http://3.bp.blogspot.com/_3A9p9mYiLm...ntitled-12.jpg
عرض للطباعة
عندما بكى محمود درويش في تونس
http://www.darwish.ps/mw/i1244727707.jpg
"سنلتقي غداً على أرض أختك فلسطين
هل نسينا شيئاً وراءنا ؟
نعم .. نسينا تلفت القلب , وتركنا فيك خير ما فينا
تركنا فيك شهداءنا الذين نوصيك بهم خيرا"
هذه الكلمات قالها درويش في وداع تونس التي رأى فيها من الألفة والحنان والسند السمح
ما لم يره في مكان آخر , فخرج منها كما لم يخرج من مكان آخر
وآخر كلمات العشق والوداع كانت : حافظي على نفسك يا تونس
قبل أن يخرّ .. باكياً
حنين إلى الضوء
حنين إلى الضوء
ماذا يثير الناس لو سرنا على ضوء النهار
و حملت عنك حقيبة اليد و المظلة
و أخذت ثغرك عند زاوية الجدار
و قطفت قبلة
عيناك
أحلم أن أرى عينيك يوما تنعسان
فأرى هدوء البحر عند شروق شمس
شفتاك
أحلم أن أرى شفتيك حين تقبلان
فأرى اشتعال الشمس في ميلاد عرس
ماذا يغيظ الليل لو أوقدت عندي شمعتين
و رأيت وجهك حين يغسله الشعاع
و رأيت نهر العاج يحرسه رخام الزورقين
فأعود طفلا للرضاع
من بئر مأساتي أنادي مقلتيك
كي تحملا خمر الضياء إلى عروقي
ماذا يثير الناس لو ألقيت رأسي في يديك
و طويت خصرك في الطريق
بطاقة هوية
سجل
أنا عربي
و رقم بطاقتي خمسون ألف
و أطفالي ثمانية
و تاسعهم سيأتي بعد صيف
فهل تغضب
سجل
أنا عربي
و أعمل مع رفاق الكدح في محجر
و أطفالي ثمانية
أسل لهم رغيف الخبز
و الأثواب و الدفتر
من الصخر
و لا أتوسل الصدقات من بابك
و لا أصغر
أمام بلاط أعتابك
فهل تغضب
سجل
أنا عربي
أنا إسم بلا لقب
صبور في بلاد كل ما فيها
يعيش بفورة الغضب
جذوري
قبل ميلاد الزمان رست
و قبل تفتح الحقب
و قبل السرو و الزيتون
و قبل ترعرع العشب
أبي من أسرة المحراث
لا من سادة نجب
وجدي كان فلاحا
بلا حسب و لا نسب
يعلمني شموخ الشمس قبل قراءة الكتب
و بيتي كوخ ناطور
من الأعواد و القصب
فهل ترضيك منزلتي
أنا إسم بلا لقب
سجل
أنا عربي
و لون الشعر فحمي
و لون العين بني
و ميزاتي
على رأسي عقال فوق كوفية
و كفى صلبة كالصخر
تخمش من يلامسها
و عنواني
أنا من قرية عزلاء منسية
شوارعها بلا أسماء
و كل رجالها في الحقل و المحجر
يحبون الشيوعية
فهل تغضب
سجل
أنا عربي
سلبت كروم أجدادي
و أرضا كنت أفلحها
أنا و جميع أولادي
و لم تترك لنا و لكل أحفادي
سوى هذي الصخور
فهل ستأخذها
حكومتكم كما قيلا
إذن
سجل برأس الصفحة الأولى
أنا لا أكره الناس
و لا أسطو على أحد
و لكني إذا ما جعت
آكل لحم مغتصبي
حذار حذار من جوعي
و من غضبي
عاشق من فلسطين
عيونك شوكة في القلب
توجعني ..و أعبدها
و أحميها من الريح
و أغمدها وراء الليل و الأوجاع.. أغمدها
فيشعل جرحها ضوء المصابيح
و يجعل حاضري غدها
أعزّ عليّ من روحي
و أنسى، بعد حين، في لقاء العين بالعين
بأنّا مرة كنّا وراء، الباب ،إثنين!
كلامك كان أغنية
و كنت أحاول الإنشاد
و لكن الشقاء أحاط بالشفقة الربيعيّة
كلامك ..كالسنونو طار من بيتي
فهاجر باب منزلنا ،و عتبتنا الخريفيّة
وراءك، حيث شاء الشوق..
و انكسرت مرايانا
فصار الحزن ألفين
و لملمنا شظايا الصوت!
