اعجبني ماكتبه الاستاذ عثمان النعماني ــ من القاهرة ــ عن العدل في حقوق العاملين فقال:
كفل الاسلام الحقوق التي تشعر العمال بالامان وتدفع الجور والظلم عنه من منطلق ان رسالته الغراء جاءت لرفع الظلم عن كاهل الجميع دون استثناء. ونظرا لاهمية الدور الذي يقوم به العمال في المجتمع وفي دعم الاقتصاد الوطني لكل بلد فقد الزم الاسلام اصحاب الاعمال بمنح هؤلاء العمال حقوقهم دون اجحاف أو تقصير مع احسان المعاملة اليهم وعدم هضم حقوقهم.
ويؤكد العلماء ان الدين الاسلامي رغب في العمل والجد والاجتهاد وحذر من البطالة والكسل فقال سبحانه وتعالى {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه} كما قال جل وعلا {فاذا قضيتم الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله}; وقال النبي صلى الله عليه وسلم (ما اكل احد طعاما قط خيراً من ان يأكل من عمل يده) ولقد صافح النبي يوما رجلا كان مزارعا فوجد يده خشنة جداً من اثر العمل في الارض فرفع الرسول صلى الله عليه وسلم اليد وقبلها وقال: (هذه يد يحبها الله).
ولقد جعل الاسلام العمل من اجل سد حاجة الاهل والنفس كالجهاد في سبيل الله حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا الانسان: (ان كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله وان كان خرج يسعى على ابوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وان كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله).
وفي كتاب (التكافل الاجتماعي في الاسلام) يؤكد المفكر الاسلامي الدكتور مصطفى السباعي ان العمل شرف فقد قال سبحانه وتعالى {ومن احسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا} ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (ان اشرف الكسب كسب الرجل من يده) كما ان العمل نعمة قال سبحانه وتعالى {ليأكلوا من ثمره وما عملته ايديهم افلا يشكرون}.
ويشير الى ان العامل مسؤول عن كل ما يعمل فقد قال الله سبحانه وتعالى {ولتسألن عما كنتم تعملون}, ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (ان الله يحب من العامل اذا عمل ان يحسن) فهذه أمانة أن يحسن ويتقن حرفته ومهنته.
ويشير الى اهمية المعاملة الحسنة من قبل صاحب العمل لمن تحت يديه فصاحب العمل مسؤول: حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) كما انه لا عمل بدون اجر حيث يقول الله سبحانه وتعالى {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف اليهم اعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون}.
ويشدد على اهمية ان يكون الاجر على قدر العمل فقد قال سبحانه وتعالى {ولا تبخسوا الناس اشياءهم} فالاجر حق للعامل لا منة من صاحب العمل وقال سبحانه {ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم اجر غير ممنون}, كما ان الاجر وحق العامل في حماية الدولة وولي الامر فقال سبحانه {اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى}; ويقول صلى الله عليه وسلم (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة.. حتى يقول صلى الله عليه وسلم ورجل إستأجر أجيراً فلم يوفه أجره).
ويؤكد على اهمية ان يكون العمل على قدر الطاقة حيث يقول صلى الله عليه وسلم: (ولا تكلفوهم ما لا يطيقون) ويقول الله سبحانه وتعالى {لا يكلف الله نفساً الا وسعها...}; كما يجب التأكيد على حق العامل أن يهيأ له العمل الذي يلائمه ويكتسب منه ما يكفيه ويكفي أسرته وأن ييسر له من التعليم والتدريب ما يؤهله لهذا العمل اضافة على ان هناك حقا للعامل في الراحة فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم (ان لنفسك عليك حقا وان لجسدك عليك حقا وان لزوجك عليك حقا).
ويلفت النظر الى حق العامل بعد موته على المجتمع فلقد ضمنت قوانين التكافل الاجتماعي في الاسلام المواطن عند عجزه أو مرضه نصيبا من بيت مال المسلمين يكفيه, وما قصة اليهودي زمن سيدنا عمر بن الخطاب وقد رآه رضي الله عنه يتسول فناداه وعرف أنه يهودي فاخذه وقال لمسؤول بيت مال المسلمين اجعل لهذا وأمثاله نصيباً من بيت مال المسلمين, لا بارك الله فينا ان أكلنا شبيبتهم ثم تركناهم عالة على الناس.
اما المفكر الاسلامي محمد يتيم فيرى انه من الضروري ان تقوم العلاقة بين صاحب العمل والعمال على العدل فالاسلام لم يحرم الظلم فحسب وانما حرم التظالم كما ورد في الحديث القدسي (يا عبادي أني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا) ويعتبر أن في ذلك اشارة الى ان الظلم حركة متعددة الاتجاه والابعاد والاسلام وهو يقر مبدأ العدل أعطاه أبعادا متعددة فللعدل بعد أخلاقي يتجلى مثلا في الانتصاف من النفس وأداء حق الغير رغم ما يمكن ان يكون بينك وبينه من شقاق كما في قوله تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} وكما في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ان يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وان تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا}.
ويبين ان للعدل بعدا انتاجيا يتمثل في أداء الاجير لواجبه وأن يعطي من نفسه أقصى ما يستطيعه حتى يصل الى أعلى درجات الاحسان والانتاجية وهذا المعنى يشير اليه قوله سبحانه وتعالى {وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لايأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم}.
ويرصد بعض الحقوق التي كفلها الاسلام للعمال ومنها حق العامل في أجر يمكنه من تلبية حاجاته الاساسية كما ورد في قول الرسول صلى الله عليه وسلم (من ولي لنا عملا وليس له منزل فليتخذ منزلا أو ليست له زوجة فليتزوج أو ليس له خادم فليتخذ خادما أو ليس له دابة فليتخذ دابة) وحق العامل في حماية الدولة له من شطط المشغل أو رب العمل فقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام ثلاثة اعتبرهم خصما له منهم: (رجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره) وحقه في نيل أجره كاملا غير منقوص بعد أداء عمله دون مماطلة أو تسويف لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (اعطوا الاجير أجره قبل أن يجف عرقه) .