التعامي عن الأخطاء لن يحلها والصدق مع النفس ومع الآخرين أول طريق الإصلاح
--------------------------------------------------------------------------------
التعامي عن الأخطاء لن يحلها والصدق مع النفس ومع الآخرين أول طريق الإصلاح
(الوحدة) ، (التقارب) ، (الحوار) ، (التعددية). لا يكاد يخلو مقال يكتبه الشيخ حسن الصفار من مثل هذه العبارات التي ستتحول ـ يقيناً ـ مع مرور الوقت إلى شعارات مستهلكة، لا تسمن ولا تغني من جوعٍ، ما لم يصاحبها منهج عملي صادق قابل للتطبيق في أمة تعظم دينها وتغار على مقدساتها.
ولعل من أهم أسس المنهج العملي الذي ننشده : (الصدق والوضوح) في تصوير الإشكالات التي تعوق تقارب الأمة ووحدتها على قاعدة صلبة صحيحة، من غير لجوء إلى زخرفة الباطل ، وتجاهل مواضع الخلل الحقيقية.
الشيخ حسن الصفار ـ وفقه الله للهدى ـ مع أنه في أكثر لقاءاته يحرص على تأكيد تمسكه بأصول العقائد الشيعية التي يراها أهل السنة باطلة ومنكرة ، غير أنه قد يُظهر ويعلن البراءة من بعض التصورات الشيعية المثبَتة في مراجع المذهب. وهذا أمر يفرح له السني الصادق الناصح لأمته في مبدأ الأمر. لكن هذه الفرحة ما تلبث أن تتبخر وتتلاشى، حين يشرع الشيخ فيما يمكن تسميته مغالطة للحقائق العلمية الواضحة وضوح الشمس.
وليعذرني الشيخ على هذا التعبير، فقد أجهدت نفسي دون طائل في البحث عن صيغة أرق وألطف كي أصف بها ما قرأت من كلامه.
قبل عدة أشهر مضت وفي مكاشفات الشيخ مع ملحق الرسالة ، قرأنا كلاماً غريباً عجيباً أكد فيه الشيخ أن موقف الشيعة السَّلبي من الصحابة الكرام إنما هو مجرد ردة فعل بسبب الاضطهاد السُّني للشيعة فقط لا غير!! مع أن كل عارفٍ بالمذهب الشيعي يدرك أن ذلك الموقف السلبي هو النتيجة المباشرة لعقيدة الإمامة التي تتهم الصحابة بخيانة عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعلي بالإمامة والعصمة. وهذا حقيقة لا يستطيع أحدٌ تغطيتها مهما أوتي من بلاغة وبيان.
وقبل أسبوعين وفي ملحق الرسالة الصادر بتاريخ 24/2/1427هـ، قرأت مقالاً للشيخ الصفار تحدث فيه مرة أخرى عن (الوحدة) ، و (التقارب) ، و (الحوار) ، و (التعددية)... ثم شرع من جديد فيما أسميته ـ آنفاً ـ مغالطة وتغطية للحقائق الواضحات.
تحدث الشيخ ـ وفقه الله ـ عن مسألة تحريف القرآن التي تبنَّاها بعض علماء الشيعة، فتبرأ من هذا القول وأنكره. وهذا شيء يُشكر عليه الشيخ، ولو أنه توقف عند هذا لكنا فرحنا بكلامه واستبشرنا بمسلكٍ إصلاحي صادق يعمل داخل المذهب الشيعي، لكن الشيخ زاد في كلامه فأكد للقراء : ''إجماع علماء الشيعة على القول بصيانة القرآن عن الزيادة والنقصان''!!
عن نفسي أتمنى لو أن كلام الصفار كانَ صحيحاً. فليتَ الشيعة كانوا مجمعين على صيانة القرآن من التحريف. بل إني أتمنى لو أن اعتقاد التحريف كان قولاً شاذاً لبعض السالفين.
لكن الحقائق العلمية تأبى ذلك وترفضه. وتصحيح الأخطاء لا يكون أبداً بتجاهلها وإغماض العين عنها. فالقول بالتحريف قولٌ حاضرٌ و موجود بوضوح في المذهب قديماً وحديثاً. وكتب الشيعة طافحة بذكره ومناقشته قبولاً ورفضاً. والذين أثبتوه لا تقل منزلتهم في المذهب عن منزلة الذين أنكروه. وهناك ردودٌ ومناقشات ، وأخذ ورد بين علماء الشيعة أنفسهم حول هذه المسألة. فكيف يأتي الشيخ الصفار ليحكي لنا ''إجماع علماء الشيعة على القول بصيانة القرآن عن الزيادة والنقصان''!!
