رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
الشيخ صفي الدين لم يحتج في بيته إلى المناسبة المعنوية بل أتى باللفظية
وعجبت منه كيف رضي لنفسه بقول القائل
( إذا كنت ما تدري سوى الوزن وحده ... فقل أنا وزان وما أنا شاعر )
وليته أتى بالمناسبة اللفظية تامة فإنه في عالم الإطلاق غير مقيد بتسمية ومناسبته اللفظية الناقصة ظاهرة فقوله مؤيد العزم في وزن مؤمل الصفح وقوله والأبطال في قلق موازن والهيجاء في ضرم
ولم ينظم العميان هذا النوع وبيت الشيخ عز الدين الموصلي يقول فيه عن النبي
( ألم تر الجود يجري في يديه ألم ... تسمع مناسبة في قوله نعم )
الشيخ عز الدين غفر الله له لم يثبت له مع المناسبة المعنوية واللفظية نسبة ولكنه قال لمن يخاطبه ألم تر الجود يجري من أيادي النبي ألم تسمع مناسبة من لفظ نعم ولفظ الشيخ عز الدين الموضوع في بيته ليس فيه مناسبة لفظية أتى فيها بوزن وقافية ولا مناسبة معنوية ابتدأ فيها بمعنى وتمم كلامه بما يناسبه
وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي
( فعلمه وافر والزهد ناسبه ... وحلمه ظاهر عن كل مجترم )
هذا البيت جمعت فيه ببركة ممدوحه بين المناسبة المعنوية واللفظية التامة المشتملة على الوزن والتقفية
فقولي علمه يناسبه حلمه وزنا وقافية ووافر مثله ظاهر وزنا وقافية والمناسبة المعنوية ابتدأ بها في أول الشطر الثاني من البيت بذكر الحلم ثم تممت كلامي بقولي عن كل مجترم فحصلت المناسبة المعنوية بين الحلم وذكر الاجترام الذي هو الذنب مع تمكين القافية فإنه قيل عن المأمون إنه كان يقول لو علم الناس محبتي للعفو لتقربوا إلي بالجرائم وهذه هي المناسبة المعنوية بعينها ولكن النبي أحق بهذا المدح وأولى بهذه الصفات
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ذكر التوشيع
( ووشع العدل منه الأرض فاتشحت ... بحلة الأمجدين العهد والذمم )
التوشيع مأخوذ من الوشيعة وهي الطريقة الواحدة في البرد المطلق فكأن الشاعر أهمل البيت إلا آخره فإنه أتى فيه بطريقة تعد من المحاسن وهو عند أهل هذه الصناعة عبارة عن أن يتكلم المتكلم أو الشاعر باسم مثنى في حشو العجز يأتي بعده باسمين مفردين هما عين ذلك المثنى يكون الآخر منهما قافية بيته أو سجعة كلامه كأنهما تفسير له
وقد جاء من ذلك في السنة الشريفة ما لا يلحق بلاغته وهو قوله ( يشيب المرء وتشب معه خصلتان الحرص وطول الأمل ومن أمثلة هذا الباب في النظم قول الشاعر
( أمسي وأصبح من تذكاركم وصبا ... يرثي لي المشفقان الأهل والولد )
( قد خدد الدمع خدي من تذكركم ... واعتادني المضنيان الوجد والكمد )
( وغاب عن مقلتي نومي لغيبتكم ... وخانني المسعدان الصبر والجلد )
( لا غرو للدمع أن تجري غواربه ... وتحته المظلمان القلب والكبد )
( كأنما مهجتي شلو بمسبعة ... ينتابها الضاريان الذئب والأسد )
( لم يبق غير خفي الروح في جسدي ... فدى لك الباقيان الروح والجسد )
هذه الأبيات عامرة بالمحاسن في هذا الباب غير أن أهل النقد الصحيح ما سكتوا عن تقصيره في البيت الأول حيث قال فيه يرثي لي المشفقان الأهل والولد
فإن
شفقة الأهل والولد معروفة والمشفق إذا رثى لشكوى أهله أو الولد إذا رثى لشكوى والده كان ذلك تحصيل الحاصل والمراد هنا أن يقون رثى لي العدو ورق لي الصخر وأشباه ذلك
قال ابن أبي الأصبع وما بشعر قلته هنا من بأس
( بي محنتان ملام في هوى بهما ... يرثي لي القاسيان الحب والحجر )
( لولا الشفيقان من أمنية وأسى ... أودى بي المرديان الشوق والفكر )
رأيت في حاشية على هذين البيتين بخط رفيع رحم الله الشيخ لو قال الشوق والسهر كان أتم وأحسن وبيت الشيخ صفي الدين في هذا الباب غاية فإنه يقول في وصف النبي
( أمي خط أبان الله معجزه ... بطاعة الماضيين السيف والقلم )
والعميان ما نظموا هذا النوع في بديعيتهم وبيت الشيخ عز الدين الموصلي رحمه الله
( ومن عطاياه روض وشعه يد ... تغني عن الأجودين البحر والديم )
الشيخ عز الدين أتى بالتوشيع على الوضع ولكنه شن الغارة على ابن الرومي وفك قواعد بيته وهو
