مرحبا أخي بليبل نفذت جميع الخطوات عند رقم 5 لما فتحته لم اجد رقم 6
؟؟؟
عرض للطباعة
http://im40.gulfup.com/6vT1B.gif
http://im31.gulfup.com/pvr5D.png
وقفة خاصة أهديها لرفيق دربي الذي شرفني هنا
لأجلك ولأجل أيام الجبيل أهديك ......... !!!
http://im42.gulfup.com/Ul5Zt.png
مرحباً بك دائماً في http://www.samtah.net/vb/images/icons/icon025.gif أخيك
ومرحباً بك ومرحباً بأحبتنا إخوة وأخوات
من أبناء http://www.samtah.net/vb/images/icons/icon027.gif اليمن الغالي في منبرهم صامطة الثقافي
أيها الليث الجنوبي هات ما عندك فـ حبر صديقك بدأ يجف
::sa02::
http://im40.gulfup.com/mXoHx.png
أطلقها في وجه الظلمة ، فباد الظالم وخلدت القصيدة
http://im35.gulfup.com/E8bZU.jpg
في حرب طروادة الشهيرة، استمر حصار الأثينيين حول المدينة المحصنة عشر سنوات حتى تمكنوا أخيراً من خداع الطرواديين بالحصان الخشبي. لم تكن تلك الحرب مجرد خلاف بين مدينتين، بل كانت إحدى أضخم الحروب الأسطورية في التاريخ، فطرّزها هوميروس في إلياذته الشهيرة، حيث امتلأت معاركها بقصص البطولة والخيانة والصبر والحب وغيرها.
إن حرب طروادة هي نسخة مصغّرة من حياة الإنسان، فالحياة ساحة حرب عملاقة، تملؤها المعارك وتستخدم فيها مختلف الأسلحة الإنسانية، وهناك من يخرج في نهايتها وهو ممتنٌ لكل التجارب التي منحته إياها، وهناك من يُعلن استسلامه في إحدى معاركها ليعيش أسيراً للفرضيات والظروف التي تفرضها عليه الحياة.
http://im31.gulfup.com/pvr5D.png
كُلنا مقاتلون، شئنا أم أبينا، ولكن الفرق بيننا أن هناك من يُحسن تدريب نفسه قبل كل معركة ويستعد لها بالسلاح المناسب، وهناك من يركن للدعة وينغمس في اللذات حتى إذا ما دقّت طبول الحرب أُسْقِطَ في يده وسقط عند أول مواجهة.
لا تيأس من خوض معارك الحياة، فلكل معركة غنائمها، وتلك التي تخسرها تُقويك للمعركة التالية. إن كثيراً ممن انتصروا في معارك عظيمة حققوا ذلك بقوة تحمّلهم لا بقوة أذرعتهم.
لو توقفت المعارك في حياة أحدنا لأصبحت حياته مملة جداً وباهتة، تتشابه فيها أيامه حتى يصير عمره كله يوماً واحداً، كئيباً في أغلب الأحيان.
ليس بالضرورة أن تكون معاركك دموية، فالحب معركة بين الواقع والأمنيات، والنجاح معركة بين التشاؤم والطموح حتى الإيمان معركة ممتعة لا يمل الإنسان من خوضها كلما ارتاد بحر المعاصي.
نحب المعارك لأنها تجعلنا نستخدم حواسنا كلها، تدفعنا لاستخراج طاقاتنا المكنونة، واكتشاف مواهبنا المدفونة، وفي المعركة فقط يُقدّر الإنسان المتعة التي يجدها في كل استراحة، فلولا المشقة ما استمتع الإنسان بالسعادة.
بعض المعارك تقربنا من الموت، تهز عروش الاستقرار التي تَكَدّسنا عليها طويلاً، وتقوض حصون الدعة التي نختبئ في داخلها؛ ثم تعرينا من مخاوفنا وتدفع بنا لنقفز من على حافة الجبل. إن من يخشى السقوط لن يذوق لذة الطيران، ومن يخشى الموت لن يذوق طعم الحياة. المعارك تقربنا من الموت، تضعنا وجهاً لوجه مع النهايات؛ ثم تغرينا لصناعة بدايات جديدة. ما اقترب أحدنا من الموت إلا صار للحياة أقرب.
ليس مهماً أن ننتصر في كل المعارك، ولكن هناك معارك علينا أن نكسبها مهما كان الثمن، ليس لغنائمها أو لننتصر فيها، ولكن لنكسر حاجز الخوف الذي بداخلنا؛ فمن يتغلب على خوفه ينتصر قبل نهاية المعركة.
يروي روبرت غرين في كتابه (القوانين الثمانية والأربعون للقوة) أنه أثناء حروب الممالك الثلاث في الصين (207 – 265م) كان الجنرال الكبير (تشوكو ليانغ) يرتاح في مدينة صغيرة بعد أن أرسل جيشه إلى المعسكر، وبينما هو كذلك، هرع إليه أحد جنوده ليخبره بأن غريمه، القائد (سيما يي)، يقترب بجيش قوامه مئة وخمسون ألف مقاتل، وعندما أدرك تشوكو أن عودة جيشه ستستغرق أياماً، أمر جنوده بأن يفتحوا أبواب المدينة وينزلوا إعلامها ويختبئوا، ثم لبس جلباباً طاويّا وجلس على مكان بارز من السور وبدأ يعزف على العود. وبعد دقائق لاحظ جيش العدو وهو يقترب منه؛ فتظاهر بأنه مشغول بالعزف، وما أن اقترب الجيش حتى عرفه سيما يي ومن معه، فتحمس الجنود لدخول المدينة والنيل من عدوهم الذي أنهكهم طيلة أعوام طويلة، ولكن سيما توقف يتأمل الرجل قليلاً ثم أمر جيشه بالانسحاب!
كان تشوكو ليانغ معروفاً بلقب (التنين النائم) وكانت منجزاته في حرب الممالك الثلاث أسطورية، كما يصفها غرين، ولذلك لم يُصدق سيما بأنه جالس هناك لوحده؛ وظن بأن في الأمر مكيدة ما.
بعضنا يُشبه تشوكو كثيراً، يحرص طوال حياته على الحفاظ على سمعته في المعارك التي يخوضها من أجل لحظة مثل هذه، حين يتجرد من كل قوة ويعجز عن الحصول على مساعدة، في هذه اللحظات الحاسمة في حياة المقاتل، تصير سمعة المرء أقوى سلاح يملكه.
وبعضنا يشبه سيما كثيراً، يتردد قبل المعركة فيخسرها حتى قبل أن يخوضها. إن المقاتل الحقيقي هو الذي يُدرك بأن هزائمه هي دورة تدريبية باهظة الثمن، ولذلك فإنها عظيمة المنفعة.
بعض المعارك نخوضها بالبكاء، إنها المعارك القلبية، فالبكاء وحده من يجعل احتمال الألم عملاً مستساغاً، إنه المطهر الذي نضعه على الجروح. يتعارك العقل مع القلب كثيراً، فالعقل يريد أن يحارب في بعض المعارك بالكلام، أما القلب فإنه يستخدم الصمت لكسر عزيمة خصومه. يستطيع الصمت أن يعقد أفضل اتفاقية سلام لو أتقنه بنو البشر.
الحياة مليئة بالمعارك، فاتخِذ الإيمان بالله درعاً، ثم الإيمان بالنفس سلاحاً، وتذكر بأنك لا تُحارب لوحدك إن أحسنت اختيار معاركك. الحياة قصيرة جداً فلا تضيعها أسيراً، وتمتع، كمقاتل، بكل المعارك التي تخوضها؛ فذلك وحده كفيلٌ بأن يخلّد اسمك.
http://www.samtah.net/vb/images/icons/u19.gif نحو http://www.samtah.net/vb/images/icons/frasha.gif فكـرٍ http://www.samtah.net/vb/images/icons/frasha.gif جديد http://www.samtah.net/vb/images/icons/u19.gif
http://im37.gulfup.com/n0ywd.gif
http://im37.gulfup.com/d4jt2.gif
http://im33.gulfup.com/qak3h.png
أخي الحبيب الغالي / أختي النقية التقية
رفقاً بأخيكم ولا تحملاه ما لا يطيقه غداً
أنت مـُـبدع ... !!! وأنتِ مـُبدِعـة ...!!!http://im33.gulfup.com/Xugq1.png
قال ابن القيم رحمه الله :
( مبدع الشيء وبديعه ) لا يصح إطلاقه إلا على الرب سبحانه ، كقوله : ( بديع السماوات والأرض )
والإبداع : إيجاد المبدَع على غير مثال سَبق .