فهل مقصود الشيخ الصفار تشخيص الداء لأبناء المذهب كي يتجنبوا مواضع الزلل الموجودة في تراثهم، أو أن المقصود زخرفة المذهب وتغطية أخطائه عن أعين الآخرين؟!
والعجيب في القصة كلها أن الشيخ الصفار لما أراد أن يثبت لنا إجماع الشيعة على عدم وقوع التحريف في القرآن أحال القارئ على كتب شيعية تنتصر للقول بعدم التحريف، لكنها تحكي الخلاف بين الشيعة أنفسهم في وقوع التحريف من عدمه!!
فقد أحالنا الشيخ الصفار على كتاب ''التبيان'' للطوسي. و مؤلف الكتاب قد أثبت الخلاف في المسألة بين الشيعة أنفسهم (1/3)، لكنه قرَّر أن الأليق بالمذهب القول بعدم وقوع النقصان في القرآن !! وذكر أن الإعراض عن الروايات المثبتة للتحريف وعدم الأخذ بها هو الأولى !!! ومما أحالنا عليه الشيخ الصفار كتاب ''مجمع البيان'' للطبرسي ، مع أن المؤلف ينص على أن الصحيح من المذهب أن القرآن لم يُنقص منه!! (1/15). والمعنى البدهي لهذا الكلام أن هناك في المذهب قولين ، صحَّح المؤلف أحدهما. فأين الإجماع الذي يتحدث عنه الشيخ الصفار؟!
ختاماً : لدي كلمة أقولها للشيخ حسن الصفار بعيداً عن مسألة تحريف القرآن.
فالشيخ حسن الصفار شيعي المذهب ، وقوله مقبول لدى الشيعة أكثر مما هو مقبول لدى السنة. فمن المفترض أن جهوده الإصلاحية تُصرف هناك أكثر مما تصرف هنا بين أهل السنة. لكن الذي نراه على العكس من ذلك.
كم أتمنى لو أرى للشيخ حسن الصفار خطواتٍ عملية في التصحيح، تتعلق بالقضايا الكبار التي يقوم حولها النزاع. وحين أقول : خطواتٍ عملية، فلأنا شبعنا من المقالات الإنشائية عن التعددية والتقارب والوحدة. والكلام ما لم يصدقه العمل، فإنه يبقى بلا معنى. فعلى سبيل المثال : كثيراً ما نقرأ للشيخ الصفار في لقاءاته مع أهل السنة إنكاره سبَّ الشيخين أبي بكر وعمر، وإلحاحه بكل سبيل على أن ينفي عن نفسه وعن أهل مذهبه هذه التهمة. مع أن هناك خطوة عملية صغيرة لن تكلف الشيخ شيئاً، ولو فعلها فسوف يستغني عن الشرح والبيان لموقفه من الصحابة، وسوف يستفيد من هذه الخطوة أهل مذهبه قبل أهل السنة. فلو أن الشيخ كتب كتاباً أو رسالة توزع على الشيعة يبين فيها فضائل الشيخين أبي بكر وعمر، ويشرح مقامهما في دين الإسلام، وخدمتهما للدين، وجهادهما مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وقيامهما بمسؤوليات الخلافة من بعده خير قيام. ويبين في كتابه هذا خطأ وانحراف من ينال منهما أو يطعن في صدقهما ونصحهما للأمة، أو ينسبهما لخيانة عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ . لو فعل الشيخ ذلك، فلن يحتاج بعد ذلك لبيان موقفه من الصحابة، وسوف يستفيد من كتابه هذا أبناء مذهبه الذين خدعوا ولبس عليهم، وصاروا لا يرون في خيار الأمة إلا شياطين وطواغيت. ولو فعل الشيخ ذلك، فأنا كفيل بإيجاد من يتكفل بطباعة هذا الكتاب وتوزيعه.
وهذه خطوة عملية مقترحة للتقارب الحقيقي لا الموهوم : كتاب لمؤلف شيعي يوزعه أهل السنة.
المصدر ملحق الرسالة بجريدة المدينه بتاريخ " 16/3/1427هـ الموافق " 14/4/2006م
* محاضر في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية