تساررها هفوات النسيم ... فتصغي بلا أذن سامعه ) ( وأخشى بها أن أقيم الصلاة ... فتسجد حيطانها الراكعه )
( إذا ما قرأت إذا زلزلت ... خشيت بأن تقرأ الواقعه ) ومنه قوله
( جودوا لتسجع بالمديح ... على علاكم سرمدا )
( فالطير أحسن ما يغرد عند ... ما يقع الندى )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ومن بدائع أغزاله قوله
( وما بي سوى عين نظرت لحسنها ... وذاك لجهلي بالعيون وغرتي )
( وقالوا به في الحب عين ونظرة ... لقد صدقوا عين الحبيب ونظرتي )
ومن لطائف مجونه قوله
( نفقت لي رأس من الخيل كانت ... تسبق البرق والرياح الزعازع )
( وابتلى الله في المشاعر أخرى ... بشقاق لها عن المشي مانع )
( وإذا قيل كم بقي لك رأس ... قلت رأس لكن بغير كوارع ) ومن لطائفه أيضا في تورية المطوق قوله
( أنت طوقتني صنيعا وأسمعتك ... شكرا كلاهما ما يضيع )
( فإذا ما شجاك سجعي فإني ... أنا ذاك المطوق المسموع )
ومن هنا أخذ الشيخ جمال الدين بن نباتة سجع المطوق ووصل به عدة مقاطيع ومن غاية تغزلاته قوله ( رميت بمهجتي جمرات شوق ... ولم تأخذك بالمشتاق رأفه )
( فهرول دمع عيني فوق خدي ... وما حصلت له مع ذاك وقفه )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ومن لطائف مجونه قوله
( قال لي الواسع صف لي ... مثل ما أعرف وصفك )
( أين باب الخرق قل لي ... قلت باب الخرق خلفك )
ومن غرائب النكت قوله
( أبيات شعرك كالقصور ... ولا قصور بها يعيق )
( ومن العجائب لفظها ... حر ومعناها رقيق )
ومن بديع اختراعاته قوله
( قالوا قد احترقت بالنار راحته ... وهي الغمام ومنها الوابل الغدق )
( وقال قوم وما ضلوا وما هموا ... بأنها النيل قلت النيل يحترق ) ومن غريب نكته قوله
( بخالد الأشواق يحيى الدجا ... يعرف هذا العاشق الوامق )
( فخذ حديث الوجد عن جعفر ... من دمع عيني إنه الصادق ) ومن بديع تغزله قوله
( يا مالكي ولديك ذلي شافعي ... وما لي سألت فما أجبت سؤالي )
( فوخدك النعمان إن بليتي ... وشكايتي من جفنك الغزال ) ومن بديع غزله قوله
( أقول لمن جفنه سيفه ... ولكنه ليس يخشى نبوه )
( تكلف جفنك حمل الفتور ... وأخرج فيه من الضعف قوه ) ومن نكته الغريبة قوله
( قلت لسقم الجسم مني وقد ... أفرط بي فرط ضنى واكتئاب )
( فعلت بي يا سقم ما لم يكن ... تلبس والله عليه الثياب )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
وممن حصل الجلاء لعيون التورية بملاطفته الحكيم شمس الدين بن دانيال من لطائفه قوله
( يا سائلي عن حرفتي في الورى ... واضيعتي فيهم وإفلاسي )
( ما حال من درهم إنفاقه ... يأخذه من أعين الناس ) ومنه قوله
( كم قيل لي إذ دعيت شمسا ... لا بد للشمس من طلوع )
( فكأن ذاك الطلوع داء ... يرقى إلى السطح من طلوعي ) ومن لطائفه أيضا قوله
( ما عاينت عيناي في عطلتي ... أقل من حظي ومن بختي )
( قد بعت عبدي وحماري معا ... وصرت لا فوقي ولا تحتي ) ومن لطائفه أيضا في جارية تضرب بالدف وأجاد قوله
( ذات القوام الذي يهتز غصن نقا ... لو مر يوما عليه طائر صدحا )
( تبدي على الدف كالجمار معصمها ... لنقره ببنان يشبه البلحا )
( غناؤها برقيق الغنج تمزجه ... فما ينقط إلا كل من رشحا ) ومن اختراعاته البديعة قوله
