قصة : مارك باترسون
ترجمة : أزهار الحارثي
وأنا أمشي ثبتّ عيناي على الأرض بحثاً عن أية شقوق في الرصيف . الممشى الجانبي باهت ووعر ومع هذا فحذائي
الرياضي الأبيض القذر يريحني . حتى الآن دستُ بقدمي اليسرى أربعة شقوق ، وأحاول الآن أن أجد أربعة أخرى لقدمي اليمنى . يجب أن أجد هذا العدد الموازي من الشقوق قبل أن أصل المستشفى . فجأةً ، زوج من أحذية دوك - مارتين استوقف طريقي . رفعت رأسي قليلا لأجد أمامي سروالا أسودا من الجينز، ممزقا من الركبة ، يعلوه حزام جلديّ محلول على قميص أزرق مكتوب عليه "شاطيء دايتونا" ومخطط على واجهته طولياّ باللون الأصفر. "عذرا" ، سمعتها من الرجل الأصلع الواقف أمامي وهو يبتعد عن طريقي . أتعجب لِمَ يضع نظارات شمسية في مثل هذا الجو الغائم كليا الذي أشعرني بالكآبة .
بعد أن خَلت الطريق لي بدأت سيري من جديد ، وقررت تفادياً لأي تصادم آخر أن أرفع رأسي كل خمس خطوات للتحقق مِمَّ يمكن أن يعترضني . ما زلت استشعر تلك الشقوق الأربعة التي وطئتها قدمي اليسرى . لا بد وأن ذكرى قدمي وهي تدوس على هذه الشقوق قد استوطنت حذائي . ها أنا أمشي ، الخطوة الأولى ... الخطوة الثانية .... الخطوة الثالثة ، من المهم وجود شقوق جديدة على الرصيف لقدمي اليمنى . الخطوة الرابعة ... الخطوة الخامسة ، نظري لأعلى . قدمي اليمنى تشعر بالفراغ وتتمنى لو أن شيئا ما يملؤها لتتعادل مع اليسرى .
المنصة هنا تنتهي بمنحدر صغير على الممشى الجانبي يطل على الرصيف بحوالي ستة إنشات لأسفل . رفعت رأسي وانتظرت خلوّ الشارع قبل محاولة عبوره . بعدما تفحّصَت عيناي أرجاء الطريق بأسرها أرسَلت لدماغي إشارة بأن الشارع واسعٌ بينما أقف ، ولكنه يضيق شيئا فشيئا على مدّ النظر حتى يختفي في نهاية الطريق . كما يمكنني أن أرى على الجادة المواجهة لائحة محل البقالة المصممة على شكل عين بومة حمراء كبيرة والتي تبدو في حجمها الآن ضعف المبنى السكني بالجادة الأخرى والذي يأتي على بعد عشر بنايات ، وأنا أعلم تماما أنه بطول خمسة طوابق على الأقل . قال لي أبي منذ زمن طويل أن أشكال أعيننا هي التي تجعلنا نرى الأشياء أصغر حجما كلما ابتعدنا ، تماما مثلما أرى الآن الشارع والمباني . كما أخبرني عن نظارات خاصة صُنِعت خصيصا لتصحيح هذا العجز في أعيننا ولكنه لم يتمكن من شراء واحدة لنا . وعندما سألته عن ذلك أخبرني بأنه سيحضر لنا واحدة بعد تسع جميلامات من الأسابيع . سألته : كم يطول هذا؟ قال بأنه وقت طويل ، فتسع جميلامات هي التكافؤ العددي للحرف ي ، إنه آخر عدد .
خلا الشارع الآن من أي سيارة إلا من شاحنة خضراء صغيرة جدا بدت بحجم الكلب ، لم أعرها اهتماما وعبرت . يبدو رصيف الطريق الرئيسي أكثر كآبة من رصيف الممشى الجانبي . إلا أن شقا صغيرا يشبه قطعة معدنية لامعة اعترى انتباهي بجانب فتحة مجاري مغطاة بغطاء معدني صدئ . لذا ، عدّلت من مشيتي ليتسنى لقدمي اليمنى أن تطأه . خطوة واحدة فوق الشق وثلاث للانطلاق . أصبحت الآن على الممشى الجديد ، رفعت رأسي بسرعة لأتفحص أي شيء يمكنه أن يعيق طريقي ، ثم وثبت فوق ظل لائحة البومة الحمراء وأكملت طريقي . بدأ المبنى السكني يتضح لي شيئا فشيئا وأراه الآن أطول من ذي قبل ، ويمكنني أيضا أن أرى مقعدا خشبيا أخضر أمامه . يا إلهي ، لم الحظ الشق الجديد الذي وطئته قدمي اليسرى عرضا . أصبح العدد الآن خمسة إلى واحد لصالح القدم اليسرى . أعلم يا قدمي اليمنى ، أعلم ما تشعرين به الآن ولكن لا تقلقي ، أنا متأكد من وجود شقوق أخرى تجعل كل شيء متساويا قبل أن نصل للمستشفى .
