يرفضون لقاء الله وهو يدعوهم
لو أن أحد الناس يدعوه المحافظ أو الأمير أو مدير الشرطة أو رئيس البلدية أو رئيسه في العمل ، أو أي مسؤول لمقابلته خمس مرات ، وفي ذلك اللقاء يغدق عليه ويهديه الهدايا ، هل سيمتنع هذا الشخص عن المقابلة وتلبية الدعوة ؟؟
أظن أن الجواب لا 00 بل سوف يستعد لذلك اللقاء قبل الموعد بساعة أو ساعتين ، وسوف يلبس أجمل ملابسه ، وسوف يتطيب بأطيب العطور والطيب ، وسوف يعتني بمظهره ، ويبدو في أجمل صورة وأكمل هندام 00 وهو لن يكسب في ذلك اللقاء إلا ابتسامة أو مزاح عابر ، وربما شيء بسيط من الدنيويات 00
لكن الله سبحانه وتعالى الخلاق الرزاق ذو القوة المتين يدعونا كل يوم خمس مرات ، فالقلة يلبي ذلك النداء وتلك الدعوة بنفس راضية منشرحة فرحة بهذا اللقاء ، ويذهب مبكرا قبل الأذان ، بينما أغلبنا يذهب عندما تقام الصلاة ، والبعض تفوته تكبيرة الإحرام ، والبعض قراءة الفاتحة ، والبعض الركعة الأولى ، والبعض الأولى والثانية ، وربما الصلاة بأكملها ، وربما لا يذهب ويؤخرها ويؤجلها أو يجمعها مع الصلاة التي ستأتي بعدها !!
وليس لدى الأغلبية ما يشغلهم ، ويكون لديهم العذر في ذلك 00
البعض يذهب ورائحته كريهة ومقززة ، سواء برائحة الطعام أو العرق أو الدخان ، أو بسبب رائحة ملابسه المعفنة 00 والبعض يذهب في ثوب النوم ، والبعض يذهب حاسر الرأس ، والبعض يذهب في ملابس رياضية مكتوب على ظهره أسماء لاعبين مثل : إيتو ، أو رولاندو ، أو ميسي ، أو نور ، أو كاكا ، أو ياسر ، وغيرها من الأسماء ، أو رسومات أو أحرفا وجملا لاتينية أو إنجليزية أو يابانية أو فرنسية وغيرها 00
البعض يذهب في ملابس رثة أو حتى الفوطة أو الحوك أو المنشفة التي ينشف بها جسمه بعد الاغتسال 00
بالله عليكم : هل سيذهب لدوامه بتلك الملابس أو سيذهب للمحافظ أو رئيس المجلس البلدي أو مدير الشرطة بتلك الملابس ؟؟؟
ولكنه ــ وهو متثاقل الخطى ــ سيذهب إلى المسجد ويقابل ربه خالقه ورازقه ومن بيده عمره بتلك الملابس غير آبه أو مستح أو مختش !!
الصلاة صلة بين العبد وربه ، ففي الصلاة عبادة وذكر وحمد وشكر ودعاء واستغاثة ورجاء وطلب 0 الصلاة أخي هي عمود الدين ، فلو انكسر العمود انكسر الدين 00 مثل البيت لو انكسر العمود الأساسي طاح البيت ، ولو بقي ، بقي البيت 0 إن في الصلاة تأدية لجميع أركان الإسلام الخمسة ، فأركان الإسلام هي : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج بيت الله الحرام 00 هذه أركان الإسلام 00 فمن صلى ، أتى بهذه الأركان جميعا 00
كيف ؟
في الصلاة تقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ( الركن الأول ) وتصلي ( الركن الثاني ) وتسجد وتركع وتقوم أديت زكاة الأعضاء ، وفي هذا حديث ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (يُصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة ، فكل تسبيحة صدقة ، و كل تحميدة صدقة ، و كل تهليلة صدقة ، و كل تكبيرة صدقة ، و نهي عن المنكر صدقة ، و يُجزي من ذلك ركعتان يركعُهُما من الضحى ) رواه البخاري و مسلم رحمهما الله0
و السُلامى : بضم السين المهملة و تخفيف اللام و فتح الميم : المفصل 0
وشـــر ح السُلامى هي العظام أو مفاصل العظام ، يعني أنه يصبح كل يوم على كل واحد من الناس صدقة في كل عضو من أعضائه ، في كل مفصل من مفاصله0
قالوا: و البدَن فيه ثلاثمائة و ستون مفصلا ما بين صغير و كبير ، فيصبح على كل إنسان كل يوم ثلاثمائة و ستون صدقة 0 و لكن هذه الصدقات ليست صدقات مالية ، بل هي عامة ، كل أبواب الخير صدقة ، كل تهليلة صدقة ، و كل تكبيرة صدقة ، و كل تسبيحة صدقة ، و كل تحميدة صدقة ، و أمر بالمعروف صدقة ، و نهي عن المنكر صدقة ، كل شيء يقرب إلى الله عز و جل من قول أو فعل فإنه صدقة ، حتى أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( إنك إذا أعنت الرجل في دابته و حملته عليها أو رفعت له عليها متاعه فهو صدقة) قراءة القرآن صدقة ، طلب العلم صدقة ، و حينئذ تكثر الصدقات ، و يمكن أن يأتي الإنسان بما عليه من الصدقات و هي ثلاثمائة و ستون صدقة 0 ثم قال : ( ثم يجزئ من ذلك ) يعني عن ذلك ( ركعتان يركعهما من الضحى ) يعني أنك إذا صليت من الضحى ركعتين أجزأت عن كل الصدقات التي عليك ، و هذا تيسير الله عز و جل على العباد 0 و في هذا الحديث : دليل على أن الصدقة تطلق على ما ليس بمال 0
