الشاعر : عبدالرزاق عبدالواحد

[رجل الظلام]

(30)

وجرى جدولي في مياهك

عندما يدخل الغيم في الغيم
يشتعل البرق ملء الأجنة
كل الجذور تقلص أرحامها
في انتظار المطر
ثم يعلن عن خصبه الترب
حيث انفطر !
تلك معجزة الأرض في الخلق
معجزة الخلق في الأرض
مجمرة ومياها
فانظري
كيف يستنفر الزهر في موسم الخصب
كل مياسمه
فتعري هواها !
تتدلى الكؤوس على بعضها
والتويجات في بعضها
وتلاقي الشفاه الشفاها !
إنها سنة الخصب
فانتبهي
هل رأيت على الأرض
من سنة للتجلي سواها ؟!
وزرعت فمي في شفاهك
وجرى جدولي في مياهك
ترى
هل درى
عطش العمر
أني نذرت له ماء روحي ندى ؟
ونشرت له من جروحي مدى ؟
وبذرت مواجعه في دمي
وعذرت دمي إذ سقاها ؟
أنا لست سوى عابد
أنت معبوده البشري
فلا تفزعي
أن غدونا على قدرنا
تابعاً
وإلها !

[رجل الظلام]

(31)

يا بنت اسماعيل

بيدي ومنّي قاتلي وقتيلي
من ذا يغامر أن يكون كفيلي !
متوسد وجع المفازة كلها
عطشان بين جداولي ونخيلي !
هيمان حدّ لو الفرات بأسره
أسرى إلي لصدّ عنه غليلي
وأقول أدخل عندها ويردني
أني جميع العالمين دخيلي !
يا بنت إسماعيل .. ماذا ينبغي
أن يفعل القرآن بالإنجيل ؟!
وحّدت فيك الأنبياء جميعهم
وبلغت حد الكفر في التأويل
وتغالطين دمي على جريانه
ودمي إليك هو الوحيد دليلي
ألأنني بشغاف فلبي لا يدي
طوّقت خصرك خاشعاً لتميلي
وجمعت عمري كله في لحظة
ذابت بثغرك لحظة التقبيل !
ألأن وجهك فجر كل مواسمي
وسنى عيونك في الدجى قنديلي ؟
ألأن كل جداولي بجنونها
سالت على ضفتيك أي مسيل ؟
وتؤجلين دمي على غليانه
أتلذّذاً بمواجع التأجيل ؟
أفأنت خصم لي وخصم للهوى
أم ترحلين إليه قبل رحيلي ؟!
يا بنت إسماعيل نارك في دمي
فتعلمي يابنت إسماعيل
أن لاتثيري في العروق لهيبها
فحسابها في الله جد ثقيل !

[رجل الظلام]

(32)

في مهب الطفولة

لماذا تهب رياح الطفولة مسكرة
حين أرنو لعينيك ؟
أذكر نخل العمارة
أمطارها
والمزاريب تنشج
أذكر كيف الفقاعات تزخر في باحة البيت
تأتي
وتمضي
وتأتي
وتمضي
وعيناك تلتمعان
وليل العمارة ممتلئ بالكواكب
والنوم صيفاً على السطح يُسكِر ..
الله ..!
يا ما حلمت بأن معي نجمة في الفراش
فأحضنها
والضياء يشعشع بين جفوني
وعيناك قطر الندى في عيوني
ويقطر من زيرنا الماء !!
جرة جدتي امتلأت بالندى
قطرة
قطرة
يقطر الزير
والماء يلمع مثل النجوم
يساقطها الزير في جرة ملئت بالندى
قطرة
قطرة
وهي تلمع
تندى
وعيناك تلتمعان
يموج التماعهما بالندى
لماذا تهب الطفولة مسكرة
حين أرنو لعينيك
لو تعلمين لماذا ..!

[رجل الظلام]

(33)

كل شيء ضباب

كل شيء ضبابْ
ضحكاتي ضباب
ودموعي ضباب
كل أيامنا
غرقت في الضباب
ألبعد الذرى
لا أرى
أم لأنني
سقطت مقلتي في التراب ؟!

