رد: أسطورة الشِـعـر السعـودي !
العـرّاف .. وفينيق الذاكرة
http://samtah.net/vb/uplooaded/17153_01278150180.gif
د. حمود أبوطالب
بمناسبة تكريم خميسية الموكلي للشاعر في 14/12/2007م
حين يحضر الشعر الشعر ، تشرئب الذائقة وتنتشي الروح بما ينساب
فيها من أنهار تتهادى على صفحاتها روعة الكلمة وفتنة الموسيقى
وبهاء الخيال ودهشة المعنى ..
حين يحضر الشعر الشعر، تخشع الروح وتسمو وتشف ، لتتحول الى
سحابة معطّرة معلقة في سمائه ، ونغمة عذبة تشع في لحنه ..
حين يحضر الشعر الشعر :
لابد أن يكون الثبيتي حاضرا ، لأنهما متلازمة عضوية ، ومعادلة إنسانية ،
لا تكتملان ولا تصحّان إلا بحضور طرفيها ..
محمد الثبيتي :
الذي أنبتته القرية في أعذب لحظة من مواسم شعرها ، وأرضعته كل ما
في عروقها من صفاء وصدق ، وأنفة واعتداد ، أشرق في حنجرته صبحٌ
وإذا بــه : " تقطر الشمس من شفاهه ، وصمته لغة شاهقة تتلو أسارير
البلاد .." .. وإذا به : "عرّافاً للرمل يستقصي احتمالات السواد .."
أدرك مبكرا أنه لا خيار له غير الشعر الذي صار لغته وقضيته ، لغة التعبير
عن القضية ، وقضية تطويع اللغة بأناقة باذخة لتكون أصدق وأجمل في
التعاطي مع إشكالات الحياة وتفاصيلها ..
وبشكل مغاير للسائد ، أصبح كل شيء في شعره يفوح بقضية .. غزله ،
وصفه ، تأمله ، أنينه ، حنينه ، آماله وخيباته ، كل شيء .. كل شيء ..
كان يفعل ذلك في الوقت الذي كان فيه كثير الشعر لا يزيد عن صف كلمات
تقرع السمع دون أن تشده وتعانقه ، أو توحي له بمهمة الشعر العظيمة ..
وطبيعي تماما أن يتحول شاعر كهذا الى قضية بذاته ، لأنه مصدر كل القضايا
غير المألوفة .. قضية جميلة بالنسبة للذين يعون أن شاعرا فخماً وصادقاً
ومنتمياً كهذا ضرورة مهمة للمجتمع والحياة ، وقضية مزعجة للذين
يناضلون من أجل وأد الصدق ليبقى المجتمع منكفئاً
على خيباته ونكوصه وترهله ..
وحين كانت الظروف مواتية خلال حقبة غاب فيها كثير من ضوء العقل ،
ونهضت آلة هادرة لإقصاء كل شيء عداها ، كان لابد من إقصاء القضية
المزعجة وتغييب صوتها المؤثر ، ضمن أشياء أخرى كثيرة جميلة ..
لكنهم لم يفطنوا الى أن صوت الشعر عند نموذج كشاعرنا لا يمكن
أن يغيب . قد يمكن حصاره ، لكن يستحيل منعه من أن يظل محتدماً في روح
صاحبه ، وبإمكانه الوصول الى محبيه مهما كانت قسوة الحصار ..
كان شعار الثبيتي : " ما دمت تنهل صفو الينابيع .. شق بنعليك ماء البرك .."..
وهكذا ، استمر مخلصا لأخلاقيات قضيته ، وفياً لها ..
لم تتوقف رحلته ، رغم أن " شراعه مضى بما لا تشتهي روحه "..
ورغم أن " الفجر فاته إذ طالت تراويحه "..
مضى يسبّح بشعره ..
قصائده أينما ينتابه قلقه ،
ومنزله حيثما يلقى مفاتيحه ..
ظل عاليا ، شامخا ، "هو والنخل صنوان" ..
حزن .. ولم ييأس ..
تألم .. ولم يستسلم ..
تعب .. ولم ينكسر ..
استمر مؤمنا بيوم لابد أن تتجلى فيه الحقيقة ..
يوم لابد أن تُفتح فيه بوابة الريح ..
وحين بدأت شمس الحقيقة تشرق على جيوب الظلام، بدأت ذاكرة
الوطن تستيقظ وتستجمع شتاتها ، لتجد أن حيزاً فبها لازال نابضا
بشاعرها .. عرفتْ حينها كم كان الماضي ظلوما وجهولا ..
وكان من الطبيعي أن يكون أول شيء تفعله بعد انتعاشها ،
هو الاعتذار له ، وتدشين الحاضر على صوته المعتـّق ..
كان اعتذاراً يشبه التكفير عن ذنب عظيم ، ليعود كل الى موقعه
الطبيعي ، ويعتلي الثبيتي عرش الشعر .. وعرش القلوب .
http://samtah.net/vb/uplooaded/17153_01232436292.gif
رد: أسطورة الشِـعـر السعـودي !
تعانق الجميل والإيديولوجي في الخطاب الشعري ..
محمد الثبيتي أنموذجا
http://samtah.net/vb/uplooaded/17153_01280644292.jpg
جبريل السبعي
هنالك مبدآن على الأقل يتأسس عليهما تعانق الجميل والإيديولوجي في
فضاء النص ، وأول هذين المبدأين " التبني " فالنص بوصفه مجموعة
من البنى المتحركة يتبنى موضوعه الفكري أو الديني أو السياسي ،
وهنا لا يظل الموضوع محتفظا بشروطه ، من حيث هو منفصل أساسا
عما هو جميل وشعري ، وإنما يندغم في النص ، ليتبدى من زاويته ،
وخاضعا لشروطه الجمالية . وثاني المبدأين هو " التقوي " أي أن
النص يتخذ بموضوعه موقفا من الواقع ، فيصبح له - أي للنص - حضور
يشغله التأييد أو المناهضة ، ومن ثم تقييم الواقع جماليا ، ومحاكمته من
زاوية الرؤيا الكلية .
من هنا يغدو النص خطابا ، بمعنى أنه إضافة إلى ما فيه من جمال ، يتجه
من خلال موضوعه الخاضع للشروط الجمالية - وقد اندغم هذا النص
في عدد من النصوص اشتركت معه في نفس الموضوع –إلى واقع من أجل
تقييمه ومحاكمته ، وفقا لشروط البث والتلقي الأدبي ، وهنا لا يغدو
النص / الخطاب مضطلعا فقط بمهمة توليد الغبطة في المتلقي ، وإنما يصبح
فوق ذلك موكولا بإيقاد الوعي الجمالي والإيديولوجي تجاه الواقع ، ومن ثم
بوضع متلقيه في موقف القبول أو الرفض ، أي التنوير ، أو التثوير جماليا
تجاه ما هو ناجز واقعيا ..
