الســـــــيـرة الـذاتـيـــــــــة
لســـــــــــياف عــــربي
أيّهـا النـاسُ
لقـد أصبحتُ سُلطـــاناً عليكـمْ
فاكســروا أصنـامكم بعـدَ ضــلالٍ
واجلســوا فوقَ رصيــفِ الصــبرِ
حتّى تبصـــروني
أتركــوا أطفـــالكـم من غيـرِ خُبـــزٍ
واتركــوا نِســوانَكم من غـيرِ بعـلٍ
واتبعـوني
إحمــدوا اللهَ على نعمتــــهِ
فلقـد أرسلنـي كي أكتـبَ التــــاريخَ
والتـاريخُ لا يُكتَـبُ دونـي
إنّنـي يوسـفُ في الحُسـنِ
وعيــــــوني
غابـةٌ من شجـرِ الزيتـونِ واللّـوزِ
فصـــلّوا دائمـاً .. كي يحفـظـَ اللهُ عيـوني
أيّهـا النـاسُ
أنـا الأوّلُ والأعــــدَلُ والأجمــــلُ
من بيـنِ جميــع الحاكميـنْ
وأنـا بـدرُ الدُجـى وبيـاضُ اليـاسمـينْ
وأنا مختـرعُ المشــــــنقةِ الأولـى
أيّهـا النـاسُ
كلّمـا فكّـرتُ أن أعتـزلَ السُّـــــــلطةَ
ينهــاني ضميــري
مَن تُـرى يحكـمُ بعـدي هـؤلاءِ الطيّبيـنْ ؟..
مَن سيشــــفـي بعـديَ
الأعـــرجَ
والأبــرصَ
والأعمـــى
مَن يـا تُــــرى ؟..
يجلــدهـم تســعينَ جلـدهْ
من يـا تُـــرى ؟..
يصلبُهــم فـوقَ الشــجرْ
مَن تُـرى يرغمُهــم
أن يعيشــوا كالبقــــــرْ ؟..
ويموتـــوا كالبقــــــرْ ؟..
كلّمـا فكــّرتُ أن أتـركَهـــم
فاضــتْ دموعي كغمـــــــامـهْ
وتوكّلــتُ على اللهِ
وقــرّرتُ بـأن أركــبَ الشعــبَ
مـن الآنَ .. إلـى يـومِ القيــــــامـهْ
أيّهـا النــاسُ
أنا أملكُكـــــــمْ
مثلما أملكُ خيلــي .. وعبــيدي
وأنـا أمشـي عليكــم
مثلمـا أمشـي على سجّــادِ قصــري
فاسجــدوا لـي فـي قيــــــامي
واسجــدوا لـي فـي قعـــــودي
أوَلـمْ أعثـرْ عليكـم ذاتَ يـومٍ
بيـنَ أوراقِ جـدودي
حـــاذروا
أن تقــرأوا أيَّ كتــابٍ
فـأنـــا أقــرأُ عنكــمْ
حــاذروا أن تكتبــوا أيَّ خطـــابٍ
فـأنــا أكتــبُ عنــكمْ
حــاذروا أن تسمــعوا فيــروزَ بالســـرِّ
فإنّـي بنواياكــمْ عليــمْ
حــاذروا أن تُنشــدوا الشــعرَ أمامــي
فهــو شيطــانٌ رجيــمْ
والزَموا الصمتَ إذا كلّمتُكمْ
أيّهـا النــاسُ
إرفعــوا فـوقَ المـيادينِ تصــاويـري
وغطّـونـي بغيـمِ الكلمــاتِ
واخطبــوا لي أصغــرَ الزوجــاتِ سنــّاً
فأنــا لســتُ أشيـــخْ
وسجــوني لا تشيـــخْ
وجهــازُ القمـعِ في مملكتــي ليــسَ يشــيـخْ
أيّهـا النــاسُ
أنا الحجّــاجُ .. إن أنـزعْ قنــاعـي .. تعرفـــوني
وأنـا جنكيـزُخـــــانٍ جئتُكــمْ
بحـرابــــــي
وكـلابــــــي
وسجـــونـي
لا تضيقـــوا أيّها النـــاسُ ببطشــي
فأنــا أقتـلُ كـي لا تقتــلونـي
وأنـا أشــنقُ كي لا تشنــقونـي
وأنا أدفنكــم في ذلك القبــرِ الجمـــاعيِّ
لكيــلا تـدفنــــونـي
أيّهـا النـــاسُ
اشتـــروا لـي صحفــاً تكتـبُ عنّـي
إنها معروضــةٌ مثلَ البغــايـا في الشــوارعْ
