رد: اشهر الاحاديث النبوية الشريفة
حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ قال رجل من حضرموت ما الحدث يا أبا هريرة قال فساء أو ضراط
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قوله : ( لا تقبل )
كذا في روايتنا بالضم على البناء لما لم يسم فاعله , وأخرجه المصنف في ترك الحيل عن إسحاق بن نصر , وأبو داود عن أحمد بن حنبل كلاهما عن عبد الرزاق بلفظ " لا يقبل الله " والمراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة وهو الإجزاء , وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة . ولما كان الإتيان بشروطها مظنة الإجزاء الذي القبول ثمرته عبر عنه بالقبول مجازا , وأما القبول المنفي في مثل قوله صلى الله عليه وسلم : " من أتى عرافا لم تقبل له صلاة " فهو الحقيقي ; لأنه قد يصح العمل ويتخلف القبول لمانع , ولهذا كان بعض السلف يقول : لأن تقبل لي صلاة واحدة أحب إلي من جميع الدنيا , قاله ابن عمر . قال : لأن الله تعالى قال : ( إنما يتقبل الله من المتقين ) .
قوله : ( أحدث )
أي : وجد منه الحدث , والمراد به الخارج من أحد السبيلين , وإنما فسره أبو هريرة بأخص من ذلك تنبيها بالأخف على الأغلظ ; ولأنهما قد يقعان في أثناء الصلاة أكثر من غيرهما , وأما باقي الأحداث المختلف فيها بين العلماء - كمس الذكر ولمس المرأة والقيء ملء الفم والحجامة - فلعل أبا هريرة كان لا يرى النقض بشيء منها . وعليه مشى المصنف كما سيأتي في باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين . وقيل : إن أبا هريرة اقتصر في الجواب على ما ذكر لعلمه أن السائل كان يعلم ما عدا ذلك , وفيه بعد . واستدل بالحديث على بطلان الصلاة بالحدث سواء كان خروجه اختياريا أم اضطراريا , وعلى أن الوضوء لا يجب لكل صلاة لأن القبول انتفى إلى غاية الوضوء , وما بعدها مخالف لما قبلها فاقتضى ذلك قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقا .
قوله : ( يتوضأ )
أي : بالماء أو ما يقوم مقامه , وقد روى النسائي بإسناد قوي عن أبي ذر مرفوعا " الصعيد الطيب وضوء المسلم " فأطلق الشارع على التيمم أنه وضوء لكونه قام مقامه , ولا يخفى أن المراد بقبول صلاة من كان محدثا فتوضأ أي : مع باقي شروط الصلاة . والله أعلم .
رد: اشهر الاحاديث النبوية الشريفة
حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن خالد عن سعيد بن أبي هلال عن نعيم المجمر قال
رقيت مع أبي هريرة على ظهر المسجد فتوضأ فقال إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قوله : ( عن خالد )
هو ابن يزيد الإسكندراني أحد الفقهاء الثقات , وروايته عن سعيد بن أبي هلال من باب رواية الأقران .
قوله : ( عن نعيم المجمر )
بضم الميم وإسكان الجيم هو ابن عبد الله المدني , وصف هو وأبوه بذلك لكونهما كانا يبخران مسجد النبي صلى الله عليه وسلم . وزعم بعض العلماء أن وصف عبد الله بذلك حقيقة ووصف ابنه نعيم بذلك مجاز , وفيه نظر فقد جزم إبراهيم الحربي بأن نعيما كان يباشر ذلك . ورجال هذا الإسناد الستة نصفهم مصريون , وهم الليث وشيخه والراوي عنه , والنصف الآخر مدنيون .
قوله . ( رقيت )
بفتح الراء وكسر القاف أي : صعدت .
قوله : ( فتوضأ )
كذا لجمهور الرواة , وللكشميهني يوما بدل قوله فتوضأ وهو تصحيف , وقد رواه الإسماعيلي وغيره من الوجه الذي أخرجه منه البخاري بلفظ " توضأ " وزاد الإسماعيلي فيه " فغسل وجهه ويديه فرفع في عضديه , وغسل رجليه فرفع في ساقيه " وكذا لمسلم من طريق عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال نحوه , ومن طريق عمارة بن غزية عن نعيم وزاد في هذه : أن أبا هريرة قال : " هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ " فأفاد رفعه , وفيه رد على من زعم أن ذلك من رأي أبي هريرة بل من روايته ورأيه معا .
