ذكرى العام المنصرم لايزال بوقها يدق بمخيلتي وكثيراً ما يقلقها وتقبع بجواره محتارة اجترار صوتي الألم والوفاء ..
فالألم لموقف إنسان صارع أمواج الظروف بقربة مبثوقة لا هو قادر على الوصول ولا الأمواج مشفقة عليه، ولا هو مسلم لها لتهتك بقارب نجاته ...
ولا بجواره منقذ سوى فراغ ينتضر من يملئه ( ....... )
والوفاء لذلك الذي ملئ ذلك الفراغ مرات متعددة وبأساليب مختلفة ..
كان ولا يزال ملحمة وفاء يلزمني واقعي وضميري بإزالة ما عليها من الغشاوات
وها أنا ذا أسوق سطوري لتستقر بخلده ويبرئ عنقي منها ...
عبارة كنت أرددها بالأمس ولا أعلم أنني سأمنحها اليوم لأحد لإنها أغلى ما أملك وأخاف أن أفقدها خوف الأنثى على بكارتها ...
ولكني محصت ذاكرتي ليلة مارس فيها الظلام سلطته فما وجدت بها سوى زاوية توحي بأن ثمة ضوء يسرق الخطوات وكأنه يخاف من بروز سلطان ضوء أخر فيأخذني ويهجّرني عن أحضانه الدافئة ...
كان ولا يزال يحرك أغصاني الذابلة ليرسل لها من جذوره الماء
ليمنحها بداية مغامرة جديدة ...
كان ينهض بعودي النحيل ليقيم أوده ويرشده إلى بلوغ مرساه الآمن
كان يرسم بقلب ريشته وفائه الذي لم ولن أقرأ عنه إلا في الأساطير أو الروايات المندثرة والمتدثرة بحبر أناس قد وراهم الثرى .. ولكن وفائهم أعلنهم ليكونوا أبطال على ساحات لم تهبهم الحياة أن تطأها أقدامهم فما هؤلاء منه إلا رمز وما هو إلا أبلغ منهم عندي
يكفي أنه لا يزال غلى خرائطهم يسير وعلى رؤسهم هو شامخ ولخزائن وفائهم هو مؤتمن وبمفاتيح إخلاصهم هو يفتح كل القلوب ..
تضل أريافه تأمنني متى ما لفحت وجهي الأعاصير
وتبقى مدنه تغازل نزولي لأستقر بأحد فنادقها
وتأبي مشاعره إلا أن تدفئني كصقيع في قطب متجمد قل ما تجد فيه جذوة تطفئ بجسدك ارتفاع درجة برودته ...
ليحيا بذكراه ماضيها بحاضرها بقادمها صفحة بيضاء أشد بياضاً من ثلوج المتجمد غير أنها أصفى منه بكثير يوم عودة حالته السائلة إليه وسيضل هو هو مهما تزاحم بقلي أناس وخلفهم آخرون وسيعيش فيه وكأنه يولد به كل يوم ألف ألف مرة وسيخلد فيه كباقة ريحان عطرها يفوح دوماً، خضراء كانت أم تسلطت عليها الصفراء فزادتها ولم تبخسها شيء ..
وليكن بلخده أنه سوف ينال مني كل ما يناله المريض من طبيبه، والخليل من خليله ، والغريق من منقذه، والتائه من مرشده ، والعاجز من خادمه ...
ولن أقول إلا ليضل ذلك الحلم الذي نمت فحلمت به ولكنني نسيته وتمنيت أن لو يعود إلي .. فبقيت سنتان وأنا أتذكره وما هي إلا ليلة وعاد إلي ..
وما عدت سأسمح لذاكرتي بنسيانه ولا لقلبي إلا بتخليده في صمام قلبي .
أقسم بمن بنى السماء بلا عمد أنني لو سطرت عنه لما بلغت بالأعداد العدد.
انتهت .