[رجل الظلام]

(34)

عندما تتشظى المرايا

سعيدٌ معي أنت ؟
ظل السؤال
كسيراً ..
وظلت إجابته لا تقال !
لماذا إذن نستفزّ المرايا
ونحن نحدق فيها عرايا
فنبصر أوجاعنا والخطايا !
سعيدٌ ؟؟
أجلْ.. كنت يوما سعيد
و لابأس ، واليوم عيد
سأعلن أني سعيد !
بكل العطش
بكل الوعود
بكل الغيوم التي رحلت
والتي لاتعود
بنصف السلام
ونصف الكلام
سعيد بنصف ابتسام
ونصف سأحفظه لزمان الجفاف
لعل جميع الضفاف
ستهجرني ذات يوم
ولن أستشير المرايا
لأن سماتي جميعاً سبايا !
لأنني
أراقب كيف تذودين عني
جميع السعادات
حتى التمني !
سعيد معي أنت ؟
كل السعادة
فقد أصبحت ضحكة الحزن عاده ..!

[رجل الظلام]

(35)

في تقاطع الطرق

هكذا دائما بلا أمل
نلتقي في مفارق السبل
هكذا كالفراش موسمنا
ينتهي دائما على عجل
ثم تذرو الرياح أجنحة
قطعتها مفازة الغزل
هكذا دائما من الأزل
بين مستوحش ومرتحل
نلتقي أنفسا مجرحة ثم
نمضي كل إلى طلل
لا تقولي طريقه بلل
عمره ما شكا من البلل
كان مثل الطيور يسبقها وهو
يشدو حتى على الوشل
كل ليل يُرى على شجر
كل فجر يلوح في جبل
فرحا كان هائما غردا
كالعصافير قبل أن تصلي
ما الذي جئت تفعلين به ؟
أنت أرديته على مهل !
ليتك اخترت عمق مقتله
دون أن تشعريه بالملل !
ذاهبٌ ذاهب فلا تسلي
سوف أمضي ولو إلى أجلي !

[رجل الظلام]

(36)

يا عذبة الروح

ياعذبة الروح إني متعبُ الروح
بوحي فقد تلتقي أوجاعنا بوحي
بوحي فبي قلقٌ أبقى أستّره
عن العيون ويبقى جدّ مفضوح
بوحي فسيماؤنا في الحب واحدة
وكلنا بأساه نبضه يوحي
إني أنام بعين جدّ ساهرة
وتضحكين بقلب جد مجروح
ياعذبة الروح هل كانت عوالمنا
من قبل أن نلتقي وشما على السوح
بحيث صرت أرى في كل منعطف
مجرى نجيع لنا في الأرض مسفوح
يلوح لي أننا مذ دار كوكبنا
كنا به بين ذبّاح ومذبوح
يا عذبـــــــــــة الـــــروح ..!

[رجل الظلام]

(37)

حنين إلى ريام

أدمنت فيك على ربوعي
وأفأت فيك إلى زروعي
وعرفت من عينيك أسرار
التهجد والخشوع
فعكفت أصنع من شراييني
ومن رئتي شموعي
وسللت كل فتيلها خيطاً
فخيطاً من ضلوعي
أسرجتها لك طول ليلي
من أساي ومن ولوعي
من حيرتي حد الضياع
ومن مجافاتي هجوعي
يلـ بنت إسماعيل فانتبهي
إلى الوهج المروع
هيَ روحيَ التهبت فلا
لا تطفئيها بالدموع
أذوي أنا يا بنت إسماعيل
إن كثرت صدوعي ..!

[رجل الظلام]

(38)

شفرة النار

نهران أشقران
ناما وعيناي على الضفة تسهران !
تُرى ،
أمن بحيرة الجنة ينبعان ؟
أم يسكبان الماء في بحيرة الجنة ؟
وحول ملتقاهما
مزيج ضوء الشمس بالجنة !
يا غابة الحرير
يا غابة النرجس والعبير ..!
ترى
إذا سرى
بين انبلاج الضوء والظلماء
زورق بهذا الماء
هل يجد المرفأ ؟
والموقد القديس
مشتعلاً يلقاه
أم أطفأه إبليس
وخبّأ الجمرة في محرابه المطفأ ؟!
يا نبعها ..
لو شفرة من نار
جاست ببيت اللؤلؤ النابض والمحار
يصفق الموج لها ؟
أن يسكن التيار ؟
تنفتح الأنهار
عن نبعها ..؟
أم تنطوي وكل عنفوانها يُرجأ ؟
يا منبعاً من نار
ينبض فيه الموت واللؤلؤ والمحار
هل لشراعي فيك من ملجأ ؟!

