جبال جازان " هجرة مستمرة وضنك عيش وندرة خدمات ".

[الهامس جهرا]

جبال جازان... «هجرة» مستمرة وضنك عيش وندرة «خدمات»
جازان - ناصر فلوس الحياة - 09/04/09//

حدّد تصريح وزارة الداخلية أول من أمس المنطقة الحدودية الجبلية من جازان مكاناً لجأ إليه الإرهابيون لتخزين أسلحتهم ومؤونتهم من الغذاء، ولم يبين التصريح مكانه في شكل دقيق، ويبدو من الصور التي عرضتها الوزارة أن مكان المغارة كان في آخر جزء من وادي لجب الشهير التابع لمحافظة صبيا (شمال شرق جازان) أحد المعالم السياحية الفريدة على مستوى المملكة والشرق الأوسط، إذ يقسم الوادي الجبال بصدع هائل يزوره السياح من كل مكان داخل السعودية، ويفتقد مع ذلك لأبسط الخدمات لأهله وزواره، ويصنف على أنه أحد أخطر مجاري السيول في المنطقة الجنوبية، إذ يبلغ ضحايا الغرق فيها سنوياً عشرات الشباب الذين يقصدونه للنزهة، ويباغتهم السيل في صورة متكررة كل عام.
وتمتد الحدود الجبلية مع اليمن لعشرات الكيلومترات التي تتجاوز 80 كيلومتراً من محافظة الحرث في الجنوب الشرقي من منطقة جازان حتى وادي ضمد التابع لمحافظة الداير بني مالك في الشمال الشرقي من منطقة جازان، ومعظم طرقها شديد الوعورة، ولم تصلها معدات وزارة المواصلات والطرق لسفلتتها، واكتفت بمسحها وتمهيدها فقط، ومع ذلك تتناثر مدارس تعليم البنين بمراحلها الثلاث في كل نقطة يسكنها مواطنون لدرجة أن بعض المدارس في جبال قيس والعبادل وسلا والأيتام والجذم وسحار والداير وبني مالك والريث وطلان وخاشر والصهاليل ومنجد وهروب والربوعة والحشر والجبل الأسود التي يصل ارتفاع بعضها إلى 7 آلاف قدم لا يتجاوز عدد طلابها أصابع اليدين يدرسون في صفين أو ثلاثة ويطبق عليهم نظام الضم ويطلبها بعض المعلمين ويبقون فيها لسنوات لوجود (بدل مناطق نائية) يصل في بعضها إلى 75 في المئة، ويعيش بعض سكان تلك المناطق في رغد مالي وفير، خصوصاً المواطنين الذين يؤجرون مبانيهم أو أراضيهم مدارس بأجور عالية تصل إلى 100 ألف ريال سنوياً، والمعلمون من أهل تلك المناطق يتسلمون البدلات النائية العالي، في مقابل مطالب حياتية بسيطة جداً، إذ يسكن الجميع في منازل متواضعة أكثرها من الحجر، ولا يكلف بناؤها آلاف الريالات، ويعتمدون في طعامهم على ألبان الأغنام والأبقار وبيض الدجاج، ولحوم الحيوانات، بينما يعيش العدد الأكبر في فقر مقدع، وحاجة كبيرة لأساسيات الحياة، كما أنهم من دون وظائف، ويعتمد أكثرهم على مخصصات الضمان الاجتماعي الهزيل الذي يذهب ربعه لمشاوير الصرف الشهري من صرافات البنوك التي لا تتوافر في تلك الجبال، وتوجد في المحافظات السهلية مثل العارضة والداير والعيدابي وصبيا وبيش، بينما تتوافر استثنائياً في جبال فيفا (110كلم شرق جازان) لوجود أكبر تجمع سكاني في جبال جازان، ولبعد الجبل نوعاً ما عن أقرب نقطة حدودية مع اليمن، ويعاني في جانب آخر فتيات الجبال من انعدام فرص إكمال الدراسة المتوسطة والثانوية في غالبية قراهم ومحافظاتهم الجبلية، إذ تتوقف دراستهم في الصف السادس لعدم وجود مدارس متوسطة وثانوية للبنات في غالبية تلك المناطق فتقف أحلامهن عند تلك النقطة.
ويشكو مواطنو تلك المناطق الحدودية وتحديداً الواقعة في الشريط الحدودي أو على مقربة منه من منع الجهات المسئولة، وفي صورة أكبر سلاح الحدود من البناء الجديد، معللين ذلك بتعليمات عليا بهذا الخصوص على رغم أنهم يرغبون في البناء في أراضيهم وأراضي آبائهم ويتكفلون بدفع مبالغ مضاعفة لنقل مواد البناء لتلك الأماكن بسبب وعورة الطرق وصعوبة وصول الشاحنات والسيارات الكبيرة إلى تلك القرى الحدودية.
وتكاد تخلو تلك المناطق من مستوصفات الرعاية الأولية، والمستشفيات بينما تتوافر غرف صحية في بعض المدارس تفتح مع فتح المدرسة وتغلق مع نهاية اليوم الدراسي، تتوافر فيها أدوية مسكّنة وضمادات ومراهم توفر أدنى درجات العناية الطبية، وتولد نساء تلك القرى في منازلهن لبُعد المستشفيات وصعوبة الوصول إليها في المراحل الأخيرة من الحمل.
وكافأت أبناء أصحاب المزارع من الجنسين بتدريسهم مجاناً «قيادة الحاسب الآلي»، ومنحهم شهاداتها في كلية معلمي أبو عريش وإقامة المعارض السنوية، والندوات الدورية في كل محافظات المنطقة، وما زالت جهود الجمعية متواصلة حتى اللحظة ومع ذلك ما زال بعض المزارع قائمة على أرض الواقع في جبل سلا والأيتام، إذ تمثل الدخل الوحيد لأهلها.
كل تلك العوامل وغيرها من جوانب النقص أفرزت هجرة أبناء تلك القرى ونزولهم للسكن وتحمل الإيجار والمصاريف في المحافظات السهلية في المنطقة مثل العارضة والداير والعيدابي وصبيا وأبوعريش وبيش وبقاء آخرين في مناطق المملكة المختلفة بعد العيش هناك لسنوات بسبب وظائفهم وعدم عودتهم لأراضيهم بعد التقاعد وذهابهم للزيارات السنوية وفي المناسبات أو الأتراح فقط.