( أبو سليمان إن جادت لنا يده ... لم يحمد الأجودان البحر والمطر )
أخذ الأجودين والبحر ورادف المطر بالديم
وهذا ما يليق بأهل الأدب
وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي
( ووسع العدل منه الأرض فاتشحت ... بحلة الأمجدين العهد والذمم )
وأنا على مذهب زكي الدين بن أبي الأصبع في قوله وما بشعر قلته هنا من بأس
انتهى
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ذكر التكميل
( آدابه تممت لا نقص يدخلها ... والوجه تكميله في غاية العظم )
التكميل هو أن يأتي المتكلم أو الشاعر بمعنى تام من مدح أو ذم أو وصف أو غيره من الأغراض الشعرية وفنونها ثم يرى الاقتصار على الوصف بذلك المعنى فقط غير كامل فيأتي بمعنى آخر يزيده تكميلا كمن أراد مدح إنسان بالشجاعة ثم رأى الاقتصار عليها دون مدحه بالكرم غير كامل فيكمله بذكر الكرم أو بالبأس دون الحلم وما أشبه ذلك من الأغراض
وقد جاء منه في الكتاب العزيز قوله تعالى ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ) فانظر إلى هذه البلاغة فإنه سبحانه وتعالى علم وهو أعلم أنه لو اقتصر على وصفهم بالذلة للمؤمنين لكان مدحا تاما مشتملا على الرياضة والانقياد لإخوانهم ولكن زاده تكميلا ووصفهم بعد ذلتهم لإخوانهم المؤمنين بالعزة على الكافرين وهذا هو التكميل الذي يتطفل البدر على كماله
ومثاله في الشعر قول كعب بن سعيد الغنوي
( حليم إذا ما الحلم زين أهله ... مع الحلم في عين العدو مهيب )
قوله إذا ما الحلم زين أهله احتراس لولاه لكان المعنى في المدح مدخولا إذ بعض التغاضي قد يكون عن عجز يوهم أنه حلم فإن التجاوز لا يكون حلما محققا إلا عن قدرة وهو الذي قصده الشاعر بقوله إذا ما الحلم زين أهله
فإن الحلم ما يزين
أهله إلا إذا كان عن قدرة وهذا القدر غاية في باب التكميل ثم رأى أن مدحه بالحلم وحده غير كامل فإنه إذا لم يعرف منه إلا الحلم طمع فيه عدوه فقال مع الحلم في عين العدو مهيب قلت ومما يؤيد هذا التقرير قول الشاعر
( وحلم ذي العجز أنت عارفه ... والحلم عن قدرة ضرب من الكرم )
ومن التكميل الحسن قول كثير عزة
( لو أن عزة خاصمت شمس الضحى ... في الحسن عند موفق لقضى لها )
فقوله عند موفق تكميل حسن فإنه لو قال عند محكم لتم المعنى لكن في قوله عند موفق زيادة تكميل بها حسن البيت والسامع يجد لهذه اللفظة من الموقع الحلو في النفس ما ليس للأولى إذ ليس كل محكم موفقا فإن الموفق من الحكام من قضى بالحق لأهله
وقد غلط غالب المؤلفين في هذا الباب وخلطوا التكميل بالتتميم وساقوا في باب التتميم شواهد التكميل فمن ذلك قول عوف السعدي
( إن الثمانين وبلغتها ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان )
هذا البيت ساقوه من شواهد التتميم وهو أبلغ شواهد التكميل فإن معنى البيت تام بدون لفظة وبلغتها وإذا لم يكن المعنى ناقصا فكيف يسمى هذا تتميما وإنما هو تكميل حسن
قال ابن أبي الأصبع وما غلطهم إلا أنهم لم يفرقوا بين تتميم الألفاظ وتتميم المعاني فلو سمي مثل هذا تتميما للوزن لكان قريبا ولما ساقوه على أنه من تتميم المعاني وهذا غلط والفرق بين التتميم والتكميل أن التتميم يرد على المعنى الناقص فيتممه والتكميل يرد على المعنى التام فيكمله إذ الكمال أمر زائد على التمام وقد تقدم هذا الكلام على التتميم في موضعه ولكن أردت هنا تفصيل التكميل عن التتميم لتنجلي عن الطالب ظلمة الإشكال بصبح هذا الفرق الدقيق ومن أحسن التكميل قول شاعر الحماسة
( لو قيل للمجد خذ عنهم وخلهم ... بما احتكمت من الدنيا لما حادا )
فقوله بما احتكمت من الدنيا تكميل في غاية الكمال
ويعجبني من هذا الباب قول الشيخ جمال الدين بن نباتة في بعض مطالعه المقمرة
( نفس عن الحب ما حادت ولا غفلت ... بأي ذنب وقاك الله قد قتلت )
معنى بيت الشيخ جمال الدين أيضا تام بدون قوله وقاك الله ولكن التكميل بوقاك الله قبل قتلت لا يصدر إلا من مثل الشيخ جمال الدين وما أحقه هنا بقول القائل