( أيا سائلي عن قد محبوبي الذي ... فتنت به وجدا وهمت غراما )
( أبي قصر الأغصان ثم رأى القنا ... طوالا فأضحى بين ذاك قواما ) وممن أحيا رسوم التورية وأظهر خفيها القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر ومن نظمه فيها
( لقد قال كعب في النبي قصيدة ... وقلنا عسى في فضلها نتشارك )
( فإن شملتنا بالجوائز رحمة ... كرحمة كعب فهو كعب مبارك )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ومن لطائفه قوله
( لا ينقل الروض أحاديثه ... عن عين نمام غدت حافيه )
( فإنه ينقل أخباره ... إلى أعين عنده صافيه )
ومثله قوله
( يا قاتلي بلحاظ ... قتيلها ليس يقبر )
( إن صبروا عنك قلبي ... فهو القتيل المصبر ) وقال
( إن لوزي جلق ... واهن الحبل والقوى )
( لم يكلفك كسره ... فالق الحب والنوى )
ومن نظمي في هذا المعنى في المشمش السلطاني بحماه
( قال سلطاني حماة عندما ... أجلسوه مذ أتاهم في الصدور )
( مشمش الشام يقوي قلبه ... يوم نقع فهو قد أضحى وزيري )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ومن لطائف القاضي محيي الدين قوله
( شكرا لنسمة أرضكم ... كم بلغت عني تحيه )
( لا غرو أن حفظت أحاديث ... الهوى فهي الذكيه )
وهذه النكتة أخذها الشيخ صلاح الدين الصفدي وقال
( يا طيب نشر هب لي من نحوكم ... فأثار كامن لوعتي وتهتكي )
( أهدي تحيتكم وأشبه لطفكم ... وروى شذاكم إن ذا نشر ذكي )
وأشار إلى هذه السرقة الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة بقوله ولم يخرج عما نحن فيه من التورية
( إن ابن أيبك لم تزل سرقاته ... تأتي بكل قبيحة وقبيح )
( نسب المعاني في النسيم لنفسه ... جهلا فراح كلامه في الريح
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ومن نكته البديعة الغريبة قوله
( لا تسلني عن أول العشق إني ... أنا فيه قديم هجر وهجره )
( من دموعي ومن جبينك أرخت ... غراما بمستهل وغره )
وتطفل الشيخ عز الدين الموصلي على هذا المعنى ولكن سبكه في قالب حسن بقوله من قصيدة
( فيا هاجري عاما لقد ضل عاذلي ... وليس له وجه وتاريخه سلخ )
ومن لطائفه قوله بمنزلة القطيفة بالقرب من دمشق
( هذي القطيفة التي ... لا تشتهي عقلا ونقلا )
( حشيت ببرد يابس ... فلأجل ذاك الحشو تقلى )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ومن لطائفه قوله
( ضفر الشعر وألقى ... خلفه كالقطن وفره )
( قلت ماذا قال شيب ... قلت والله ودره )
ومن لطائفه قوله في معشوقه المعنى المسمى بالنسيم
( إن كانت العشاق من أشواقهم ... جعلوا النسيم إلى الحبيب رسولا )
( فأنا الذي أتلو لهم يا ليتني ... كنت اتخذت مع الرسول سبيلا ) ومثله قوله فيه
( يا من غدا لي من عواصف ... هجره الريح العقيم )
( أترى يطيب لي الهوى ... ويقال لي رق النسيم )
ومن لطائفه قوله
( سل سيفا من جفنه ثم أرخى ... وفرة وفرت عليه الحميلة )
( إن شكا الخصر طولها غير بدع ... لنحيل يشكو الليالي الطويلة )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
وألم به ابن العفيف فقال
( حل ثلاثا يوم حمامه ... ذوائبا تعبق منها الغوال )
( فقلت والقصد ذؤاباته ... يا سهري في ذي الليالي الطوال )