تتأرجح يداي على جانبي وأنا أمشي . أبي يقول أن هذا أمر طبيعي ، لأن الإنسان تطور عن الحصان وما زالت ذاكرته تحتضن طريقة المشي القديمة على الأربع . ويقول أيضا بأن اليدين تعتقدان أن تأرجحهما جزء من المشي ولذلك يجب أن نترك لهما مطلق الحرية في ذلك . لمست بجانب يدي اليسرى المتأرجحة عمود الكهرباء وأنا أعبره ، وبقي وقع الارتطام فيها . توقفت عن السير ، درت حول نفسي وعبرت العمود بحيث يكون على جهتي اليمنى محاولا أن أعيد نفس الحادث الذي وقع لليد الأخرى . لكنني أضعت مكان الارتطام ، ولمسته بظاهر يدي وليس بجانبها . لذا وقفت أمام العمود مباشرة . بداية قمت بلمس العمود البارد بظاهر يدي اليسرى متخلصا من انعدام المساواة البسيط . ثم لمسته بجانب يدي اليمنى في محاولة لإصلاح المشكلة الأصلية . يداي تساوتا في الأحداث الآن ، ويمكن لهما أن تبدآ السير من جديد . هناك شق نما عليه بعض العشب الأخضر عند قاعدة العمود . وقفت عليه مرتين بقدمي اليمنى ... أعلم أني غششت قليلا هنا ولكن لا بأس المهم الآن أن العدّ أصبح خمسة إلى ثلاثة لصالح اليسرى .
أحيانا يصبح من الصعب الانتباه لكل النقاط . لهذا أحب وأنا أمشي أن أعتني بالمشاكل الصغيرة التي قد تواجهني مثل مشكلة عمود الكهرباء التي صادفتني الآن ، وذلك كي لا أضطر للدخول في مشاكل مستعصية من الصعب حلها . ولم أكن لأهتم للضربات أو لِما يصيب أعضاء جسدي حتى أخبرني أبي يوما أن كل شيء تتلقاه أجسادنا يجب أن يكون متساوياً في كل عضو . ففي مساء ذلك اليوم دخلت عليه غرفة المعيشة ووجدته واقفا مقابل الحائط بجانب المدفأة ينقره بطريقة تشبه الضرب على آلة البيانو ، وحين سألته لِمَ يفعل ذلك أجاب بأنه يحاول تعديل نظام حاسوب المنزل المركزي . لكني لم أرَ أية أزرار أو أي شيء آخر . قالت أمي التي كانت مستلقية على الأريكة ممسكة فوق بطنها بكأس فارغ : "قل له ماذا تفعل بالضبط؟" . رضخ لها قائلا : "اسمع تومي ، هناك الكثير من النحل تحت سريري ولكي أبعده عني وأتخلص من لسعاته وأنا نائم يجب أن أجعل كل شيء في جسمي متساوياً".
"متساويا؟" سألته متعجبا . في تلك اللحظة أصدرت أمي همهمة وهي تتجه للمطبخ . أجابني : "نعم ، متساويا". واسترسل : "كما تعلم يا توم كيف يصادف أحيانا وأنت تمشي في الصالة مثلا أن تلمس إحدى يديك مكاناً ما في الجدار من غير قصد . لذا إن أردت ألا يلسعك النحل وأنت نائم فما عليك إلا أن تلمس الجدار بيدك الأخرى وبذا تتساوى أحداث يديك . يجب أن أذهب للنوم الآن ، ولكن لأني لم أتابع كل ما حدث لأصابعي اليوم ، عليّ الآن أن أجعل كل شيء متساويا". أشاح عني واستمر ينقر الجدار على نفس وتيرته الأولى .
قلت له: " ولكن ليس هناك أي نحل تحت سريري يا أبي"
رَدّ عليّ : " لأنك ما زلت في السادسة والنحل لا يأتي للناس إلا عندما يبلغون السابعة"
عادت أمي للغرفة وصوت قطع الثلج يعلو وهي تتحرك في كأسها . قالت: "بحق الله يا أرنولد ما الذي تقوله؟" لم يجب أبي وإنما استمر في عمله لمساواة كل شيء . أخذت أمي جرعة من كأسها ، مسحت ذقنها واستلقت على الأريكة .