انتهى كلامه رحمه الله .
وقال شيخه ( أعني شيخ الإسلام ابن تيمية ) رحمه الله قال عن رب العـزة سبحانه ) :
مبدعٌ للسماوات والأرض ، والإبداع خلق الشيء على غير مثال ، بخلاف التولد الذي يقتضي تناسب الأصل والفرع وتجانسهما ، والإبداع خلق الشيء بمشيئة الخالق وقدرته مع استقلال الخالق به وعدم شريك له .
وقال رحمه الله :
وأما مبدع العالم فهو المبدع لأعيانه وأعراضه وحركاته ، فليس له نظير ، إذ هو سبحانه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله .
انتهى كلامه رحمه الله .
فالله هو المُبدِع ، وأما المخلوق فَـمُـبْـدَع ( بفتح الدّال ) .
وقد اطـّـلعتُ على كتاب ألـّـفه وجمعه مهندس إيطالي ، يعمل في مجال الهندسة الإنشائية المعمارية ، وقد صمم عدداً من أبنية المساجد في أوربا .
جمع فيه مؤلفه مجموعة من الصور .
وكانت تلك الصور لأشجار وأزهار وحيوانات وقواقع بحرية ... إلخ
ثم أتى بما يُـقابلها من بنايات ومناظر جمالية رسمها الإنسان أو خطـّـتها يد مهندس .
وكان من تلك الصور الأخيرة : صور لبنايات ومنها ناطحات سحاب ، صور لمناظر جمالية ، صور لأبراج عالية ، صور لأماكن مختلفة ... إلخ .
ولما يُجري مُقارنة ويُـناظر بين الصورتين بأن يجعل الأصل في صفحة ويُقابله بالصورة في الصفحة المقابلة يظهر التقليد وتتبيّن المحاكاة .
فالأصل هو إبداع الباري سبحانه .
والصورة تقليد الإنسان ومحاكاته .
تعجّبت كيف أن المهندسين لا يُبدعون في شيء مما صمموه ، وإنما يُحاكون ما يرونه في حياتهم اليومية ، أو من عبر نافذة طائرة ، أو من خلال رحلة بريّة ... إلى غير ذلك .
فعلمت أن ذلك المهندس الإيطالي كان يستوحي أفكاره مما أبدعه بديع السماوات والأرض سبحانه وتعالى .
وإن كان غيره أخفى ( إيحاءاته ) فهو قد أبداها وأظهرها في كتاب ضخم .
فلم يـَعُـد للإنسان دور سوى التقليد والمحاكاة .
وهناك أنواع من الطائرات قد وُضعت فكرتها نتيجة مشاهدة حركات طير أو طيرانه .
فالطائرات المروحية – مثلاً – مستمدة فكرتها من حركات وطيران ووقوع تلك الحشرة الصغيرة ذات الذيل الطويل ، والتي تعيش في المزارع قرب المياه .
ورأيت شريطا مرئيا عن ( سلوك الإحتيال عند الحيوان ) وكان مما فيه :
حركات واحتيال طائر ( الفريقيت ) ومنه أخذت فكرة طائرات ( الفريقيت ) فأخذوا الفكرة من ذلك الطائر وطريقته في الطيران بل سموا تلك الطائرات باسمه !!
بل إن فكرة الطيران أساساً قد أُستـُـمدّت من الطير بجناحيه وذيله !
كما إن أجهزة المراقبة ( الرادار ) صُـنعت تقليدا لذلك الطائر الليلي الأعشى ( الخفاش ) وما وهبه الله من ذبذبات ترتدّ عليه إذا اصطدمت تلك الذبذبات بأجسام صلبة .
ثم تأمل بعض الشاحنات وقد وُضِع على جنبيها قرون !! تراها تقليدا لقرون الاستشعار في بعض الحشرات !! حيث تتلمّس فيها وتتحسس الأشياء من حولها .
أجـِـل بطرفك وتأمل من حولك في البيوت والمصنوعات والبنايات وغيرها تجد هذا ظاهراً في كثير من الأحيان .
ترى ( صنع الله الذي أتقن كل شيء ) .
ثم تأمل :
( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور * ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير )
ومهما أوتي البشر من قوة فلن يستطيعوا إيجاد مادة أو إبداعها على غير مثال سابق ، فغاية ما في الأمر أن يُفرّقوا بين أجزاء المادة أو يجمعوا بين عناصر مادتين .
فالله عز وجل خلق الإنسان من طين ، وجعل هذه المادة بين أيديهم ، فأي شيء عملوا فيها أو عملوا منها ؟؟
إن كل ما يستطيعه البشر – مهما أوتوا من عِلم – أن يأخذوا حيوانا منويا ويؤلـّـفوا بينه وبين آخر .
أما أن يوجدوا حيوانا منويا – لا يُرى بالعين المجردة – فهم أضعف وأذلّ .
لقد تحدّى الله البشرية أن تخلق حشرة صغيرة حقيرة ( إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ) بل هم أضعف من تلك الحشرة ( وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ) لما وهب الله لتلك الحشرة من خاصية في لعابها تقوم على تحويل المواد الممضوغة إلى مادة أخرى تختلف بتركيبها عن المادة الأصلية .
فسبحان من خلق فأبدع ... ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون )
سبحان من خلق الأكوان من عدم **** وعمـّـها منه بالإفضال والمنـنِ
ألم تر إلى صنع الله الذي أتقن كل شيء في كِلية الإنسان ، كيف إذا أصيب الإنسان بفشل كلوي ؟
غاية ما يستطيعون أن يفعلوه أن يأتوا له بكلية إنسان آخر .
وقبل ذلك يستطيعون تصفية الدم من شيء الشوائب ويُحجب المريض عن كثير من الأشربة رغم أن عملية التنقية تُعمل له مرة أو مرتين في الأسبوع .
فسبحان من ركّبها فيك على غير مثال سابق ، وجعلها تعمل ليل نهار .
( يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ) ؟؟
فإذا أجاد الطالب أو الطالبة في مادة أو في رسم أو تصوير أو فكرة فلا يُقال له ( مُبدِع ) بل يُقال : إنه أجاد وأفاد وبرز في هذا الجانب ونحوها من الكلمات .
ومثله كلمة تتكرر كثيرا ، وهي قولهم : قتل الإبداع !!
وعذراً على الإطـــــــــــالة .
بقلم / الشيخ عبد الرحمن السحيم حفظه الله .
http://im37.gulfup.com/n0ywd.gif
http://im37.gulfup.com/d4jt2.gif
http://im33.gulfup.com/0HheR.gif
كم هي مؤلمة تلك المواضيع المحبطة عن مناطق المملكة عامةً وعن جازان خاصة .
تُرى أين الخلل ..؟!
دعوة لنتعرف إلى أنفسنا ...
كلمة القوة غالبا ما تشير إلى القوة الجسدية وقد يفهمها البعض بأنها السيطرة أي القوة السياسية أو الإقتصادية
الخياليون ربما سيميلون في تفسيرها إلى القوى الخارقة للأبطال الأسطوريين .! http://www.samtah.net/vb/images/icons/icon7.gif
إن ما أريد أن أتحدث عنه اليوم هي قوة قادرة على صنع المستحيل غالباً يتجاهل الناس مفعولها
وتظهر في المثال التالي :
تناقلت المواقع والأخبار قصة عن رجل حاول الإنتحار أكثر من ١٠ مرات في يوم واحد
وفي كل مرة أهله نجحوا في منعه إلا في المرة الأخيرة التي قرر أن تكون نهايته وآخر لحظات حياته
في حمام بيته بعد تجرعه لكمية كبيرة من الكلور وكان سبب إنتحاره أن بُترت قدمه بسبب مرض السكري
لا حول ولا قوة إلا بالله .