قوله : ( أمتي )
أي : أمة الإجابة وهم المسلمون , وقد تطلق أمة محمد ويراد بها أمة الدعوة وليست مرادة هنا .
قوله : ( يدعون )
بضم أوله أي : ينادون أو يسمون .
قوله : ( غرا )
بضم المعجمة وتشديد الراء جمع أغر أي ذو غرة , وأصل الغرة لمعة بيضاء تكون في جبهة الفرس , ثم استعملت في الجمال والشهرة وطيب الذكر , والمراد بها هنا النور الكائن في وجوه أمة محمد صلى الله عليه وسلم , وغرا منصوب على المفعولية ليدعون أو على الحال , أي : أنهم إذا دعوا على رءوس الأشهاد نودوا بهذا الوصف وكانوا على هذه الصفة .
قوله : ( محجلين )
بالمهملة والجيم من التحجيل وهو بياض يكون في ثلاث قوائم من قوائم الفرس , وأصله من الحجل بكسر المهملة وهو الخلخال , والمراد به هنا أيضا النور . واستدل الحليمي بهذا الحديث على أن الوضوء من خصائص هذه الأمة , وفيه نظر لأنه ثبت عند المصنف في قصة سارة رضي الله عنها مع الملك الذي أعطاها هاجر أن سارة لما هم الملك بالدنو منها قامت تتوضأ وتصلي , وفي قصة جريج الراهب أيضا أنه قام فتوضأ وصلى ثم كلم الغلام , فالظاهر أن الذي اختصت به هذه الأمة هو الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء , وقد صرح بذلك في رواية لمسلم عن أبي هريرة أيضا مرفوعا قال : " سيما ليست لأحد غيركم " وله من حديث حذيفة نحوه . و " سيما " بكسر المهملة وإسكان الياء الأخيرة أي : علامة . وقد اعترض بعضهم على الحليمي بحديث " هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي " وهو حديث ضعيف كما تقدم لا يصح الاحتجاج به لضعفه ; ولاحتمال أن يكون الوضوء من خصائص الأنبياء دون أممهم إلا هذه الأمة .
قوله : ( من آثار الوضوء )
بضم الواو , ويجوز فتحها على أنه الماء قاله ابن دقيق العيد .
قوله : ( فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل )
أي : فليطل الغرة والتحجيل . واقتصر على إحداهما لدلالتها على الأخرى نحو ( سرابيل تقيكم الحر ) واقتصر على ذكر الغرة وهي مؤنثة دون التحجيل وهو مذكر لأن محل الغرة أشرف أعضاء الوضوء , وأول ما يقع عليه النظر من الإنسان . على أن في رواية مسلم من طريق عمارة بن غزية ذكر الأمرين , ولفظه " فليطل غرته وتحجيله " وقال ابن بطال : كنى أبو هريرة بالغرة عن التحجيل لأن الوجه لا سبيل إلى الزيادة في غسله , وفيما قال نظر لأنه يستلزم قلب اللغة , وما نفاه ممنوع لأن الإطالة ممكنة في الوجه بأن يغسل إلى صفحة العنق مثلا . ونقل الرافعي عن بعضهم أن الغرة تطلق على كل من الغرة والتحجيل . ثم إن ظاهره أنه بقية الحديث , لكن رواه أحمد من طريق فليح عن نعيم وفي آخره : قال نعيم لا أدري قوله من استطاع إلخ من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي هريرة , ولم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه والله أعلم . واختلف العلماء في القدر المستحب من التطويل في التحجيل فقيل : إلى المنكب والركبة , وقد ثبت عن أبي هريرة رواية ورأيا . وعن ابن عمر من فعله أخرجه ابن أبي شيبة , وأبو عبيد بإسناد حسن , وقيل المستحب الزيادة إلى نصف العضد والساق , وقيل إلى فوق ذلك . وقال ابن بطال وطائفة من المالكية : لا تستحب الزيادة على الكعب والمرفق لقوله صلى الله عليه وسلم " من زاد على هذا فقد أساء وظلم " وكلامهم معترض من وجوه , ورواية مسلم صريحة في الاستحباب فلا تعارض بالاحتمال . وأما دعواهم اتفاق العلماء على خلاف مذهب أبي هريرة في ذلك فهي مردودة بما نقلناه عن ابن عمر , وقد صرح باستحبابه جماعة من السلف وأكثر الشافعية والحنفية . وأما تأويلهم الإطالة المطلوبة بالمداومة على الوضوء فمعترض بأن الراوي أدرى بمعنى ما روى , كيف وقد صرح برفعه إلى الشارع صلى الله عليه وسلم وفي الحديث معنى ما ترجم له من فضل الوضوء ; لأن الفضل الحاصل بالغرة والتحجيل من آثار الزيادة على الواجب , فكيف الظن بالواجب ؟ وقد وردت فيه أحاديث صحيحة صريحة أخرجها مسلم وغيره , وفيه جواز الوضوء على ظهر المسجد لكن إذا لم يحصل منه أذى للمسجد أو لمن فيه . والله أعلم
رد: اشهر الاحاديث النبوية الشريفة
حدثنا علي قال حدثنا سفيان قال حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب ح وعن عباد بن تميم عن عمه
أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال لا ينفتل أو لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قوله : ( حدثنا علي )
هو ابن عبد الله المديني وسفيان هو ابن عيينة .
قوله : ( وعن عباد )
هو معطوف على قوله عن سعيد بن المسيب , وسقطت الواو من رواية كريمة غلطا لأن سعيدا لا رواية له عن عباد أصلا , ثم إن شيخ سعيد فيه يحتمل أن يكون عم عباد كأنه قال كلاهما عن عمه أي : عم الثاني وهو عباد , ويحتمل أن يكون محذوفا من مراسيل ابن المسيب , وعلى الأول جرى صاحب الأطراف . ويؤيد الثاني رواية معمر لهذا الحديث عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي سعيد الخدري أخرجه ابن ماجه ورواته ثقات لكن سئل أحمد عنه فقال إنه منكر .
قوله : ( عن عمه )
هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني الأنصاري , سماه مسلم وغيره في روايتهم لهذا الحديث من طريق ابن عيينة , واختلف هل هو عم عباد لأبيه أو لأمه .
قوله : ( أنه شكا )
كذا في روايتنا شكا بألف ومقتضاه أن الراوي هو الشاكي , وصرح بذلك ابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء عن سفيان ولفظه عن عمه عبد الله بن زيد قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل . ووقع في بعض الروايات " شكي " بضم أوله على البناء للمفعول , وعلى هذا فالهاء في أنه ضمير الشأن . ووقع في مسلم " شكي " بالضم أيضا كما ضبطه النووي . وقال : لم يسم الشاكي , قال : وجاء في رواية البخاري أنه الراوي . قال : ولا ينبغي أن يتوهم من هذا أن " شكا " بالفتح أي : في رواية مسلم , وإنما نبهت على هذا لأن بعض الناس قال إنه لم يظهر له كلام النووي .
قوله : ( الرجل )
بالضم على الحكاية . وهو وما بعده في موضع النصب .
قوله : ( يخيل )
بضم أوله وفتح المعجمة وتشديد الياء الأخيرة المفتوحة , وأصله من الخيال , والمعنى يظن , والظن هنا أعم من تساوي الاحتمالين أو ترجيح أحدهما على ما هو أصل اللغة من أن الظن خلاف اليقين .
قوله : ( يجد الشيء )
أي : الحدث خارجا منه , وصرح به الإسماعيلي ولفظه " يخيل إليه في صلاته أنه يخرج منه شيء " وفيه العدول عن ذكر الشيء المستقذر بخاص اسمه إلا للضرورة .
قوله : ( في الصلاة )
تمسك بعض المالكية بظاهره فخصوا الحكم بمن كان داخل الصلاة , وأوجبوا الوضوء على من كان خارجها , وفرقوا بالنهي عن إبطال العبادة , والنهي عن إبطال العبادة متوقف على صحتها , فلا معنى للتفريق بذلك ; لأن هذا التخيل إن كان ناقضا خارج الصلاة فينبغي أن يكون كذلك فيها كبقية النواقض .
قوله : ( لا ينفتل )
بالجزم على النهي , ويجوز الرفع على أن " لا " نافية .
قوله : ( أو لا ينصرف )
هو شك من الراوي , وكأنه من علي ; لأن الرواة غيره رووه عن سفيان بلفظ لا ينصرف من غير شك .
قوله : ( صوتا )
أي : من مخرجه .
قوله : ( أو يجد )
أو للتنويع وعبر بالوجدان دون الشم ليشمل ما لو لمس المحل ثم شم يده , ولا حجة فيه لمن استدل على أن لمس الدبر لا ينقض لأن الصورة تحمل على لمس ما قاربه لا عينه . ودل حديث الباب على صحة الصلاة ما لم يتيقن الحدث , وليس المراد تخصيص هذين الأمرين باليقين ; لأن المعنى إذا كان أوسع من اللفظ كان الحكم للمعنى قاله الخطابي . وقال النووي : هذا الحديث أصل في حكم بقاء الأشياء على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك , ولا يضر الشك الطارئ عليها . وأخذ بهذا الحديث جمهور العلماء . وروي عن مالك النقض مطلقا , وروي عنه النقض خارج الصلاة دون داخلها , وروي هذا التفصيل عن الحسن البصري , والأول مشهور مذهب مالك قاله القرطبي , وهو رواية ابن القاسم عنه . وروى ابن نافع عنه لا وضوء عليه مطلقا كقول الجمهور , وروى ابن وهب عنه " أحب إلي أن يتوضأ " . ورواية التفصيل لم تثبت عنه وإنما هي لأصحابه , وحمل بعضهم الحديث على من كان به وسواس , وتمسك بأن الشكوى لا تكون إلا عن علة , وأجيب بما دل على التعميم , وهو حديث أبي هريرة عند مسلم ولفظه " إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا " وقوله : فلا يخرجن من المسجد أي : من الصلاة , وصرح بذلك أبو داود في روايته . وقال العراقي : ما ذهب إليه مالك راجح ; لأنه احتاط للصلاة وهي مقصد , وألغى الشك في السبب المبرئ , وغيره احتاط للطهارة وهي وسيلة وألغى الشك في الحدث الناقض لها , والاحتياط للمقاصد أولى من الاحتياط للوسائل . وجوابه أن ذلك من حيث النظر قوي ; لكنه مغاير لمدلول الحديث لأنه أمر بعدم الانصراف إلى أن يتحقق . وقال الخطابي : يستدل به لمن أوجب الحد على من وجد منه ريح الخمر لأنه اعتبر وجدان الريح ورتب عليه الحكم , ويمكن الفرق بأن الحدود تدرأ بالشبهة والشبهة هنا قائمة , بخلاف الأول فإنه متحقق .
رد: اشهر الاحاديث النبوية الشريفة
حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان عن عمرو قال أخبرني كريب عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نام حتى نفخ ثم صلى وربما قال اضطجع حتى نفخ ثم قام فصلى ثم حدثنا به سفيان مرة بعد مرة عن عمرو عن كريب عن ابن عباس
قال بت عند خالتي ميمونة ليلة فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل فلما كان في بعض الليل قام النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ من شن معلق وضوءا خفيفا يخففه عمرو ويقلله وقام يصلي فتوضأت نحوا مما توضأ ثم جئت فقمت عن يساره وربما قال سفيان عن شماله فحولني فجعلني عن يمينه ثم صلى ما شاء الله ثم اضطجع فنام حتى نفخ ثم أتاه المنادي فآذنه بالصلاة فقام معه إلى الصلاة فصلى ولم يتوضأ
قلنا لعمرو إن ناسا يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه قال عمرو سمعت عبيد بن عمير يقول رؤيا الأنبياء وحي ثم قرأ
إني أرى في المنام أني أذبحك
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قوله : ( سفيان )
هو ابن عيينة , وعمرو هو ابن دينار المكي لا البصري , وكريب بالتصغير من الأسماء المفردة في الصحيحين , والإسناد مكيون , سوى علي وقد أقام بها مدة . وفيه رواية تابعي عن تابعي : عمرو عن كريب .
