رد: حلقات تفسير سور القران
قال العوفي عن ابن عباس : { مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا } وطمسها أن تعمى { فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا } يقول : نجعل وجوههم من قبل أقفيتهم ، فيمشون القهقرى ، ونجعل لأحدهم عينين (5) من قفاه.
وكذا قال قتادة ، وعطية العوفي. وهذا أبلغ في العقوبة والنكال ، وهذا مثل ضربه الله لهم في صرفهم عن الحق وردهم إلى الباطل ورجوعهم عن المحجة البيضاء إلى سبل الضلالة يهرعون ويمشون القهقرى على أدبارهم ، وهذا كما قال بعضهم في قوله : { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ. وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا [وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ] (6) } [يس 8 ، 9] إن هذا مثل [سوء] (7) ضربه الله لهم في ضلالهم ومنعهم عن الهدى.
قال مجاهد : { مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا } يقول : عن صراط الحق ، فنردها (1) على أدبارهم ، أي : في الضلالة.
قال ابن أبي حاتم : وروي عن ابن عباس ، والحسن نحو هذا.
قال السدي : { فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا } فنمنعها عن الحق ، قال : نرجعها كفارا ونردهم قردة.
وقال ابن (2) زيد (3) نردهم إلى بلاد الشام من أرض الحجاز.
وقد ذكر أن كعب الأحبار أسلم حين سمع هذه الآية ، قال ابن جرير :
حدثنا أبو كريب ، حدثنا جابر بن نوح ، عن عيسى بن المغيرة قال : تذاكرنا عند إبراهيم إسلام كعب ، فقال : أسلم كعب زمان عمر ، أقبل وهو يريد بيت المقدس ، فمر على المدينة ، فخرج إليه عمر فقال : يا كعب ، أسلم ، قال : ألستم تقرؤون في كتابكم (4) { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ [ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ] (5) أَسْفَارًا } وأنا قد حملت التوراة. قال : فتركه عمر. ثم خرج حتى انتهى إلى حمص ، فسمع رجلا من أهلها حزينا ، وهو يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نزلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا } الآية. قال (6) كعب : يا رب آمنت ، يا رب ، أسلمت ، مخافة أن تصيبه هذه الآية ، ثم رجع فأتى أهله في اليمن ، ثم جاء بهم مسلمين (7).
رد: حلقات تفسير سور القران
وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر بلفظ آخر ، فقال : حدثنا أبي ، حدثنا ابن نفيل ، حدثنا عمرو بن واقد ، عن يونس بن حلبس (8) عن أبي إدريس عائذ الله الخولاني قال : كان أبو مسلم الجليلي معلم كعب ، وكان يلومه في إبطائه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فبعثه إليه ينظر أهو هو ؟ قال كعب : فركبت حتى أتيت المدينة ، فإذا تال يقرأ القرآن ، يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نزلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا } فبادرت الماء فاغتسلت وإني لأمسح وجهي مخافة أن أطمس ، ثم أسلمت (9).
وقوله : { أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ } يعني : الذين اعتدوا في سبتهم بالحيلة على الاصطياد ، وقد مسخوا قردة وخنازير ، وسيأتي بسط قصتهم في سورة الأعراف.
وقوله : { وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا } أي : إذا أمر بأمر ، فإنه لا يخالف ولا يمانع.
ثم أخبر تعالى : أنه { لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ } أي : لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ } أي : من الذنوب { لِمَنْ يَشَاءُ } أي : من عباده.
وقد وردت أحاديث متعلقة بهذه الآية الكريمة ، فلنذكر منها ما تيسر :
الحديث الأول : قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، أخبرنا صدقة بن موسى ، حدثنا أبو عمران الجوني ، عن يزيد بن بابنوس (1) عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الدواوين عند الله ثلاثة ؛ ديوان لا يعبأ الله به شيئا ، وديوان لا يترك الله منه شيئا ، وديوان لا يغفره الله. فأما الديوان الذي لا يغفره الله ، فالشرك بالله ، قال الله عز وجل : { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ } [المائدة : 72] وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا ، فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه ، من صوم يوم تركه ، أو صلاة تركها ؛ فإن الله يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء. وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا ، فظلم العباد بعضهم بعضا ؛ القصاص لا محالة".
تفرد به أحمد (2).
الحديث الثاني : قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا أحمد بن مالك ، حدثنا زائدة بن أبي الرقاد ، عن زياد النمري ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الظلم ثلاثة ، فظلم لا يغفره الله ، وظلم يغفره الله ، وظلم لا يتركه الله : فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك ، وقال (3) { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان : 13]وأما الظلم الذي يغفره الله فظلم العباد لأنفسهم فيما بينهم وبين ربهم ، وأما الظلم الذي لا يتركه (4) فظلم العباد بعضهم بعضا ، حتى يدين لبعضهم من بعض" (5).
رد: حلقات تفسير سور القران
الحديث الثالث : قال الإمام أحمد : حدثنا صفوان بن عيسى ، حدثنا ثور بن يزيد ، عن أبي (6) عون ، عن أبي إدريس قال : سمعت معاوية يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "كل ذنب عسى الله أن يغفره ، إلا الرجل يموت كافرًا ، أو الرجل يقتل مؤمنًا متعمدًا".
رواه النسائي ، عن محمد بن مثنى ، عن صفوان بن عيسى ، به (7).
الحديث الرابع : قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا عبد الحميد ، حدثنا شهر ، حدثنا ابن غنم (8) أن أبا ذر حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله يقول : يا عبدي ، ما عبدتني ورجوتني فإني غافر لك على ما كان فيك ، يا (9) عبدي ، إنك إن لقيتني بقراب الأرض خطيئة ما لم تشرك بي ، لقيتك بقرابها مغفرة".