سألتها: "هل هناك نحل تحت سريرك يا أمي" أغلقت أمي عينيها وتنهدت آخذة جرعة أخرى من كأسها ، ثم أزاحت رأسها قليلا عن مسند الأريكة وبدَأت بقضم قطعة من الثلج . لم تعرني انتباها وبقيت عيناها مغلقتين فهززتها من ذراعها . كانت شفتاها رطبتين ولزجتين ، ورائحتهما كرائحة الدواء . عطستُ حينها ومسحتْ على صدري قائلة : " نحل؟ أنا؟ لا يا تومي لقد تخلصت من نحلي منذ وقت طويل ، أما والدك لم يستطع التخلص من نحله ، هذا كل ما في الأمر". وضعت كأسها فوق بطنها واستسلمت للنوم .
إن تمكنتُ من معادلة وقع قدميّ على شقوق الممشى فسأتمكن هذه الليلة من طرد النحل عني . لقد نجحت في إبعاد النحل عني لخمس عشرة سنة كاملة . كان أكثر ما يهمني معادلته هو قدميّ ، لأنه معروف عن النحل أنه يهوى لسع الإنسان من قدميه . ما زالت المعادلة ثلاثة إلى خمسة لصالح اليسرى . كنت أذكّر نفسي بين الحين والآخر بالانتباه لأي شيء يمكنه أن يعيق طريقي فربما اعترضتني علبة مشروب زجاجية رماها أحدهم . يحتوي المبنى السكني الذي أمامي على خمسة طوابق ، وعلى بعد خطوات منه أرى المقعد الخشبي الأخضر . توقفت عن السير والتفت لأرى كيف أصبح حجم علامة البومة الحمراء الآن . تلقى دماغي من عينيّ إشارة بأن العلامة الآن أصبحت بحجم فطيرة حَلَقية صغيرة مع أنها في الحقيقة بطول خمسة أقدام تقريبا . وبدون قصد سحبت جانب قدمي اليمنى على الرصيف ، بينما بالكاد لامسَته اليسرى بباطنها . لذا ، جرجرتها على جنبها فوق الممشى . واحد لواحد ، متساويتان .
بدأت أتثاقل في مشيتي نحو المستشفى ، خطوة … خطوتان… ثلاث . ربما يكون لديهم تلك النظارات التي تصلح النظر ومن المحتمل أن تكون محفوظة هناك في خزانة ما . الخطوة الرابعة … الخطوة الخامسة … رأسي لأعلى للتأكد من المعضلات . لمحت صندوق هاتف عام في نهاية الشارع ، يجب أن أركض لأعبره بسرعة . لا أريد أي حمم نارية يمكن أن تنطلق من سماعة الهاتف وتحرق جلدي . هناك مقعد خشبي أخضر آخر على جانب الطريق وبجانبه شق أيضا ، وقفت عليه بقدمي اليمنى ، أصبح العدد الآن خمسة إلى أربعة لصالح اليسرى .
أنهكني الركض تجنبا للحمم فقررت الجلوس قليلاً . التفت وواجهت الشارع ، وكان المقعد خلفي تماما . رفعت يديّ للأعلى وأطلقتهما في الهواء ، ثم جلست بتأن . بالرغم من أنني كنت حذرا إلا أنني لاحظت أن جانب عجيزتي الأيمن لمس المقعد قبل الأيسر . وقفت وهويت عليه بطريقة الجلوس المعتادة ولكن بدون أن أنزل يديّ المعلقتين ، اللتين يجب ألا تلمسا أي شيء حتى أشعر بالمقعد على عجيزتي بأكملها . وقفت مرة أخرى ويداي متعبتان وأعدت جلستي مرة أخرى بحيث آمل أن يلامس جانب عجيزتي الأيسر قبل الأيمن . تفحصت ساعتي إنها الثانية عشرة واثنتين وعشرين دقيقة ، تفحصت ساعتي الأخرى إنها تشير إلى نفس الوقت . ما زالتا متزامنتين . رائع ، كل شيء مستقر . ثنيت يدّي فوق حجري .