وهذا المعنى تلاعب به جماعة من المتأخرين ولولا الخيفة من طول الشرح لذكرت ذلك ولكن لا بد أن يرد على المتأمل في مواضعه ويعجبني قوله
( وبروحي هويته عجميا ... لي لذت ألفاظه الغتمية )
( كم حلا عجمه فقلت لخلي ... خلني والحلاوة العجمية ) ومن لطائف مجونه قوله ( وأعور العين ظل يكشفها ... بلا حياء منه ولا خيفه )
( وكيف يلفى الحياء عند فتى ... عورته لا تزال مكشوفه ) ومنه قوله ( قال لي العلق وقد جئته ... أريه أيرا فاق في حسنه )
( أيرك هذا مات قلت انحنى ... كرامة الميت في دفنه )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ويعجبني من خمرياته قوله
( خمرة للشقيق أمست شقيقه ... بنت كرم بالمكرمات خليقه )
( قال قوم من لطفها هي في الكاس ... مجاز والكاس فيها حقيقه ) ( أنتجت فرحة وجاءت بكأس ... صبغت حمرة فنعم الشقيقه ) ومن بديع اقتباسه بالتورية قوله
( بأبي فتاة من كمال صفاتها ... وجمال بهجتها تحار الأعين )
( كم قد دفعت عواذلي عن وجهها ... لما تبدت بالتي هي أحسن )
هذا الاقتباس بالتورية أخذه الشيخ جمال الدين بقافيته ولكن زاده إيضاحا بقوله
( يا عاذلي شمس النهار جميلة ... وجمال فاتنتي ألذ وأزين )
( فانظر إلى حسنيهما متأملا ... وادفع ملامك بالتي هي أحسن ) وألم به الشيخ عز الدين الموصلي وما خرج عن إيضاحه أيضا بقوله
( قد سلونا عن المليح بخود ... ذات وجه به الجمال تفنن )
( ورجعنا عن التهتك فيه ... ودفعناه بالتي هي أحسن ) ومن لطائفه قوله
( ذات طوق وذات زيق تغنى ... فتنبي بالوجد من ليس يدري )
( زيفت ثم كاشفتنا فقلنا ... لك زيق الغنى ولي زيق فقري )
( ما تراها قد حدثت خاطر النهر ... بما قد جرى وما منه يجري ) ومن لطيف كلامه قوله
( وبطحاء في واد يروقك روضها ... ولا سيما إن جاد غيث مبكر )
( تلاحظها عين تفيض بأدمع ... يرقرقها منه هنالك محجر )
( إذا فاخرتها الريح وهي عليلة ... بأذيال كثبان الربا تتعثر )
( بها الفضل يبدو والربيع وقد غدا ... بها الروض يحيى وهو لا شك جعفر ) وقال في مليحة اسمها وردة
( بأبي وردة مولدة الحسن ... دعوها بوردة البستان )
( في التصاوير مثلها ليس يلفى ... فيقولون وردة كالدهان ) ومن تواريه الغريبة في المواليا في مليح مشطوب
( لك طرف أحور حمى من حسنك السرحه ... كم قد أغار على العشاق في صبحه )
( لما علمت بانو سابق اللمحة ... عليه خفت فشطبتو على صحه )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ومن نكته الغريبة في أغزاله قوله
( ذباب السيف من لحظ إليه ... لأخضر صدغه حسن انتسابي )
( ولا عجب إذا ما قيل هذا ... له صدغ زمرده ذبابي ) ومن اختراعاته الغريبة قوله
( كتبت لكم من أعين القصب التي ... لها من معانيكم ومن نفسها طرب )
( فإن أطرب التشبيب فيها بذكركم ... فكم أطرب التشبيب من أعين القصب ) ومن هنا أخذ المعمار فقال
( هويته مشببا ... جماله برح بي )
( تيم قلبي بالحجاز ... من عيون القصب ) ومن مخترعات القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر قوله
( ملأت الليالي من علا وختمتها ... فقد أصبحت محشوة بمكارمك )
( ختمت عليها بالثريا فقل لنا ... أهذا الذي في كفها من خواتمك ) ومنه قوله
( يا سيدي إن جرى من مدمعي ودمي ... للعين والقلب مسفوح ومسفوك )