تفرد به أحمد من هذا الوجه (10)
الحديث الخامس : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا أبي ، حدثنا حسين ، عن ابن بريدة أن يحيى بن يعمر حدثه ، أن أبا الأسود الديلي حدثه ، أن أبا ذر حدثه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "ما من عبد قال : لا إله إلا الله. ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة" قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : "وإن زنى وإن سرق" قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : "وإن زنى وإن سرق". ثلاثا ، ثم قال في الرابعة : "على رغم أنف أبي ذر"! قال : فخرج أبو ذر وهو يجر إزاره وهو يقول : وإن رغم أنف أبي ذر". وكان أبو ذر يحدث بهذا بعد ويقول : وإن رغم أنف أبي ذر.
أخرجاه من حديث حسين ، به (1).
طريق أخرى عنه : قال [الإمام] (2) أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن أبي ذر قال : "كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة عشاء ، ونحن ننظر إلى أحد ، فقال : "يا أبا ذر". فقلت : لبيك يا رسول الله ، [قال] (3) ما أحب أن لي أحدا ذاك عندي ذهبا أمسي ثالثة وعندي منه دينار ، إلا دينارا أرصده - يعني لدين - إلا أن أقول به في عباد الله هكذا". وحثا عن يمينه وبين يديه وعن يساره. قال : ثم مشينا فقال : "يا أبا ذر ، إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا". فحثا عن يمينه ومن بين يديه وعن يساره. قال : ثم مشينا فقال : "يا أبا ذر ، كما أنت حتى آتيك". قال : فانطلق حتى توارى عني. قال : فسمعت لغطا (4) فقلت : لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض له. قال فهممت أن أتبعه ، ثم ذكرت قوله : "لا تبرح حتى آتيك" فانتظرته حتى جاء ، فذكرت له الذي سمعت ، فقال : "ذاك جبريل أتاني فقال : من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة". قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : "وإن زنى وإن سرق".
أخرجاه في الصحيحين من حديث الأعمش ، (5) به.
رد: حلقات تفسير سور القران
وقد رواه البخاري ومسلم أيضا كلاهما ، عن قتيبة ، عن جرير بن عبد الحميد ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن زيد بن وهب ، عن أبي ذر قال : خرجت ليلة من الليالي ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده ، ليس معه إنسان ، قال : فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد. قال : فجعلت أمشي في ظل القمر ، فالتفت فرآني ، فقال : "من هذا ؟" فقلت : أبو (6) ذر ، جعلني الله فداك. قال : "يا أبا ذر ، تعال". قال : فمشيت معه ساعة فقال : "إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرا فنفخ فيه عن يمينه وشماله ، وبين يديه وورائه ، وعمل فيه خيرا". قال : فمشيت معه ساعة فقال لي : "اجلس هاهنا" ، قال : فأجلسني في قاع حوله حجارة ، فقال لي : "اجلس هاهنا حتى أرجع إليك". قال : فانطلق في الحرة حتى لا أراه ، فلبث عني فأطال اللبث ، ثم إني سمعته وهو مقبل ، وهو يقول : "وإن سرق وإن زنى". قال : فلما جاء لم أصبر حتى قلت : يا نبي الله ، جعلني الله فداءك ، من تكلم في جانب الحرة ؟ ما سمعت أحدا يرجع إليك شيئا. قال : "ذاك جبريل ، عرض لي من (1) جانب الحرة فقال : بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. قلت : يا جبريل ، وإن سرق وإن زنى ؟ قال : نعم قلت : وإن سرق وإن زنى ؟ قال : نعم. قلت : وإن سرق وإن زنى ؟ قال : نعم ، وإن شرب الخمر" (2).
رد: حلقات تفسير سور القران
الحديث السادس : قال عبد بن حميد في مسنده : أخبرنا عبيد الله بن موسى ، عن ابن أبي ليلى ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : جاء رجل إلى رسول الله (3) صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، ما الموجبتان (4) ؟ قال : "من مات لا يشرك بالله شيئا وجبت له الجنة ، ومن مات يشرك بالله شيئا وجبت له النار". وذكر تمام الحديث. تفرد به من هذا الوجه (5).
طريق أخرى : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا الحسن بن عمرو بن خلاد الحراني ، حدثنا منصور بن إسماعيل القرشي ، حدثنا موسى بن عبيدة ، الربذي ، أخبر (6) عبد الله بن عبيدة ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما من نفس تموت ، لا تشرك بالله شيئا ، إلا حلت لها المغفرة ، إن شاء الله عذبها ، وإن شاء غفر لها : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } (7).
ورواه الحافظ أبو يعلى في مسنده ، من حديث موسى بن عبيدة ، عن أخيه عبد الله بن عبيدة ، عن جابر ؛ أن النبي (8) صلى الله عليه وسلم قال : "لا تزال المغفرة على العبد ما لم يقع الحجاب". قيل : يا نبي الله ، وما الحجاب ؟ قال : "الإشراك بالله". قال : "ما من نفس تلقى الله لا تشرك به شيئا إلا حلت لها المغفرة من الله تعالى ، إن يشأ أن يعذبها ، وإن يشأ أن يغفر لها غفر لها". ثم قرأ نبي الله : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } (9).
الحديث السابع : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا زكريا ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة".
تفرد به من هذا الوجه (10).