إسترجعت وأنا أتابع الخبر قصة المخترع الملهم والمتميز مهند أبو ديه الذي بعد أن بترت جزء من ساقه وأصبح كفيفاً زاد إصراره وتحديه ، وهو الشخص الذي قال في أحد لقائاته : ( إن لم أكن أقف على قدمين فأنا أقف على جبل من الطموح )
وقد أكد مقولته عندما أصبح أول مهندس صناعي كفيف يتخرج من كلية الهندسة في العالم العربي !
المفارقه بين القصتين تبين لنا ما القوة التي سوف نتحدث عنها وهي :
قوة الإرادة
القوة التي مصدرها قرار واختيارالقوة التي تمنحك القدرة أن تتجاهل البيئة السلبية التي تعيش فيها وتصل إلى طموحاتك
القوة التي تمكنك من عدم سماع أصوات البؤساء الذين يقولون لك مستحيل لأنهم لا يريدونك أن تحقق ما لم يحققوه هم لأنفسهم
القوة التي تبين الفرق بين الإنسان العادي الذي هو نتاج مجتمعه وبيئته وكل حياته هي مجرد ردة فعل لأفعال أشخاص آخرين
وبين الإنسان العظيم الذي حياته مبنيه على خياراته وقراراته هو
القوة التي تجعلك تؤمن أن كلمة المستحيل هي جدار ينتظر أحد الإستثنائيين لكسره
القوة التي تخرج الإكتشافات والإنجازات العلمية الهائلة التي كانت في زمن يظن أنها مجرد أحلام !
القوة التي تجعلك ترقى السلم بالعمل في حين يغرق الآخرين في أمواج السلبية والتذمر
وكل ما تحتاجه لتحصل على هذه القوة أن تتخذ القرار
http://im33.gulfup.com/qak3h.png
الحقيقة نحن جزء من المجتمع الذي نعتقد ونوهم أنفسنا بأنه عقبه بالنسبة لنا وللكثيرين أمثالنا
ولم نفكر للحظة بأنه في النهاية نحن من نشكل المجتمع فبتغيرنا نحن يتغير المجتمع .
اقرؤوا على مهل ....
دعوة إبراهيم عليه السلام في القرآن
(1)
"]إن الدعوة إلى الله تعالـى طريق الأنبياء -عليهم السلام- وأتباعهم كما قال تعالى(قُلْ هَذِهِ سَبيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا ومَنِ اتَّبَعَنِي وسُبْحَانَ اللَّهِ ومَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ
)) . [/font]
وكان مما اعتنى به الـقـرآن الكريم ذكر قصص دعوات الأنبياء ، وتصويرها بأبلغ أسلوب، وعـرضـهـا بأدق عبارة، حـتـى أصـبـحــت أخبارهم في القرآن نماذج حيّة يحتذيها الدعاة ويقتبسون مـن نـورها ، ويهتدون بهـــداها ((أُوْلَئِكَ الَذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)) . وقد اخترنا دراسة موضـوع الدعوة إلى الله من خلال قصة إمام الحنفاء وأبي الأنبياء إبراهيم - عليه السلام - ولم يكن اختياري لهذه الدعوة جزافاً بل لأسباب أوجزها فيما يلي :
أولاً : أنها دعوة خليل الرحمن، ومؤسس الحنيفية، وأحد أولي العزم الخمسة من الرسل .
ثانياً : أن رسولنا محـمــداً - صلى الله عليه وسلم - قد أمر باتباع ملته ((ثُمَّ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ومَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ)) .
ثالثاً : تلك الصفات العظيمة التي تحلى بها إبراهيم حتى قال الله تعالى فيه ((..وإبْرَاهِيمَ الَذِي وفَّى)) فكانت نبراساً يقتفى أثره فيها الدعاة إلى الله .
رابعاً : استغراق القرآن واستقصاؤه لأساليب إبراهيم المتنوعة في عرض دعوته على قومه ، حتى إنه ليعز على الباحث أن يجد لنبي من الأنبياء خلا نبينا - صلى الله عليه وسلم - مثلما يجد لهذه الأيام من الطرائق والسبل في إقناع المدعوين وترويضهم على قبول الدعوة . ولا غرو فقد سنَّ للناس من بعده من الدعوة أساليب لم تعهد لأحد من قبله ولم تقف عند حد الكلمة بل تخطتها إلى الحركة والفعل .
خامساً : رسمت هذه الدعـــوة للدعاة منهاجاً في الصبر يحق لهم أن يقتدوا به ، فقد صبر إبراهيم -عليه السلام- في أحــــوال مختلفة وظروف متباينة وأعمال متنوعة كالصبر على جفاء الأبوة ، وعدوان العشيرة، وهجران الأرض، والفتنة بالنار، والأمر بذبح الولد، وغير ذلك .
وسنعرض الموضوع من خلال نماذج من صفات إبراهيم -عليه السلام- الدعوية وأساليبه في نشر دعوته .
(2)
نماذج من صفات إبراهيم الدعوية :
لن يتسع المقام لحصر تلك الصفات التي اتسم بها إبراهيم -عليه السلام- فلقد وصفه ربه بأنه وفّي جميع مقامات العبد مع ربه ولذلك سنقـتـصـر . على جملة من الصفات ونخص بالذكر منها ما له صلة ظاهرة بدعوته ، وله أثر ظاهر في الاهتداء والاقتداء به .
1- أمة :
قال تعالى : ((إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً..)) وهذه الكلمة تأتي لعدة معان ، منها الجماعة ((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً)) ، ومنها الزمان والحين ((وادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ)) ومنها : الرجل الجامــــع لخـصـال الخير حتى يقوم مقام أمة من الناس ، وهذا هو المقصود في حق إبراهيم ، وهذه تدلنا عـلـى عظيم ما كان يتصف به إبراهيم من عبادة ودعوة وخلق حري بأن يحتذي به الدعاة في حـيـاتهم وتزكية أنفسهم ، واجتهاد أحدهم في تقويم أخلاقه والنشاط في دعوته ليقوم مقام أمة في ذلك . وقيل أن المقصود بالأمة هنا : أي الإمام ، أي قدوة يقتدى به في الخير ، وممن قال به ابن جرير الطبري وابن كثير .
2- قانت :
قال تعالى : ((إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِّلَّهِ حَنِيفاً))، والقنوت : لزوم الطاعة مع الخضوع، وكـذا يجب أن يكون الداعية ملازماً لطاعة الله على كل حال ، فلا يكون كالمنبت يجتهد حتى تكلّ راحلته ، ثم ينقطع ، بل يلازم ويستقيم .
3- حنيفاً :
والحَنَف : الميل عن الضلال إلى الاستقامة ، والحنيفُ : المائل والجنف : ضده . والأحنف : مَنْ في رجله ميل سمي بذلك تفاؤلاً ، وقيل لمجرد الميل .
قال ابن كثير: الحـنـيـف : الـمنحرف قصداً عن الشرك إلى التوحيد . وقد كان ذلك من إبراهيم حتى عُدَّ إمام الحنفاء الموحدين ، قال تعالى : ((ولَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكِينَ )) ، وقال: ((ومَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ )) ، وهكذا فليكن أولياء الله .
4- شاكر:
قال تعالى : ((شَاكِراً لأَنْعُمِهِ)) أي قائماً بشكر نعم الله عليه (وأصل الشكر) ظهور أثر الغذاء في أبدان الحيوان ظهوراً بيناً . يقال : شكرت الدابة : أي سمنت وظهر عليها العلف ، وكذلك حقيقته في العبودية : وهذا ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده : ثناء واعترافاً ، وعلى قلبه : شهوداً ومحبة ، وعلى جوارحه : انقياداً وطاعة . والشكر مبني على خمس قواعد : خضوع الشاكر للمشكور ، وحبه له ، واعترافه بنعمته ، وثناؤه عليه ، وأن لا يستعملها فيما يكره(1) ، وقد كان ذلك من إبراهيم -عليه السلام- .
5- الحلم :
قال تعالى : ((إنَّ إبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ)) .
والحلم : ضبط النفس والطبع عـن الهـيـجـان عـنـد الاستثارة . والحليم : الكثير الحلم وموقف إبراهيم من مقالة أبيه ((لأَرْجُمَنَّكَ)) ومن الـعـتاة قوم لوط حينما مرت به الملائكة وأخبرته بما أمرت بها قال : ((فلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وجَاءَتْهُ البُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إنَّ إبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ)) ، ولم يكن حلم إبراهيم ذريعة يتذرع للسكوت عن الـمـنـكـر بـل كــان يعلن الحق وينكر الباطل ((وتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ)).