وإذا ما انتقلنا بعد هذا إلى الخطاب الشعري السعودي المعاصر ، ممثلا في
تجربة محمد الثبيتي عبر دواوينه الأربعة أخص الأخيرين " التضاريس "
و " موقف الرمال " ألفينا تجربة شعرية استوفت أولا شرطها الجمالي من حيث
إن النصوص متماسكة ، ومؤثرة ، وفائضة بمحتوى جدلي - كما سيأتي لاحقا
- وكذا ألفينا هذه التجربة ثانيا تتجاوز وظيفتها الجمالية ، إلى تقييم الواقع
ومحاكمته من خلال رؤيا تراجيدية ، يترقى بها النص الثبيتي ليصبح خطابا ..
ولعلي قبل الانتقال إلى الثبيتي عبر تجربته التي تتأسس على رؤيا تراجيدية
– كما أسلفت - وتتبنى موضوعا إيديولوجيا ، فتتقوى به في مجابهة الواقع
القبيح ، لعلي قبل ذلك أستأنس بتعريف ييتس للتراجيدي عندما يشير إلى أنه
" ذلك الذي ينمو وينكسر أمام الحواجز التي تفصل الإنسان عن الإنسان "
ويختلف النموذج التراجيدي ، عن النموذج المعذب - مثلا - في الشعر الحداثي ،
من حيث إن الأول – أي التراجيدي - يقدم صراع الإنسان مع الواقع ، وقد ترك
فسحة لإمكانية التغيير ، وبهذا فرؤياه ليست سوداوية بشكل مطلق ، في حين
يتقوقع النموذج المعذب على أزماته النفسية ، وتنسد الآفاق أمامه إزاء ما
هو ناجز واقعيا . يقول الثبيتي في نص " موقف الرمال .. موقف الجناس " :
يا أيها النخل
يغتابك الشجر الهزيل
ويذمك الوتد الذليل
وتظل تسمو في فضاء الله
ذا ثمر خرافي
وذا صبر جميل
قال :
يا أيها النخل
هل ترثي زمانك
أم مكانك
أم فؤادا بعد ماء الرقيتين عصاك
حين استبد بك الهوى
فشققت بين القريتين عصاك
في هذا المقطع يبدو النخل كما لو كان ينغرس في واقع من القبح ، والنخل هنا
قد يكون رمزا للشاعر ، أو ربما للجميل بشكل عام ، هذا النخل يحيط به شجر
هزيل ، وكذا وتد ذليل ، أو ثابت عرف وتقليد ، وهي جميعا تمارس حراكها
حواليه بالاغتياب ، والذم ، في حين يظل ذلك النخل يسمو في فضاء الله ،
ذا ثمر خرافي ، وذا صبر جميل ، بما ينطوي عليه هذا الموقف من صراع ،
ومن مجابهة الواقع ، ومحاكمته جماليا ، فالواقع هنا من جهة يمثل الخطيئة
التراجيدية من حيث يحكمه الهزال والسكون والذل ، ومن جهة أخرى ينشق
عن حركة صاعدة تقاوم ذلك القبح ، وتصارعه ، مسكونة بفضاء واسع ، وبثمر
خرافي ... ، وإن كان ذلك لا يمنع الانكسار ، ممثلا في حالة الرثاء التي يعيشها
النخل على الرغم من صراعه ، وصعوده ، وأمله . و يبدو كذلك هذا الواقع في
مواضع أخرى من النص السابق ؛ محكوما بقوانين الضيق ، والاستلاب :
وأمر ما بين المسالك والمهالك
حيث لا يم يلم شتات أشرعتي
ولا أفق يضم نثار أجنحتي
ولا شجر
يلوذ
به
حمامي
إنه لا شيء يحمي الشاعر في واقعه ، الذي ليس أكثر من مسالك أو مهالك ،
تخلو من اليم ، والأفق ، والشجر ، ولعل الاستلاب الذي يعانيه الواقع
موضوع أثير في التجربة الثبيتية ، من ذلك ما نقرؤه أيضا في نص " تعارف " :
غرفة باردة
غرفة بابها ..
لا أظن لها أي باب
وأرجاؤها حاقدة
غبش يتهادى على قدمين
وصمت يقوم على قدم واحدة
لا نوافذ
لا موقد
لا سرير
ولا لوحة في الجدار ، ولا مائدة .
إنها غرفة فقيرة ، ومستلبة ، لا باب ، ولا نوافذ ، ولا جدار ... ، بما تنطوي عليه
هذه المفردات من أبعاد رمزية .. من هنا ، ومن منظور هذا الصمت .. هذا
الاستلاب .. هذا الهزال تتثاقل التجربة الثبيتية على المستوى العام في
معرض محاكمتها الواقع جماليا ، بمعجم القبح في مثل :
( طرقات الوباء ، الزمن المتحجر ، تقيح الماء تحت أظافرها ، صديد الرمال ،
جثث العناكب ، دم مشرب بالثآليل ، طال احتقان جذوره ، الجراح العظيمة )
وفي هذا السياق تأتي أيضا ( الطحالب ، والنمل ، والذباب ، والكلاب ... إلخ )
ولعل سؤالا مهما يطرح نفسه ، فيقول : كيف يبدو الإنسان في هذا الواقع القبيح ؟
وهنا يتراءى ذلك الكيان الإنساني المسلوب منه صوته ، وحياته ، بل وجوده ،
يقول في نص " أأنت هنا " :
وصرت أغني بلا شفتين
وأحيا بلا رئتين
وألجم بين يديها خيول الكلام
كما نراه – أي الثبيتي - عبر تجربته الشعرية يلبس لوصف حالة الإنسان المتآكل ،
في مثل هذا الواقع ، قناع النبي أيوب الذي صارع المرض ، ثم ينتصر شاعرنا
على واقعه ، لتنفتح من أمامه نوافذ الحياة ، والشفاء ، والتغيير ، لاسيما أن
رؤياه تتضمن دائما فسحة للخلاص ، يقول في نص " البابلي " :
مسه الضر هذا البعيد القريب المسجى
بأجنحة الطير
شاخت على ساعديه الطحالب
والنمل يأكل أجفانه
والذباب
إلى أن يقول :
تأوه حينا
وعاد إلى أول المنحنى باحثا عن يديه
تنامى بداخله الموت
فاخضر ثوب الحياة عليه .