الحديث الثامن : قال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا أبو قبيل ، عن عبد الله بن ناشر (11) من بني سريع قال : سمعت أبا رهم قاصن أهل الشام يقول : سمعت أبا أيوب الأنصاري يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم إليهم ، فقال لهم : "إن ربكم ، عز وجل ، خيرني
بين سبعين ألفا يدخلون الجنة عفوا (1) بغير حساب ، وبين الخبيئة عنده لأمتي". فقال له بعض أصحابه : يا رسول الله ، أيخبأ ذلك ربك ؟ فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج وهو يكبر ، فقال : "إن ربي زادني مع كل ألف سبعين ألفا والخبيئة عنده" قال أبو رهم : يا أبا أيوب ، وما تظن خبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأكله الناس بأفواههم فقالوا : وما أنت وخبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! فقال أبو أيوب : دعوا الرجل عنكم ، أخبركم عن خبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أظن ، بل كالمستيقن. إن خبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول : من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله مصدقا لسانه قلبه أدخله (2) الجنة" (3).
رد: حلقات تفسير سور القران
الحديث التاسع : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا المؤمل بن الفضل الحراني ، حدثنا عيسى بن يونس(ح) وأخبرنا هاشم بن القاسم الحراني - فيما كتب إلي - قال : حدثنا عيسى بن يونس نفسه ، عن واصل بن السائب الرقاشي ، عن أبي سورة ابن أخي أبي أيوب ، عن أبي أيوب الأنصاري قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن لي ابن أخ لا ينتهي عن الحرام. قال : "وما دينه ؟" قال : يصلي ويوحد الله تعالى. قال "استوهب منه دينه ، فإن أبى فابتعه منه". فطلب الرجل ذاك منه فأبى عليه ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : وجدته شحيحا في (4) دينه. قال : فنزلت : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } (5).
الحديث العاشر : قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا عمرو بن الضحاك ، حدثنا أبي ، حدثنا مستور أبو همام الهنائي ، حدثنا ثابت عن أنس قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، ما تركت حاجة ولا ذا حاجة إلا قد أتيت. قال : "أليس تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ؟" ثلاث مرات. قال : نعم. قال : "فإن ذلك يأتي على ذلك كله" (6).
الحديث الحادي عشر : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر ، حدثنا عكرمة بن عمار ، عن ضمضم بن جوس اليمامي (7) قال : قال لي أبو هريرة : يا يمامي (8) لا تقولن لرجل : والله لا يغفر الله لك. أو لا (9) يدخلك الجنة أبدا. قلت : يا أبا هريرة (10) إن هذه كلمة يقولها أحدنا لأخيه وصاحبه إذا غضب قال : لا تقلها ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "كان في بني إسرائيل رجلان كان أحدهما مجتهدا في العبادة ، وكان الآخر مسرفا على نفسه ، وكانا متآخيين (11) وكان المجتهد لا يزال يرى الآخر على ذنب ، فيقول : يا هذا أقصر. فيقول : خلني وربي! أبعثت علي رقيبا ؟ قال : إلى أن رآه يوما على ذنب استعظمه ، فقال له : ويحك! أقصر! قال : خلني وربي! أبعثت علي رقيبا ؟ فقال : والله
لا يغفر الله لك - أو لا يدخلك الجنة أبدا - قال : فبعث الله إليهما ملكا فقبض أرواحهما واجتمعا عنده ، فقال للمذنب : اذهب فادخل الجنة برحمتي. وقال للآخر : أكنت بي عالما ؟ أكنت على ما في يدي قادرا ؟ اذهبوا به إلى النار. قال : فوالذي نفس أبي القاسم بيده لتكلم بكلمة أو بقت دنياه وآخرته".
ورواه أبو داود ، من حديث عكرمة بن عمار ، حدثني ضمضم بن جوش ، به (1).
رد: حلقات تفسير سور القران
الحديث الثاني عشر : قال الطبراني : حدثنا أبو شيخ عن محمد بن الحسن بن عجلان الأصبهاني ، حدثنا سلمة بن شبيب ، حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "قال الله عز وجل : من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي ، ما لم يشرك بي شيئا" (2).
الحديث الثالث عشر : قال الحافظ أبو بكر البزار والحافظ أبو يعلى [الموصلي] (3) حدثنا هدبة - هو ابن خالد - حدثنا سهل بن أبي حزم ، عن ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجزه له ، ومن توعده (4) على عمل عقابا فهو فيه بالخيار". تفردا به (5).
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا بحر بن نصر الخولاني ، حدثنا خالد - يعني ابن عبد الرحمن الخراساني - حدثنا الهيثم بن جمار (6) عن سلام بن أبي مطيع ، عن بكر بن عبد الله المزني ، عن ابن عمر قال : كنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نشك في قاتل النفس ، وآكل مال اليتيم ، وقاذف (7) المحصنات ، وشاهد الزور ، حتى نزلت هذه الآية : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } فأمسك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة.
ورواه ابن جرير من حديث الهيثم بن حماد (8) به (9).
وقال ابن أبي حاتم أيضا : حدثنا عبد الملك بن أبي عبد الرحمن المقري (10) حدثنا عبد الله بن عاصم ، حدثنا صالح - يعني المري أبو بشر - عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : كنا لا نشك فيمن أوجب الله له النار في الكتاب ، حتى نزلت علينا هذه الآية : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } قال : فلما سمعناها كففنا عن الشهادة ، وأرجينا الأمور إلى الله ، عز وجل (11)
رد: حلقات تفسير سور القران
وقال البزار : حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، حدثنا شيبان بن أبي شيبة ، حدثنا حرب بن سُرَيج ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر [رضي الله عنهما] (1) قال : كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر ، حتى سمعنا نبينا صلى الله عليه وسلم يقول : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } وقال : "أخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة".