بما أنني في استراحة الآن قررت أن أستغل الوقت في الوصول إلى تسع جميلامات لقد أخذت هذه المسألة مني وقتا طويلا ولكنني مصمم على أن أسلك كل الدروب إليها . عندما كنت قد بدأت العدّ من الرقم واحد لأصل الهدف المنشود كان براين ما يزال رئيسا للوزراء . إنه أمر ممتع ، فكلما اقتربت من نهاية الأعداد كلما كانت أسماؤها مضحكة أكثر فأكثر .
هذا الصباح ، عندما كنت عائدا إلى منزلي ، قررت ألا أفعل شيئا سوى الجلوس في باحة المنزل والعدّ ، كنت مصمما على إنجاز بعض النجاح . وعندما جلست على مقعدي الهزاز القديم وجدت أنني وصلت إلى تسعة سانتاكلوزات ، تسع رقائق ذرة ، تسعة أشربة زنجبيل ، بعد شراب الزنجبيل أتى دور الحلمات ، لقد ضحكت كثيرا عندما كنت أعدّ الحلمات فلم أتمكن إلا من الوصول لست حلمات قبل أن أبدأ العدو نحو المنزل لإخبار أبي .
دفعت الباب براحتيّ يديّ في الوقت ذاته ودخلت المطبخ ، ياله من عمل رائع . كنت متلهفا لرؤية أبي والافتخار أمامه ، لأنه يحاول الوصول إلى تسع جميلامات هو أيضا لكني كنت أسبقه في العدّ ، لسبب أن مانيتوبا السابعة قد استوقفته . لم أجد أبي في المطبخ ، لا أثر له هنا بالرغم من أنني لاحظت حبة طماطم مقطعة إلى شرائح فوق لوحة تقطيع الخضروات وبجانبها وعاء مملوء بالطماطم . دهشت وبدأت في تتبع قطرات عصير الطماطم التي كانت منتشرة على أرضية المطبخ . قادتني إلى غرفة المعيشة التي لم يكن بها سوى أمي والتي دائما ما تكون هناك في هذا الوقت ، ولكنها الآن رماد قابع داخل تلك المزهرية الخضراء فوق المدفأة .
قلت لها: " مرحبا ، أبحث عن أبي" وصعدت السلم المؤدي إلى غرفة والدي ركضا . كانت قطرات العصير على السلم كله ، وعندما وصلت إلى منتصفه ، اكتشفت أنني كنت أضغط على قدمي اليسرى أكثر من اليمنى وأنا أصعد ، عدت نازلا بقفزات متشابهة من كلتا قدمي في الوقت ذاته . ثم صعدت السلم مرة أخرى إلى منتصفه ضاغطا على قدمي اليمنى أكثر . ونزلت مرة أخرى لأبدأ بشكل طبيعي من جديد . ومن غير أن أشعر لامست يدي اليسرى الحائط وتوجب علي أيضا أن ألمسه بيدي اليمنى ، وبينما أحاول تعديل هذه المسألة ، عضضت على لساني من جانب أسناني الأيسر ، أخذت نفسا عميقا وهدأت من روعي فإن لم أكن حذرا سأظل طوال يومي على السلم .
وقبل أن أصلح من مشكلة التفاوت في فمي ناديت على أبي : " أبي ، هل أنت هناك؟" . رَدّ عليّ : " نعم" فقلت له: "هل يمكنك مساعدتي عندي مشكلة في التفاوت هنا؟"
أغمضتُ عينيّ وركزّت في حل مشكلتي بأن أجعل كل شيء متساويا بأسرع ما يمكن . عضضت على لساني بفكي الأيمن وعيناي مغمضتان وكدت أصل إلى الطابق العلوي لولا أنني أدركت أن عينيّ كانتا مفتوحتين عندما عضضت لساني في المرة الأولى . " توم؟ " سمعت أبي يناديني . " أنا قادم أبي ، عندي معضلة صغيرة هنا ساحلها وأصعد إليك" قال لي: " حسناً ، خذ وقتك".
قررت التوقف عن تعريض نفسي للمصادفات وصعدتُ الدرجات المتبقية بقفزة واحدة من كلتا قدميّ لكل درجة . وقعت بنهاية السلم واضطررت لأن أجعل كوعيّ يلامسان الأرض عدة مرات لأنني وقعت على بطني ويجب الآن أن أجعلهما متساويان في الأحداث . عندما انتهيت ضغطتُ بكل حذر براحتيّ فوق السجاد بنفس القوة واتخذت ركبتيّ هيئة واحدة في آن واحد ، ثم وقفت . بعدها ربّت بطرف فردة حذائي اليمنى مرتين على الأرض ثم اليسرى ثم اليمنى مرة أخرى ليطمئن قلبي . وقفت واتجهت لغرفة أبي . ودفعت الباب بكلتا راحتي في الوقت نفسه .