وداخل إطار صورة الإنسان في التجربة الثبيتية يبرز معجم المرض والظمأ والخوف
والجوع ، فهذا الإنسان تارة ظمآن يستسقي الرمال ، وتارات أخر يعل من ماء الملام ،
وينفض من أمامه السراب عن السراب ، فينتشي بالخوف والجوع والمرض ،
ولكنه بإزاء ذلك يمتص الرحيق من الحريق ، ويفتض أبكار النجوم ، ويرقي
بالحروف التي لا ترى ، ويمخر صباح التيه منفردا ، مدامه موسيقى .. وبهذه
المفارقة لعل سؤالا آخر يطرح نفسه فحواه كيف تتجلى رؤية الخلاص في التجربة
الثبيتية ؟ وحينئذ تتكشف هذه التجربة عن مضمرات من الحبل ، والمخاض ،
والانبعاث ، والتحول ، من ذلك ما يرد في نص " التضاريس " :
من شفاهي تقطر الشمس
وصمتي لغة شاهقة تتلو أسارير البلاد
هذه أولى القراءات
وهذا وجه ذي القرنين عاد
مشربا بالملح والقطران عاد
خارجا من بين أصلاب الشياطين
وأحشاء الرماد
وتتعدد في التجربة الثبيتية نماذج الخلاص ، ممهورة بالدعوة إلى الغناء ،
والصهيل ، والاشتعال ، وموعودة بالرحابة ، والحرية ، والتحول ،
والملاحظ تصدُّر تلك النماذج جميعها بفعل الأمر ، وكأن الخلاص حق ينتزع
انتزاعا في واقع طالما احتقن بالصمت ، والسكون والظلام من ذلك ما يجيء
في نص " وضاح " و " المغني " و " الفرس " و " هوازن ..
فاتحة القلب " و " اختر هواك " يقول في نص " المغني " :
ابتكر للدماء صهيلا
تدثر بخاتمة الكلمات
إلى أن يقول :
ابتكر للطفولة عرسا تعلق فيه التمائم
واللعب الورقية .. والأغنيات .
والملاحظ تعويل التجربة الثبيتية على الجميل مخلصا ، فالملاذ إنما هو الغناء ،
وأن يبتكر للدماء صهيل ، وللطفولة فاكهة ، وأعراس ، وللطير أغصان ،
وذلك في حين سلب الواقع هذه الأشياء ، ولا تفوتني الإشارة - في هذا السياق –
إلى حضور أسطورة الفينيق إيذانا بولادة جديدة " من بين أصلاب
الشياطين / وأحشاء الرماد " ومثل هذه الأسطورة لا تمر مرور عابرا في
التجربة الثبيتية ، وإنما هي تقنية تتأسس عليها في هذه التجربة رؤية خلاص ،
يقول في نص " الأجنة " :
هل أزهر الجرح القديم على مصابيح الشتاء
سنحت طيور النار
فانتهزوا الولادة
وبهذا فموضوع التجربة الثبيتية لا يأتي باردا ومباشرا ، وإنما يندغم في بنى
النص الثبيتي ، ليتحول في البنية الذهنية هيكلا حلزونيا ضاربا في العمق ،
يقول شاعرنا في نص " اختر هواك " :
" فارتبت في الأوطان
" لا تحمي العليل من الردى "
وارتبت في الشطآن
" لا تروي الغليل من الصدى "
فذهبت في بحر الجنون
عميقا "
يظهر البناء الذهني الحلزوني - هنا - في نمط النصوص الذي يكرر أجزاءه
– أقصد أسطره أو مقاطعه أو إيقاعه ... - بعد فترات زمنية تكاد تكون
متساوية ، وجزء كبير في التجربة الثبيتية ينهض على بناء حلزوني ، أي
إن عددا من النصوص تأتي متشاكلة في بناها الذهنية ، كنص تحية لسيد
البيد ، والبابلي ، ... وغيرها ، وكأنما أرادت هذه التجربة من خلال هذا
البناء تجسيد الالتفاف الذي تتطلبه المرحلة ، وتتمظهر أيضا البنية
الذهنية لهذه التجربة في حقول دلالية من الدوران ، والتطويق ،
والتكور ، يقول في نص " البابلي " :
دار الزمان
ودار الزمان
فحط على رأسه طائران
وتتوالى الشواهد في مثل : وتكور في ملتقى الشاطئين / طوقتك خيول الدرك /
وطوقت بغبارها الذهبي هامته وجيده / دارت الشمس حول المدينة /
تدور الأرض دورتها الجديدة / تستوي خلف المدار الحر تنينا جميلا
/ وشموس تحل مدار الجدي / وأرسم دائرة من ضياء ...
وفي نص " تغريبة القوافل والمطر " يقول :
أدر مهجة الصبح
صب لنا وطنا في الكؤوس
يدير الرؤوس
وزدنا من الشاذلية حتى تفيئ السحابة
أدر مهجة الصبح
واسفح على قلل القوم قهوتك المرة
المستطابة
أدر مهجة الصبح ممزوجة باللظى
وقلب مواجعنا فوق جمر الغضا
ثم هات الربابة .
خلال هذه النماذج يبدو ذلك البناء الحلزوني متمظهرا تارة في نمط
النصوص التي تكرر أجزاءها ، وتارة أخرى في حقول دلالية لا تفتأ
تسيجها ألفاظ الدوران ، وكان قد تحول الموضوع الشعري على مستوى
البنية الثانية - أقصد المتخيل - حشدا من صور متراسلة منزاحة ؛
تتبطنها تقنيات خيالية ، تنظم فوضاها ، كما في حالة تقنية القناع ،
عندما استدعى الثبيتي شخصية النبي أيوب ، في معرض تصويره حالة
صراع الإنسان مع القبيح ، وذلك بإزاء صورة أخرى يتجسد فيها الأمل ؛
فتستقطب ما هو جميل ؛ عبر أسطورة الفينيق إيذانا بولادة جديدة ، وأما
على مستوى البنية الثالثة التي هي الملفوظ فيستقطب موضوع التجربة
الثبيتية – كما أسلفت - مجموعة من الحقول الدلالية ذات السياج القبيح
تارة ، و الجميل تارة أخرى .