( قالوا فهل يسمح الدهر الكريم لنا ... بمثله قلت لا والله قد حلفا )
ومثله قولي في مطلع قصيدة
( قد مال غصن النقا عن صبه هيفا ... يا ليته بنسيم العتب لو عطفا )
معنى البيت تام بدون نسيم العتب ولكن استعارة نسيم العتب هنا بعد ميل الغصن وذكر انعطافه غاية في باب التكميل وفيه مع التكميل المناسبة المعنوية والاستعارة اللطيفة وناهيك بلطف نسيم العتب وفيه التمكين والانسجام ومثله قولي في مطلع قصيدة
( جردت سيف اللحظ عند تهددي ... يا قاتلي فسلبتني بمجرد )
معنى البيت تام بدون قولي يا قاتلي وقولي يا قاتلي بعد تجريد سيف اللحظ أكمل من بدور الكمال وقلت بعد المطلع ولم أخرج عن التكميل
( وأردت أن تسقى بماء حشاشتي ... حاشاك ما يسقى الصقيل من الصدي )
معنى البيت أيضا تام بدون قولي حاشاك ولكنها زادت البيت تكميلا رفعت به قواعده ومثله قولي من قصيدة
( وأفردتموني للغرام لأنكم ... أخذتم كما شاء الهوى بمجامعي )
معنى البيت تام بدون قولي كما شاء الهوى ولكن التكميل بها تكملت به محاسن البيت ومثله قولي من قصيدة
( أذابت القلب في نار الهوى عبثا ... ومذ سلته وقالت إنه قالي )
( قالت سلوت لحاك الله قلت لها ... الله أعلم يا أسما من السالي ) فلفظة عبثا في البيت الأول تكميلها ظاهر ولكن لحى الله من لا ينظر إلى محاسن لحاك الله في البيت الثاني
ومثله قوله من قصيدة
( ورب غصن لأطيار القلوب على ... قوامه في رياض الوجد تغريد )
والمعنى أيضا تام في هذا البيت بدون قولي في رياض الوجد ولكن مناسبة التكميل برياض الوجد بين الغصن والأطيار والتغريد غاية في هذا الباب
وقد طال الشرح ولكن مثل التكميل ما ينقص من قدره ويختصر من أمثلته وبيت الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته
( نفس مؤيدة بالحق تعضدها ... عناية صدرت عن بارئ النسم )
بيت الشيخ صفي الدين لم يظهر لبدور التكميل في أفقه إشراق ومعنى البيت تام ولكن لم يأت فيه الناظم بنكتة تزيده تكميلا
والعميان ما نظموا هذا النوع في بديعيتهم وبيت الشيخ عز الدين في بديعيته
( تمت محاسنه والله كمله ... فقدره في الورى في غاية العظم )
بيت الشيخ عز الدين أمثل من بيت الشيخ صفي الدين وتكميله ظاهر فإن معنى بيته تام بدون قوله والله كمله ولكن قوله هنا والله كمله في غاية الكمال فإنها اشتملت على تورية التسمية ونكتة النوع وبيت بديعيتي
( آدابه تممت لا نقص يدخلها ... والوجه تكميله في غاية العظم )
معنى هذا البيت أيضا تام بدون قولي لا نقص يدخلها ولكن هذا النقص هو عين التكميل والله أعلم
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ذكر التفريق
( قالوا هو البدر والتفريق يظهر لي ... في ذاك نقص وهذا كامل الشيم )
التفريق في اللغة ضد الاجتماع وفي الاصطلاح أن يأتي المتكلم أو الناظم إلى شيئين من نوع واحد فيوقع بينهما تباينا وتفريقا بفرق يفيد زيادة وترجيحا فيما هو بصدده من مدح أو ذم أو نسيب أو غيره من الأغراض الأدبية كقول الشاعر في المديح
( ما نوال الغمام وقت ربيع ... كنوال الأمير يوم سخاء )
( فنوال الأمير بدرة مال ... ونوال الغمام قطرة ماء )
ومثله
( من قاس جدواك بالغمام فما ... أنصف في الحكم بين شكلين )
( أنت إذا جدت ضاحك أبدا ... وهو إذا جاد دامع العين )
قال بدر الدين بن النحوية في غير المدح
( حسبت جماله بدرا منيرا ... وأين البدر من ذاك الجمال )
قلت وأحسن منه قول القائل
( قاسوك بالغصن في التثني ... قياس جهل بلا انتصاف )
( هذاك غصن الخلاف يدعى ... وأنت غصن بلا خلاف )
حذف
فالتفريق في الجميع فرقه ظاهر مثل الصبح ولكن هذا النوع ما هو غاية في البديع فما يحتمل إطلاق عنان القلم في الكلام عليه أكثر من ذلك وبيت الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته يقول فيه عن النبي
( فجود كفيه لم تقلع سحائبه ... عن العباد وجود السحب لم يدم )
بيت الشيخ صفي الدين الحلي حسن في هذا الباب والتفريق فيه جمع المحاسن في مدح النبي
وبيت العميان في بديعيتهم