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع ، أخبرني مجبر ، عن عبد الله بن عمر أنه قال : لما نزلت : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ [إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ] (2) } [الزمر : 53] ، قام رجل فقال : والشرك بالله يا نبي الله ؟ فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا }
رواه ابن جرير. وقد رواه ابن مردويه من طرق عن ابن عمر (3).
وهذه الآية التي في سورة "تنزيل" مشروطة بالتوبة ، فمن تاب من أي ذنب وإن تكرر منه تاب الله عليه ؛ ولهذا قال : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الزمر : 53]أي : بشرط التوبة ، ولو لم يكن كذلك لدخل الشرك فيه ، ولا يصح ذلك ، لأنه ، تعالى ، قد حكم هاهنا بأنه لا يغفر الشرك ، وحكم بأنه يغفر ما عداه لمن يشاء ، أي : وإن لم يتب صاحبه ، فهذه أرجى من تلك من هذا الوجه ، والله أعلم.
وقوله : { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } كقوله { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان : 13] ، وثبت في الصحيحين ، عن ابن مسعود أنه قال : قلت : يا رسول الله ، أي الذنب أعظم ؟ قال : "أن تجعل لله ندا وهو خلقك..." وذكر تمام الحديث.
وقال ابن مردويه : حدثنا إسحق بن إبراهيم بن زيد ، حدثنا أحمد بن عمرو ، حدثنا إبراهيم بن المنذر ، حدثنا معن ، حدثنا سعيد (4) بن بشير حدثنا قتادة ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين ؛ أن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم قال : "أخبركم بأكبر الكبائر : الشرك بالله" (5) ثم قرأ : { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } وعقوق الوالدين". ثم قرأ : { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } (6)
رد: حلقات تفسير سور القران
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52)
.
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) }.
قال الحسن وقتادة : نزلت هذه الآية ، وهي قوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } في اليهود والنصارى ، حين قالوا : { نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ }
وقال ابن زيد : نزلت في قولهم : { نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [المائدة : 18] ، وفي قولهم : { وقالوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إَلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى } [البقرة : 111].
وقال مجاهد : كانوا يقدمون الصبيان أمامهم في الدعاء والصلاة يؤمونهم ، ويزعمون أنهم لا ذنب لهم (1).
وكذا قال عكرمة ، وأبو مالك. روى ذلك ابن جرير.
وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُم } وذلك أن اليهود قالوا : إن أبناءنا توفوا وهم لنا قربة ، وسيشفعون لنا ويزكوننا ، فأنزل الله على محمد [صلى الله عليه وسلم] (2) { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُم بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا } (3) رواه ابن جرير.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن مصفى ، حدثنا ابن حمير ، عن ابن لهيعة ، عن بشر بن أبي عمرو (4) عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كانت اليهود يقدمون صبيانهم يصلون بهم ، ويقربون قربانهم ويزعمون أنهم لا خطايا لهم ولا ذنوب. وكذبوا. قال (5) الله [تعالى] (6) إني لا أطهر ذا ذنب بآخر لا ذنب له" وأنزل الله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ }
ثم قال : وروى عن مجاهد ، وأبي مالك ، والسدي ، وعكرمة ، والضحاك - نحو ذلك.
وقال الضحاك : قالوا : ليس لنا ذنوب ، كما ليس لأبنائنا ذنوب. فأنزل الله ذلك فيهم.
وقيل : نزلت في ذم التمادح والتزكية.
وقد جاء في الحديث الصحيح عند (7) مسلم ، عن المقداد بن الأسود قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثو في وجوه المداحين التراب (8).
وفي الحديث الآخر المخرج في الصحيحين من طريق خالد الحذاء ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يثني على رجل ، فقال : "ويحك. قطعت عنق صاحبك". ثم قال : "إن كان أحدكم مادحا صاحبه لا محالة ، فليقل : أحسبه كذا ولا يزكي على الله أحدا" (9).
رد: حلقات تفسير سور القران
وقال الإمام أحمد : حدثنا معتمر ، عن أبيه ، عن نعيم بن أبي هند قال : قال عمر بن الخطاب : من قال : أنا مؤمن ، فهو كافر. ومن قال : هو عالم ، فهو جاهل. ومن قال : هو في الجنة ، فهو في النار (10) ورواه ابن مردويه ، من طريق موسى بن عبيدة ، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز ، عن عمر أنه قال : إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه ، فمن قال : إنه مؤمن ، فهو كافر ، ومن قال : إنه عالم فهو جاهل ، ومن قال : إنه في الجنة ، فهو في النار (1).
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة وحجاج ، أنبأنا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن معبد الجهني قال : كان معاوية قلما يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : وكان قلما يكاد أن يدع يوم الجمعة هؤلاء الكلمات أن يحدث بهن عن النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ، وإن هذا المال حلو خضر ، فمن يأخذه بحقه يبارك له فيه ، وإياكم والتمادح فإنه الذبح" (2).
وروى ابن ماجه منه : "إياكم والتمادح فإنه الذبح" عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن غندر ، عن شعبة به (3).
ومعبد هذا هو ابن عبد الله بن عويم البصري القدري.
وقال ابن جرير : حدثنا يحيى بن إبراهيم المسعودي ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب قال : قال عبد الله بن مسعود : إن الرجل ليغدو بدينه ، ثم يرجع وما معه منه شيء ، يلقى الرجل ليس يملك له نفعا ولا ضرا فيقول له : والله إنك كيت وكيت (4) فلعله أن يرجع ولم (5) يحل من حاجته بشيء وقد أسخط الله. ثم قرأ { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } الآية.
وسيأتي الكلام على ذلك مطولا عند قوله تعالى : { فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } [النجم : 32]. ولهذا قال تعالى : { بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ } أي : المرجع في ذلك إلى الله ، عز وجل (6) لأنه عالم بحقائق الأمور وغوامضها.