وبهذا تأتي التجربة الثبيتية متبنية موضوعها الإيديولوجي برؤيا تراجيدية ،
تحاكم الواقع جماليا ، في إطار من الصراع ، الذي يفتح النوافذ على آفاق
من الجمال ، ويبشر بأزمنة رحبة ، وأمكنة طليقة ، ومثل هذه التجربة تتقوى
بموضوعها ، في مواجهة القبيح الزماني والمكاني والاجتماعي ، وذلك بإزاء
القوة الجمالية التي تختزنها أساسا ، فهي تجربة أدبية ، تتشكل من جملة
نصوص ، يحكمها الشرط الجمالي ، حيث إن كل نص ينطوي في داخله على
بنى ثلاث متحركة ، ومتفاعلة مع بعضها ، وبهذا تبدو هذه التجربة فائضة
بمحتوى انزياحي ، ومضطلعة بمهمة توليد الغبطة في المتلقي من ناحية ،
وحرث ذوقه الفكري من ناحية أخرى ، فيتعانق بذلك الجميل والإيديولوجي
في الخطاب الشعري عبر وحدة لا تنفصم .
المصدر : أكاديمية قامات الثقافية
http://samtah.net/vb/uplooaded/17153_01232436292.gif
رد: أسطورة الشِـعـر السعـودي !
صفحة من أوراق بدوي
ماذا تريدين ...؟ لن أهديك راياتي = ولن أمــد علــى كفيك واحاتـــــي
أغرك الحلم – في عيني مشتعــــل =لن تعبريه ... فهذا بعض آياتـــي
إنْ كنت أبحرت في عينك منتجعا =وجه الربيع ، فما ألقيت مرساتي
هذا بعيري على الأبواب منتصب =لم تعش عينيه أضواء المطارات
وتلك في هاجس الصحراء أغنيتي=تهدهد العشق في مرعى شويهاتي
أنا حصان قديـــم فـــوق غرتــــه =توزع الشمس أنوار الصباحـــات
أنا حصــــان عصيّ لايطوعـــــه=بوح العناقيد أو عطر الهنيهــــات
أتيت أركض والصحراء تتبعنـــي=وأحرف الرمل تجري بين خطواتي
أتيت أنتعل الآفاق ... أمنحهـــــــا=جرحي .. وأبحث فيها عن بداياتي
يا أنت لو تسكبين البدر في كبدي =أو تشعلين دماء البحر في ذاتـــــي
فلن تزيلي بقايا الرمل عن كتفي=ولا عبير الخزامي من عباءاتـــي
هذي الشقوق التي تختال في قدمي=قصائد صاغها نبض المسافـــات
وهذه البسمة العطشى على شفتي=نهر من الريح عذريّ الحكايــات
ماذا ترين بكفي ؟ .. هل قرأت به=تاريخ عمر مليء بالجراحـــــات
ماذا ترين بكفي ..؟ هل قرأت به =عرس الليالي وأفراح السمــاوات
وهل قرأت به نارا مؤججــــــــة=وماردا يحتويه الموسم الآتـــــــي
http://samtah.net/vb/uplooaded/17153_01232436292.gif
رد: أسطورة الشِـعـر السعـودي !
الذوق الشعري هو انعكاس لثقافة القارئ وفكره, سلمت يا"gregorain" هم وحدهم النخبة من يحتفلون بشعر الثبيتي, فالثبيتي لايمكن تكراره, اللهم عافه وارجعه لأهله ومحبيه, لأنه:
لم يكن كاذبا حين جاء
يمتطي يرقات الدماء
لم يكن كاذباً حين جاء
يرتدي فرحاً للشتاء
قادم من ذُرى المستحيل
خارج من عيون النساء
عُمره ألف عام وعام
ابتدا في خيال الرشيد
وانتهى عند ماء السماء
كل يوم تزيد خطاه
دهشة في غضون المساء
******
حين جاء حَبتهُ الرمال
صوتها... واحتوته السماء
حين جاء ارتوى الأقحوان
وانتشى زمن الكبرياء
******
قصيدة: " فارس الوعد" للثبيتي.
.................................................. .................................................. .................
سؤالي استاذ gregorain هو عما ذُكر في اللقاء, عندما تحدث الثبيتي-شفاه الله- عن ديوان التضاريس, وذكر اهتمام النقاد به, واشار إلى رفيق دربه سعد السراحين!!
من هو الدكتور سعد السراحين؟ هل هو خطأ مطبعي على الرغم من قراءتي لنفس الاسم في نص اللقاء في موقع العربية. هل هو الدكتور سعيد السريحي, أم أنه غيره.
طبعاً لم أسأل هذا السؤال الا لمعرفتي باهتمامك بالثبيتي.
وشكراً لك على انتقاءك الرائع لقصائد الثبيتي.
رد: أسطورة الشِـعـر السعـودي !
http://samtah.net/vb/uplooaded/17153_01284330842.jpg
د / سعيد مصلح سعيد السريحي
ولد عام 1373 هـ / 1953م ، وهو حاصل على بكالوريوس
اللغة العربية , وماجستير النقد الأدبي من جامعة أم القرى .
عضو مجلس إدارة النادي الأدبي الثقافي بجدة , والهيئة
الاستشارية بجمعية الثقافة والفنون, ومشرف على
الأقسام الثقافية بجريدة عكاظ .
وهذه واحدة ٌ من روائعه الأدبية ..
لقد أفسد الموت الحياة
حين بلغ أشدّه .. مات
كأنما كان يستحي أن يلقى موته فتى لم ينضج ..
أو يلقى موته وقد بلغ من العمرعتيّـا ..
تهـيـّــأ للحياة أربعين عاما ..
وحين نضج سقط .. كثمرة !
تشبّث بالحياة كفتى يجمع في صدره قبيلة
من العشاق وحين أشار اليه الموت ركض
نحوه كشيخ لم تـلقنه الحياة غير الزهد فيها ..
من على حافة الأربعين قفز الى حافة القبـر ..
خلع آخر أنفاسه بأسهل مما يخلع ثوبه ،
بأسرع مما يرمي عقب آخر سيجارة
أشعلها … ومضى !
هؤلاء الذين يموتون ..
يحملون معهم حياتـنا ويتركون لنا موتهم ..
هؤلاء الذين يموتون ..
يأخذون أعمارنا ويتـركون لنا المقابر !
نعشه كان يركض باتجاه المقبرة ، وكـنـّـا
جميعاً نركض خلفه ..