( لا تخش من قود يقتص منك به ... فالعين جارية والقلب مملوك ) ومنه قوله
( ذو قوام يجور منه اعتدال ... كم طعين به من العشاق )
( سلب القضب لينها فهي غيظى ... واقفات تشكوه بالأوراق )
ومنه قوله
( يا رب كأس صرت من شربها ... من بعد رشفي ريق معشوقي )
( ملتهب الأحشاء نارا لأن ... شربتها منه على الريق )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ويعجبني منه قوله
( أنت من وجه ولحظ ... لك دينار وكسر )
هذا الدينار والكسر اغتصبه الشيخ جمال الدين بن نباتة ولم يسبكه في غير قالبه فقال
( أفدي حبيبا لي إلى ... مرآه طول الدهر فقر )
( في خده وجفونه ... للحسن دينار وكسر )
وهذه زاوية اخترتها من ديوان الشيخ الإمام العلامة شيخ الشيوخ عبد العزيز الأنصاري الحموي سقى الله ثراه أما بعد حمدا لله الذي أطلعنا من زوايا الأدب على خبايا وأرشدنا بمشايخ شيوخه إلى سلوك ما فيه من المزايا والصلاة والسلام على نبيه الذي اختاره فكان نعم المختار وعلى آله وصحبه المنتظمين في سلك هذا الاختيار فقد انتهى ما أوردته منوعا في التورية من الحلاوات القاهرية وقد تعين أن أفكه المتأمل بعد ذلك بالفواكه الشامية وأقتطف له من فروع شيخ الشيوخ ما يظهر به مزية الثمرات الحموية وقدرة السلطنة في الأدب وناهيك بالسلطنة الشيخية فاخترت من أبيات قصائده ومواصيل مقاطيعه ما يحلو بها التشبيب وسميته زاوية شيخ الشيوخ علما بأنها زاوية يتأهل بها الغريب والله تعالى يجعلنا ممن تخير العمل الصالح فأحسن وسمع القول فاتبع منه الأحسن فمن ذلك قوله من قصيدة
( ويلاه من نومي المشرد ... وآه من شملي المبدد )
( يا كامل الحسن ليس يطفي ... ناري سوى ريقك المبرد )
منها ووصل إلى المخلص وهو في غاية الحسن قوله
( غصن نقا حل عقد صبري ... بلين خصر يكاد يعقد )
( فمن رأى ذلك الوشاح ... الصائم صلى على محمد )
ومنه قوله من قصيدة
( لنا من ربة الخالين جاره ... تواصل تارة وتصد تاره )
( تعاملني بما يحلي سلوي ... ولكن ليس في حلو مراره
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ومنه قوله وهو مطلع قصيدة
( حروف غرامي كلها حرف إغراء ... على أن سقمي بعض أفعال أسماء ) ومن هنا أخذ الشيخ جمال الدين وقال
( أودت فعالك يا أسما بأحشائي ... واحيرتي بين أفعال وأسماء ) ومن بديع نكته قوله
( وبدر دجى لم ينتقل كسميه ... ولكنه ما زال في القلب والطرف )
( يلوح لعيني ماشقا نون صدغه ... فأعبد خلاقي على ذلك الحرف ) هذه النكة أخذها ابن الوردي بقافيتها وغالب ألفاظها ومعناها فقال
( يا بدر تم نوره باهر ... منزله في القلب والطرف )
( صدغك حرف النون في مشقه ... من يعبد الله على حرف ) ولعمري إنها سرقة فاحشة ومنه قوله
( أقام لخده الناري عذارا ... ومذ أقصى عذاري وهو ثلجي )
( حمى مرج العذار بمقلتيه ... فأمشى الناس في هرج ومرج ) ومنه قوله في التورية مع بديع الاقتباس
( يا نظرة ما جلت لي حسن طلعته ... حتى انقضت وأدامتني على وجل )
( عاتبت إنسان عيني في تسرعه ... فقال لي خلق الإنسان من عجل ) أخذه الشيخ جمال الدين بن نباتة وجعله مطلعا لقصيدة فقال
( إنسان عيني بتعجيل السهاد ملى ... عمري لقد خلق الإنسان من عجل )