6- أوّاه:
قال الراغب الأصفهاني : "الذي يكثر التأوه وهو أن يقول : أوّه وكل كلام يدل على حزن يقال له التأوّه، ويعبر بالأوّاه ، عمن يظهر خشية الله تعالى"(*) ، والذي يتحقق من معنى الأوّاه أنه الخاشع الدعّاء المتضرع، وكثرة تأوّه إبراهيم وتضرعه بين يدي ربه قد ذكرت في آيات كثيرة تدل على تحقيق إبراهيم ((رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وإلَيْكَ أَنَبْنَا وإلَيْكَ المَصِيرُ))وجدير بمن سلك طريق الدعوة أن يجعل تعجيل الإنابة من أبرز سماته ليكسب عون ربه وتسديده ومحبته .
7- السخاء :
قال تعالى : ((هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبْرَاهِيمَ المُكْرَمِينَ * إذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًاً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ * فَرَاغَ إلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ)) فذكر أن الضـيـف مكـرمـون لإكرام إبراهيم لهم ، ولم يذكر استئذانهم ليدل على أنه قد عرف بإكرام الضيفان ، مـع أنهم قـوم منكرون لا يعرفهم فقد ذبح لهم عجلاً واستسمنه ، ولم يعلمهم بذلك بل راح: أي ذهب خفية حتى لا يُشعر به، تجاوباً لضيافة ، فدل على أن ذلك كان معداً عندهم مهيئاً للضيفان، وخدمهم بنفسه، فجاء به ومرّ به إليهم ولم يقربهم إليه ، وتلطف مبالغة في الإكرام فقال: ((أَلا تَأْكُلُونَ)) . قال ابن القيم : "فقد جمعت هذه الآية آداب الضيافة التي هي أشرف الآداب ، وما عداها من التكلفات التي هي تَخَلف وتكلف : إنما هي من أوضاع الناس وعوائدهم ، وكفى بهذه الآداب شرفاً وفخراً فصلى الله على نبينا وعلى إبراهيم وعلى آلهما وعلى سائر النبيين"(2) .
8- الصبر :
كان إبراهيم مثلاً يحتذى في الصبر حتى استحق أن يكون من أولي العزم الذين أمر رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أن يصبر كصبرهم ((فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)) . وكان صبر إبراهيم شاملاً لابتلاءات كثيرة ، سيأتي بيان جملة منها بإذن الله .
9- رعايته لأهله :
لم يكن إبراهيم ممن يلتفت إلى الـنــاس بدعوته ويترك أهله ، بل بدأ بهم وخصهم بمزيد الرعاية والعناية وقد قال الله لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ((وأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)) وكذلك كان إبراهيم ، فدعا أباه ((يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ)) ، ووصى أبناءه بالتمسك بالدين ((ووَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ ويَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأَنتُم مُّسْلِمُونَ..)) ، وكان يدعو ((واجْنُبْـنِي وبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ)) ، ويتضرع بقوله : ((رَبَّنَا إنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بـِـوَادٍ غَـيـْـرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ وارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)) .
10- شجاعته :
واجه إبراهيم قومه ولم يخش كيدهم وقال مقسماً : ((وتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ)) ، وقوله لهم : ((أُفٍّ لَّكُمْ ولِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ..)) .
وكان ذلك لعلم إبراهيم بأن معه القوة التي لا تـهــزم، وأن مــا أصابه لم يكن يخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه فرسم للدعاة منهجاً في الشجاعة المنضبطة بضوابط الشرع بلا تهور يحتذونه في مواجهة الباطل من إقرار الحق .
11- تحقيقه الكامل لعقيدة الولاء والبراء :
قال تعالى عن ((فَمَن تَبِعَنِي فَإنَّهُ مِنِّي)) ، وقال : ((وإذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وقَوْمِهِ إنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إلاَّ الَذِي فَطَرَنِي فَإنَّهُ سَيَهْدِينِ)) فكل عدو لله وإن قربه النسب تجب البراءة منه، وكـل ولـي لله وإن باعدت به الأوطان والأزمان تجب موالاته ومحبته وقد أمرنا أن نتأسى بإبـراهـيـم فـي ذلـك : ((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ والَّذِينَ مَعَهُ إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآءُ مِـنـكُمْ ومـِـمَّــا تَـعْـبُـدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وبَدَا بَيْنَنَا وبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ والْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وحْدَهُ..)) .
12- سلامة القلب :
قال تعالى : ((وإنَّ مِن شِـيـعَـتِهِ لإبْرَاهِيمَ * إذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)) وسلامة القلب نوعان: كـلاهـما داخل في مضمون الآية، أحدهما: فـي حــق الله وهــو سـلامــة قلبه من الشرك، وإخلاصــه العبودية لله ، وصدق التوكل عليه . والثاني : في حق المخلوقـيـن بالنصح لهم وإيصال الخير إليهم ، وسلامة القلب من الحقد والحسد وسوء الظن والكبر وغير ذلك .
وبعد فـهــذه جملة مختصرة من الصفات الدعوية لإبراهيم عليه السلام سائلاً الله تعالى أن يوفقنا لاتباع ملته والسير على منهجه وبالله التوفيق
(3)
مراحل دعوة إبراهيم
ذكر القرآن الكريم لدعوة إبراهيم عليه السلام ثلاث مراحل ، نوجزها فيما يلي:
المرحلة الأولى :
دعوته لأبيه ، وقد صورتها أبـلـغ تـصـويـر آيـــات سـورة مريم حيث يقول الله جل وعلا ((واذْكُرْ فِي الكِتَابِ إبْرَاهِيمَ إنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِياً (41) إذْ قَـــالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ ولا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً (42) يَا أَبَتِ إنِّي قَدْ جَـاءَنِــــي مِنَ العِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِياً (43) يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إنَّ الشَّيْطـَـانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِياً (44) يَا أَبَتِ إنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ ولـِـيـــاً (45) قَـالَ أَرَاغِـــبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ واهْجُرْنِي مَلِياً (46) قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إنَّهُ كَانَ بِي حَفِياً (47) وأَعْتَزِلُكُمْ ومَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِياً))[مريم41 / 48].
لقد كانت كلمات إبراهيم تفيض حناناً وشفقة وتتدفق عطفاً ورقة ، فبيّن لأبيه أن ما يعبده فاقد لأوصاف الربوبية من السمع والبصر فضلاً عن الخلق فكيف يضر أو ينفع ثم أردف ذلك بـبـيـان ما قد أوتيه من علم وحكمة وأن دعوته فد بنيت عليهما ففى اتباعه سلوك الصراط السوي ، ثم حذره من عدو البشرية الذي تلبس بمعصية الرحمن فهو جدير بأن يتخذ عدواً وأن لا يطاع بل يعصى ، ثم أعلمه بشدة خوفه عليه من أن يمسه مجرد مس عذاب من الرحمن فيكون ولياً للشيطان ، وأمام هذه الدعوة الحانية الرفيقة المتزنة نسمع عبارات الأب الفـجـــة الغليظة التي تمثل صورة التقليد الأعمى وإغلاق القلب عن النظر والتأمل ، ومع ذلك كله فإن الابن البار لم يواجه تلك السيئة إلا بالتي هي أحسن (سلام عليك) كحال عباد الرحمن الذين إذا خاطبهم الجاهلون قالوا: (سلاماً) بل وعد بالاستغفار لأبيه ، وذلك قبل أن يتبين له أنه عدو لله ((فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ)) ثم قرر اعتزاله ليراجع الأب نفسه، ولينأى إبراهيم بنفسه عن الشر ومواطنه، وكانت رحمة الله لإبراهيم أن عوضه بأبناء صالحين بررة عن أولئك القوم الفجرة.