وحده كان يتـكىء حياً ، على نعشه ، وكـنـّا
جميعاً نسعى موتى تحت النعش ..
وحده كان يرتـدي كـفنه وكـنـّا جميعاً عراة ..
وللأحياء عورات لا يسترها غير الكفن ..
رحيل لا يستـقـر في غير القبر ..
تعب لا يريحه غير الموت ..
الحياة محو .. والموت كتابة ..
والمقبرة ذاكرة جماعية ..
كلما جفّ غصنٌ تلمّستُ جذعي ..
الذين يموتون أعضاؤهم تسبقهم إلى المقابر ..
كلّما جفّ غصنٌ أحسستُ أنني أدنـى إلى الموت .
والموتى وحدهم .. لايموتون
الحياة حجاب .. والموت كشف
يداي ُمـذ عدتُ من المقبرة تـشعان نوراً ..
وكـلـّما لمست حرفاً شبّ حريقٌ .. واللغة لا تـتـكـلـّم ..
أنهار الدنيا لا تغسل عن أيدينا تراب المقابـر ..
وحدهُ تراب المقبرة يغسلنا من أنهار الدنيا
والحياة هـيـّـنة حين نراها من على حافة القبر .
لقد أفسد الموت الحياة ونصف عمري
أمنحهُ لمن يذكـّرنـي بالنصف الآخر من هذا ..
http://samtah.net/vb/uplooaded/17153_01232436292.gif
رد: أسطورة الشِـعـر السعـودي !
الأخ العزيز / ZAID
مرحبا ً بكَ ضيفا ً غاليا ً على منتدياتنا في صـــامطة
ورفيقُ درب الثبيتي الدكتور سعيد السريحي هو أحدُ
القامات الأدبية في بلادنا ، ولعمري بأنّ شعرهُ جميلٌ
وعميقٌ في معناه ، كيف لا ؟ وهو امتدادٌ لنهـج رفيقه
الثبيتي الذي أبهج أرواحنا بشِـعـره ِ السـّـامق ..
عيدٌ سعيدٌ أتمناهُ لك ، وكــُـنْ دائما ً بالجوار
فمنتداياتنا في صامطة سَـتـسعـَـدُ بك
http://samtah.net/vb/uplooaded/17153_01232436292.gif
رد: أسطورة الشِـعـر السعـودي !
المغني
إبتداءً من الشيبِ حتى هديل الأباريقِ
تسترسلُ اللغة الحجريةُ
بيضاء كالقارِ ..
نافرة كعروق الزجاجةِ
قال المغنِّي :
يعاقرني كل يوم غياب القوافلِ
قلتُ :
يؤرِّقُـك الزمن المتقابلُ
للجرح بوابتانِ :
من الخمر والزنجبيلْ
للقصيدة بحر طويلٌ
وليل طويلٌ
ودهر طويلْ .
قال المغني :
لصوتي رائحة الجوعِ
قلتُ :
لوجهك لونُ البراري
للجرح وجهان :
من ظمإٍ نادمته الحناجرُ
من وطن للطريق المهاجرِ
يحتدُّ صوت المغني ..
يكبِّـل في قامة الريح إمرأةً
وكتاباً ..
وقبراً قديمْ .. !
- كيف أُغمد أوردتي في السديمْ ..
كيف أُخرج من شبق الطين
موتاً يتيمْ .. ؟
- إبتكر للدماء صهيلاً
تدثر بخاتمة الكلمات
بالبخور الذي يتناسل في الطرقات .
إبتكر للرماح صبوحاً
دماؤك موغلةٌ في القناديل
وجهك منتجع للغات .
إبتكرْ للطفولة شكلاً ..
كتاباً تطارحه الخوفَ ،
تقرأ فيه محاق الكواكبِ ،
تكتب فيه حروف الندمْ .
إبتكر للطفولة عرساً تعلِّق فيه التمائمَ
واللعبَ الورقية .. والأغنيات .
http://samtah.net/vb/uplooaded/17153_01232436292.gif
رد: أسطورة الشِـعـر السعـودي !
تَحِيَّةٌ لِسَيّدِ الِبيْدِ
سَتَمُوتُ النُّسُورُ التي وَشَمَتْ دَمَكَ الطفلَ يوماً
وأنتَ الذي في عروقِ الثرى نخلةٌ لا تَمُوتْ
مَرْحَباً سَيَّدَ البِيدِ ..
إنَّا نَصَبْنَاكَ فَوقَ الجِرَاحِ العَظِيمَةِ
حَتَّى تَكُونَ سَمَانَا وصَحْرَاءَنَا
وهَوانَا الذِي يَسْتَبِدُّ فَلاَ تَحْتَوِيهِ النُعُوتْ
سَتَمُوتُ النُّسُورُ التي وَشَمَتْ دَمَكَ الطفلَ يوماً
وأَنْتَ الذي فِي حُلُوقِ المَصَابِيحِ أغْنِيَةٌ لاَ تَمُوتْ
مَرْحَباً سَيَّدَ البِيدِ ..
إنَّا انْتَظَرْنَاكَ حَتَّى صَحَونَا عَلَى وقْعِ نَعْلَيكَ
حِينَ اسْتَكَانَتْ لِخُطْوَتِكَ الطُّرُقَاتُ
وألْقَتْ عليكَ النوافذُ دفءَ البيوتْ
http://samtah.net/vb/uplooaded/17153_01232436292.gif
رد: أسطورة الشِـعـر السعـودي !
الظل - أو قرين الثبيتي (1)
عادل ضرغام
المصدر : صحيفة الجزيرة
حملت إلينا سلسلة (جهات) وهي كتاب ثقافي غير دوري، ديوانين لشاعر من أهم شعراء العربية في الوقت الحالي، وهوالشاعر محمد الثبيتي، والديوانان: ديوان التضاريس 1986، وديوان (موقف الرمال)2005، وسوف تتعدد المداخل التي يمكن أن تدخل منها إلى شعر الشاعر، من هذه المداخل ما يتصل بلغة الشاعر المملوءة بشيئين مهمين هما الغنائية المحدودة بقانون بنائي خاص، والبساطة التي تحمل في نسيجها مدى دلاليا مهماً، وهي بساطة شعرية قد تكون خادعة للبعض، فيتخيل أنها كتابة سهلة والوصول إليها ممكن، ولكنها عند الممارسة النقدية الواعية تصبح بساطة مقصودة ومهمة، وتستند إلى وعي خاص بالشعرية التي تطمح إلى التغيير بهدوء ومن دون جلبة مفتعلة في أغلب الأحيان.