( لا يستوي الغيث مع كفيه نائل ذا ... ماء ونائله مال فلا تهم )
العميان غفر الله لهم مسخوا قول الشاعر
( ما نوال الغمام وقت ربيع ... كنوال الأمير يوم سخاء )
( فنوال الأمير بدرة مال ... ونوال الغمام قطرة ماء )
والظاهر أن نوال الغمام وقت الربيع محجب عن العميان ولكن أين هم من موقع التفريق وعظم المباينة بين بدرة المال وقطرة الماء هذا مع ما تجشموه من مشاق التعقيد وثقل التركيب والجميع يخف على النفس بالنسبة إلى قولهم في القافية فلاتهم
نعم ما يحط هذه القافية هنا على هذه الصيغة من شم للأدب رائحة وأين هم من تمكين قافية الشيخ صفي الدين في قوله
( فجود كفيه لم تقلع سحائبه ... عن العباد وجود السحب لم يدم )
وبيت الشيخ عز الدين الموصلي في بديعيته يقول فيه عن النبي
( قالوا هو البحر والتفريق بينهما ... إذ ذاك غم وهذا فارج الغمم )
بيت الشيخ عز الدين في هذا الباب عامر بالمحاسن وحشمة المديح النبوي مشرقة على أركانه ونوع التفريق فيه أحلى من ليالي الوصال فإنه مشتمل على تورية التسمية ونكتة النوع البديعي ولطف الانسجام والسهولة وليس في بديعيته بيت يناظره في علو طباقه
وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي ( قالوا هو البدر والتفريق يظهر لي ... في ذاك نقص وهذا كامل الشيم )
قد أطلقت لسان القلم في وصف بيت الشيخ عز الدين ولعمري إنه يستحق فوق ذلك فإن التكلف بتسمية النوع مورى به من جنس المديح يثقل كاهل كل فحل
وقد حبست عنان القلم عن الاستطراد إلى وصف هذا البيت فإن في إنصاف أهل الذوق ما يغني عن الإطناب في وصفه
انتهى
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ذكر التشطير
( وانشق من أدب له بلا كذب ... شطرين في قسم تشطير ملتزم )
التشطير هو أن يقسم الشاعر بيته شطرين ثم يصرع كل شطر منهما لكنه يأتي بكل شطر من بيته مخالفا لقافية الآخر كل شطر عن أخيه فمن ذلك قول مسلم بن الوليد
( موف على مهج في يوم ذي رهج ... كأنه أجل يسعى إلى أمل )
هذا البيت تصريعه صحيح ولكن تصريع الشطر الثاني قافيته الأولى مرفوعة والثانية مجرورة وهذا عيب في تصريع التشطير وقول أبي تمام في هذا الباب خالص من ذلك وهو
( تدبير معتصم بالله منتقم ... لله مرتعب في الله مرتقب )
وعلى جادته الواضحة مشى الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته وبيته
( بكل منتصر للفتح منتظر ... وكل معتزم بالحق ملتزم )
والعميان ما نظموا هذا النوع في بديعيتهم وأنا أقول يا ليتني كنت معهم فإنه نوع مبني على قعاقع ليس تحتها طائل ولكن الشروع في معارضة البديعيات أوجب نظمه وبيت الشيخ عز الدين في بديعيته
( تشطير معتدل بالسيف مشتمل ... في جحفل لهم كالأسد في الأجم )
وبيت بديعيتي أشير فيه إلى انشقاق القمر في مديح النبي وتقدم قولي في نوع التفريق
( قالوا هو البدر والتفريق يظهر لي ... في ذاك نقص وهذا كامل الشيم )
وقلت بعده في التشطير
( وانشق من أدب له بلا كذب ... شطرين في قسم تشطير ملتزم )
كان الشيخ صفي الدين الحلي يكثر من هذا النوع في غالب قصائده ولعمري إنه استسمن ذا ورم وما خطر لي يوما أنني أدخله إلى بيت من بيوت قصائدي
انتهى
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ذكر التشبيه
( والبدر في التم كالعرجون صار له ... فقل لهم يتركوا تشبيه بدرهم )
التشبيه ضروب متشعبة وهو والاستعارة يخرجان الأغمض إلى الأوضح ويقربان البعيد وقال الجرجاني التشبيه والتكميل كل منهما بالصورة والصفة وتارة بالحالة وهذه صفة التمثيل
والتشبيه ركن من أركان البلاغة وأركانه أربعة كقولك زيد في الحسن كالقمر فالأول المشبه وهو زيد والثاني المشبه به وهو القمر والثالث المشبه وهو المتكلم والرابع التشبيه وهو الإلحاق المذكور في الشبه وأدوات التشبيه خمسة الكاف وكأن وشبه ومثل والمصدر بتقدير الأداة كقوله تعالى ( وهي تمر مر السحاب ) ومن الشعر كقول حسان
( بزجاجة رقصت بما في قعرها ... رقص القلوص براكب مستعجل )