(4)
المرحلة الثانية :
دعوته لقومه. بعد أن دعا إبراهيم أباه لقربه توجه بالدعوة إلـى قومه ، وكانوا فيما قبل قسمان ، منهم من يعبد الأصنام ، ومنهم من يعبد الكواكب ، وقيل : إنهم كانوا يعبدون الكواكب ويصورون أصناماً على صورها يعبدونها ويعكفون عليها ، وعلى أي ، فقد أبطل كلا المعبودين بالأدلة القطعية وبين وهاء ما هم عليه من العـبــــادة ، وبدأهم بالدعوة إلى توحيد الله بالعبادة وتقواه وبين لهم أن ما يعبدون ما هو إلا إفك مفترى ، وأنها لا تملك لهم رزقاً فليعبدوا من يملك رزقهم ، ثم أخبرهم بأنه مبلغ لا يستطيع هدايتهم إلا بإذن الله ، ولفت أنظارهم إلى أن مصيرهم إن لم يستجيبوا للدعوة مصير أمثالهم فقد سبقهم على ذلك أمم ولحقهم من ربهم من النكال والعذاب ما لا يخفي عليهم ، قال تعالى ((وإبْرَاهِيمَ إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ واتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * إنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وتَخْلُقُونَ إفْكاً إنَّ الَذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ واعْبُدُوهُ واشْكُرُوا لَهُ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وإن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ومَا عَلَى الرَّسُولِ إلاَّ البَلاغُ المُبِينُ))[العنكبوت:16-18] .
- ولقد سلك إبراهيم في إقناع قومه مسلك المساءلة عن جدوى أصنامهم ، هل تنفع أو تضر أو تسمع الدعاء ، فما وجد إلا التبعية العمياء ((واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إبْرَاهِيمَ * إذْ قَالَ لأَبِيهِ وقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)) فما كان من إبراهيم إلا أن أعلن البراءة مما هم عليه، وأوضح سبب ذلك وسبب قصره العبادة على الله ((قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إلاَّ رَبَّ العَالَمِينَ * الَذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * والَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ * وإذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ… الآيات)) [الشعراء:69 -80].
- وبدأ القوم يراوغون فيما عـرضـــــه عليهم إبراهيم إلا أنه ما كان من إبراهيم إلا إعلان النكير ، وبيان الحق فعلاً لا قولاً فحسب ودخل بهذا مرحلة خطرة من مراحل إقناع القوم بعدم جدوى أصنامهم وفي هذا يقول الله تعالى ((ولَقَدْ آتَيْنَا إبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إذْ قَالَ لأَبِيهِ وقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ * قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَـــوَاتِ والأَرْضِ الَـــذِي فَــطَــــرَهُنَّ وأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ))[للأنبياء:51-56] ولم يكتف القوم بهذه المراوغة مع إبراهيم بل دعوه للخروج معهم إلي عيد من أعيادهم ولكنه اعتذر عن الخروج بتورية ((فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إنِّي سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ))[الصافات:88-90] وقــال عـنــد ذلـك ((وتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ)) فسمعها بعض القوم ، وبادر إبراهيم ((فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَــلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إن كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ)) لقد ورطهم إبراهيم في هذه الإجابة وهذا ما كان يريده لـيـنـدفع بكل قوة مخاطبا عقولهم إن كانت لهم عقول ( قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً ولا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ ولِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)) وهنا لم يجد القوم بدا من تدبير المؤامرة عليه والتخلص منه ((قَالُوا حَرِّقُوهُ وانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وسَلاماً عَلَى إبْرَاهِيمَ * وأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ)) [الأنبياء:51-70].
أما عبادتهم للكواكب فقد سلك في دحض تعلقهم بها سبيل المناظرة وذلـك فـيمـا حكاه الله عنهم في سورة الأنعام ، وسيأتي إن شاء الله تفصيل ذلك في رسائل إبراهيم العملية.
(5)
المرحلة الثالثة :
دعوته للملك، حين ناظره في ربه وذلك فيما حكاه الله تعالى عنهم في سورة البقرة فقال: ((أَلَمْ تَرَ إلَى الَذِي حَاجَّ إبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ المُلْكَ إذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ:...)) وتفصيل ما وقع فيها آت بإذن الله في الوسائل ، وهذه المناظرة كانت فيما يظهر بعد نجاة الخليل من النار كما ذكره السدي ويدل عليه: أن الـعـادة جارية بأن الأنبياء يبدأون بتكوين قـاعــدة شعبية حتى يكون للدعوة ثقل ثم يلتفـتون إلى القيادة ليدعوها ، وأيضاً ، فمن عادة خصوم الدعوة ملاحقة الداعية وإحراجه ليفـضح أمام الناس خصوصاً وأن إبراهيم بعد نجاته من الـنــار بمعـجـــزة التفتت إليه الأنـظــار وتعجب الناس من ربه الذي نجاه فبادر الملك إلى مناظرته ليوقعه في الحرج ظنا منه أن إبراهيم قد ينهزم في المناظرة ، وما علم أنه المؤيد من عند الله وهو سيد المناظرين ، ومنظرهم الأكبر ، والمجادل عن حوزة التوحيد وحمى الملة بكل ألوان الجدل.
- ولا نستطيع الجزم بأن هـذه الـمـنـاظرة كانت بعد النجاة لكنه الذي يظهر من خلال ما تقدم من الأدلة والله أعلم.
(6)
أساليب إبراهيم في الدعوة
أولاً : الأساليب النظرية
1 - تقرير توحيد الألوهية ببيان دلائل الربوبية :
جـمــيع دعــوات الرسل قائمة على تقرير توحيد الألوهية الذي من أجله خلق الله الثقلين ((ومَا خَلَقْتُ الـجِـنَّ والإنـسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ)) ، وهو الذي اختلف الناس فيه ، ووقع لديهم بسببه زيغ عظيم ، ولذلك أخـبـــرنا الله عن هدف بعث الرسل بقوله ((ولَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ واجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)).
أما توحيد الربوبية : فأكثر الناس مـتـفـقون عليه ، وهو الإقرار لله بالخلق والتدبير والملك ((ولَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ لَـيـَقـُولُنَّ اللَّهُ)) وتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية ، فالذي يستحق العبادة وحده هو الــذي يـخلق ويرزق ، ويحي ويميت ، وينفع ويدفع ، ويملك ويدبر ، وقد بيّن الأنبياء لأقوامهم هذا أتم بيان ، ومنهم إبراهيم ((إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ واتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * إنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وتَـخْـلُـقُـونَ إفْـكـاً إنَّ الَذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ واعْبُدُوهُ واشْـكـُـرُوا لَـهُ إلَـيْـهِ تُرْجَعُونَ)) فبين أن الله هو الرزاق ، فهو إذن المستحق للعبادة دون سواه ممن لا يملكون لأنـفـسـهـم - فـضـلاً عن غيرهم - رزقاً ولا نفعاً ولا ضراً، وقال: ((أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إلاَّ رَبَّ العَالَـمـِـينَ * الَذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * والَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ * وإذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * والَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ...)) وأمثلة ذلك كثيرة.
2 - التصريح بقصد النصيحة وأنه لا هدف للداعي إلا نفع المدعوين وأنه لا يريد على ذلك حظا من الدنيا :
إن إعـلان الـداعـيـة عـن هــذا للمدعوين من شأنه أن يلين قلوبهم ، ويدعوهم إلى تأمل ما يُدعون إليه ، ولقد درج على ذلك الأنبـيـاء جميعاً ، فقال نوح : ((ويَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى اللَّهِ..)) وقـال هــــود: ((يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى الَذِي فَطَرَنِي)) وفي سورة الشعراء ذكــر الله (ومَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ)) ذكرها عن نوح وهود وصـالـح ولوط وشعيب ، وقال محمد -صلى الله عليه وسلم-(قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إنْ أَجْــرِيَ إلاَّ عَلَى الله وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) .
وحكى الله عن إبراهيم أنه قال لأبيه (يَا أَبَتِ إنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْـمـَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ ولِياً)) فهـو لا يريد شيئاً من أبيه ، وإنما يخاف عليه من عذاب الرحـمن، فـيـكـون ولـيــاً للـشيطان ، وتأمل في العبارات التي نطق بها إبراهيم : (أخاف) و(يمسك) و(عذاب من الرحمن) تُلفها تعبر بصدق عما يكنه إبراهيم لأبيه.
3 - الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة :
وقد جاءت جلية في دعوته لأبيه وخطابه الرقيق الحاني المتدفق ليناً - وعطفاً ولطفاً ، اتباعاً للحكمة التي تقرب المدعو من الدعوة وتلين قلبه للاستجابة.