ومن المداخل التي قد تكون فاعلة في دراسة شعر الشاعر، التوقف عند عدد من الرموز، التي تتشكل على مدار دواوينه المتتابعة، مثل تجليات رمز (الرمال)، ورمز (النخل) وهما رمزان لهما حضور فاعل، وتتغير دلالتهما بين النمو والتلاشي، ولكن الوقوف عندهما يجب أن يأتي مرتبطاً بمراجعة أعمال الشاعر كلها.
والمدخل المهم الذي اختاره الباحث يرتبط برصد منحى فكري في هذين الديوانين، وهذا المنحى الفكري يتعلق بتناول مساحات التوحد والتنافر، بين الإنسان والشاعر من خلال النص الشعري، والإنسان المشدود إلى تواصل اجتماعي خاص، والشاعر - وأرجو ألا يمثل هذا التحديد مصادرة - الذي يمثل الحرية ولا يقيم وزناً لهذا السياق الاجتماعي والتقاليد الخاصة، فيعرض الحقيقة الصادمة، ويأتي بأفعال قد لا يتقبلها العرف الاجتماعي.
وهذا التوجه الفكري، الذي يعنى برصد مساحات التوحد والتنافر بين الإنسان الملموس مادياً، والشاعر ذلك الكائن الذي لا يرى، له حضور خاص في تراثنا الشعري، ولكن هذا الحضور ظل دائراً في فلك خاص، يشير إلى أن لكل شاعر شيطاناً يلهمه الشعر.
والثبيتي يعتمد في هذا المنحى على مصدرين مهمين، هما رواية (القرين) لدوستوفسكى، وديوان (الأخضر بن يوسف ومشاغله) لسعدي يوسف ويمكن للباحثين الذين يهتمون بدراسة التناص، وطبيعة الطبقات المعرفية، أن يتوقفوا عند دراسة هذا التوجه في شعر الشاعر.
ويمكن أن نلمح هذا التوجه الفكري في قصائد عديدة، مثل (القرين) و(المغنى) و(الصعلوك) و(البابلى) وهذه القصائد جاءت في ديوان التضاريس 1986، ولكن في ديوان موقف من الرمال نجد قصيدة واحدة بعنوان (القرين)، ويتطرق إلى الإحساس بهذا الظل في قصيدة (يا امرأة)، وكل هذه القصائد، وغيرها، تشير إلى أصالة هذا المنحى عند الثبيتي، فهو لم يقف بإبداعه في ذلك المنحى الفكري عند حدود إسهامات آخرين سبقوه في هذا المجال، فهذا التوجه تشكل في إبداعه الشعري بشكلٍ جديد، وأخذ مناحي مختلفة تجعله يقف على بساط متساو، مع الآخرين وسيتجلى ذلك عندما نقف عند قصائد نختارها، لتشير إلى هذه الأصالة. الظل والإنسان المشارك:
في قصيدة الصعلوك، للشاعر الثبيتي تأتي فكرة المشاركة في النص الشعري فكرة مسيطرة، وربما تأتي فكرة المشاركة مرتبطة بوجود ذلك الآخر، وإلى الإحساس بوجوده، وبدبيبه وبنبرة المغايرة، وبسلطته في الحركة، وهذا التوجه المعنون بالظل والإنسان المشارك يشير إلى وجود خاص للإنسان، ووجود خاص للظل، يشي بهذين الوجودين أن النص الشعري، استند إلى تقنية مهمة ترتبط بضمير الغائب الذي يحفظ للإنسان وجوده المراقب، ويحفظ للظل وجوده المراقََب، يقول الشاعر:
يفيق من الخوف ظهرا
ويمضي إلى السوق
يحمل أوراقه وخطاه
من يقاسمنى الجوع والشعر والصعلكه
من يقاسمني نشوة التهلكه
وإذا كان السطران الأخيران، يعيدان المتلقي من دون وعي إلى قول سعدي يوسف عن ظله (نبي يقاسمني شقتي - يشاركني الغرفة المستطيله -وكل صباح يشاركني قهوتي والحليب - وسر الليالي الطويلة)، فإن نص الثبيتي يدخل بنا إلى آفاق جديدة ترتبط بالإبداع، وبلحظة الإحساس بذلك الظل، مع بداية الوعي كل صباح، وبمجال إبداع ذلك الظل المرتبط بمراقبة الآخرين، من خلال السوق والأوراق التي يحملها، ودرجة وعيه وإدراكه.
والنص الشعري في إفصاحه عن ذلك المشارك الظل، يدخل بنا إلى جزئيات وثيقة الصلة بشعرية الثبيتي المرتبطة، بالجوع والشعر والصعلكة، وكلها جزئيات تشكل طبيعة شعرية الثبيتي، التي بدأت ببناء نفسها في الهامش معتمدة على المغايرة، تلك المغايرة التي شدتها لكى تكون في البؤرة أو في المتن، وكأن هذه الجزئيات المتفردة التي حملت إلينا شعرية الثبيتي تمثل هماً مشتركاً بينهما، ولهذا نجد النص الشعري بعد الإشارة إلى هذا التوحد المشترك يقيم حواراً بين الصوتين: أنت أسطورة أثخنتها المجاعات قل لي متى تثخن الخيل والليل المعركة وتستمر هذه المشاركة بين الصوتين، بحيث يشعر أن لكل قسيم حدوداً واضحة، على الرغم من الحضور الطاغي لهذا الظل من خلال ضمير الغياب، ولكن حضور الصوت الإنساني الآخر يظل موجوداً في نهاية القصيدة (يطوح أقدامه في الهواء- من يطارحني قمراً ونساء -ليس هذا المساء -ليس هذا المساء) الظل - الإنسان - التابع: أشرنا في الجزء الأول من القصيدة السابقة، إلى صورة من صور القرين أوالظل، وهي صورة - إذا ارتبطت بوجود الإنسان الآدمي - تطل واقفة عند حدود معينة، لكي تعلن عن وجودها فقط، ولكن هذا الوجود لا يلغي وجود الإنسان الذي يظل المتلقي يشعر بوجوده. ولكن وجود الصوتين على هذا النحو، يؤدي - بالضرورة - إلى الصراع بينهما، فكل واحد منهما (صوت الإنسان - وصوت الظل) يحاول أن تكون له الغلبة والسيادة، ويكون المحرك للواقع الفردي، وغالباً ما يكون صوت الظل هوالمسيطر، وبذلك يتوارى صوت الإنسان العادي، ويقل تواصله مع واقعه الفردي، في قصيدة القرين من ديوان التضاريس يقول الثبيتي :
مقيم علي شغف الزوبعه
له جناحان ولي أربعه
يخامرني وجهه كل يوم
فألغي مكاني وأمضي معه
أفاتحه بدمي المستفيق
فيذرف من مقلتي أدمعه
وأغمد في رئتيه السؤال
فيرفع عن شفتي إصبعه
فالمتلقي يشعر من البداية أن المشاركة التي أشرنا إليها في الجزء الأول، والتي تحفظ لكل قسيم وجوده وحركته، قد انتفت وبدأ تشكل جديد، ينطلق من الصراع، الذي خفف من حدته غنائية الثبيتي الشعرية، ولكن المتلقي يشعر أنه - على الرغم من هذه الغنائية - هناك بوادر للاختلاف والتنازع بين صوت الظل وصوت الإنسان. فالظل يرتبط بشغف الزوبعة، التي قد تشير إلى حالات التفرد التي يسير إليها، ويشعر بها بعيداً عن الفرد العادي، ويستمر التنازع من خلال الأجنحة التي تحلق في فضاءات مختلفة.