إذن زكيت ( الركن الثالث ) وفي الصلاة تمتنع عن الأكل والشرب ، بل من مفسدات الصلاة الأكل والشرب ، وهنا تصوم ( الركن الرابع ) وفي الصلاة تتجه إلى القبلة ، وهي ( الكعبة ) والحج قصد الكعبة ، إذن أديت أركان الإسلام الخمسة في الصلاة 00 لكن هذا لا يغني أن تزكي وتصوم شهر رمضان وتحج البيت الحرام 00 لكن الصلاة كأنما تحتوي على جميع الأركان 0
إن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ( حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء ، وجعلت قرة عيني في الصلاة ) وكان عليه الصلاة والسلام يحتضر وهو يوصي بالصلاة 0
ولأهمية الصلاة ومكانتها أنها فرضت في السماء ، أو أمر الله بها رسوله في السماء ليلة أسري به إلى بيت المقدس وعرج به إلى السماء ، وهذا يحدد أهميتها ومكانتها ، بينما بقية الأركان والعبادات فرضت في الأرض 0
يقول الله تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا } 0
هل ذلك فيمن أضاع وقتها فصلاها في غير وقتها أم فيمن أضاعها فلم يصلها ، ويقول الله تعالى : { فويل للمصلين () الذين هم عن صلاتهم ساهون }0
هل هو عن فعل الصلاة أو السهو فيها كما جرت العادة من صلاة الغفلة الذين لا يعقلون من صلاتهم شيئا ؟
إن المراد بهاتين الآيتين من أضاع الواجب في الصلاة لا مجرد تركها هكذا فسرها الصحابة والتابعون وهو ظاهر الكلام فإنه قال : { فويل للمصلين () الذين هم عن صلاتهم ساهون } 0 فأثبت لهم صلاة وجعلهم ساهين عنها فعلم أنهم كانوا يصلون مع السهو عنها وقد قال طائفة من السلف : " بل هو السهو عما يجب فيها مثل ترك الطمأنينة " وكلا المعنيين حق والآية تتناول هذا وهذا كما في صحيح مسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا ) ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن صلاة المنافق تشتمل على التأخير عن الوقت الذي يؤمر بفعلها فيه وعلى النقر الذي لا يذكر الله فيه إلا قليلا وهكذا فسروا قوله تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات }، بأن إضاعتها تأخيرها عن وقتها وإضاعة حقوقها وجاء في الحديث : ( إن العبد إذا قام إلى الصلاة بطهورها وقراءتها وسجودها ـ أو كما قال ـ صعدت ولها برهان كبرهان الشمس تقول له : حفظك الله كما حفظتني وإذا لم يتم طهورها وقراءتها وسجودها ـ أو كما قال ـ فإنها تلف كما يلف الثوب وتقول له : ضيعك الله كما ضيعتني ) 0 قال سلمان الفارسي رضي الله عنه " الصلاة مكيال من وفى وفي له ومن طفف فقد علمتم ما قال في المطففين "0 وفي سنن أبي داود عن عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن العبد لينصرف من صلاته ولم يكتب له إلا نصفها إلا ثلثها إلا ربعها إلا خمسها إلا سدسها إلا سبعها إلا ثمنها إلا تسعها إلا عشرها )0 وقد تنازع العلماء فيمن غلب عليه الوسواس في صلاته هل عليه الإعادة على قولين 0 لكن الأئمة كأحمد وغيره على أنه لا إعادة عليه واحتجوا بما في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضى التأذين أقبل فإذا ثوب بالصلاة أدبر فإذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه فيقول : اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يضل الرجل لا يدري كم صلى فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين قبل أن يسلم )0 فقد عم بهذا الكلام ولم يأمر أحدا بالإعادة .
والثاني : عليه الإعادة وهو قول طائفة من العلماء : من الفقهاء والصوفية من أصحاب أحمد وغيره كأبي عبد الله بن حامد وغيره لما تقدم من قوله ولم يكتب له منها إلا عشرها 0
والتحقيق أنه لا أجر له إلا بقدر الحضور ; لكن ارتفعت عنه العقوبة التي يستحقها تارك الصلاة وهذا معنى قولهم : تبرأ ذمته بها أي : لا يعاقب على الترك لكن الثواب على قدر الحضور كما قال ابن عباس : ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها فلهذا شرعت السنن الرواتب جبرا لما يحصل من النقص في الفرائض والله أعلم 0
لهذا أوصيكم ونفسي أن نهتم بالصلاة وأن نستعد لها فإننا إن أجبنا داعي الله كسبنا الأجر والثواب والخير ، وغفر الله لنا وحط عنا أوزارنا وخطايانا 0
|
 |
رد مع اقتباس