4 - التشنيع على المعبودات الباطلة وعابديها :
لما بين إبراهيم لقومه دعوته ، وألان لهم الخطــاب ، لعنهم يستجيبون ، وما زادهم ذلك إلا التمادي في باطلهم ، فما كان من إبراهيم إلا أن أظهر تهافت معبوداتهم وأحنق النكير عليهم ، فقال (مَا هَـذِهِ التَّمَاثِيلُ الَتِـي أَنـتُــــمْ لَهَا عَاكِفُونَ)) فسماها تماثيل ولم ينعتها بوصف (الألوهية)، ولمـا ظهر له أنهم لا يعتمدون فيما فعلوا على حجة وبرهان قال لهم: ((لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)) وزاد فقال (أُفٍّ لَّكُمْ ولِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفـَــلا تَعْقِلُونَ)) ولقد برهن لهم على سفههم ما سوغ في تهكمه بتصرفاتهم حيث سألهم: ((هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ)) فإن أقل ما يقال في هؤلاء المعبودين أنهم لا يسمعون كعابدين فكيف يجلبون لهم نفعاً أو يدفعون عنهم ضراً؟
5 - التذكير بنعم الله على عباده :
جبلت النفوس على حب من أحسن إليها ولذلك عنىَ الدعاة إلى الله بتذكير الخلق إحسان الله إليهم ليكون ذلك أدعى إلى قبول الدعوة فهذا هود يقول ( واذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وزَادَكُمْ فِي الخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)). وقال صالح ( واذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وتَنْحِتُونَ الجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ ولا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)) وأما إبراهيم فقال ( أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إلاَّ رَبَّ العَالَمِينَ * الَذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * والَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ * وإذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * والَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * والَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ))
6 - التذكير بأيّام الله :
ما مـن أمــة تَخْلف في الأرض إلا وتنظر في أحوال من سلف من الأمم تتبع مواطن العبرة فيها، فتستفيد من الإيجابيات ، وتحذر من السلبيات ، وكان أنبياء الله يذكرون أممهم بأحوال الغابرين ممن كذبوا أو آمنوا ، فيذكرونهم بعاقبتهم ، وينذرونهم أن يحل بهم ما حل بمن كفر من أمم الأرض، لعلهم يتعظون أو يرتدعون، ولذا قال إبراهيم لقومه ( وإن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ومَا عَلَى الرَّسُولِ إلاَّ البَلاغُ المُبِينُ)) أي فـقــد كذبت أممٌ أنبياءهم فحل بهم ما تعلمون من العذاب ، فإن فعلتم عوقبتم بمثل عقابهم، ومــــا على الرسول إلا البلاغ المبين.
7 - المناظرة والتدرج في إفحام الخصم :
قال ابن القيم في مناظرات إبراهيم : »وهو الذي فتح للأمة باب مناظرة المشركين وأهـــــل الباطل ، وكسر حججهم ، وقد ذكر الله مناظرته في القرآن مع إمام المعطلين ، ومناظرته مع قومه المشركين ، وكسر حجج الطائفتين بأحسن مناظرة ، وأقربها إلى الفهم وحصول العلم(1) »وسنذكر هنا مناظرتين وقعتا لإبراهيم، وذكرهما القرآن الكريم :
- الأولى : مناظرته لعبدة النجوم قال الله تعالى ((وإذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إنِّي أَرَاكَ وقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * وكَذَلِكَ نُرِي إبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ ولِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى القَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ القَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إنِّي وجَّهْتُ وجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ حَنِيفاً ومَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ * وحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وقَدْ هَدَانِ... الآية)) إلى قوله ((وتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ إنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ))*
لقد عني إبراهيم وإخوانه من الأنبياء بالتوحيد وإيضاحه،والاستدلال له أيما عناية،وسلك في سبيل بيان الحق ، وتزييف الباطل كل وسيلة تؤدي إلى ذلك، ومنها هذه المناظرة التي قامت بينه وبين قومه لبيان حقيقة ما هم عليه من الضلال.
فأنكر على أبيه اتخاذ الأصنام آلهة ، ولما أشرك قومه معه شدد في إعلان النكير عليهم، وبين أن ما هم فيه ما هو إلا ضلال يبُين عن نفسه ، وذلك ليثير عواطفهم ، ويدفعهم إلى التفكير الجاد العميق فيما هم فيه ، وكان إبراهيـم قد بصره الله بالدلائل الكونية الدالة على وحدانية الله تعالى ، فآراه آياته في ملكوته ، ليعلم حقيقة التوحيد ، أو ليزداد علما به ، ويقينا إلى يقينه.
وأرشده إلى طريقة الاستدلال بها على المراد من العباد.
ودخل إبراهيم مع قومه الصابئة الذين يعبدون النجوم ، ويقيمون لها الهياكل في الأرض ، دخل معهم في مناظرة لبيان بطلان ربوبية هذه الكواكب المعبودة، ولم يشأ أن يقرر التوحيد مباشرة. بل جعل دعوى قومه موضوع بحثه ، وفرضها فرض المستدل لما لا يعتقده ، ثم كر عليها بالنقض والإبطال ، وكشف عن وجه الحق ، فحينما أظلم الليل ورأى النجم قال : هذا ربي فرضا وتقديرا ، وقال : أهذا ربي ، فلما غاب عن أعينهم علم أنه مسخر ليس أمره إليه ، بل إلى مدبر حكيم يصرفه كيف شاء ، ثم انتقل بهم في البحث إلى كوكب هو في أعينهم أضوأ وأكبر من الأول ، وهو القمر ، فلما رآه قال مثل مقالته الأولى ، فلما ذهب عن أعينهم تبين أنه ليس بالرب الذي يجب أن تألهه القلوب، ويضرع العباد إليه في السراء والضراء ، ثم انتقل بهم إلى معبود لهم آخر أكبر جرماً من السابقين فلما أفل، قال: يا قوم إني بريء مما تشركون ، إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ، فاستدل بما يعرض لها من غيرها على أنها مأمورة مسخرة بتسخير خالقها.
فإذا كانت هذه الكواكب الثلاثة في نظرهم أرفع الكواكب السيارة وأنفعها قد قضت لوازمُها بانتقاء سمات الربوبية والألوهية عنها ، وأحالت أن تستوجب لنفسها حقاً في العبادة فما ســواهـــا من الكواكب أبعد من أن يكون لها حظ ما في الربوبية أو الألوهية ، ولذا أعلن إبراهيم في ختام مناظرته براءته مما يزعمون من الشركاء ، وأسلم وجهه لفاطر السماوات والأرض ومـبـــدعهما ، دون شريك أو ظهير ، وضمَّن إعلان النتيجة الاستدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية ، وهذا هو معنى (لا إله إلا الله) فإن ما فيه من البراءة من الشركاء نظير نفي الألهية الحقة عن الشركاء في كلمة التوحيد ، وبهذا يكون إبراهيم قد سنَّ للدعاة إلـى الله أسـلـوبــا متميزا في دعوة المنحرفين ، وذلك بالتنزل معهم بالتسليم بأباطيلهم فرضاً ، ثم يرتب عـلـيـهـا لوازمها الباطلة ، وآثارها الفاسدة ، ثم يكر عليها بالنقض والإبطال ، فإن الدعوة إلى الحق - كما تكون بتزيينه ، وذكر محاسنه - تكون بتشويه الباطل ، وذكر مساويه ومخازيه (بتصرف من مقالة الشيخ عبد الرازق عفيفي في مجلة التوعية الإسلامية عدد 6 ، 7).
وقد اختلف المفسرون هل كان إبراهيم ناظراً أو كان منظراً * [ والصحيح أن إبراهيم في هذا الموطن كان مناظرا لقومه لا ناظرا بنفسه ويدل على ذلك:
أ - قوله تعالى: ((ولَقَدْ آتَيْنَا إبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ)) والمراد بالقَبْلية ما كان قبل النبوة على الصحيح، وأي رشد آتاه الله إبراهيم إن لم يكن موحداً مؤمنا بالله.
ب - قوله تعالى: ((ومَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ)) يقتضي نفي الشرك عن إبراهيم في كل مراحل عمره السابقة.