ومنه قول الشيخ عز الدين شيخ الشيوخ وتلطف ما شاء مع قصر الوزن
( وغمام معربد ... ببروق وزمجره )
( غادر الروض ناضرا ... بعيون مخضره )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ومنه قوله
( قلت وقد عقرب صدغا له ... عن مشقة الحاجب لم يحجب )
( قد سدت يا رب الجمال الذي ... ألف بين النون والعقرب ) وقال وتلطف ما شاء وأظنه أول من ورى بهذه النكتة
( أفدي حبيبا رزقت منه ... عطف محب على حبيب )
( بوجنة ما أتم ربحي ... وقد غدا وردها نصيبي ) ومن هنا أخذ الشيخ جمال الدين بن نباتة وغيره وقول الشيخ جمال الدين بن نباتة
( فديتك غصنا ليس يبرح مثمرا ... من الحسن في الدنيا بكل غريب )
( تفتح في وجناته الورد أحمرا ... فيا ليت ذاك الورد كان نصيبي ) ومنه قوله
( لا تنس وجدي بك يا شاذنا ... بحبه أنسيت أحبابي )
( ما لي على هجرك من طاقة ... فهل إلى وصلك من باب ) ومنه قوله
( مرضت ولي جيرة كلهم ... عن الرشد في صحبتي حائد )
( فأصبحت في النقص مثل الذي ... ولا صلة لي ولا عائد ) ومن هنا أخذ الشيخ عز الدين الموصلي وقال
( أهل دمشق قد مرضت عندهم ... وما قصدت نحوهم بمسأله )
( مع علمهم بأنني أنا الذي ... ولا أتاني عائد ولا صلة ) ومنه قوله
( قالوا أما في جلق نزهة ... تنسيك من أنت به مغرى )
( يا عاذلي دونك من لحظه ... سهما ومن عارضه سطرا )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
السهم وسطرى من منتزهات دمشق المشهورة ومن هنا أخذ الشيخ جلال الدين بن خطيب داريا وقال
( سألتكما إن جئتما الشام بكرة ... وعاينتما الشقراء والغوطة الخضرا )
( قفا واقرآ مني كتابا كتبته ... بدمعي لكم مقرا ولا تنسيا سطرا )
ومقرا أيضا من منتزهات دمشق وحسن بعدها ذكر سطرا ومنه قوله وأجاد
( سبحان مورثه من حسن يوسف ما ... لم يبق في الحجر لي والصبر من حصص )
( أقام للشعراء العذر عارضه ... فكم لهم من دبيب النمل من قصص ) ومنه قوله
( ولقد عجبت لعاذلي في حبه ... لما دجا ليل العذار المظلم )
( أو ما درى من سنتي وطريقتي ... أني أميل مع السواد الأعظم ) ومن هنا أخذ الشيخ جمال الدين بن نباتة وغيره فأما ابن نباتة فإنه أخذه وزنا وقافية وقال
( أهواه معسول الرضاب منعما ... ولقد يعذبني الهوى بمنعم )
( يا قلب هذا شعره وجفونه ... صبرا على هذا السواد الأعظم ) ومن لطائفه قوله
( أكملت ستا وأربعين بها ... أخلت همومي من راحتي ربعي )
( وجزت في السبع خائفا وجلا ... لأنني جائز على سبع ) ومن نكته اللطيفة قوله
( هزم الهم عن نداماي راح ... حظيت من سماعهم بلحون )
( لم تكد في الكؤوس تظهر لطفا ... فبدت من خدودهم في الصحون )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ومن لطائف مجونه قوله
( سألته من ريقه شربة ... أطفي بها من كبدي حره )
( فقال أخشى يا شديد الظما ... أن تبع الشربة بالجره ) ومن هنا أخذ المتأخرون ومن نكته اللطيفة ما كتبه على جرن حمام السلطان بحماة
( كملت لطفا ووقارا على ... ما حزت من أوصافي الحلوه )
( من أجل هذا صرت أهلا لأن ... أجالس السلطان في الخلوه ) وممن أجار رقيق التورية من غلظ العقادة الأمير مجير الدين بن تميم فمن ذلك قوله
( لما لبست لبعده ثوب الضنى ... وغدوت من ثوب اصطباري عاريا )