قوله . ( وربما قال اضطجع )
أي : كان سفيان يقول تارة نام وتارة اضطجع , وليسا مترادفين بل بينهما عموم وخصوص من وجه ; لكنه لم يرد إقامة أحدهما مقام الآخر , بل كان إذا روى الحديث مطولا قال اضطجع فنام كما سيأتي , وإذا اختصره قال نام أي : مضطجعا أو اضطجع أي نائما .
قوله : ( ثم حدثنا )
يعني أن سفيان كان يحدثهم به مختصرا ثم صار يحدثهم به مطولا .
قوله : ( ليلة فقام )
كذا للأكثر , ولابن السكن " فنام " بالنون بدل القاف وصوبها القاضي عياض لأجل قوله بعد ذلك " فلما كان في بعض الليل قام " انتهى . ولا ينبغي الجزم بخطئها لأن توجيهها ظاهر وهو أن الفاء في قوله " فلما " تفصيلية , فالجملة الثانية وإن كان مضمونها مضمون الأولى لكن المغايرة بينهما بالإجمال والتفصيل .
قوله : ( فلما كان )
أي : رسول الله صلى الله عليه وسلم
( في بعض الليل )
وللكشميهني " من " بدل في , فيحتمل أن تكون بمعناها ويحتمل أن تكون زائدة وكان تامة , أي : فلما حصل بعض الليل .
قوله : ( شن )
بفتح المعجمة وتشديد النون أي القربة العتيقة .
قوله : ( معلق )
ذكر على إرادة الجلد أو الوعاء , وقد أخرجه بعد أبواب بلفظ معلقة .
قوله : ( يخففه عمرو ويقلله )
أي : يصفه بالتخفيف والتقليل , وقال ابن المنير : يخففه أي : لا يكثر الدلك , ويقلله أي : لا يزيد على مرة مرة . قال : وفيه دليل على إيجاب الدلك ; لأنه لو كان يمكن اختصاره لاختصره ; لكنه لم يختصره . انتهى . وهي دعوى مردودة , فإنه ليس في الخبر ما يقتضي الدلك , بل الاقتصار على سيلان الماء على العضو أخف من قليل الدلك .
قوله : ( نحوا مما توضأ )
قال الكرماني : لم يقل مثلا لأن حقيقة مماثلته صلى الله عليه وسلم لا يقدر عليها غيره انتهى . وقد ثبت في هذا الحديث كما سيأتي بعد أبواب " فقمت فصنعت مثل ما صنع " ولا يلزم من إطلاق المثلية المساواة من كل جهة .
قوله : ( فآذنه )
بالمد أي أعلمه , وللمستملي فناداه .
قوله : ( فصلى ولم يتوضأ )
فيه دليل على أن النوم ليس حدثا بل مظنة الحدث لأنه صلى الله عليه وسلم كان تنام عينه ولا ينام قلبه فلو أحدث لعلم بذلك , ولهذا كان ربما توضأ إذا قام من النوم وربما لم يتوضأ , قال الخطابي : وإنما منع قلبه النوم ليعي الوحي الذي يأتيه في منامه .
قوله : ( قلنا )
القائل سفيان , والحديث المذكور صحيح كما سيأتي من وجه آخر , وعبيد بن عمير من كبار التابعين , ولأبيه عمير بن قتادة صحبة . وقوله : " رؤيا الأنبياء وحي " رواه مسلم مرفوعا , وسيأتي في التوحيد من رواية شريك عن أنس . ووجه الاستدلال بما تلاه من جهة أن الرؤيا لو لم تكن وحيا لما جاز لإبراهيم عليه السلام الإقدام على ذبح ولده . وأغرب الداودي الشارح فقال : قول عبيد بن عمير لا تعلق له بهذا الباب . وهذا إلزام منه للبخاري بأن لا يذكر من الحديث إلا ما يتعلق بالترجمة فقط , ولم يشترط ذلك أحد , وإن أراد أنه لا يتعلق بحديث الباب أصلا فممنوع والله أعلم . وسيأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الوتر من كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى
رد: اشهر الاحاديث النبوية الشريفة
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن موسى بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد أنه سمعه يقول
دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال ثم توضأ ولم يسبغ الوضوء فقلت الصلاة يا رسول الله فقال الصلاة أمامك فركب فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت العشاء فصلى ولم يصل بينهما
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قوله : ( حدثنا عبد الله بن مسلمة )
هو القعنبي , والحديث في الموطأ , والإسناد كله مدنيون , وفيه رواية تابعي عن تابعي : موسى عن كريب , وأسامة بن زيد أي : ابن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم , له ولأبيه وجده صحبة . وستأتي مناقبه في مكانها إن شاء الله تعالى .