جـ - أن الله ذكر هذه الحادثة بعد إنكاره على أبيه وقومه ، مما يدل على المناظرة.
د - أن الله تعالـى ذكــــر القصة بعد أن ذكر منته على إبراهيم برؤية ملكوت السماوات والأرض ليكون من المؤمنين ، ولذلك ذكر الفاء التعقيبية ((فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ)).
ر - أن الله ذكر فيها ((وحَاجَّهُ قَوْمُهُ)) مما يدل على قيام المناظرة بينه وبينهم.
و - أن الله تعالى ذكر في خاتمتها ((وتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ)) فقال (على قومه) ولم يقل (على نفسه). وبهذا القول قال كثير من علماء السلف والخلف وهو الذي تدل عليه الأدلة.
الثانية : مناظرته للملك في قوله تعالى _((أَلَمْ تَرَ إلَى الَذِي حَاجَّ إبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ المُلْكَ إذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَذِي يُحْيِي ويُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وأُمِيتُ قَالَ إبْرَاهِيمُ فَإنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِـــنَ الـمـَغْرِبِ فَبُهِتَ الَذِي كَفَرَ واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ))[البقرة:258].
لقد جادل الملكُ إبراهيم في ربه ، وفي ذكر الرب وإضافته إلى الضمير العائد على إبراهيم تشريف لإبراهيم وإشعار بأن الله سيتولاه وينصره.
ولماذا يجادله؟ لأن الله آتاه الملك ، فحـمـلـه كبره وبطره على طلب المخاصمة ، ولم يكن بسبب إيثاره الحق وطلبه له.
وكان الملك قد طلب من إبراهيم عليه الـســلام أن يقيم له الدليل على وجود الرب الذي يدعو إليه ، فقال إبراهيم : »ربي الذي يحيي ويميت« أى أن الدليل على وجوده هو : هذه المعجزة المتكررة الظاهرة المستترة ، مـعـجــزة الحياة والموت ، عندئذ قال الملك »أنا أحيي وأميت« فآتى برجلين استحقا القتل فأمضيه فـي أحدهما دون الآخر ، فأكون قد أحييت الثاني ، وأمت الأول ، وهذه مكابرة صريحة، وعناد ظاهر ، يعلمه كل ذي عقل ، ولذلك ترك إبراهيم الخوض معه في مكابرته ، وجاءه بواقعة لا يحير معها جوبا ، قال : »فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب« أي إذا كنت قادراً على الإحياء والإماتــــة، وهما من صفات الرب ، فيلزم أن يكون بمقدورك التصرف في الكون ، وأن تأتي بالشمــس من المغرب ، عندئذ بهت الذي كفر ، والله لا يهدي القوم الظالمين.
إن انتقال إبراهيم من دليل إلى آخر دون مناقشة لإجابة الملك الساذجة ليس عن هزيمة ؛ لأن حجته كانت قائمة ، إذ إبراهيم وكل عاقل يعلم أن المراد حقيقة الإحياء والإماتة ، أما ما فعله الملك فأمر يقدر عليه كل أحد ، حتى إبراهيم كان يمكن أن يقول له : إني أردت حقيقة الإحياء والإماتة ، أما هذا فأنا أفعل مثله ، ولكن إن قدرت على الإماتة والإحياء فأمت هذا الذي أطلقته من غير استخدام آلة وسبب ، وأحي هذا الذي قتلته ، فيظهر به بهت اللعين ، إلا أن القوم لما كانوا أصحاب ظواهر ، وكانوا لا يتأملون في حقائق المعاني خاف إبراهيم الاشتباه والالتباس عليهم ، فضم إلى الحجة الأولى حجة ظاهرة ، لا يكاد يقع فيها أدنى اشتباه.
وهذا الانتقال من أحسن ما يكون ، لأن المحاجج إذا تكلم بكلام يدق على سامعيه فهمه ، ولجأ الخصم إلى الخداع والتلبيس جاز له أن يتحول إلى كلام يدركه السامعون ، وأن يأتي بأوضح مما جاء به ، ليثبت ما يريد إثباته ، وهذا لأن الحجج مثل الأنوار ، وضم حجة إلى حجة كضم سراج إلى سراج ، وهذا لا يكون إلا دليلا على ضعف أحدهما أو بطلان أثره.
9 - استثارة الخصم :
والمقصود بذلك : تحريك نفوس المدعوين ، وتنبيه عقولهم ، ولفت أنظارهم إلى الأمر الذي يدعوهم إليه الداعية.
لقد فعل إبراهيم ذلك حين ترك كبير الأصنام بلا هدم (فجعلهم حطاماً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون) وذلك من أجل أن تدور في أذهانهم الأسئلة التالية؟
- من فعل هذا بآلهتنا؟
- لِم لمْ يدافع الصنم الكبير عن صغاره؟ وهل كان ذلك عن عجز أو عدم إدراك لما يقع حوله؟
- لِم لمْ يوقع الصنم. الكبير سوءاً بمن فعل ذلك ؟
ثم استشارهم مرة أخرى حينما جاؤا إليه يسألونه عمن أوقع ذلك بآلهتهم فقال :
- بل فعله كبيرهم هذا ، فنسكب التكسير إلى جماد لا يتحرك ، ليقولوا له مباشرة : إنه لا يفعل شيئاً ، وليقروا بضعف هذه الآلهة.
- ولم يكتف بذلك ، بل أمرهم أن يوجهوا إليها الأسئلة إن أخبرهم بمن أوقع بها ذلك ، ولذلك أجابوا بكل سذاجة : »لقد علمت ما هؤلاء ينطقون« وعند ذلك انطلق مبادرا »أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم ، أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون«.
(7)
ثانياً : الأساليب العملية :
وهي كثيرة نختار منها :
1 - القدوة : لقد كان إبراهيم مثالاً يحتذى في الخير ، ولذلك وصفه الله بقوله ((إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً)) أي جامعا للخير ، كلفه الله بأمور فقام بها خير قيام ((وإذِ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ)) وكان الجزاء : ((إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً)) فالسبب الذي أهله للإمامة إتمامه الكلمات التي ابتلاه ربه بها ، ومن أجل ذلك أُمر نبينا -صلى الله عليه وسلم- باتباع ملته (ثم أوحينا إليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا) وأُمرت هذه الأمة أن تأتسي بإبراهيم ومن معه ، لكونهم قدوة (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه) والأمر الذي نهينا عن الإقتداء بإبراهيم فيه استغفاره لأبيه »إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك ، وما أملك لك من الله من شيء« وقد تقدم ذكر بعض من صفات هذا النبي الكريم وأساليبه وأعماله وما كان به قدوة للمصلحين من بعده (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه).
2 - البداءة بالأهم : بدأ إبراهيم بالدعوة إلى توحيد العبادة ، وهو أهم ما يدعي إليه ، وأول ما يبدأ به (وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون).
3 - اللين والشدة : وهذا ظهر جليا في دعوته لأبيه ، وفي دعوته لقومه ، فقد دعا كلا منهم باللين والاستعطاف ، لعل كلامه يتخلل قلوبهم ، ولينه يعطف أفئدتهم لقبول الحق الذي جاء به ، ولكن ما زادهم إلا عتوا ، فما كان منه إلا أن أغلظ لهم القول ، وشدد اللهجة ، ففي اللين قال (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ ولا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً)) وفي الشدة قال : ((وإذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إنِّي أَرَاكَ وقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)) .
4- البراءة والمعاداة : التي تعني البراءة من الشرك وأهله واعتزالهم ، وهي أصل من أصول العقيدة ومن مستلزمات (لا اله إلا الله). قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : »أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله« ومفاصلة خصوم الدعوة ارتفاع بالنفس والعقيدة إلى المستوى اللائق بهما ، فلا يستوي حزب الله الذى كتب الله له العزة والكرامة وحزب الشيطان الذي كتب الله له الذلة والهوان ، وفيها إشعار لأولئك الخصوم بأنهم على باطل ، وأن الأمر ما وصل بالداعية إلى المقاطعة إلا لحق يعتنقه ويدعو إليه ، فيكون ذلك ردعا لهم عما هم فيه. وفيها قطع لآمال أعداء الدعوة في الحصول على تنازلات من الدعاة ، يستدرجونهم بها.