وجدت أبي عاريا إلا من ملابسه الداخلية جالسا على الأرض في بركة من عصير الطماطم بين السرير وطاولة الزينة . رأيته يجرح ساقه اليمنى مبتدئاً من قدمه ومنتهيا إلى ركبته . ورأيت جرحا مماثلا في ساقه اليسرى ، وعلمت لحظتها أنني أبدا لم أكن أتتبع قطرات العصير .
"هل أنت بخير أبي؟"
نظر إليّ ثم هزّ كتفيه ، كانت ملابسه ملقاة بجانبه وقد اصطبغت باللون الأحمر . ثم أشار إليّ ممسكا بسبابته اليسرى المقطوعة على شكل شرائط ، ووضع السكين على الأرض ومد لي سبابته الأخرى المقطوعة بنفس الطريقة وسألني : " هل تعتقد أنهما متساويتان؟"
كان هناك العديد من الجروح على ذراعيه ، وكتفيه العاريين ، وصدره بالاضافة إلى ذينك الجرحين الجديدين على ساقيه . أبي يحب فطيرة الطماطم المحمصة ولكنه ينسى أحيانا وضع قفازات على يديه تجنبا لأي جرح . " تبدوان رائعتين أبي" كذبت عليه: " إنهما متساويتان" . في الحقيقة ، كانت سبابته اليسرى أسوأ من اليمنى بكثير ، ولكني اعتقدت أن بضع لسعات من النحل ليلاً أفضل من أن يأتي على كامل جسده بالتقطيع . أخذت السكين ومررتها تباعا على يديّ مرة على اليمنى وعلى اليسرى أخرى . قال لي : "انتظر لم انته بعد ، أنظر إلى هذا الجرح هنا" ، وأشار إلى ساقه اليسرى " إنه ليس بنفس استقامة الجرح الآخر"
" أعتقد أنهما جيدان أبي" وبدأ ينزف أكثر . قلت له: "يجب أن نتصل بأحد للمساعدة" قال: "لا ، إحذر الحمم النارية"
"حسنا، سأذهب لإحضار الطبيب حالا"
بعد أن وصلت في العدّ إلى تسع حلمات ، جاء دور الشمعدانات . بعد أن وصلت لتسعة شمعدانات جاء دور صخور الحديقة . بعد تسع صخور الحديقة . بدأت بأكواز الذرة وبعد تسعة أكواز تأتي فراشي الصبغ . بعدها فرشاة صبغ فرشاتان ثلاث فراشي صبغ . لا أستطيع الانتظار حتى الوصول إلى تسع فراشي يجب أن أصل للمستشفى . نظرت إلى ساعتيّ ، الوقت فيهما يشير إلى أنني ضللت هنا مدة إحدى عشرة دقيقة وأربعين ثانية . سأنتظر حتى تصبح أثنتي عشرة دقيقة ثم أذهب . إذن لدي بعض الوقت لأكمل العدّ . "أين وضعت السكين؟" فرشاة الصبغ الرابعة ، فرشاة الصبغ الخامسة . ساعتاي تأذنان لي بالقيام الآن لأن الاثنتي عشرة دقيقة قد اكتملت . نهضت بكل حذر وهدوء.
تابعت طريقي على الممشى من جديد ، يلوح لي المستشفى الآن وأراه أكبر قليلا من صندوق حفظ الخبز . تفحصت الرصيف بحثا عن شقوق جديدة . فرشاة الصبغ السادسة ، فرشاة الصبغ السابعة . هناك واحد ، وقفت عليه بقدمي اليمنى . تعادلت القدمان!! أصبح العدد الآن خمسة إلى خمسة ، تعادل آخر ، نجاح آخر . قدماي تشعران بالراحة الآن . ثمان فراشي ، تسع فراشي صبغ . بدأت الشمس تظهر من خلف السحب الداكنة وكل شيء حولي أصبح أكثر إشراقا . لم أستطع النظر جيدا الآن ولكن عيني اليسرى أغمضت قبل اليمنى.
سأصلح ذلك لاحقا.
لنرَ الآن أين وصلت ، تسع فراشي صبغ ، ماذا بعد ذلك؟ يا إلهي! إن هذا غير متوقع . العدد القادم هو تسع جميلامات ،
جميلامات واحدة ، جميلاماتان…
سينتهي كل شيء قريبا.