ومن الشروط اللازمة في التشبيه أن يشبه البليغ الأدون بالأعلى إذا أراد المدح اللهم إلا إذا أراد الهجو فالبلاغة أن يشبه الأعلى بالأدون كقول ابن الرومي سامحه الله في هجو الورد
( كأنه سرم بغل حين سكرجه ... عند البراز وباقي الروث في وسطه )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
الظاهر أنه كان جعليا وإلا مثله ما يخالف الإجماع ويبالغ في مثل هذه المغايرة ولعمري إنه في بابه من التشابيه البليغة مع نفور الطباع عن صيغته
ومثله قول أبي العلاء السروي في هجو النرجس وتشبيه أعلاه بدونه
( كراثة ركبت عليها ... صفرة بيض على رقاقه )
وأصحاب المعاني والبيان أطلقوا أعنة الكلام في ميادين حدود التشبيه وتقاريرها وهو عندهم الدلالة على مشاركة أمر لأمر في معنى
وقال الرماني التشبيه هو العقد على أن أحد الشيئين يسد مسد الآخر في حال وهذا هو التشبيه العام الذي يدخل تحته التشبيه البليغ وغيره والتشبيه البليغ هو إخراج الأغمض إلى الأوضح مع حسن التأليف
ومنهم من قال التشبيه هو الدلالة على اشتراك شيئين في وصف هو من أوصاف الشيء الواحد
وقال ابن رشيق في العمدة التشبيه صفة الشيء بما قاربه وشاكله من جهة واحدة لأنه لو ناسبه مناسبة كلية كان إياه ألا ترى إلى قولهم خد كالورد إنما مرادهم احمرار أوراقه وطراوتها لا ما سوى ذلك من صفرة وسطه وخضرة كمائمه
انتهى حد ابن رشيق
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
وقيل التشبيه إلحاق أدنى الشيئين بأعلاهما في صفة اشتركا في أصلها واختلفا في كيفيتها قوة وضعفا
قلت وهذا حد مفيد
وأورد ابن أبي الأصبع في كتابه تحرير التحبير للرماني حدا زاد في حسنه على الحد وهو أن التشبيه تشبيهان
الأول منهما تشبيه شيئين متفقين بأنفسهما كتشبيه الجوهر بالجوهر مثل قولك ماء النيل كماء الفرات وتشبيه العرض بالعرض كقولك حمرة الخد كحمرة الورد وتشبيه الجسم بالجسم كقولك الزبرجد مثل الزمرد
والثاني تشبيه شيئين مختلفين بالذات لجمعهما معنى واحدا مشتركا كقولك حاتم كالغمام وعنترة كالضرغام
وتشبيه الاتفاق وهو الأول تشبيه حقيقي وتشبيه الاختلاف وهو الثاني تشبيه مجازي والمراد المبالغة انتهى
ووقوع حسن البيان والمبالغة في التشبيه على وجوه منها إخراج ما لا تقع عليه
الحاسة إلى ما تقع عليه الحاسة وقد عن لي أن أوضح هنا للطالب ما وقع من النظم البديع من تشبيه المحسوس بالمحسوس وتشبيه المعقول بالمعقول وتشبيه المعقول بالمحسوس وتشبيه المحسوس بالمعقول
وهذا القسم الرابع عند أصحاب المعاني والبيان غير جائز ويأتي الكلام عليه في موضعه
وقد تعين تقديم ما وعدت به أولا من تشبيه المحسوس بالمحسوس فإن الذي تقع عليه الحاسة في التشبيه أوضح مما لا تقع عليه الحاسة والشاهد أوضح من الغائب
وقال قدامة أفضل التشبيه ما وقع بين شيئين اشتراكهما في الصفات أكثر من انفرادهما حتى يدلى بهما إلى الاتحاد
انتهى
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ولم يخطر لي أن أورد هنا من التشبيهات البديعية التي اخترتها أمثلة لهذا النوع إلا ما خف على السمع وعذب في الذوق وارتاحت الأنفس إلى حسن صفاته فإن التشابيه التي تقادم عهدها للعرب رغب المولدون عنها فإنها مع عقادة التركيب لم تسفر عن بديع معنى ما اقل وندر فمن ذلك قول امرئ القيس
( وتعطو برخص غير شثن كأنه ... أساريع ظبي أو مساويك اسحل )
فغاية امرئ القيس هنا أنه شبه أنامل محبوبته بأساريع وهي دواب تكون في الرمل ظهورها ملس وبمساويك اسحل والاسحل شجر له أغصان ناعمة أين هذا من قول الراضي بالله في هذا الباب
( قالوا الرحيل فأنشبت أظفارها ... في خدها وقد اعتلقن خضابا )
( فكأنها بأنامل من فضة ... غرست بأرض بنفسج عنابا )
ومثله قول القائل
( قبلته فبكى وأعرض نافرا ... يذري المدامع من كحيل أدعج )
( فكأن سقط الدمع من أجفانه ... لما بدا في خده المتضرج )
( برد تساقط فوق ورد أحمر ... من نرجس فسقى رياض بنفسج )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
أنظر أيها المتأمل إلى هذه التشابيه التي يرشفها السمع مداما وتهيم الأذواق السليمة في محاسنها غراما ومن ذلك قول ابن حاجب النعمان
