مما جاء في خطبة عرفات لمفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وادارة البحوث العلمية
المفتي: بعض ا لمسلمين يتاجرون بمصالح الأمة لأطماع أقليمية
(عرفات)
أدى جموع حجاج بيت الله الحرام ظهر أمس صلاتي الظهر والعصر جمعا وقصرا فى مسجد نمرة بعرفات اقتداء بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد أن انتظم عقدهم على صعيد عرفات الطاهر.وامتلأ مسجد نمرة والساحات المحيطة به بجموع المصلين الذين توافدوا منذ وقت مبكر على المسجد لاداء الصلاة والاستماع للخطبة.
أم المصلين مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وادارة البحوث العلمية والافتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله ال الشيخ والقى خطبة قبل الصلاة استهلها بحمد الله والثناء عليه على ما أفاء به من نعم ومنها الاجتماع العظيم على صعيد عرفات الطاهر.
ودعا الناس الى تقوى الله فى السر والعلن وتوحيده واقامة أركانه والتمسك بنهج الله القويم واتباع سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم فى جميع أعمالهم وأقوالهم.
وقال آل الشيخ: ان الله جعلنا خير أمة أخرجت للناس هدانا لدينه الذى ليس فيه التباس أرسل لنا أفضل رسله وأنزل علينا خير كتبه كتاب محكم البيان واضح البرهان فيه الوعد والوعيد. فيه النهي عن الشكر والامر بالتوحيد وكل خلق كريم كتاب الله معجزة نبيكم صلى الله عليه وسلم.
وحمد سماحته الله تعالى الذى انزل الكتاب ولم يجعل له عوجا. وأضاف: ان الله أنزل القران ليكون شرفا لهذه الامة.
وأضاف ان الله هدانا لمعرفة الرازق فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له.
وأكد أن الشرك هو أعظم الظلم وظلم عظيم ونقص فى العقل يقول جل جلاله (ايشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون).
واضاف ان الله لا يغفر للمشرك ذنبه إن لم يتب قبل لقاء الله.( إن الله لا يغفر أن يشرك به) مشددا على أن دعاء غير الله شرك أكبر وذنب لا يغفر مستشهدا بقوله تعالى (ومن يدعو مع الله الها اخر لابرهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون).
وتابع المفتى العام ذكر هدى القرآن الكريم للمسلمين وما اشتمل عليه من توجيه رباني فيه كمال الدين وتمامه وهو وحي الله عز وجل على نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام فهدى الى تحكيم شريعة الله والتحاكم اليها والرضى بها.
وأبان أن الله العلي القدير شرع لعباده عبادات مالية وبدنية وقلبية ولسانية راعت طبيعة البشر رحمة بهم فهدى القرآن الى اقامة الصلاة والمحافظة عليها والزكاة لما لها من طهرة للمال وزكاة لقلب وخلق المزكى وصيام رمضان والحج وبالدعوة لله والامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالطرق الشرعية.
واضاف «ان الاصل فى التعامل الحل الا ما دل الدليل على منعه وأمرنا بالاكتساب من الطيبات وأباح لنا البيع والشراء الذى فيه تبادل المنافع وحرم علينا الربا الذى فيه الظلم والعدوان كما أمر بالامانة فى التعامل وحرم على عباده الرشوة والتعدي على الاموال العامة والاسراف والتبذير والانفاق فى الباطل».
وتحدث سماحته عن هدي الكتاب الكريم تجاه نظام الاسرة فأمر بالنكاح الشرعي وحرم الزنا وجعل القوامة للرجل لما يبذله من مال ولما فضل به من خلقة ونفقة مستشهدا بقوله جل وعلا «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم».
وقال سماحته: وفى الروابط الاجتماعية بين المسلمين نرى القرآن يهدينا الى أقوم السبل فأمرنا ببر الوالدين واكرام الجار وصلة الرحم وأمر المسلمين بالتعاون والتناصح فيما بينهم وهدى الرعية الى التعاون فى الخير والاحسان فأوجب على الرعية طاعة ولي أمرهم بالمعروف وأوجب على الراعي العدل وأن ترد الرعية المسائل الى ولاة أمورها.