ولكن هذا التنازع أوالصراع، سرعان ما يحسم لصوت الظل، من خلال تنازل صوت الإنسان عن مكانه الطبيعي المعهود، فيعطي الظل - الشاعر حق القيادة والحركة والتواجد (فألغي مكاني وأمضي معه). وهذه السيطرة الخاصة من الظل يتجاوب معها إفصاح عن رؤية شعرية خاصة، كان صوت الإنسان المادي يلجمها أوعلى الأقل يرشحها. يتجلى ذلك الإفصاح بداية من قوله (زمني عاقر - قريتي أرملة - وكفي معلقة فوق باب المدينة - منذ اعتنقت وقار الطفولة - وانتابني رمد المرحلة - لدي سادن الوقت تشرق بي جرعة الماء - تجنح بي طرقات الوباء - تلاحقني تمتمات البسوس - أرى بين صدري وبين صراط الشهادة - شمساً مراهقة - وسماء مرابطة - ويمينا غموس) إن هذه الرؤية الأقرب إلى الاعتراف على المستوى الفردي والجماعي، ساعد على ظهورها سيطرة صوت الظل، وتوارى صوت الإنسان العادي المشدود إلى نسق اجتماعي خاص، يمارس دائماً في لحظة سيادته سلطة المراقبة على الشعرية المنتجة، ولكن هذا الصوت حين توارى، أحس المتلقي بالواقع الفردي والجماعي مقدماً في صورة صادمة إلى حد بعيد. وعلى هذا الأساس، فإن أكثر الأصوات الشعرية استجابة للشعر، هي تلك الأصوات التي يتوارى فيها صوت الأنا الإنساني، ليحل محلها صوت الظل - الشاعر، فتأتي الرؤية الشعرية جلية وصادمة، دون سلطة رقيب يرشد أو يرشح هذه الشعرية .
رد: أسطورة الشِـعـر السعـودي !
رمال الهوى في سيرة الثبيتي !
منى المالكي
المصدر : صحيفة عكاظ
لا تستطيع الاقتراب من سيرة محمد الثبيتي الشعرية إلا من خلال معمل لغوي رومنطيقي النزعة، تتبدى فيه أقصى طاقات (أناه) وهي تحاول بلا انقطاع تفسير الحياة، هذا ما عناه الناقد محمد العباس من خلال ورقته (احتشاد السيرة الشعرية في قصيدة الشاعر محمد الثبيتي بين استواءين) في ملتقى النص العاشر في جدة، وعند ولوجنا لأولى عتبات (محمد الثبيتي) الشعرية نجد أننا أمام شاعر حداثي بامتياز! فعشقه لتفجير تلك اللغة الجاهلية التي وقفت أمامه عنيدة صلبة أمام قراءته للوجوه وبين ولعه بها متجددة مغناجا يداعبها بطريقته الخاصة!! نجد أنه) لا يعلن القطيعة التامة مع لحظته الشعرية وأسلافه، وبالضرورة لا يتطابق مع مجايليه، ولا يتشبّه بهم إلا من حيث شكل انتمائه للظاهرة الأدبية السائدة. ويستمر محمد الناقد في تقديم محمد الشاعر باعتبار قصيدة (موقف الرمال موقف الجناس) التي تشكل قمة هرم اشتغالاته النصية، لدرجة أنها تبدو بمثابة اختصار لسيرته الشعرية، وهنا أرى أن قصيدة (التضاريس) هي التي تشكل رأس الهرم في تجربة محمد الثبيتي الشعرية لا (موقف الرمال موقف الجناس) من حيث مقدرتها على بناء الأسطورة وخلق الشخصيات الموازية للتراث الشعري والنثري المتراكم، وأعتقد أن ما قاد محمد العباس إلى الاعتداد بـ(موقف الجناس موقف الرمل) أمران يمثل أولهما: في أن قصيدة (موقف الرمال موقف الجناس) جاءت تالية من حيث زمن كتابتها عن التضاريس وكأنما العباس ينقاد إلى رسم خط متصاعد في تجربة (الثبيتي) الشعرية، أما الأمر الآخر فيتمثل في مقدرة محمد إلى استكناه اللغة كصوت في هذا النص قاده إلى ذلك ما عرفه البلاغيون (بالجناس) الذي شكل (الثبيتي) منه إعادة اعتبار له، لا بالنظر إليه وكأنما هو لعبة لغوية تزين ظاهر النص، وإنما باعتباره كاشفا لما تحمله اللغة من توتر بين النقائض والأضداد يتخفى خلف التقاربات الصوتية ويكشف عن أن الظاهر من اللغة يخفي باطنا متوحشا يختلف عنه.
والشاعر البدوي الذي آثر الكتابة بالرمل تتبدى الرمال لديه بوجوه وأحوال عجيبة فقد أعطى للرمل لونا (الرمال السمر). ووهبه أحاسيس بشرية (حمى الرمال). وعادل تشكلاته باحتمالات الماء (جاء محمولا على موج الرمال). ثم أنسنه (وإن الرمال لها أوردة). وأسبغ عليه نعومة وصفاء الأنثى (وأحيل الرمل فجرا أمرد). وجس به دورة الأفلاك (أما زلت تتلو فصول الرمال). وأحاله مرآة لليأس (تستسقي الرمال). ومن خلال (ثيمة الرمل) الذي احتشد بها معجم (الثبيتي) الشعري نستطيع رسم ملامح لتلك التجربة الزاخرة التي استطاع وباقتدار الناقد المتميز محمد العباس أن يضعنا داخلها ويبعث فيها رعشة الحب والحياة !