( ثغر وخد ونهد واحمرار يد ... كالطلع والورد والرمان والبلح )
ومثله قول ابن رشيق
( بفرع ووجه وقد وردف ... كليل وبدر وغصن وحقف )
المراد هنا من حسن التشبيه وبليغه غير كثرة العدد في الصفات فإن قاضي القضاة نجم الدين بن البارزي نور الله ضريحه وصل فيه من العدد إلى سبعة وأوردت ذلك في باب اللف والنشر وأوصله الناس إلى أكثر من ذلك ولكن جل القصد هنا غير كثرة العدد فإن المراد من التشبيه غرابة أسلوبه وسلامة اختراعه كقول القائل
( وتحدث الماء الزلال مع الحصى ... فجرى النسيم عليه يسمع ما جرى )
( فكأن فوق الماء وشيا ظاهرا ... وكأن تحت الماء درا مضمرا )
أقول إن تشبيه هذا الدر المضمر هنا أغلى قيمة من الدر الظاهر في عقود الأجياد ومثله في الغرابة وسلامة الاختراع قول ابن المعتز
( كأنه وكأن الكأس في فمه ... هلال أول شهر غاب في الشفق )
ومن ذلك قوله
( على عقار صفراء تحسبها ... شيبت بمسك في الدن مفتوت )
( للماء فيها كتابة عجب ... كمثل نقش في فص ياقوت )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ومثله قول ابن حجاج وهو بديع
( هذي المجرة والنجوم كأنها ... نهر تدفق في حديقة نرجس )
ومن مخترعات ابن المعتز في تشبيه الهلال قوله
( أنظر إلى حسن هلال بدا ... يهتك من أنواره الحندسا )
( كمنجل قد صيغ من عسجد ... يحصد من زهر الدجى نرجسا )
ومن مخترعاته أيضا في الهلال
( قد انقضت دولة الصيام وقد ... بشر سقم الهلال بالعيد )
( يتلو الثريا كفاغر شره ... يفتح فاه لأكل عنقود )
ومثله قوله فيه
( وجاءني في قميص الليل مستترا ... يستعجل الخطر من خوف ومن حذر )
( ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا ... مثل القلامة قد قدت من الظفر )
هذا التشبيه ذكروا أنه من مخترعات ابن المعتز ولكن زاده القاضي الفاضل بهجة ونقله من الأعلى إلى الأدنى فإن رتبة الهلال وعلوها في التشبيه على قلامة الظفر ما برحت مقررة في الخواطر إلى أن نقلها القاضي الفاضل بطريق بديعية اقتضتها الحال وهي قوله مبالغا في وصف قلعة نجم بالعلو
وأما قلعة نجم فهي نجم في سحاب وعقاب في عقاب وهامة لها الغمامة عمامة وأنملة إذا خضبها الأصيل كان الهلال لها قلامة
فخضاب الأصيل لهذه الأنملة حسن أن يكون الهلال لها قلامة وهذي غاية فاضلية لا تدرك وقد وصلوا في تشبيه الهلال إلى السبعين ولكن ما أوردت هنا إلا أبلغ ما وقع في تشبيهه
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ويعجبني من التشابيه البليغة في هذا الباب قول ابن طباطبا
( أما والثريا والهلال جلتهما ... لي الشمس إذ ودعت كرها نهارها )
( كأسماء إذ زارت عشاء وغادرت ... دلالا لدينا قرطها وسوارها )
ومثله في الحسن والغرابة قول أبي نواس
( ويمين الجوزاء تبسط باعا ... لعناق الدجى بغير بنان )
( وكأن النجوم أحداق روم ... ركبت في محاجر السودان )
ومثله قول القائل
( كأن نجوم الليل مزهرة لنا ... ثغور بني حام بدت للتثاؤب )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ويعجبني من التشابيه الغريبة قول ابن نباتة السعدي في جواد أدهم أغر محجل
( تختال منه على أغر محجل ... ماء الدياجي قطرة من مائه )
( وكأنما لطم الصباح جبينه ... فاقتص منه فخاض في أحشائه )
ومن التشابيه اللطيفة البديعية قول القاضي التنوخي من قصيدة
( وراح من الشمس مخلوقة ... بدت لك في قدح من نضار )
( كأن المدير لها باليمين ... إذا مال للشرب أو باليسار )
( تدرع ثوبا من الياسمين ... له فرد كم من الجلنار )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ومثله في اللطف والغرابة قول القائل
( كم وردة تحكي بسبق الورد ... طليعة تسرعت من جند )
( قد ضمها في الغصن قرص البرد ... ضم فم لقبلة من بعد )
ودخل مجير الدين بن تميم إلى حديقة هذه الوردة فزاد بعدها تقريبا بقوله
( سبقت إليك من الحدائق وردة ... وأتتك قبل أوانها تطفيلا )
( طمعت بلثمك إذ رأتك فجمعت ... فمها إليك كطالب تقبيلا )