[رجل الظلام]

(39)

مشارط النار

أنت تقتلني الآن
هذي الأصابع .. أطرافهن
جداول نار تراكض من خلفها
كل أوردتي تتفجر
جلدي أحس به يتفطر
غيمة نار
تعرش في أذني وعيني
تجتاح كل المسارب
تشعلها عصباً عصباً
أنت تقتلني الآن
هل ..
هل تحس استجابة روحي
بكل مواجعها ؟
أفتسمع كفك هذي
صراخ المسامات تحت أصابعها ؟
حرفة ؟
أم شعور ؟؟
الدنا كلها بي تدور
وأنا لا أعي غير هذي المشارط
وهي تغوص
تغوص
لآخر نبع دم بين أوردتي
وتخدر جمجمتي
أتوسل كلي بها
وهي تذبحني
وتظل تغلغل في بدني
لتفتح بين الجروح
منفذاً لعذابات روحي ..

[رجل الظلام]

(40)

عــتــاب

لماذا تحاول تعريتي هكذا ..؟
أنت تعلم أن المجاهيل
هيّمت السندباد
وأبقت على شهرذاد
وشدت إليها مدارات كل النجوم
وتعلم أني أنثى
جميع الملاجئ فيها تدوم
ما مجاهيلها يا صديقي تدوم ..
وتحاول تعريتي هكذا ..!
إنني أتساءل
لو كان حباً
لأبقيت شيئاً من الغيم تهفو إليه
ولأبقيت شيئاً من الماء تخشى عليه
أنت تهتك أسرار نبعي
سراً فسراً
وبين يديك وعينيك
كل كنوزيَ تعرى
وأنا صامتة
وعيون اللواتي بحبك حذرنني
كلها شامتة
لماذا ؟؟
لماذا تحاول تعريتي هكذا ؟..
جائع أنت ؟؟
أدرى الأنام أنا
بمدى التخمة الـْ أنت فيها
أم تجردني الآن من كبريائي ؟
لست أملك شيئاً
ولكن هذا إنائي
والعبير الذي فيه مائي
وسيقتلني ندمي
حين تغسل أقدامك الحافية
بكنوز دمي
أنت تعلم أني أحبك حد العبادة
دع كنوز دمي لمواعيدها
فهي تزكيتي للشهادة !

[رجل الظلام]

(41)

لزوم ما لا يلزم

من أي نبع سأنهلْ
وكل ما فيك منهلْ
ثغر على شفتيه أندى
ندى الفجر هلهل
جئنا عطاشاً فعاصى
ثم اتّقى .. ثم أمهل
حتى إذا ما رآنا نذوي
سقانا فأذهل !
ويا مدى مقلتيها في
كل كحلاء مجهل
في كل عين نجوم
بالضوء والحب تأهل
وصدرها يا إلهي
ريان نديان أشهل
أتيت كالذئب أعوي
ففزّ كالخيل يصهل
وعندما اكتظ ثغري به
تراخى وحيهل !
يا من رأى الثدي طفلاً
جذلان يُرضع أكهل
إلى هنا واتقينا أنا
أعي وهي تجهل !

[رجل الظلام]

(42)

طعم المناقير

أنتِ علمتني
أن بعض الشفاه لها ميسم
مثلما للورود
فإذا قبلت أخصبت
وتبرعم في البنت كل الوعود !
لأنت علمتني أن بعض الشفاه لها عالم
غير عالمنا
ولها لغة غير هذي اللغات
وأقسم أني خبرت البنات
ولكنني لم أجد شفة
تستطيع اختصار جميع القواميس
بين الشهيق وبين الزفير
دون أن تتفوه حتى بحرف صغير !
يا شفاهك
يا موجة من عبير
يا لسانك
نبض العصافير
طعم المناقير
كنت أعسّ صغيراتها
تحتمي
ومناقيرها في فمي !
تأكل الخبز
لكن تنقرني
وأتابع منقارها
شوقه
وجفوله
يا زمان الطفولة !
ولسانك يفعل فعل المناقير
مثل قلوب العصافير
ينبض قلبي
ياشفاهاً تُقبّلي وهي تسبي
وتبسم لي لغة لا أراها
ولكنني لست أفهم شيئاً سواها
لك كل الذي ظل لي بعد ستين عام
من عذاب وحب !