لم نتقن سوى مرثية الوطن
سننزعها معا في صدر جيتار
وفق سطوح نكبتنا، سنعزفها
لأقمار مشوهّة ..و أحجار
و لكنيّ نسيت.. نسيت يا مجهولة الصوت:
رحيلك أصدأ الجيتار.. أم صمتي؟!
رأيتك أمس في الميناء
مسافرة بلا أهل .. بلا زاد
ركضت إليك كالأيتام،
أسأل حكمة الأجداد :
لماذا تسحب البيّارة الخضراء
إلى سجن، إلى منفى، إلى ميناء
و تبقى رغم رحلتها
و رغم روائح الأملاح و الأشواق ،
تبقى دائما خضراء؟
و أكتب في مفكرتي:
أحبّ البرتقال. و أكره الميناء
و أردف في مفكرتي :
على الميناء
وقفت .و كانت الدنيا عيون الشتاء
و قشرةالبرتقال لنا. و خلفي كانت الصحراء !
رأيتك في جبال الشوك
راعية بلا أغنام
مطاردة، و في الأطلال..
و كنت حديقتي، و أنا غريب الدّار
أدقّ الباب يا قلبي
على قلبي..
يقوم الباب و الشبّاك و الإسمنت و الأحجار !
رأيتك في خوابي الماء و القمح
محطّمة .رأيتك في مقاهي الليل خادمة
رأيتك في شعاع الدمع و الجرح.
و أنت الرئة الأخرى بصدري ..
أنت أنت الصوت في شفتي ..
و أنت الماء، أنت النار!
رأيتك عند باب الكهف.. عند الدار
معلّقة على حبل الغسيل ثياب أيتامك
رأيتك في المواقد.. في الشوارع..
في الزرائب.. في دم الشمس
رأيتك في أغاني اليتم و البؤس !
رأيتك ملء ملح البحر و الرمل
و كنت جميلة كالأرض.. كالأطفال.. كالفلّ
و أقسم:
من رموش العين سوف أخيط منديلا
و أنقش فوقه لعينيك
و إسما حين أسقيه فؤادا ذاب ترتيلا ..
يمدّ عرائش الأيك ..
سأكتب جملة أغلى من الشهداء و القبّل:
"فلسطينية كانت.. و لم تزل!"
فتحت الباب و الشباك في ليل الأعاصير
على قمر تصلّب في ليالينا
وقلت لليلتي: دوري!
وراء الليل و السور..
فلي وعد مع الكلمات و النور..
و أنت حديقتي العذراء..
ما دامت أغانينا
سيوفا حين نشرعها
و أنت وفية كالقمح ..
ما دامت أغانينا
سمادا حين نزرعها
و أنت كنخلة في البال،
ما انكسرت لعاصفة و حطّاب
وما جزّت ضفائرها
وحوش البيد و الغاب..
و لكني أنا المنفيّ خلف السور و الباب
خذني تحت عينيك
خذيني، أينما كنت
خذيني ،كيفما كنت
أردّ إلي لون الوجه و البدن
وضوء القلب و العين
و ملح الخبز و اللحن
و طعم الأرض و الوطن!
خذيني تحت عينيك
خذيني لوحة زيتّية في كوخ حسرات
خذيني آية من سفر مأساتي
خذيني لعبة.. حجرا من البيت
ليذكر جيلنا الآتي
مساربه إلى البيت!
فلسطينية العينين و الوشم
فلسطينية الإسم
فلسطينية الأحلام و الهم
فلسطينية المنديل و القدمين و الجسم
فلسطينية الكلمات و الصمت
فلسطينية الصوت
فلسطينية الميلاد و الموت
حملتك في دفاتري القديمة
نار أشعاري
حملتك زاد أسفاري
و باسمك صحت في الوديان:
خيول الروم! أعرفها
و إن يتبدل الميدان!
خذوا حذّرا..
من البرق الذي صكّته أغنيتي على الصوّان
أنا زين الشباب ،و فارس الفرسان
أنا. و محطّم الأوثان.
حدود الشام أزرعها
قصائد تطلق العقبان!
و باسمك، صحت بالأعداء:
كلى لحمي إذا ما نمت يا ديدان
فبيض النمل لا يلد النسور..
و بيضة الأفعى ..
يخبىء قشرها ثعبان!
خيول الروم.. أعرفها
و أعرف قبلها أني
أنا زين الشباب، و فارس الفرسان
قال المغني
هكذا يكبر الشجر
و يذوب الحصى..
رويدا رويدا
من خرير النهر!
المغني ،على طريق المدينة
ساهر اللحن.. كالسهر
قال للريح في ضجر:
_دمّريني ما دمت أنت حياتي
مثلما يدّعي القدر_
..و اشربيني نخب انتصار الرفات
هكذا ينزل المطر
يا شفاه المدينة الملعونة!
