السلام عليكم ..
في التسعينات ..
وفي ضواحي عاصمة الأزياء والعطور .. ( باريس ) ..
كان يعيش رجل فرنسي فقير .. على أرصفة المدينة ..
يفترش الأرض .. ويلتحف السماء ..
يقتات الفتات .. ويلبس بالي الثياب ..
ليس له مكان يرتاده .. أو ظل يركن إليه ..
ينام بالنهار في زوايا المجهول ..
ويستيقظ بالليل على براميل القمامة ..
يبحث .. ويبحث .. ويبحث .. وسط البراميل ..
وماذا عساه سيجد .. ؟
إلا كسرة خبز قد اكتست بعفن الخبز ..
يأخذها ويلمعها ثم يلتهمها ويبلعها ..
***
في وسط باريس .. ظهر رجل فجأة .. يلفه الغموض .. صاحب ثراء ومال ..
ما لبث أن أصبح أغنى أغنياء المدينة ..
من هو ؟ ..
ومن أين هو قادم .. ؟ ..
وكيف اكتسب كل هذا المال ؟
لا أحد يدري .. الغموض فقط يدري .. !
***
ولأن الناس لا هم لهم إلا مراقبة الناس .. ومعرفة أسرارهم .. بداعي الفضول مرة .. وبالحسد أخرى .. فقد بحثوا .. وبحثوا .. وبحثوا حتى عرفوا سر الحقيقة التي ينطوي عليها غموض هذا الثري الجديد ..
لقد كان يخفي سراً خطيراً .. عن مصدر هذا الغنى والثراء الفاحشين ..
***
تعالوا أقول لكم السر ..
بس أرجووووووووووووكم لا تخبرون أحد .. لأن الموضوع رايح المحرقة رايح .. !
يعني كلنا سنخفيه ونجعله سر ..
***
تذكرون الرجل الفقير .. الذي لا مأوى له ولا بيت ولا رزق ..
نعم .. نعم ..
الرجل الذي يظل طول الليل يبحث عن ما يأكله وسط براميل القمامة ..
الذي يفترش الأرض .. ويلتحف السماء ..
يقتات الفتات .. ويلبس بالي الثياب ..
ليس له مكان يرتاده .. أو ظل يركن إليه ..
ينام بالنهار في زوايا المجهول .. ويستيقظ بالليل على براميل القمامة ..
يبحث .. ويبحث .. ويبحث .. وسط البراميل ..
وماذا عساه سيجد .. ؟
إلا كسرة خبز قد اكتست بعفن الخبز ..
يأخذها ويلمعها ثم يلتهمها ويبلعها ..
هذاك الرجل .. وفي ليلة من الليالي .. وبينما كان يبحث عن كسرة خبز ..
أو أي شيء يسكت به صوت الجوع .. ويسد به رمق الحياة المتبقية في شرايين جسده المنهوك .. الذي بالكاد يحمل هيكلاً عظمياً .. يقعقع كلما قام أوقعد .. لن تجد بنات الثرى مأكلاً في جسده إن مات من الجوع ..
وبينما كان ينتشل ركام القمامات وسط البرميل .. وينثرها على الأرض ..
إذْ
إذْ
إذْ
إذْ
إذْ
إذْ
إذْ
إذْ
إذْ
.. سمع صوت له وقعُ ورنين .. ارتطم بالأرض ..
أخذه ..
وهو يظن أنه سبائك من الذهب .. أو عقود من اللؤلؤ .. أو صندوق من الجوهر ..
ولكن للأسف وجد حجراً ..
أزاحه بيديه الكليلتين .. المعروقتين .. النحيلتين .. وواصل البحث عن كسرة خبز ..
وبعد طول عناء .. لم يعثر على أي شيء يأكله ..
***
عاد إلى الرصيف .. إلى الفراش الوثير .. إلى الأرض .. والتحف بالسماء .. ونام ..
ناااااااااااااااااام نومة طويلة ..
وفي الصباح .. رأى الحجر الذي عثر عليه البارحة ..
لقد كان حجراً .. وليس أي حجر ..
لقد كان تمثالاً .. منحوتاً .. يظهر من أول وهلة أنه ثمين وله قيمة نفيسة ..
أخذه ونظفه .. ولبس ثياباً نظيفة ..
وذهب إلى أحد أشهر المتاحف:
( متحف اللوفر )
.. وباعه هناك .. بملايين لا تعد ولا تحصى ..
***
وأشرقت الشمس على تاجر .. صاحب ثراء ..
وعرف الناس سر هذا الثراء ..
وعرفوا أن هذا التاجر ما هو إلا ذاك الرجل الفقير ..
التائه على أرصفة المدينة ..
الذي يفترش الأرض .. ويلتحف السماء ..
يقتات الفتات .. ويلبس بالي الثياب ..
ليس له مكان يرتاده .. أو ظل يركن إليه ..
ينام بالنهار في زوايا المجهول .. ويستيقظ بالليل على براميل القمامة ..
يبحث .. ويبحث .. ويبحث .. وسط البراميل ..
وماذا عساه سيجد .. ؟
إلا كسرة خبز قد اكتست بعفن الخبز ..
يأخذها ويلمعها ثم يلتهمها ويبلعها ..
***
ومن حينها فطن الناس إلا أن بعض الأشياء الثمينة .. تذهب إلى ( المحرقة ) .. عفواً القمامة ..
فانتشرت ظاهرة في وسط باريس في التسعينات .. هذه الظاهرة هي أن الكثير من مواطني باريس يلبسون ثياب المعدمين .. ويبيتون يقلبون براميل القمامة عن الأشياء الثمينة.
بقلم / طيب الأصل.
دمتم بود.