رَغِيْفُ الحَسْرَة
شعر\ عيسى جرابا
مَنْ ذَا يُجِيْرُ؟ وَمَنْ تُرَاهُ يُجَارُ؟
نَكَثَتْ بِمِيْثَاقِ اليَمِيْنِ يَسَارُ
أَتَلَمَّسُ الآهَاتِ وَهْيَ قَوَاصِفٌ
لَهَباً فَيُذْكِيْهَا الأَسَى الـمِدْرَارُ
كَمْ خَيْمَةٍ لِلَّيْلِ تَحْتَ رِوَاقِهَا
يُطْهَى عَلَى جَمْرِ الـخِدَاعِ قَرَارُ!
تَتَوَالَدُ الظُّلُمَاتُ فِيْهَا فَالـمَدَى
حُجُبٌ وَأَعْطَافُ الطَّرِيْقِ عِثَارُ
وَاللَّيْلُ يَمْنَحُهَا الأَمَانَ فَتَنْتَشِي
صَلَفاً تُغَنِّي وَالكُؤُوْسُ تُدَارُ
تَمْتَدُّ تَلْتَهِمُ البَيَاضَ وَكَالدُّمَى
فِي سَاحِهَا يَسَّاقَطُ الأَغْرَارُ
وَيُقَهْقِهُ اللَّيْلُ البَهِيْمُ وَقَدْ سَرَتْ
فِيْهِ الـحُمَيَّا مَا عَلَيْهِ إِزَارُ
يَهْذِي وَكَمْ غِرٍّ يُصَدِّقُهُ! وَكَمْ
طَالَتْ بِهِ الأَعْنَاقُ وَهْيَ قِصَارُ!
طِفْلُ السُّكُوْنِ يَشِبُّ فِي أَحْضَانِهِ
خَدَراً وَبَيْنَ ضُلُوْعِهِ إِعْصَارُ
فِرْعَوْنُ لَوْ يَدْرِي بِمُوْسَى لَمْ يَكُنْ
يُؤْتَى بِمُرْضِعَةٍ وَتُفْتَحُ دَارُ!
مَنْ لِي بِعَيْنٍ... أَوْ فَمٍ؟ عَيْنِي تَجَـ
ـمَّدَ مَاؤُهَا وَفَمِي عَلَيْهِ حِصَارُ
صِيْغَتْ مِنَ الوَجَعِ العَتِيْقِ حِكَايَتِي
فَالـحَرْفُ دَامٍ وَالفُصُوْلُ قِفَارُ
وَيَكَادُ يَخْنُقُنِي الظَّلامُ فَأَنْثَنِي
خَوْفاً وَيَخْذُلُنِي الغَدَاةَ نَهَارُ
يَا جُرْحُ نَزْفُكَ بَاتَ تَأْلَفُهُ القُلُوْ
بُ كَأَنَّهَا رَغْمَ الـحِرَاكِ جِدَارُ
تَبْنِي قُصُوْراً مِنْ ثَرَى أَحْلامِهَا
عِنْدَ الكَرَى وَإِذَا صَحَتْ تَنْهَارُ
تَصْطَفُّ آلاَفٌ مِنَ الأَعْذَارِ بَيْـ
ـنَ يَدَيْ دُجَاهَا وَيْحَهَا الأَعْذَارُ!
أَيُفِيْقُ مَنْ تَسْقِي لَيَالِيَهُ مُدَا
مَاتُ الـهَوَى وَالعُوْدُ وَالـمِزْمَارُ؟!
يَا جُرْحُ بَلْ يَا أَلْفَ جُرْحٍ فِي دَيَا
جِي الصَّمْتِ نَلْعَقُهُ وَعَزَّ دِثَارُ
نَمْشِي... يَطُوْلُ الدَّرْبُ يَسْكُنُنَا الظَّمَا
وَالـمَاءٌ تَحْتَ أَكُفِّنَا أَنْهَارُ
وَتَكَادُ تَحْتَجِبُ الرُّؤَى مِنْ حَوْلِنَا
وَالنُّوْرُ فِي أَعْمَاقِنَا وَالنَّارُ
حِقَبٌ شِدَادٌ تَغْتَلِي ثَأْراً وَلَمْ
يَبْلُغْ مَدَاهَا الثَّأْرُ وَالثُّوَّارُ
يَتَقَاسَمُوْنَ رَغِيْفَ حَسْرَتِهِمْ عَلَى
غُصَصٍ وَيَلْتَحِفُ الـهَنَا سِمْسَارُ
جُرْحٌ عَلَى جُرْحٍ يَنِزُّ وَيَنْتَخِي
وَعَلَى الرُّؤُوْسِ سَكِيْنَةٌ وَوَقَارُ
نَجْتَرُّ أَذْيَالَ الـمَخَازِي خَلْفَنَا
وَأَمَامَنَا السِّكِّيْنُ وَالـجَزَّارُ
يَعْلُو غُبَارُ الـخَوْفِ تَصْطَكُّ الـخُطَى
فِي بَعْضِهَا وَتُعَرْبِدُ الأَسْوَارُ
فَتَغِيْضُ عَيْنُ النَّبْضِ نَشْعُرُ أَنَّنَا
مَوْتَى وَلَمَّا تَنْفُذِ الأَقْدَارُ
حِقَبٌ مِنَ النَّكَسَاتِ تَرْسُمُ لَوْحَةً
خَرْسَاءَ يَنْطِقُ بِالضَّيَاعِ إِطَارُ
بَلِيَتْ ثِيَابُ الصَّبْرِ وَانْطَفَأَتْ مَشَا
عِلُ عَزْمِنَا وَاسْتَنْوَقَ الإِصْرَارُ
فَإِلَى مَتَى وَاللَّيْلُ يَهْزَأُ بِالصَّبَا
حِ وَبِالبَلادَةِ تُحْقَنُ الأَشْعَارُ؟
يَجْتَاحُنَا التَّغْيِيْرُ طُوْفَاناً فَأَيْـ
ـنَ الفُلْكُ أَيْنَ؟ وَمَنْ هُوَ البَحَّارُ؟