وابان أن مسائل الحدود فى الشريعة الاسلامية التى هدانا اليها القرآن الكريم جاءت بنظام عادل لتأمين العزة واستتباب الامن.
وأضاف سماحته: ان الله أمرنا بالعدل مع العدو والصديق «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ان لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى» ونهانا عن الاخلاق السيئة فحرم علينا الكذب وحرم علينا الخيانة. وحرم علينا الفساد فى الارض.
وحرم علينا السحر فحذرنا منه وأخبرنا انه يوازى الكفر.
وعرج الشيخ
أناشد المسلمين في فلسطين والعراق والصومال وأفغانستان الى وقف الاقتتال فيما بينهم.. فالعدو في ساحتكم وانتم مشغولون في أنفسكم؟
مناسك الحج ليست مكانا للمزايدات أو الشعارات أو القيل والقال
مسائل الحدود في الشريعة جاءت بنظام عادل لتأمين العزّة واستتباب الأمن
ماذا استفاد العالم من عزل الاسلام عن واقع الحياة؟
قلّبوا النظر هل تجدون إلا نزاعا وقتالا ودماء وارهاباً نتيجة للصراعات الفكرية الخاطئة؟
يا صناع القرار: العالم لا استقرار له إلا إذا اثبت عليه منهج رباني
قضايا الأمة المصيرية تباع بأرخص الأثمان في سوق الخيانة والغدر
كل الشعارات التي ترفع والنداءات التي تعلن خالية من الاسلام هي باطلة
أوصي رجال التعليم بمناهج تقوي الأمل والثقة بالحاضر
القادة مدعوون للمحافظة على الهوية الاسلامية وتحصين الأجيال واعداد القوة وحل قضايا الأمة في داخلها
العدو يريد شبابا لاهوية له حتى يسهل اقتياده
العالم يسير نحو الهاوية بسبب مادة طاغية واخلاق منهارة وحروب متأججة وأوضاع متأزمة
رجال الأعمال مطالبون بخطة ومركز مالي اسلامي يخلص الناس من وبال الربا
آل الشيخ إلى ما مني به العالم من البلاء نتيجة صنوف الافكار التى جربها فى منهجه سواء السياسية أو الفلسفية تتمحور مجملها ما بين سياسة الانتقاء والنفعيه وما بين اشتراكية شيوعية وما بين ليبرالية متحررة وقال: قلبوا النظر هل تجدون الا نزاعا وقتالا ودماء واشلاء وارهابا وفسادا كل ذلك نتيجة للصراعات الفكرية الخاطئة ماذا استفاد العالم اليوم من هذه الافكار بل ماذا استفادوا من عزل الاسلام عن واقع الحياة.
واضاف مخاطبا صناع القرار: ان العالم لا استقرار له ولا انتظام لحياته الا اذا ثبت عليه منهج رباني منهج خالق الخلق رب العالمين الذى خلق الخلق ويعلم ما يصلحههم كل صانع ادرى بما يصلح صنعته فلا بد من عود الى هذا القرآن الكريم.
وبين المفتي أن العالم يسير نحو الهاوية بسبب مادة طاغية واخلاق منهارة وحروب متأججه وأوضاع متأزمة.
وقال: إن السياسات المالية قامت على مناهج بائدة صنعتها عقول حائرة لم تعد على الامة الا بالدمار والبلاء، مؤكدا أن الحل لهذا العالم نظام الاسلام الذى خاطب الروح بعقيدة راسخة تراعى مصالح الجميع باعتدال واتزان بديع وتراعى مصالح العمل وتعطي كل ذى حق حقه وتشجع العمل والانتاج وحدد علاقة المسلم بالمسلم وعلاقته بربه وعلاقته الاجتماعية والسياسية والاخلاقية. لان مصدره من رب العالمين لم تصنعه ايد البشر وانما هو تنزيل من حكيم عليم.