رد: حلقات تفسير سور القران
ثم قال تعالى : { وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا } أي : ولا يترك لأحد من الأجر ما يوازن مقدار الفتيل.
قال ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعطاء ، والحسن ، وقتادة ، وغير واحد من السلف : هو ما يكون في شق النواة.
وعن ابن عباس أيضا : هو ما فتلت بين أصابعك. وكلا القولين متقارب.
وقوله : { انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ } أي : في تزكيتهم أنفسهم ودعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه وقولهم : { لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى } [البقرة : 111] وقولهم : { لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً } [البقرة : 80]واتكالهم (1) على أعمال آبائهم الصالحة ، وقد حكم الله أن أعمال الآباء لا تجزي عن الأبناء شيئا ، في قوله : { تِلْكَ أُمَةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ [وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ] (1) } [البقرة : 141].
ثم قال : { وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا } أي : وكفى بصنعهم (2) هذا كذبا وافتراء ظاهرا.
وقوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ } أما "الجبت" فقال محمد بن إسحاق ، عن حسان بن فائد ، عن عمر بن الخطاب أنه قال : "الجبت" : السحر ، و "الطاغوت" : الشيطان.
وهكذا روي عن ابن عباس ، وأبي العالية ، ومجاهد ، وعطاء ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والشعبي ، والحسن ، والضحاك ، والسدي.
رد: حلقات تفسير سور القران
وعن ابن عباس ، وأبي العالية ، ومجاهد ، وعطاء ، وعكرمة ، [وأبي مالك] (3) وسعيد بن جبير ، والشعبي ، والحسن ، وعطية : "الجبت" الشيطان - زاد ابن عباس : بالحبشية. وعن ابن عباس أيضا : "الجبت" : الشرك. وعنه : "الجبت" : الأصنام.
وعن الشعبي : "الجبت" : الكاهن. وعن ابن عباس : "الجبت" : حيي بن أخطب. وعن مجاهد : "الجبت" : كعب بن الأشرف.
وقال العلامة أبو نصر بن إسماعيل بن حماد الجوهري في كتابه "الصحاح" : "الجبت" كلمة تقع على الصنم والكاهن (4) والساحر ونحو ذلك ، وفي الحديث : "الطيرة والعيافة والطرق من الجبت" قال : وهذا ليس من محض العربية ، لاجتماع الجيم والتاء في كلمة واحدة (5) من غير حرف ذولقي. (6)
وهذا الحديث الذي ذكره ، رواه الإمام أحمد في مسنده فقال : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا ، عوف عن حيان أبي العلاء ، حدثنا قطن بن قبيصة ، عن أبيه - وهو قبيصة بن مخارق - أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت" وقال عوف : "العيافة" : زجر الطير ، و"الطرق" : الخط ، يخط في الأرض ، و"الجبت" قال الحسن : إنه الشيطان.
وهكذا رواه أبو داود في سننه والنسائي وابن أبي حاتم في تفسيريهما من حديث عوف الأعرابي ، به (7)
وقد تقدم الكلام على "الطاغوت" في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته هاهنا.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا إسحاق بن الضيف ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله أنه سئل عن "الطواغيت" فقال : هم كهان تنزل عليهم الشياطين.
وقال مجاهد : "الطاغوت" : الشيطان في صورة إنسان ، يتحاكمون إليه ، وهو صاحب أمرهم.
وقال الإمام مالك : "الطاغوت" : هو كل ما يعبد من دون الله ، عز وجل.
وقوله : { وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا } أي : يفضلون الكفار على المسلمين بجهلهم ، وقلة دينهم ، وكفرهم بكتاب الله الذي بأيديهم.
وقد روى ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عكرمة قال : جاء حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف إلى أهل مكة ، فقالوا لهم : أنتم أهل الكتاب وأهل العلم ، فأخبرونا عنا وعن محمد ، فقالوا : ما أنتم وما محمد. فقالوا : نحن نصل الأرحام ، وننحر الكوماء ، ونسقي الماء على اللبن ، ونفك العناة ، ونسقي الحجيج - ومحمد صنبور ، قطع أرحامنا ، واتبعه سراق الحجيج بنو (8) غفار ، فنحن خير أم هو ؟ فقالوا : أنتم خير وأهدى سبيلا.فأنزل الله { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ [الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا] (9) }.
وقد روي هذا من غير وجه ، عن ابن عباس وجماعة من السلف.
رد: حلقات تفسير سور القران
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت قريش : ألا ترى هذا الصنبور المنبتر من قومه ؟ يزعم أنه خير منا ، ونحن أهل الحجيج ، وأهل السدانة ، وأهل السقاية! قال : أنتم خير. قال فنزلت (10) { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } [الكوثر : 3] ونزل : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ } إلى { نَصِيرًا }.
وقال ابن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة حيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق أبو رافع ، والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق ، وأبو عمار ، ووحوح (11) بن عامر ، وهوذة بن قيس. فأما وحوح (12) وأبو عمار وهوذة فمن بني وائل ، وكان سائرهم من بني النضير ، فلما قدموا على قريش قالوا هؤلاء أحبار يهود وأهل العلم بالكتب الأول (13) فسلوهم : أدينكم خير أم دين محمد ؟ فسألوهم ، فقالوا : بل دينكم خير من دينه ، وأنتم أهدى منه وممن اتبعه. فأنزل الله عز وجل : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ [الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا. أُولَئِك الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا] (14) } إلى قوله عز وجل : { وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا }.