وقد قال إبراهيم لأبيه حين استكنف واستكبر : (واعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي...) وجعله الله في براءته من المشركين قدوة ، فقال : ((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ والَّذِينَ مَعَهُ إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ ومِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وبَدَا بَيْنَنَا وبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ والْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وحْدَهُ إلاَّ قَوْلَ إبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ومَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وإلَيْكَ أَنَبْنَا وإلَيْكَ المَصِيرُ)) . وقد اشتملت هذه الآية على أمور نوجزها فيما يلي :-
- أن البراءة قائمة على الإيمان بالله فمن كان مؤمنا بالله أحب في الله.
- أنها نهج الأنبياء ، فمن أراد النجاة فليلحق بركابهم ، ويستن بهديهم.
- أن البراءة ليست من أشخاصهم فحسب ، بل ومن آلهتهم ، وأفكارهم ، ومذاهبهم.
- أنها مستمرة علنية ، وليست مجرد شعور قلبي إلا عند الضرورة.
- أنها مما اتفقت عليه الشرائع ، وليست لهذه الأمة الخاتمة فحسب.
- أن دعامتها التوكل على الله والدعاء كما ذكر في ختام الآية ((ربنا لجيك رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وإلَيْكَ أَنَبْنَا وإلَيْكَ المَصِيرُ)) .
- أنه لا فرق في البراء بين قريب أو بعيد مادام قد وحد بينهم كفر أو شرك.
5 - الدعاء والتضرع : وهو السلاح الذي لا يحق للمؤمن أن يسير في ركاب الحياة بدونه، وقـد امـتـدح الله خليله بدعائه فقال : ((إنَّ إبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ)) وقد تقدم معنى (الأواه) ، ولــــذا تل أن نجد موطنا تذكر فيه دعوة إبراهيم إلا ويذكر معها جانب من تضرعه ودعائه ومن ذلك : ((رَبَّنَا وابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً ...)) ، ((رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ)) ، ((وتُبْ عَلَيْنَا إنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) ، ((واجْنُبْنِي وبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ)) ، ((رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ ومِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وتَقَبَّلْ دُعَاءِ)) ، ((رَبَّنَا اغْفِرْ لِي ولِوَالِدَيَّ ...)) ، ((رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ...)). إلى آخر ما هناك من الدعوات المباركات ، التي تضرّع بها إبراهيم ، وخلدها القرآن ، فكان قدوة في اللجوء إلى الدعاء.
6 - تحطيمه للأصــنـــام : لم يكتفي إبراهيم في دعوته بالكلمة والحجة التي أبطل بها حجج الخصوم ، بل عضد ذلك بعمل كبير ، أقدم عليه بشجاعة وعلو همة ، وهو تحطيم الأصنام التي تعلق بها قومه ، حتى صرفهم تعلقهم بها عن التفكير في حقيقتها ، والنظر في ماهيتها ، فأراد إبراهيم أن يبين عن ذلك بالقول والفعل فكان بيانه القولي الذي شرحنا طرفا منه فيما تقدم ، وكـــــان بيانه الفعلي بما أقدم عليه من تحطيم الأصنام ، وجعلها جذاذاً ((إلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إلَيْهِ يَرْجِعُونَ)) . والآية هذه تشير إلى مدي البيان الذي أراد إبراهيم إبلاغه لقومه ، فلم تأخذه فورة التكسير بتحطيمها كلها ، بل ترك كبيرها لا لعجز ولا لخوف بل لعلهم إليه يرجـعــــون ، فيحقق إبراهيم غرضه من هذا الأسلوب الدعوي الرائع ، وفعلاً لقد كان ما أراده إبـراهـيـــم حين قالوا : ((لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ)) وحينها انقض عليهم كالشهاب : ((أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً ولايَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ ولِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)) وتحقق لإبراهيم مراده حين قالوا (قَالُوا حَرِّقُوهُ وانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إن كُنتُمْ فَاعِلِينَ)) فالآلهة تحتاج إلى من ينصرها ، ويدافع عنها ، وتحقق له كذلك حين (رجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون) ولكنه التعصب الذي ردهم على أعقابهم ((ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ)) .
7 - الهجرة : ذكر الله تعالى هجرة الخليل في ثلاثة مواطن فقال : ((ونَجَّيْنَاهُ ولُوطاً إلَى الأَرْضِ الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)) ((وقَالَ إنِّي ذَاهِبٌ إلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ)) .
فهو أول من هاجر لله - كما ذكره بعض المحققين - وكانت سنة لمن بعده من الأنبياء وأتباعهم ، وممن عمل بها محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحبه ، فكانت هذه من ثمرات تلك التجربة الإبراهيمية ولونا من الإقتداء به.
إن الهجرة أسلوب يلجأ الدعاة إليه لأن أرضهم ما عادت تقبل الكلمة الطيبة،فهم يبحثون عن أرض طيبة تحمل دعوتهم ، أو لأن القوم المعرضين بدأوا يناوشون الداعية ، ويوصلون الأذى إليه فهو يفر بدينه من الغتن ((ومَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وسَعَةً)) .
محمد بن عبدالعزيز الخضيري
كلية المعلمين قسم الدراسات القرآنية
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
http://im40.gulfup.com/6vT1B.gif
http://im31.gulfup.com/pvr5D.png
المعرفة بين الوهم والحقيقة
http://im42.gulfup.com/Ul5Zt.png
مرحباً بكم دائماً في http://www.samtah.net/vb/images/icons/icon025.gif أخيكم
إن التفكر في خلق السماوات والأرض عبادة هي من أرقى العبادات القلبية التي لا تمارس إلا بالقلب، وقد تشارك معها العين، والآيات القرآنية الواردة في كتاب الله، عدت التفكر الأساس الأول لبناء دعائم العقيدة والإيمان.http://im31.gulfup.com/96BeN.gif
لأن التفكر طريق سالك إلى معرفة الله المعرفة الحقيقية التي تحملنا على طاعته، وعلى الاستقامة على أمره
هناك معرفة حقيقية، وهناك معرفة وهمية! المعرفة الحقيقية هي التي تحمل الإنسان على طاعة ربه، وعلى الاستقامة على أمره.
أما المعرفة الوهمية، لا تقدم ولا تؤخر، ولا تثمر، كمعرفة إبليس، ابليس يعرف الحقائق الكبرى معرفة يقينية، يعرف الله رباً .
ويؤمن بيوم البعث قال :
(قال رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).
ويعرف الله عزيزا قال:
(قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ).
ويعرف الله خالقا قال:
(خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ).
لكن إيمانه أيها الإخوة لم ولن ينفعه لأنه:
(أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ).
بل ونذر نفسه لمحاربة الحق الذي يعرفه.
فرعون كان يعرف يقيناً بأن المعجزات التي جاء بها سيدنا موسى عليه السلام، إنما هي من عند الله وحده، لكنه جحد بها استكباراً، وعلواً، قال الله تعالى في حقه:
(وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ).
أهل الكتاب يعرفون أن محمداً عليه الصلاة والسلام رسول رب العالمين، ولكنهم لا يعترفون ولا يقرون بذالك، قال تعالى:
(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
يقول عم الرسول أبو طالب وهو يخاطب ابن أخيه محمد عليه الصلاة والسلام معتذراً لعدم إيمانه :
ولقد علمت بأن دين محمد ......... من خير أديان البرية ديناً
ولولا الملامة أو حذار مسبة ...... لوجدتني سمحاً بذالك مبيناً
إذاً أيها الإخوة، معرفة الله المعرفة الحقيقية، هي المعرفة التي تحملنا على طاعته، وعلى الاستقامة على أمره، ولا قيمة للمعرفة الوهمية التي يستعلي صاحبها عن الإقرار بها، أو يرفض أن ينصاع لحكمها، وأن يعمل بمضمونها
والحمد لله رب العالمين .
بقلم الباحث : احمد محمد القنور
البليبل افتقدناك ربي يعطيك العافيه على الموضوع
??
http://www.samtah.net/vb/images/icons/icon7.gif
ـــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــ ـــــــــ ــــــــ
ـــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــ ـــــــــ ــــــــ
ـــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــ ـــــــــ ــــــــ