( أجريت واقف أدمعي من بعده ... وجعلته وقفا عليه جاريا ) ومن لطائف نكته قوله في كتاب
( ياحسنها نسخة يلهو مطالعها ... بها لما قد حوت من رائق الكلم )
( صحت وقد لطفت أجزاؤها فحكت ... لطف النسيم وحاشاها من السقم ) ومنه قوله
( بتنا جميعا وبات لثمي ... له حمى ثغره مباح )
( فمات مني الظلام غيظا ... وانشق من غيظه الصباح ) ومنه قوله
( وساقية تدور على الندامى ... وتنهرهم لسرعة شرب خمر )
( سنشكر يوم لهو قد تقضى ... بساقية تقابلنا بنهر ) وهذه النكتة تلاعب الناس بها كثيرا ومن نكته الغريبة قوله في سجادة
( أيا حسنها سجادة سندسية ... يرى للتقى والزهد فيها توسم ) ( إذا ما رآها الناسكون ذوو الحجا ... أمامهم صلوا عليها وسلموا ) ومن هنا أخذ الشيخ جمال الدين بن نباتة وقال
( إن سجادتي الحقيرة قدرا ... لم يفتها في بابك التعظيم )
( شرفت إذ سعت إليك فأمست ... وعليها الصلاة والتسليم ) وتطفل عليها الشيخ زين الدين بن الوردي أيضا فقال
( سجادة أذكرتني ... منك الذي كنت تعلم )
( أهديتها لمحب ... صلى عليها وسلم )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ومن قوله وهو من ألطف أغزاله
( يا حسن أهيف حظه من حبنا ... طيب النعيم وحظنا منه الشقا )
( قدم العذار إلى نقا وجناته ... يا مرحبا بقدوم جيران النقا ) ومن نكته الغريبة قوله في مليح جرح جبينه
( بكوا لجراحة شقت جبين الحبيب ... فقال ما ضر الجراح )
( أليس جبينه صبحا منيرا ... ولا عجب إذا انشق الصباح ) ومن لطائفه قوله
( وعيرني بالشيب قوم أحبهم ... فقلت وشأن العاشقين التحمل )
( بعثتم إلى رأسي المشيب بهجركم ... ومهما أتى منكم على الرأس يحمل )
وهذه النكتة أيضا تلاعب بها المتأخرون بعد ابن تميم كثيرا ومن لطائف نكته أيضا قوله
( ونهر حالف الأهواء حتى ... غدا طوعا لها في كل أمر )
( إذا سرقت حلى الأزهار ألقت ... إليه بها فيأخذها ويجري )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ومثله قوله
( سرق النسيم حلى الغصون بسحره ... لما أتاها وهي في اطرابها )
( ورمى بها نحو الغدير فضمها ... في صدره من خوفه وجرى بها ) ومن بدائع نكته
( وليلة بت أسقى في غياهبها ... راحا تسل شبابي من يد الهرم )
( ما زلت أشربها حتى نظرت إلى ... غزالة الصبح ترعى نرجس الظلم ) ومن لطائف نكته في أغزاله قوله
( خليلي قد صاد الفؤاد بحسنه ... غزال به عذر المحبين واضح ) ( ولا غرو أن صاد الفؤاد بلحظه ... ألم تعلما أن العيون جوارح )
ومن لطائف نكته في أغزاله أيضا قوله
( وقالوا بدا خط العذار بخده ... فأضحى سعيد الخد وهو معذر )
( فقلت خيال الشعر ما قد رأيتم ... فإن صح ذاك الخط فهو مزور ) من هنا أخذ الشيخ صلاح الدين ولكن زاده نكتة أخرى بقوله
( عيناه قد شهدت بأني مخطىء ... وأتت بخط عذاره تذكارا )
( يا حاكم الحب اتئد في قتلتي ... فالخط زور والشهود سكارى ) ومن نكته الغريبة قوله
( أيا ذا الذي قد كف كفيه عامدا ... عن الجود خوف الفقر ما ذاك سائغ )
( أتخشى سهام الفقر ما دمت منفقا ... نصيبك والنعما عليك سوابغ ) ومن نكته الغريبة قوله
( ونهر بحب الروض أصبح مغرما ... يروح ويغدو هائما بوصالها )
( إذا بعدت عنه شكا بخريره ... جفاها وأمسى قانعا بخيالها )