وهذا لعن لهم ، وإخبار بأنهم لا ناصر لهم في الدنيا ولا في الآخرة ، لأنهم إنما ذهبوا يستنصرون بالمشركين ، وإنما قالوا لهم ذلك ليستميلوهم إلى نصرتهم ، وقد أجابوهم ، وجاؤوا معهم يوم الأحزاب ، حتى حفر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حول المدينة الخندق ، فكفى الله شرهم { وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا }
رد: حلقات تفسير سور القران
أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57)
[الأحزاب : 25].
{ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55) }.
يقول تعالى : { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ } ؟! وهذا استفهام إنكار ، أي : ليس لهم نصيب من الملك (1) ثم وصفهم بالبخل فقال : { فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا } أي : لأنهم لو كان لهم نصيب في الملك والتصرف لما أعطوا أحدا من الناس - ولا سيما محمدا صلى الله عليه وسلم - شيئًا ، ولا ما يملأ "النقير" ، وهو النقطة التي في النواة ، في قول ابن عباس والأكثرين.
وهذه الآية كقوله تعالى { قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنْفَاقِ } [الإسراء : 100]أي : خوف أن يذهب ما بأيديكم ، مع أنه لا يتصور نفاده ، وإنما هو من بخلكم وشحكم ؛ ولهذا قال : { وَكَانَ الإنْسَانُ قَتُورًا } [الإسراء : 100]أي : بخيلا.
ثم قال : { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } يعني بذلك : حسدهم النبي صلى الله عليه وسلم على ما رزقه الله من النبوة العظيمة ، ومنعهم من تصديقهم إياه حسدهم له ؛ لكونه من العرب وليس من بني إسرائيل.
قال الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا يحيى الحماني ، حدثنا قيس بن الربيع ، عن السدي ، عن عطاء ، عن ابن عباس قوله : { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ [عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه] (2) } الآية ، قال ابن عباس : نحن الناس دون الناس ، قال الله تعالى : { فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا } أي : فقد جعلنا في أسباط بني إسرائيل - الذين هم من ذرية إبراهيم - النبوة ، وأنزلنا عليهم الكتب ، وحكموا فيهم بالسنن (3) - وهي الحكمة - وجعلنا فيهم الملوك ، ومع هذا { فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ } أي : بهذا الإيتاء وهذا الإنعام { وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ } أي : كفر به وأعرض عنه ، وسعى في صد الناس عنه ، وهو منهم ومن جنسهم ، أي من بني إسرائيل ، فقد اختلفوا عليهم ، فكيف بك يا محمد ولست من بني إسرائيل ؟.
وقال مجاهد : { فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ } أي : بمحمد صلى الله عليه وسلم { وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ } فالكفرة منهم أشد تكذيبا لك ، وأبعد عما جئتهم به من الهدى ، والحق المبين.
ولهذا قال متوعدا لهم : { وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا } أي : وكفى بالنار عقوبة لهم على كفرهم وعنادهم ومخالفتهم كتب الله ورسله.
رد: حلقات تفسير سور القران
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلا ظَلِيلا (57) }. يخبر تعالى عما يعاقب به في نار جهنم من كفر بآياته وصد عن رسله ، فقال : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا [سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا] } (1) الآية ، أي ندخلهم نارا دخولا يحيط بجميع أجرامهم ، وأجزائهم. ثم أخبر عن دوام عقوبتهم ونكالهم ، فقال : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ } قال [الأعمش ، عن ابن عمر] (2) إذا احرقت جلودهم بدلوا جلودًا بيضا أمثال القراطيس. رواه ابن أبي حاتم.
وقال يحيى بن يزيد الحضرمي إنه بلغه في قول الله : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ } قال : يجعل (3) للكافر مائة جلد ، بين كل جلدين لون من العذاب. رواه ابن أبي حاتم.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا حسين الجعفي ، عن زائدة ، عن هشام ، عن الحسن قوله : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ [بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا] (4) } الآية. قال : تنضجهم في اليوم سبعين ألف مرة. قال حسين : وزاد فيه فضيل عن هشام عن الحسن : كلما أنضجتهم فأكلت لحومهم قيل لهم : عودوا فعادوا.
وقال أيضا : ذكر عن هشام بن عمار : حدثنا سعيد بن يحيى - يعني سعدان - حدثنا نافع ، مولى يوسف السلمي البصري ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قرأ رجل عند عمر هذه الآية : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا } فقال عمر : أعدها علي فأعادها ، فقال معاذ بن جبل : عندي تفسيرها : تبدل في ساعة مائة مرة. فقال عمر : هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رد: حلقات تفسير سور القران
وقد رواه ابن مردويه ، عن محمد بن أحمد بن إبراهيم ، عن عبدان بن محمد المروزي ، عن هشام بن عمار ، به. ورواه من وجه آخر بلفظ آخر فقال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عمران ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا نافع أبو هرمز ، حدثنا نافع ، عن ابن عمر قال : تلا رجل عند عمر هذه الآية : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ [بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ] (5) } الآية ، قال : فقال عمر : أعدها على - وثم كعب - فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا عندي تفسير هذه الآية ، قرأتها قبل الإسلام ، قال : فقال : هاتها يا كعب ، فإن جئت بها كما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقناك ، وإلا لم ننظر إليها. فقال : إني قرأتها قبل الإسلام : "كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها في الساعة الواحدة عشرين ومائة مرة". فقال عمر : هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)
وقال الربيع بن أنس : مكتوب في الكتاب الأول أن جلد أحدهم أربعون ذراعا ، وسنه تسعون ذراعًا ، وبطنه لو وضع فيه جبل لوسعه ، فإذا أكلت النار جلودهم بدلوا جلودا غيرها.