[رجل الظلام]

(43)

مكالمة تلفونية

ألو ..

كيف أنت ..؟
وظل السؤالُ
غريباً ..
وظلت إجابته لا تقال ..!
أنا ..؟
أنت تعلم ضغط الوظيفة ..
أعلم ..
ثم أفاء إلى الصمت ..
من ساعتين يخابر
قالوا له :
هبطت لصديقاتها ..
لم تجب
كيف أنت ؟
أنا ؟؟
كنت واعدتني قبل أمس ..
أجل
وتوعكت ..
ما جئت أصلاً إلى الدائرة
فاتره
كل أعذارها فاتره
أمس أيضاً تغيبت ؟؟؟
لا .
جئت لكن خرجت سريعاً
أنت تعلم أنك تحرجها
فلماذا تلح عليها ؟
آه لو تنظر الآن في مقلتيها !
نلتقي اليوم ؟
سوف أحاول ..
يا صديقي الحزين
أنت تعلم علم اليقين
أنها لن تجيء
فلماذا تخادع نفسك فيها ؟
إن تكن
مثلما قلت تعشقها
دع لها أن تعيش الحياة
كما تشتهيها ..!

[رجل الظلام]

(44)

بعد الصحو

(جاءت تودعه وقد لبست كل زينة خطوبتها)

تذكرين ..؟
ذات يوم نصبنا لصيد العصافير
نبض خوافقنا شركاً !
كانت الزقزقات تهيّم أسماعنا
والرفيف
كان يملأ أضلاعنا ..
العصافير تنبض
والحب ينبض
والشعر ينبض
حين استفقنا
كنت أحمل في أضلعي سلة
من عصافير ميتة
وقصائد ميتة
ودموع ..
أنتِ ألقيت للريح
كل العصافير والشعر
عدتِ
حقيبتك الجلد
يملؤها مفقس للدجاج
وفي الراحتين
حِنةٌ ..
وشموع ..!

[رجل الظلام]

(45)

وجع متأخر

هوّن عليك
تدري بأنك ما جرحت العمر
إلا ّ من يديك
وتظل تنضح بعدها حزناً
وتفرك راحتيك !
ما أول الخيبات هذي
رغم موقعها لديك
هي خيبة أخرى ..
وأخرى في الطريق غداً إليك
يا أنت
من يدري متى الأيام تطفئ مقلتيك ؟
هوّن عليك ..!

[رجل الظلام]

(46)

إلى ريام

شارداً صار قلبي
من يوم أول نبضاته التفتتْ
وهي مبهورة
حين لامستها
كان بين ضلوعي يغفو
لا يحاسب من أحد
لا يحاسبه أحد
ويلوم ويعفو
شارداً صار
مربكة كل نبضاته
بين أضلاعه
نبضة وحدها
لم تزل صافية
علقت في الشغاف تأرجح
من يوم لامستها
وهي في ركنه غافيه ..!

[رجل الظلام]

(47)

إلى ريام أيضا ً

كلـمــــا نزلَ الحــــبـر من
قلمي للورقْ
عـلـقــت رعــشـــــة من
حنيني إليك به فاحترقْ !

[رجل الظلام]

(48)

نداء إلى شجرة الليلك

يا بتولْ
ما الذي يستطيع الندى أن يقولْ
غير أن تتناثر أحزانه
أدمعاً في الحقول
فإذا ما رأيت غداً
قطرة صافية
فوق ليلكة غافية
فاعلمي أنني كنت أبحث عنك
واعلمي أنني كنت أبكي ..
لا .. لا تنم ليلك
ياشجر الليلك
فعندنا زهرة
قد سكنت ميلك
ويلك لو نمت عن
أحلامها ويلك !

[رجل الظلام]

(49)

دعاء في ليلة مقمرة

رفقاً بعينيها إلى أن تنامْ
يا نعاس
انشر عليها السلام واترك لعيني السهر
فعينها من غمام ومقلتي من حجر
وحين يهمي الظلام هواجساً أو مطر
كن لكراها ملاذ
فلا تلامسه سوى بالرذاذ
تسقي بها أحلامها الدافية
أو زهرة غافية
في ثغرها الحالم
يا نعاس
رفرف بجنحي مَلَك
على ربيع وجهها النائمْ ..