وأوضح أن كل الشعارات التى ترفع والنداءات التى تعلن خالية عن الاسلام هي باطلة وأضاف: ان عالمنا يزخر اليوم بألوان من الشعارات الحزبية والعصبية القومية البغيضة. واننا أمة أعزنا الله بالاسلام جمع الله به شتاتنا ووحد به صفوفنا والف به بين قلوبنا فمتى ابتغينا الهدى من غيره اذلنا الله».
وذكر سماحته المسلمين بان من نعمة الله على عباده المسلمين الوحدة التى منّ الله بها علينا وأمرنا بها «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا».
واشار مفتي عام المملكة الى أن المسلمين أصيبوا فى دينهم وبلادهم وخيراتهم وانتهاك حرماتهم وتكالب الاعداء عليهم والاشد من ذلك خروج بعض المسلمين يتاجرون بمصالح أمتهم لاطماع اقليمية أو لاغراض مادية.
ونبه سماحته من خطورة ذلك وقال: ان قضايا الامة المصيرية تباع بأرخص الاثمان فى سوق الخيانة والغدر. أفيقوا فالمنافقون قد ظهر سوقهم هذا يبيع أعداء الاسلام قلمه بما يخط ويكتب وذاك يبيعهم نفوذه وذا يبيع فصاحته وخطابته سلع تباع بأرخص الاثمان.
واضاف: لقد ظهر في العالم دعوات ضالة سارت على غير هدى دعوات قائمة على السرية التامة دعوات غامضة فى معالمها وأهدافها ومقاصدها غير واضحة يقتنص دعاتها فرائسهم بالتدرج بهم شيئا فشيئا والارتقاء بهم فى درك الظلال ليمسخوا انتماءهم للدين الاسلامى والوطني والقبلي والى كل دعوة سوى هذه الدعوة الباطلة قصدهم بهذا زعزعة العالم وتفكيكه وايجاد الفوضى فى صفوفه وتحريض المؤامرات.
وحذر سماحته من الدعوات الضالة وأنديتها وقال: ان المسلم الذى كرمه الله بالاسلام وشرفه بهذا الدين الواضح فى معالمه وأهدافه وغاياته قائده محمد صلى الله عليه وسلم سيرته واضحة هديه محفوظ لاغش فيه ولا خداع الداعى اليه مأجور والطريق اليه الصراط المستقيم والرفقة الصالحة.
ودعا سماحته قادة الدول الاسلامية الى المحافظة على الهوية الاسلامية والكيان التشريعى وتحصين الاجيال وسد الثغور واعداد القوة وموقف شجاع يحل قضايا الامة فى داخلها فلا يكون للعدو مجال.
كما طالب من علماء الاسلام بالبحث عن حلول شرعية لقضايا الامة مشيرا الى أن الامة بحاجة الى موقف شرعي واضح فى القضايا وفيما دخل عليها من ثقافات وآراء من غلو وتكفير وتطرف وانحلال.
وخصص سماحته جزءا من الخطبة لنصح الشباب بالاهتمام بالدين والامة والوعي مما يراد بهم وقال: ان العدو يريد شبابا لا هوية له حتى يسهل اقتياده وينفذ ما أردوه من مخططات الفساد والدمار.
وأوصى سماحته رجال التربية والتعليم بتقوى الله تعالى والعمل على توسيع مدارك الطلاب بمناهج تقوم على الاخلاق الكريمة وربط الحاضر بالماضى وتقوي الامل والثقة بالحاضر واليقين بأن مستقبل هذا الدين خير كله ولا يزال باقيا.
وعد سماحته الاعلام اللسان المعبر على الامة حاثا رجاله على الصدق فى الكلمة وقال: ان بلدكم قلب العالم ومنبع الخيرات فليكن هذا الاعلام على مستوى يخدم العقيدة والدين ويرسم الخطط النافعة للامة فى حاضرها ومستقبلها.
وخاطب سماحته الفتاة المسلمة موصيها بتقوى الله عز وجل والتزام العفة والحجاب محذرها فى الوقت نفسه من سهام ومؤمرات الاعداء.