وقد ورد في الحديث ما هو أبلغ من هذا ، قال (1) الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا أبو يحيى الطويل ، عن أبي يحيى القتات ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يعظم أهل النار في النار ، حتى إن بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام ، وإن غلظ جلده سبعون ذراعا ، وإن ضرسه مثل أحد".
تفرد به أحمد من هذا الوجه (2).
وقيل : المراد بقوله : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } أي : سرابيلهم. حكاه ابن جرير ، وهو ضعيف ؛ لأنه خلاف الظاهر.
وقوله : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } هذا إخبار عن مآل السعداء في جنات عدن ، التي تجري فيها (3) الأنهار في جميع فجاجها ومحالها وأرجائها حيث شاؤوا وأين أرادوا ، وهم خالدون فيها أبدا ، لا يحولون ولا يزولون ولا يبغون عنها حولا.
وقوله : { لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ } أي : من الحيض والنفاس والأذى. والأخلاق الرذيلة ، والصفات الناقصة ، كما قال ابن عباس : مطهرة من الأقذار والأذى. وكذا قال عطاء ، والحسن ، والضحاك ، والنخعي ، وأبو صالح ، وعطية ، والسدي.
وقال مجاهد : مطهرة من البول والحيض والنخام والبزاق والمني والولد.
وقال قتادة : مطهرة من الأذى والمآثم ولا حيض ولا كلف.
وقوله : { وَنُدْخِلُهُمْ ظِلا ظَلِيلا } أي : ظلا عميقا كثيرا غزيرا طيبا أنيقا.
قال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن - وحدثنا ابن المثنى ، حدثنا (4) ابن (5) جعفر - قالا حدثنا شعبة قال : سمعت أبا الضحاك يحدث ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ، شجرة الخلد" (6).
رد: حلقات تفسير سور القران
{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) }
يخبر تعالى أنه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها ، وفي حديث الحسن ، عن سمرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك". رواه الإمام أحمد وأهل السنن (7) وهذا يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان ، من حقوق الله ، عز وجل ، على عباده ، من الصلوات والزكوات ، والكفارات والنذور والصيام ، وغير ذلك ، مما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد ، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به (8) بعضهم على بعض من غير اطلاع بينة (9) على ذلك. فأمر الله ، عز وجل ، بأدائها ، فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة ، كما ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لتؤدن الحقوق إلى أهلها ، حتى يقتص للشاة الجماء من القرناء" (10).
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عبد الله بن السائب ، عن زاذان ، عن عبد الله بن مسعود قال : إن الشهادة تكفر كل ذنب إلا الأمانة ، يؤتى بالرجل يوم القيامة - وإن كان قد قتل في سبيل الله - فيقال : أد أمانتك. فيقول وأنى أؤديها وقد ذهبت الدنيا ؟ فتمثل له الأمانة في قعر جهنم ، فيهوي إليها فيحملها على عاتقه. قال : فتنزل عن عاتقه ، فيهوي على أثرها أبد الآبدين. قال زاذان : فأتيت البراء فحدثته فقال : صدق أخي : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا }.
وقال : سفيان الثوري ، عن ابن أبي ليلى عن رجل ، عن ابن عباس قوله : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } قال : هي (11) مبهمة للبر والفاجر. وقال محمد بن الحنفية : هي مسجلة للبر والفاجر. وقال أبو العالية : الأمانة ما أمروا به ونهوا عنه.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد ، حدثنا حفص بن غياث ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق قال : قال أبي بن كعب : من الأمانة أن المرأة ائتمنت على فرجها.
وقال الربيع بن أنس : هي من الأمانات فيما بينك وبين الناس.
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } قال :
قال : يدخل فيه وعظ السلطان النساء. يعني يوم العيد. وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة ، واسم أبي طلحة ، عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب القرشي العبدري ، حاجب الكعبة المعظمة ، وهو ابن عم شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، الذي صارت الحجابة في نسله إلى اليوم ، أسلم عثمان هذا في الهدنة بين صلح الحديبية وفتح مكة ، هو وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص ، وأما عمه عثمان بن أبي طلحة ، فكان معه لواء المشركين يوم أحد ، وقتل يومئذ كافرا. وإنما نبهنا على هذا النسب ؛ لأن كثيرا من المفسرين قد يشتبه عليهم هذا بهذا ، وسبب نزولها فيه لما أخذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة يوم الفتح ، ثم رده عليه.
وقال محمد بن إسحاق في غزوة الفتح : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ، عن صفية بنت شيبة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بمكة واطمأن الناس ، خرج حتى جاء البيت ، فطاف به سبعا على راحلته ، يستلم الركن بمحجن في يده ، فلما قضى طوافه ، دعا عثمان بن طلحة ، فأخذ منه مفتاح الكعبة ، ففتحت له ، فدخلها ، فوجد فيها حمامة من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها ، ثم وقف على باب الكعبة وقد استكف (1) له الناس في المسجد.
رد: حلقات تفسير سور القران
قال ابن إسحاق : فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على باب الكعبة فقال "لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى ، فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانه البيت وسقاية الحاج". وذكر بقية الحديث في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ ، إلى أن قال : ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، فقام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده فقال : يا رسول الله ، اجمع لنا الحجابة مع السقاية ، صلى الله عليك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أين عثمان بن طلحة ؟" فدعي له ، فقال له : "هاك مفتاحك يا عثمان ، اليوم يوم وفاء وبر" (2).
