من جريدة عكاظ الجمعة 28/08/1429هـ ) 29/ أغسطس /2008 العدد : 2630
ابراهيم عبدالله مفتاح
منذ نعومة أظفار عقولنا وتفتح خلايا أذهاننا.. ومنذ ان بدأنا نعي رسالة الحرف وفاعلية الكلمة.. وايضا منذ ان بدأنا نتهيأ لاستيعاب مفهوم مفردة «الوطن» واستنشاق رائحة غبار الأرض وترش بقع الحبر بعض مساحات ملابسنا المتواضعة وتعفر أطراف اصابعنا الغضة بألوانها الزاهية عندما كنا لا نحسن سقاية أفواه أقلامنا من ثغور المحابر المسترخية الى جانبنا على «بُسط» مفروشاتنا الخسفية ولا نستطيع المحافظة على نصاعة بياض أوراق دفاترنا وكراساتنا التي نُكلف بتفريغ بعض صفحات كتب المطالعة على سطورها النحيلة.
منذ تلك الأزمنة الضاربة في القدم - بالنسبة لأعمارنا - ونحن نسقي ظمأ تفاؤلنا المستقبلي بماء تلك العبارة التي لايزال صداها يتردد في مسامعنا ويكحل رؤية اعيننا «جازان سلة خبز المملكة». لايزال «شارع الجمّالة» في جازان يتذكر ويزهو بترنح وخيلاء الجمال المثقلة ظهورها بالأكياس المتخمة بمحاصيل الذرة ولايزال «المحناط» متباهيا بمناداة الباعة والمشترين في ساعات الصباح الاولى وعندما تشتد الهاجرة وتسكب الجباه السمر عرق كفاحها المرير من أجل لقمة العيش. «فرضة الميناء»- إن كان هناك من لا يزال يتذكر تلك الأيام - ترقب زرقة البحر - المائج احيانا الساكن احيانا أخرى - وعلى مداه الممتد امتداد الأفق يتبختر بياض الأشرعة وينثر البحارة أهازيج التجديف «يا الله صباح الخير.. يا الله صباح الخير.. أول صلاتي على النبي.. رزقك على الله يا طير». ليتذكر المتذكرون تلك الأيام عندما كانت الأرض تصغي لترانيم تدفق وديانها وترفل في سندسية خضرة مساحاتها الشاسعة المفتونة بترنح السنابل وأريحية العطاء وابتهاج راعٍ أو مزارع يطفئ وهج الظهيرة بأنغام شبابته التي تعانق أنامله العاشقة حد الوله ومشارف الذوبان. آه.. يا جازان.. هل يعرف أبناؤك اليوم تلك الأيام وهل أستطيع أن أنقش على معصمك الأنيق سؤالي الواله: أمازلت يا جازان سلة خبز المملكة؟!