ودعا الشيخ آل الشيخ فى خطبته رجال الاعمال الى عمل خطة اقتصادية تكفل استغلال خيرات الامة فى بلادها وخاطبهم قائلا: يا رجال الاعمال الربا قد طغى وأصبح أمرا عاما وشرا وبلاء فهلا تشمروا عن ساعد الجد لايجاد مركز مالي اسلامي يخلص الناس من وبال الربا.
وناشد المسلمين فى فلسطين والعراق والصومال وأفغانستان وفى كل مكان الى وقف الاقتتال فيما بينهم وأضاف: من هذا المقام العظيم ومن هذا المنبر العظيم فى هذا اليوم العظيم والشهر العظيم أناشدكم لابين لكم كلام رسول الله فى هذا اليوم اذ قال فى خطبته المشهورة.
ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا فى شهر كم هذا فى بلدكم هذا. وانا اقدتي برسول الله وامتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأقول اخوتي الدماء الدماء. الله الله فى انفسكم عودوا الى رشدكم نظموا شؤونكم ارتفعوا عن الشخصيات والذوات ارتفعوا عن هذه الترهات اجعلوا الغاية المصلحة العليا العامة فقدموها على كل شيء العدو فى ساحتكم وانتم مشغولون فى انفسكم جمع الله شملكم ووحد كلمتكم واذل اعداءكم انه على كل شى قدير.
واشار سماحته الى أن من أبرز نعم الله على المسلمين وجود قيادة صالحة مصلحة متوالية بالحق وبالخير فى خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن ابتداءً من الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن غفر الله له وأسكنه فسيح جنته وتعاقب بعده ابناؤه الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد رحمهم الله جميعا واسكنهم فسيح جنته حتى جاء عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ليكمل المسيرة بالنمو والخير والبذل والعطاء لتهيئة الحرمين وتوسعتهما ولكل أمر فيه خدمة للحجيج.
وأضاف سماحته ان قادة هذه البلاد خططوا ونظموا واقاموا المراكز المختصة لخدمة الحجيج فشقوا الطرق بين المشاعر وهيأوها لكل قادم فجزاهم الله عما بذلوا خيرا ووفقهم لما يحبه ويرضاه.
ودعا سماحه المفتي العام المسلمين الى تدبر كتاب الله عز وجل والاكثار من تلاوته لما فيه من الهدى والخشوع وحضور القلب.
كما ذكر المسلمين بالموت وساعة الاحتضار وأهوال يوم القيامة مستشهدا.
ودعا المفتي حجاج بيت الله الحرام الى تقوى الله والاخلاص له واحترام الانظمة الموضوعة كما حثهم على الاكثار من ذكر الله عز وجل والتضرع له وسواله فى هذا اليوم المبارك عل الله عز وجل ان يمن على الجميع بالاجابة والقبول.
وبين سماحته لحجاج بيت الله الحرام ان مناسك الحج ليست مكانا للمزايدات او الشعارات او القيل والقال وانما هى لذكر الله والتقرب اليه بصالح الاعمال.
وخاطب سماحته الحجاج مبينا فضل يوم عرفة وفضل يوم الجمعة مشيرا الى ان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حج حجته السنه العاشرة ووقف بعرفة فى مثل هذا اليوم يو م الجمعة.
وشرح لهم هدي المصطفى فى اداء مناسك الحج والمواقف التى يقفون فيها والاعمال التى من الواجب ان يؤديها الحاج.
وحث الحجاج على الصبر والاحتساب اقتداء بسنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وسأل سماحته فى ختام خطبته الله عز وجل ان يغفر لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه وان يسكنه فسيح جنانه لما بذله من خدمة للاسلام والمسلمين.
كما سأل الله عز وجل ان يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الامين صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبدالعزيز وسمو وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا لكل خير وان يبارك فيهم الذين طالما عملوا وبذلوا واجتهدوا وأن ينصر بهم الاسلام والمسلمين.
عكاظ - ( السبت 10/12/1427هـ ) 30/ ديسمبر/2006 العدد : 2022
|
 |
رد مع اقتباس