إشتـــروا لـي
ورقـاً أخضـرَ مصـقولاً كأعشــابِ الربيــعْ
ومِــداداً .. ومطـــابعْ
كـلُّ شــيءٍ يُشــترى في عصــرنـا
حتّى الأصــابـعْ
إشتــروا فـاكهــةَ الفكــرِ
وخلّوهــا أمامــي
واطبخــوا لي شـــاعـراً
واجعلـوهُ بينَ أطبــاقِ طعـــامي
أنـا أمّــيٌّ
وعنــدي عقـدةٌ ممـا يقولــهُ الشعــراءْ
فاشتــروا لي شعــراءً يتغــزّلونَ بحُســني
واجعلــوني نجـمَ كـلِّ الأغلفــــهْ
فنجـومُ الـرقــصِ والمـسرحِ
ليــسوا أبـداً أجمـلَ منّـي
إشتــروا لـي كـلَّ مـا لا يُشـــترى
في أرضنـا أو في السّــماءْ
إشتــروا لـي
غابــةً من عسـلِ النحــلِ
ورطــلاً من نســـاءْ
فأنـــا بالعملـةِ الصعبـةِ أشْـري مـا أريـــدْ
أشتــري ديـوانَ بشّــارِ بـنَ بُـــردٍ
وشفـــاهَ المتــنبّي
وأنـاشــيدَ لَبـــــيدْ
أيّهـا النـــاسُ
يا جمــاهيـرَ بـلادي
يا جماهيـرَ الشـعوبِ العـربيّــهْ
إنّنـي روحٌ نقـيٌّ .. جـاءَ كي يغسـلكمْ من غبـارِ الجاهليّـهْ
سجّـــلوا صــوتي على أشـرطـــةٍ
إنَّ صـوتي أخضـرُ الإيقــاعِ كالنــــافـورةِ الأندلسيّــهْ
صــوِّروني .. باســماً مثلَ الجــوكونـدا
ووديعــاً مثـلَ وجـهِ المجدليّــهْ
صــوّرونـي
بوقــاري وجـــلالي وعصــايَ العسكــريّـهْ
صـــوّرونـي
وأنـا أقطــعُ كالتفـــــّاحِ أعنـاقَ الرعيّــهْ
صــوّرونـي
وأنا أصطـــادُ وعــلاً .. أو غـــزالاً
صــوّرونـي
وأنـا أفتــرسُ الشِّــعرَ بأسنـــانـي
وأمتـصُّ دمــــــــــــــــــــــــــــاءَ الأبجـديّـــهْ
أيّهــا النـــاسُ
أنــا المســؤولُ عـن أحلامكــمْ .. إذ تحلُمـــونْ
وأنـا المســؤولُ عـن كـلِّ رغيـفٍ تأكـلــونْ
وعـن الشّــعرِ الـذي
من خلـفِ ظـهري تقـــرأونْ
فجهــازُ الأمـنِ في قصــري
يـوافينــي بأخبـــــــارِ العصــافيـرِ
وأخبــارِ الســـنابـلْ
أيّهـا النـــاسُ
أنـا سجّـانُكــم وأنـا مسجونُكــم
فلتعـــــذرونـي
إنّنـي المنفـيُّ في داخـلِ قصــري
لا أرى شمــساً .. ولا نجمـــاً
ولا زهـــرةَ دِفلـى
. . . . . . . . . .
منـذ أن جئـتُ إلى السُّلطــةِ طِفــلاً
ورجـالُ السّــيركِ يلتـفّـونَ حـولــي
واحـدٌ ينفــخُ نـايــــاً
واحـدٌ يضــربُ طبــلا
واحـدٌ يمســحُ جـوخـــاً
واحـدٌ يسمــحُ نعـــلا
منــذُ أن جئـتُ إلى السّلطـــةِ طفـــلاً
لـم يقـلْ لـي مستشــارُ القصـــرِ .. كـلاّ
لـم يقـلْ لـي وزرائي أبـداً لفظـــةَ .. كـلاّ
لـم يقـلْ لـي سفــرائي أبـداً في الوجـهِ .. كـلاّ
إنّهـم قـد علّمـوني أن أرى نفـسي إلهـاً
وأرى الشعــــبَ من الشـرفـةِ رمـلا
فاعـذروني .. إن تحوّلـتُ لهولاكــــو جـديـدٍ
أنـا لـم أقتـلْ لـوجـهِ القتــــلِ يومـاً
إنّمـا أقتلُكــم .. كي أتســـــلّى
نــزار