قوله : ( دفع من عرفة )
أي : أفاض .
قوله : ( بالشعب )
بكسر الشين المعجمة هو الطريق في الجبل , واللام فيه للعهد .
قوله : ( ولم يسبغ الوضوء )
أي : خففه , ويأتي فيه ما تقدم في توجيه الحديث الماضي .
قوله : ( فقلت الصلاة )
هو بالنصب على الإغراء , أو على الحذف , والتقدير أتريد الصلاة ؟ ويؤيده قوله في رواية تأتي " فقلت أتصلي يا رسول الله " ويجوز الرفع , والتقدير حانت الصلاة .
قوله : ( قال الصلاة )
هو بالرفع على الابتداء , و " أمامك " بفتح الهمزة خبره , وفيه دليل على مشروعية الوضوء للدوام على الطهارة لأنه صلى الله عليه وسلم لما يصل بذلك الوضوء شيئا , وأما من زعم أن المراد بالوضوء هنا الاستنجاء فباطل ; لقوله في الرواية الأخرى " فجعلت أصب عليه وهو يتوضأ " ولقوله هنا " ولم يسبغ الوضوء " .
قوله : ( نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء )
فيه دليل على مشروعية إعادة الوضوء من غير أن يفصل بينهما بصلاة , قاله الخطابي , وفيه نظر لاحتمال أن يكون أحدث .
( فائدة ) :
الماء الذي توضأ به صلى الله عليه وسلم ليلتئذ كان من ماء زمزم , أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زيادات مسند أبيه بإسناد حسن من حديث علي بن أبي طالب , فيستفاد منه الرد على من منع استعمال ماء زمزم لغير الشرب . وسيأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الحج إن شاء الله تعالى
رد: اشهر الاحاديث النبوية الشريفة
حدثنا محمد بن عبد الرحيم قال أخبرنا أبو سلمة الخزاعي منصور بن سلمة قال أخبرنا ابن بلال يعني سليمان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس
أنه توضأ فغسل وجهه أخذ غرفة من ماء فمضمض بها واستنشق ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا أضافها إلى يده الأخرى فغسل بهما وجهه ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى ثم مسح برأسه ثم أخذ غرفة من ماء فرش على رجله اليمنى حتى غسلها ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله يعني اليسرى ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قوله : ( حدثنا محمد بن عبد الرحيم )
هو أبو يحيى المعروف بصاعقة . وكان أحد الحفاظ , وهو من صغار شيوخ البخاري من حيث الإسناد , وشيخه منصور كان أحد الحفاظ أيضا , وقد أدركه البخاري لكنه لم يلقه . وفي الإسناد رواية تابعي عن تابعي : زيد عن عطاء .
قوله : ( أنه توضأ )
زاد أبو داود في أوله من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم " أتحبون أن أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ؟ فدعا بإناء فيه ماء " . وللنسائي من طريق محمد بن عجلان عن زيد في أول الحديث " توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرف غرفة " .
قوله : ( فغسل وجهه )
الفاء تفصيلية لأنها داخلة بين المجمل والمفصل .
قوله : ( أخذ غرفة )
وهو بيان الغسل وظاهره أن المضمضة والاستنشاق من جملة غسل الوجه ; لكن المراد بالوجه أولا ما هو أعم من المفروض والمسنون ; بدليل أنه أعاد ذكره ثانيا بعد ذكر المضمضة والاستنشاق بغرفة مستقلة , وفيه دليل الجمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة وغسل الوجه باليدين جميعا إذا كان بغرفة واحدة لأن اليد الواحدة قد لا تستوعبه .