أبعدوا عنه سامعيه
و السكارى..
و قيّدوه
و رموه في غرفة التوقيف
شتموا أمه، و أمّ أبيه
و المغني..
يتغنى بشعر شمس الخريف
يضمد الجرح.. بالوتر!
المغني على صليب الألم
جرحه ساطع كنجم
قال للناس حوله
كلّ شيء.. سوى الندم:
هكذا متّ واقفا
واقفا متّ كالشجر!
هكذا يصبح الصليب
منبرا.. أو عصا نغم
و مساميره.. وتر!
هكذا ينزل المطر
هكذا يكبر الشجر ..
***
صوت وسوط
لو كان لي برج،
حبست البرق في جيبي
و أطفأت السحاب ..
لو كان لي في البحر أشرعة،
أخذت الموج و الإعصار في كفّي
و نوّمت العباب..
لو كان عندي سلّم،
لغرست فوق الشمس رايتي التي
اهترأت على الأرض الخراب ..
لو كان لي فرس،
تركت عنانها
و لجمت حوذيّ الرياح على الهضاب ..
لو كان لي حقل و محراث ،
زرعت القلب و الأشعار
في بطن التراب..
لو كان لي عود،
ملأت المت أسئلة ملحّنة ،
و سلّيت الصحاب ..
لو كان لي قدم،
مشيت.. مشيت حتى الموت
من غاب لغاب ..
لو كان لي ،
حتى صليبي ليس لي
إنّي له ،
حتى العذاب !
_ماذا تبقّى أيّها المحكوم؟
إنّ الليل خيّم مرّة أخرى..
و تهتف: لا أهاب ؟!
_يا سيداتي.. سادتي!
يا شامخين على الحراب!
الساق تقطع.. و الرقاب
و القلب يطفأ_ لو أردتم_
و السحاب..
يمشي على أقدامكم ..
و العين تسمل ،و الهضاب
تنهار لو صحتم بها
و دمي المملّح بالتراب!
إن جفّ كرمكم ،
يصير إلى شراب !
و النيل يسكب في الفرات،
إذا أردتم ،و الغراب ..
لو شئتم.. في الليل شاب!
لكنّ صوتي صاح يوما:
لا أهاب
فلتجلدوه إذا استطعتم..
و اركضوا خلف الصدى
ما دام يهتف: لا أهاب!
أغاني الأسير
ملوّحة، يا مناديل حبّي
عليك السلام!
تقولين أكثر مما يقول
هديل الحمام
و أكثر من دمعة
خلف جفن.. ينام
على حلم هارب!
مفتّحة، يا شبابيك حبيّ
تمرّ المدينة
أمامك ،عرس طغاة
ومرثاة أمّ حزينة
و خلف الستائر، أقمارنا
بقايا عفونه.
و زنزانتي.. موصدة !
ملوّثة، يا كؤوس الطفولة
بطعم الكهولة
شربنا ،شربنا
على غفلة من شفاه الظمإ
و قلنا:
نخاف على شفتينا
نخاف الندى.. و الصدأ!
و جلستنا، كالزمان، بخيله
و بيني و بينك نهر الدم
معلّقه، يا عيون الحبيبة
على حبل نور
تكسّر من مقلتين
ألا تعلمين بأني
أسير اثنين؟
جناحاي: أنت و حريتّي
تنامان خلف الضفاف الغريبة
أحبّكما، هكذا، توأمين!
لِيَ حِكْمْةُ المحكوم بالإعدامِ :
لا أشياءَ أملكُها لتملكني ,
كتبتُ وصيَّتي بدمي :
((ثِقُوا بالماء يا سُكَّانَ أُغنيتي!))
وَنْمتُ مُضَرّجاً ومُتَوَّجاً بغدي...
حَلِمْتُ بأنَّ قلب الأرض أكبرُ
من خريطتها ,
وأَوضحُ من مراياها وَمشْنَقَتي .
وَهمْتُ بغيمةٍ بيضاء تأخذني
إلى أَعلى
كأنني هُدْهُدٌ , والريحُ أَجنحتي .
وعند الفجر , أَيقظني
نداء الحارس الليليِّ
من حُلْمي ومن لغتي :
ستحيا مِيْتَةً أخرى ,
فَعَدِّلْ في وصيتِّكَ الأخيرةِ ,
قد تأجَّل موعدُ الإعدام ثانيةً
سألت : إلى متى؟
قال : انتظر لتموت أكثَرَ
قُلْتُ : لا أشياء أملكها لتملكني
كتبتُ وصيَّتي بدمي :
((ثِقُوا بالماء
يا سُكَّان أغنيتي!))