قال ابن جرير : حدثني القاسم حدثنا الحسين ، عن حجاج ، عن ابن جريج [قوله : { إِنّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } ] (3) قال : نزلت في عثمان بن طلحة قبض منه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة ، فدخل به البيت يوم الفتح ، فخرج وهو يتلو هذه (4) فدعا عثمان إليه ، فدفع إليه (5) المفتاح ، قال : وقال عمر بن الخطاب لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكعبة ، وهو يتلو هذه الآية : فداه أبي وأمي ، ما سمعته يتلوها قبل ذلك.
حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا الزنجي بن خالد ، عن الزهري قال : دفعه إليه وقال : أعينوه (6).
وروى ابن مردويه ، من طريق الكلبي ، عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله عز وجل : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } قال : لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دعا عثمان بن طلحة
ابن أبي طلحة ، فلما أتاه قال : "أرني المفتاح". فأتاه به ، فلما بسط يده إليه قام العباس فقال : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، اجمعه لي مع السقاية. فكف عثمان يده (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أرني المفتاح يا عثمان". فبسط يده يعطيه ، فقال العباس مثل كلمته الأولى ، فكف عثمان يده. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا عثمان ، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فهاتني المفتاح". فقال : هاك بأمانة الله. قال : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح باب الكعبة ، فوجد في الكعبة تمثال إبراهيم معه قداح يستقسم بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما للمشركين قاتلهم الله. وما شأن إبراهيم وشأن القداح". ثم دعا بحفنة فيها ماء فأخذ ماء فغمسه فيه ، ثم غمس به تلك التماثيل ، وأخرج مقام إبراهيم ، وكان في الكعبة فألزقه في (2) حائط الكعبة ثم قال : "يا أيها الناس ، هذه القبلة". قال : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت شوطا أو شوطين ثم نزل عليه جبريل ، فيما ذكر لنا برد المفتاح ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } حتى فرغ من الآية (3).
وهذا من المشهورات أن هذه الآية نزلت في ذلك ، وسواء كانت نزلت في ذلك أو لا (4) فحكمها عام ؛ ولهذا قال ابن عباس ومحمد بن الحنفية : هي للبر والفاجر ، أي : هي أمر لكل أحد.
رد: حلقات تفسير سور القران
وقوله : { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } أمر منه تعالى بالحكم بالعدل بين الناس ؛ ولهذا قال محمد بن كعب وزيد بن أسلم وشهر بن حوشب : إنما نزلت في الأمراء ، يعني الحكام بين الناس.
وفي الحديث : "إن الله مع الحاكم ما لم يَجُرْ ، فإذا جار وكله إلى نفسه" (5) وفي الأثر : عدل يوم كعبادة أربعين سنة.
وقوله : { إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ } أي : يأمركم به من أداء الأمانات ، والحكم بالعدل بين الناس ، وغير ذلك من أوامره وشرائعه الكاملة العظيمة الشاملة.
وقوله : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا } أي : سميعا لأقوالكم ، بصيرا بأفعالكم ، كما قال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثني عبد الله بن لهيعة ، عن يزيد (6) بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرئ (7) هذه الآية { سَمِيعًا بَصِيرًا } يقول : بكل شيء بصير (8).
وقد قال ابن أبي حاتم : أخبرنا يحيى بن عبدك القزويني ، أنبأنا المقرئ - يعني أبا عبد الرحمن -
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)
عبد الله بن يزيد ، حدثنا حرملة - يعني ابن عمران التجيبي المصري - حدثنا أبو (1) يونس ، سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } إلى قوله : { إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا } ويضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه ويقول : هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها (2) ويضع أصبعيه. قال أبو زكريا : وصفه لنا المقري ، ووضع أبو زكريا إبهامه اليمنى على عينه اليمنى ، والتي تليها على الأذن اليمنى ، وأرانا فقال : هكذا وهكذا (3).
رواه أبو داود ، وابن حبان في صحيحه ، والحاكم في مستدركه ، وابن مردويه في تفسيره ، من حديث أبي عبد الرحمن المقري بإسناده - نحوه (4) وأبو يونس هذا مولى أبي هريرة ، واسمه سُلَيْم بن جُبَير.
رد: حلقات تفسير سور القران
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا (59) }
قال البخاري : حدثنا صدقة بن الفضل ، حدثنا حجاج بن محمد الأعور ، عن ابن جريج ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ } قال : نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي ؛ إذ بعثه رسول النبي صلى الله عليه وسلم في سرية.
وهكذا أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من حديث حجاج بن محمد الأعور ، به. وقال الترمذي : حديث حسن غريب ، ولا نعرفه إلا من حديث ابن جريج (5).
وقال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن سعيد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ، واستعمل عليهم رجلا من الأنصار ، فلما خرجوا وَجَد عليهم في شيء. قال : فقال لهم : أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني ؟ قالوا : بلى ، قال : اجمعوا (6) لي حطبا. ثم دعا بنار فأضرمها فيه ، ثم قال : عزمت عليكم لتدخلنها. [قال : فهم القوم أن يدخلوها] (7) قال : فقال لهم شاب منهم : إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار ، فلا تعجلوا حتى تلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها. قال : فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه ، فقال لهم : "لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا ؛ إنما الطاعة في المعروف". أخرجاه في الصحيحين من حديث الأعمش ، به (8).
وقال أبو داود : حدثنا مُسَدَّد ، حدثنا يحيى ، عن عبيد الله ، حدثنا نافع ، عن عبد الله بن عمر ،
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ، ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة".
وأخرجاه من حديث يحيى القطان (1).
وعن عبادة بن الصامت قال : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة ، في مَنْشَطنا ومكرهنا ، وعسرنا ويسرنا ، وأثَرَةٍ علينا ، وألا ننازع الأمر أهله. قال : "إلا أن تروا كفرا بَوَاحا ، عندكم فيه من الله برهان" أخرجاه (2).