وظرف من قال في الوردة
( كأنها وجنة الحبيب وقد ... نقطها عاشق بدينار )
ومثله في الظرف قول أيدمر المحيوي في النرجس
( وكأن نرجسه المضاعف خائض ... في الماء لف ثيابه في رأسه )
ويعجبني في تشبيه النرجس قول شهاب الدين أحمد القماح راجح رجاح الديار المصرية في فن الزجل في بعض أزجاله
( وفي الأزاهير قم ترى شي تذهب ... وشي تصيبوا قد زها وتفضض )
( النرجس أحداقو الشهل نعسانه ... إلا أنها من الندى ليس تغمض )
( وحين فتح عينو في وجهي شبهت ... أصفر ولما بدا في الأبيض )
( ما زعفران على نصافي مطبوع ... وإلا فصوص كهرب في بلار يوجد )
( وإلا تخل شمسات لجين مبرودات ... قد سمروا فيها مسامير عسجد )
وتلطف ابن المعتز في تشبيه حباب الراح بقوله
( يجول حباب الماء في جنباتها ... كما جال دمع فوق خد مورد )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ومثله في اللطف قول ديك الجن الحمصي
( موردة من كف ظبي كأنما ... تناولها من خده فأدارها )
ومن المستغرب في وصف البنفسج ما نسب إلى ابن المعتز وهو
( ولا زوردية أوفت بزرقتها ... بين الرياض على زرق اليواقيت )
( كأنها فوق طاقات نهضن بها ... أوائل النار في أطراف كبريت )
أوردوا على هذا التشبيه نقدا ولكن ما يحمل البنفسج هنا نقله ومن التشابيه الغريبة قول بعضهم في تشبيه النار
( أنظر إلى النار وهي مضرمة ... وجمرها بالرماد مستور )
( شبه دم من فواخت ذبحت ... وفوقه ريشهن منشور )
ومثله في الغرابة والحسن قول ابن الخلال في تشبيه الشمعة
( وصحيحة بيضاء تطلع في الدجى ... صبحا وتشفي الناظرين بدائها )
( شابت ذوائبها أوان شبابها ... وأسود مفرقها أوان فنائها )
( كالعين في طبقاتها ودموعها ... وسوادها وبياضها وضيائها )
أقول إنها أنور من شمعة الأرجاني وإن مشى غالب الناس على ضوئها
ومن التشابيه الغريبة المنسوبة إلى ابن المعتز أو ابن الرومي تشبيه أرباع الجوز الأخضر وهو
( جاءت بجوز أخضر مكسر مقشر ... كأنما أرباعه مضغة علك كندر )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ومن التشابيه العقم التي لم يسبق صاحبها إليها قول القائل في أحدب
( قصرت أخادعه وغاب قذاله ... فكأنه مترقب أن يصفعا )
( وكأنه قد ذاق أول صفعة ... وأحس ثانية لها فتجمعا )
ومما ينسب إلى إمام هذه الصناعة القاضي الفاضل قوله في نفسه وهو في غاية الظرف
( ما كان يكمل حر ذا ... الإيوان حتى ازداد قبه )
( فكأنني فيه خروف ... شوي ومن فوقي مكبه )
ويعجبني من التشابيه البليغة قول القائل
( أأميم لو شاهدت يوم نزالنا ... والخيل تحت النقع كالأشباح )
( تطفو وترسب في الدماء كأنها ... صور الفوارس في كؤوس الراح )
ومثله في الحسن قول الناشئ
( في كأسها صور تظن لحسنها ... عربا برزن من الحجال وغيدا )
( وإذا المزاج أثارها فتقسمت ... ذهبا ودرا توأما وفريدا )
( فكأنهن لبسن ذاك مجاسدا ... وجعلن ذا لنحورهن عقودا )
هذا المعنى ولده الناشئ من قول أبي نواس في التصوير
( بنينا على كسرى سماء مدامة ... مكللة حافاتها بنجوم )
( فلو رد في كسرى بن ساسان روحه ... إذا لاصطفاني دون كل نديم )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
وألم به ابن قلاقس فيما بعد وسبكه في قالب حسن بقوله
( دارت زجاجتها وفي جنباتها ... كسرى أنوشروان في إيوانه )
( فخلعت عن عطفيه حلة قهوة ... وشربتها فغدوت في سلطانه )
وألم به الشيخ صلاح الدين الصفدي وأجاد إلى الغاية مع حسن التضمين بقوله
( ومشمولة قد هام كسرى بكأسها ... فأضحى ينادي وهو فيها مصور )
( وقفت لشوقي من وراء زجاجة ... إلى الدار من فرط الصبابة أنظر )
وألم به بعده الصاحب فخر الدين بن مكانس رحمه الله تعالى بقوله
( إذا ما أديرت في حشا عسجدية ... بها كل ذي تاج وقصر تصورا )
( فحسبك نبلا في السيادة أن ترى ... نديميك في الكاسات كسرى وقيصرا )
لم أورد هذه الأبيات التي ولدها المتأخرون في معنى التصوير خالية من التشبيه وأداته إلا لفائدة عن لي إيرادها هنا وهي معرفة الموجب لنقش هذه الصورة على ظاهر الكاسات