قوله : ( أضافها )
بيان لقوله فجعل بها هكذا .
قوله : ( فغسل بها )
أي : بالغرفة . وللأصيلي وكريمة " فغسل بهما " أي باليدين .
قوله : ( ثم مسح برأسه )
لم يذكر لها غرفة مستقلة , فقد يتمسك به من يقول بطهورية الماء المستعمل , لكن في رواية أبي داود " ثم قبض قبضة من الماء , ثم نفض يده , ثم مسح رأسه " زاد النسائي من طريق عبد العزيز الدراوردي عن زيد " وأذنيه مرة واحدة " ومن طريق ابن عجلان " باطنهما بالسباحتين وظاهرهما بإبهاميه " وزاد ابن خزيمة من هذا الوجه " وأدخل إصبعيه فيهما " .
قوله : ( فرش )
أي : سكب الماء قليلا قليلا إلى أن صدق عليه مسمى الغسل .
قوله : ( حتى غسلها )
صريح في أنه لم يكتف بالرش , وأما ما وقع عند أبي داود والحاكم " فرش على رجله اليمنى وفيها النعل , ثم مسحها بيديه يد فوق القدم ويد تحت النعل " فالمراد بالمسح تسييل الماء حتى يستوعب العضو , وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ في النعل كما سيأتي عند المصنف من حديث ابن عمر , وأما قوله : " تحت النعل " : فإن لم يحمل على التجوز عن القدم وإلا فهي رواية شاذة وراويها هشام بن سعد لا يحتج بما تفرد به فكيف إذا خالف .
قوله : ( فغسل بها رجله يعني اليسرى )
قائل : " يعني " هو زيد بن أسلم أو من دونه , واستدل ابن بطال بهذا الحديث على أن الماء المستعمل طهور ; لأن العضو إذا غسل مرة واحدة فإن الماء الذي يبقى في اليد منها يلاقي ماء العضو الذي يليه . وأيضا فالغرفة تلاقي أول جزء من أجزاء كل عضو فيصير مستعملا بالنسبة إليه . وأجيب بأن الماء ما دام متصلا باليد مثلا لا يسمى مستعملا حتى ينفصل , وفي الجواب بحث .
( تنبيه ) :
ذكر ابن التين أنه رواه بلفظ " فعل بها رجله " بالعين المهملة واللام المشددة قال : فلعله جعل الرجلين بمنزلة العضو الواحد فعد الغسلة الثانية تكريرا لأن العل هو الشرب الثاني انتهى , وهو تكلف ظاهر , والحق أنها تصحيف
رد: اشهر الاحاديث النبوية الشريفة
حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا جرير عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس
يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم قال لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فقضي بينهما ولد لم يضره
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قوله : ( جرير )
و ابن عبد الحميد , ومنصور هو ابن المعتمر من صغار التابعين , وفي الإسناد ثلاثة من التابعين .