رد: أسطورة الشِـعـر السعـودي !
شُـدّ نا في سَـاعديكْ
واحفظ ِ العُمـرَ لديكْ
هَبْ لنا نورَ الضّحى
وأعـرنا مُـقـلـتيكْ
واطو ِ أحلامَ الثرى
تحتَ أقدام ِ السّـليكْ
ناركَ المُـلقاة ُ في
صحونا ، حَـنــّـتْ إليكْ
ودمانا مُـذ جرتْ
كوثرا ً مِـنْ كاحليكْ
لمْ تهن يوما ً وما
قـبـّـلـتْ إلا ّ يديكْ
سلام ٌ عـليكَ
سلام ٌ عـليكْ
.
.
.
سَـلام ٌ عَـليكَ
يَـا أسطورة الشِـعـر السعـودي
سَـلام ٌ عَـليكْ
http://samtah.net/vb/uplooaded/17153_01232436292.gif
رد: أسطورة الشِـعـر السعـودي !
رد: أسطورة الشِـعـر السعـودي !
رحل الثبيتي يارفاق ,
رحل وهو يبحثُ عن وطنه في أعماق الكأس
عليك السّلام والرحمة ياسيّد الشّعر ,
" أدِرْ مهجة الصبحِ
صبَّ لنا وطنًا في الكؤوسْ
يدير الرؤوسْ "
عظم الله أجر الوطن , والشعر , والمحبين !
رد: أسطورة الشِـعـر السعـودي !
سلامٌ عليكَ فهَذا دمُ الرَّاحلينَ كتابٌ
من الوجدِ نتلوهُ
تلك مآثرهم في الرمالِ
وتلك مدافنُ أسرارِهِم حينما ذلَّلَتْ
لَهُمُ الأرضُ فَاسْتبقُوا أيُّهم يَرِدُ الماءَ
ما أبعد الماءَ
ما أبعد الماء!
لا، فَالذي عَتَّقتهُ رمالُ الجزيرةِ
واستودعتْهُ بكارتها يرِدُ الماءَ
رحمه الله واسكنه فسيح جناته
رد: أسطورة الشِـعـر السعـودي !
قصيدة (( رُقـيـة مـكـيـّة ))
صبحتها والخير في أسمائها
مسيتها والنور ملء سمائها
حييتها بجلالها وكمالها
وبميمها وبكافها وبهائها
وغمرت نفسي في أقاصي ليلها
فخرجت مبتلاً بفيض بهائها
وطرقت ساحات النوى
حتى ظمئت إلى ثمالات الهوى
فسقيت روحي
سلسبيلاً من منابع مائها
ونقشت اسمي في سواد ثيابها
وغسلت وجهي في بياض حيائها
وكتبت شعري قرب مسجد جِنّها
وتلوتُ وردي عند غار حرائها
رد: أسطورة الشِـعـر السعـودي !
الظمأ
اخْتَرْ هَواكَ على هواكَ عَسَاكَ
أَنْ تلقَى هُنَاكَ إلَى الطريقِ طرِيقا
وامْخُرْ صَبَاحَ التِّيهِ مُنفرِداً فَمَا
أحلَى الصَّبَا خِلاّ ً
ومَا أحلى الصَّباحَ رفيقا
فمَتَى ؟
مَتَى كانت ليالي المُدلِجينَ خَلِيلةً
ومَتى
متى كانَ الظَّلامُ صديقا
***
لِلَّهِ مَا تَهْواهُ
بَلْ لِلَّهِ ما تلقَاهُ فِي البطحاءِ
إذَا غَنَّى بهَا طيرُ الضُّحَى
فَتَأَجَّجَتْ طرباً فَبَلَّلَهَا لُعَابُ الشَّمْسِ
فانْقَلَبَتْ حَريقا
فَفَرَرتَ مِنْ قيظِ الشُّمُوسِ
إلى صبَابَاتِ الكُؤوسِ
فمَا ارْتَوَتْ شفتَاكَ من ظَمأٍ
ومَا أبقَيتَ للأقداحِ ريقا
***
ظَمآن
تَسْتَسْقِي الرِّمَالَ
تصُوغُ مِن آلامِهَا قدَحاً
ومِن آمالِهَا إبرِيقَا
***
أرأيتَ إذْ تَمْتَدُّ أعناقَ الرِّفاقِ
إلى المحاقِ
يلوحُ في أقصى الظّلامِ
يرونهُ برقاً... وأنتَ ترى بَرِيقا
فارْتَبْتَ في الأوطانِ
"لا تحمي العليل مِنَ الرَّدى"
وارْتَبْتَ في الشُّطْآنِ
"لا تَشْفي الغليل مِنَ الصَّدى"
فَذَهبْتَ في بحرِ الجنونِ
عمِيقَا
***
ومضيتَ
لا تلوِي على أحَدٍ
ولا تأوِي إلى بلَدٍ
وترمي نحو آفاقٍ مِنَ الرُّؤيَا
خُطى مَغلُولةً
وهَوى طَلِيقَا
***
مَاذَا هُنَا لِلمُسْتَجِيرِ مِنَ الهَجِيرِ؟
طَعَامهُ ورَقٌ
مَاذَا هُنَا لِلمُسْتَجِيرِ مِنَ الهَجِيرِ؟
منامُهُ أرَقٌ
مَاذَا هُنَا لِلمُسْتَجِيرِ مِنَ الهَجِيرِ؟
مُدَامُهُ مُوسِيقَى
رد: أسطورة الشِـعـر السعـودي !
الشعر في الحياة كالذهب في الأرض ، قليل ونادر، ولو لم يكن
كذلك لكان كل من نظموا الكلام شعراء . وكثيرون في هذا العصر
أولئك الذين يركضون وراء سراب يسمونه شعرا ً والقليل من
هؤلاء الراكضين فقط هم الذين يأتي إليهم الشعر كأصفى
وأعذب ما يكون ، ومن هؤلاء الشاعر محمد الثبيتي ..
.
.
د. عبدالعزيز المقالح
رد: أسطورة الشِـعـر السعـودي !
Gregorian
وكيف السبيلُ إلى وصالك..؟!
دُلَّني..!!!!!!
wr