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ذكر الفقيه أبو مروان الكاتب ابن بدرون في شرحه لقصيدة الوزير عبد المجيد بن عبدون أن سابور بن هرمز الملقب بذي الأكتاف لما رجع من قتال بني تميم قصد الروم والدخول إلى القسطنطينية متنكرا واستشار قومه قبل ذلك فحذروه فلم يقبل قولهم وصار إليها فصادف وليمة لقيصر قد اجتمع فيها الخاص والعام فدخل في جملتهم وجلس على بعض موائدهم وكان قيصر قد أحكم تصوير سابور على آنية شرابه فانتهت الكأس في المجلس إلى يد بعض ندماء الملك وكان ذكيا حاذقا ومن الاتفاق العجيب جلوس سابور في مقابلته فصار النديم ينظر إلى الصورة وإلى سابور ويتعجب من تقارب الشبهين فلم يسعه غير القيام إلى الملك والإسرار إليه بما شاهده فقبض في الحال على سابور ولما مثل بين يدي قيصر سأله عن خبره فقال أنا من أساورة سابور هربت منه لأمر خفته
فلم يقبل ذلك منه وقدم إلى السيف فأقر بنفسه وجعل في جلد بقرة
وتمام أمره إلى أن خلص وعاد إلى ملكه يطول شرحه هنا ومن أراد ذلك ينظر من سلوان المطاع في السلوانة الثانية فإنها مشتملة على أنواع من الحكمة
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
رجع إلى فتح باب ما كنا فيه من تشبيه المحسوس بالمحسوس فمن التشابيه الملوكية التي لا يقع مثلها للسوقة تشبيه سيف الدولة بن حمدان في قوس قزح وهو
( وساق صبيح للصبوح دعوته ... فقام وفي أجفانه سنة الغمض )
( يطوف بكاسات العقار كأنجم ... فمن بين منفض لدينا ومنقض )
( وقد نشرت أيدي الجنوب مطارفا ... على الجود كنا والحواشي على الأرض )
( يطرزها قوس السحاب بأصفر ... على أحمر في أخضر أثر مبيض )
( كأذيال خود أقبلت في غلائل ... مصبغة والبعض أقصر من بعض )
ومن تشابيه سيف الدولة الغريبة أيضا قوله
( أقبله على جزع ... كشرب الطائر الفزع )
ومن التشابيه اللطيفة ما نسب إلى إبليس فإن القاضي شمس الدين بن خلكان ذكر في تاريخه عند ترجمة ابن دريد أنه قال سهرت ذات ليلة فلما كان آخر الليل غمضت عيني فرأيت رجلا طويلا أصفر اللون كوسجا دخل علي وأخذ بعضادتي الباب فقال أنشدني أحسن ما قلت في الخمر
فقلت ما ترك أبو نواس لأحد دخولا في هذا الباب
فقال أنا أشعر منه
فقلت ومن أنت فقال أنا أبو ناجية من أهل الشام وأنشدني
( وحمراء قبل المزج صفراء بعده ... أتت بين ثوبي نرجس وشقائق )
( حكت وجنة المعشوق صرفا فسلطوا ... عليها مزاجا فاكتست لون عاشق )
ومن بليغ التشبيهات وبديعها قول أبي محمد عبد الله بن قاضي ميلة في قصيدته الفائية التي امتدح بها ثقة الدولة القضاعي صاحب صقلية الروم وسارت له بها الركبان وأثبتها القاضي شمس الدين بن خلكان بكمالها في تاريخه وقد تقدم ذكر مطلعها في حسن الابتداء والتشبيه الموعود بإيراده هنا قوله من القصيدة المذكورة ( وجؤجؤ مزن الرعد يستل ودقه ... ترى برقه كالحية الصل يطرف )
( ذكرت بها ريا وما كنت ناسيا ... فأذكر لكن لوعة تتضعف )
( كأني إذا ما لاح والرعد معول ... وجفن السحاب الجون بالماء يذرف )
( سليم وصوت الرعد راق وودقه ... كنفث الرقى من عظم ما أتلهف )
ومن لطائف التشبيهات البليغة قول القاضي الفاضل من قصيدة
( كأن ضلوعي والزفير وأدمعي ... طلول وريح عاصف وسيول )
رد: كتاب : خزانة الأدب وغاية الأرب
ومثله في اللطف قوله
( لو لم يعطل خاطري من سلوة ... ما كان خدي بالمدامع حالي )
( أودعته قلبي فخان وديعتي ... فسواده في خده كالخال )
ومن التشابيه الغريبة البديعة قوله أيضا من قصيدة أخرى
( وقد تهادت سيوف الهند إذ خضبت ... كالشرب حين تهادى بالزجاجات )
ويعجبني من لطائف التشبيه قول محيي الدين بن قرناص الحموي
( من لقلبي من جور ظبي هواه ... لي شغل عن حاجر والقويق )
( خصره تحت أحمر البند يحكي ... خنصرا فيه خاتم من عقيق )
ومن التشابيه البديعة قول مجير الدين بن تميم
( ونهر إذا ما الشمس حان غروبها ... ولاحت عليه في غلائلها الصفر )
( رأينا الذي أبقت به من شعاعها ... كأنا أرقنا فيه كأسا من الخمر )