قوله : ( فقضي بينهم )
كذا للمستملي والحموي , وللباقين " بينهما " وهو أصوب , ويحمل الأول على أن أقل الجمع اثنان , وسيأتي مباحث هذا الحديث في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى . وأفاد الكرماني أنه رأى في نسخة قرئت على الفربري قيل لأبي عبد الله يعني المصنف : من لا يحسن العربية يقولها بالفارسية ؟ قال : نعم
رد: اشهر الاحاديث النبوية الشريفة
حدثنا آدم قال حدثنا شعبة عن عبد العزيز بن صهيب قال سمعت أنسا يقول
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث
تابعه ابن عرعرة عن شعبة وقال غندر عن شعبة إذا أتى الخلاء وقال موسى عن حماد إذا دخل وقال سعيد بن زيد حدثنا عبد العزيز إذا أراد أن يدخل
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قوله : ( الخبث )
بضم المعجمة والموحدة كذا في الرواية , وقال الخطابي : إنه لا يجوز غيره , وتعقب بأنه يجوز إسكان الموحدة كما في نظائره مما جاء على هذا الوجه ككتب وكتب , قال النووي : وقد صرح جماعة من أهل المعرفة بأن الباء هنا ساكنة منهم أبو عبيدة , إلا أن يقال إن ترك التخفيف أولى لئلا يشتبه بالمصدر , والخبث جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة , يريد ذكران الشياطين وإناثهم قاله الخطابي وابن حبان وغيرهما , ووقع في نسخة ابن عساكر : قال أبو عبد الله - يعني البخاري - ويقال الخبث أي بإسكان الموحدة , فإن كانت مخففة عن الحركة فقد تقدم توجيهه , وإن كان بمعنى المفرد فمعناه كما قال ابن الأعرابي : المكروه , قال : فإن كان من الكلام فهو الشتم , وإن كان من الملل فهو الكفر , وإن كان من الطعام فهو الحرام , وإن كان من الشراب فهو الضار , وعلى هذا فالمراد بالخبائث المعاصي أو مطلق الأفعال المذمومة ليحصل التناسب ; ولهذا وقع في رواية الترمذي وغيره " أعوذ بالله من الخبث والخبيث " أو " الخبث والخبائث " هكذا على الشك , الأول بالإسكان مع الإفراد , والثاني بالتحريك مع الجمع , أي : من الشيء المكروه ومن الشيء المذموم , أو من ذكران الشياطين وإناثهم . وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ إظهارا للعبودية , ويجهر بها للتعليم . وقد روى العمري هذا الحديث من طريق عبد العزيز بن المختار عن عبد العزيز بن صهيب بلفظ الأمر قال : " إذا دخلتم الخلاء فقولوا : بسم الله , أعوذ بالله من الخبث والخبائث " وإسناده على شرط مسلم , وفيه زيادة التسمية ولم أرها في غير هذه الرواية .
قوله : ( تابعه ابن عرعرة )
اسمه محمد , وحديثه عند المصنف في الدعوات .
قوله . ( وقال غندر )
هذا التعليق وصله البزار في مسنده عن محمد بن بشار بندار عن غندر بلفظه , ورواه أحمد بن حنبل عن غندر بلفظ إذا دخل .
قوله : ( وقال موسى )
هو ابن إسماعيل التبوذكي .
قوله : ( عن حماد )
هو ابن سلمة يعني عبد العزيز بن صهيب , وطريق موسى هذه وصلها البيهقي باللفظ المذكور .
قوله : ( وقال سعيد بن زيد )
هو أخو حماد بن زيد , وروايته هذه وصلها المؤلف في الأدب المفرد قال : حدثنا أبو النعمان حدثنا سعيد بن زيد حدثنا عبد العزيز بن صهيب قال : حدثني أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل الخلاء قال . . فذكر مثل حديث الباب , وأفادت هذه الرواية تبيين المراد من قوله : " إذا دخل الخلاء " أي : كان يقول هذا الذكر عند إرادة الدخول لا بعده . والله أعلم . وهذا في الأمكنة المعدة لذلك بقرينة الدخول , ولهذا قال ابن بطال . رواية " إذا أتى " أعم لشمولها انتهى . والكلام هنا في مقامين : أحدهما هل يختص هذا الذكر بالأمكنة المعدة لذلك لكونها تحضرها الشياطين كما ورد في حديث زيد بن أرقم في السنن , أو يشمل حتى لو بال في إناء مثلا في جانب البيت ؟ الأصح الثاني ما لم يشرع في قضاء الحاجة . الثاني متى يقول ذلك ؟ فمن يكره ذكر الله في تلك الحالة يفصل : أما في الأمكنة المعدة لذلك فيقوله قبيل دخولها , وأما في غيرها فيقوله في أول الشروع كتشمير ثيابه مثلا وهذا مذهب الجمهور , وقالوا فيمن نسي : يستعيذ بقلبه لا بلسانه . ومن يجيز مطلقا كما نقل عن مالك لا يحتاج إلى تفصيل .
( تنبيه ) :
سعيد بن زيد الذي أتى بالرواية المبينة صدوق تكلم بعضهم في حفظه , وليس له في البخاري غير هذا الموضع المعلق , لكن لم ينفرد بهذا اللفظ , فقد رواه مسدد عن عبد الوارث عن عبد العزيز مثله , وأخرجه البيهقي من طريقه وهو على شرط البخاري .