رحلة الحج رحلة إيمانية
بقلم: د. زيد بن محمد الرماني*
الحج من أركان الإسلام الخمسة، قال تعالى: {لِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } [آل عمران].
فالحج على هذا فرض على كل مسلم بحسب الاستطاعة والقدرة، وفي الصحيحين بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان" متفق عليه.
ومن تأمل مناسك الحج وشعائره وأعماله وجدها في جملتها تربي في المسلم مكارم الأخلاق وجلائل الخصال وتعمق فيه نوازع البر والتقوى وتزرع فيه وازع الدّين.
حتى إذا رجع الحاج من البلد الحرام وقضى نسكه بعد أن عاش أياماً معلومات في أحب البقاع إلى الله في بلد الله الحرام وفي الشهر الحرام وعاين تعظيم المسلمين حرمات الله وتعظيمهم شعائر الله رجع إلى بلده وابتدأ صفحة جديدة وسلك نهجاً قويماً في العبادات والمعاملات والأخلاق، فأصبح إنساناً متميزاً بصدق التعامل وكثرة الخير وبذله المعروف وصفاء القلب.
إن رحلة الحج رحلة إيمانية أخلاقية تربوية. كما إن للحج أثراً في سلوك الحاج وفي تعامله مع الآخرين واستقامته، بل وفي حياته كلها، من حيث تغيّر حاله وسلوكه إلى الأحسن والتوجه إلى الاستقامة والصلاح.
وقد ذكر علماؤنا أن من علامات قبول الحج تبدّل حال الحاج إلى الأحسن والأفضل في أمور الديانة خاصة.
وحسب الحاج فضلاً ومنّة ما ينتفع به في رحلة الحج الميمونة من الفوز بمرضاة الله تعالى وغفرانه، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "من حجّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" متفق عليه.
ولذا، ينبغي أن يكون اهتمام الحاج بعد أن منّ الله عليه بأداء الفريضة بالمحافظة على مكتسبات الحج ومنها الاستقامة والصلاح وكريم الأخلاق وبذل الندى وكف الأذى واستشعار حقوق الإخوة والتعاون على البر والتقوى.
وهنا يرد سؤال مفاده: ماذا يجب أو ينبغي على الحاج فعله بعد أدائه لفريضة الحج؟! وهذا السؤال عظيم ومهم، يقول علماؤنا: إن من علامة قبول العمل الصالح اتباعه بالعمل الصالح ومن ثم، فينبغي على الحاج بعد رجوعه إلى بلده سالماً غانماً أن يلتزم جانب التقوى والبِّر والإحسان والتعاون والتكافل والاستغفار والتوبة والإنابة والمداومة على الأعمال الصالحة.
فطوبى لمن قُبل حجه، وتبدل حاله بعد الحج إلى أحسن حال، وفاز برضوان الله، وخرج من حجه بدروس في الأخلاق وتزكية النفس، وفقه مقاصد هذه الفريضة العظيمة.
هذه معالم تربوية توقد في المسلم جذوة الإيمان، ينبغي أن يتزوّد منها لغده، ففي يوم الجمعة موعظة ينبغي الإنصات لها، وفي رمضان تربية للجوارح واجتهاد وتبتل، وفي الحج جهد وجهاد واجتماع وتبادل منافع وتشاور.
اللهم اجعل الحج مبروراً، والسعي مشكوراً والتجارة رائجة لا تبور يا عزيز ياغفور.
* عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود، عضو الجمعية الدولية للاقتصاد الإسلامي، عضو الجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي، عضو جمعية الاقتصاد الإسلامي