حين يصبح الحلال ... حراماً
بقلم / نادر صباغ
"يوريس" صحافي هولندي متخصص في قضايا الشرق الاوسط وشمال أفريقيا بالاضافة إلى إيران. يعمل في مركز للدراسات الاستراتيجية حول كثير من المواضيع ذات الصلة بالعالم العربي. هو متابع دقيق لقضايا الاسلام في المجتمع الهولندي وأوروبا بشكل عام.
منذ أيام قليلة جمعنا حوار في امستردام عن تزايد ظاهرة "أسلمة" المجتمعات الأوروبية ولو في الظاهر، وغاص التحليل في السياسة والثقافة والتعليم والهجرة والعمالة ووصولاً إلى اللحمة.
نعم اللحمة، أو ما بات يعرف في الدول الغربية بـ"تجارة الحلال"... والمفاجأة أن ذلك المتخصص في قضايا الاسلام لم يسمع بإحدى العلامات التجارية الهولندية الشهيرة التي تملأ رفوف محلاتنا من صنعاء حتى الخرطوم، وضحك كثيرا حين سألته عن كيفية التأكد من أن هذه اللحوم "حلال" ذبحت وفق الشريعة الاسلامية، وكأن ضحكته عرّت سذاجتي.
للعلم فحسب: تصدر هولندا منفردة أكثر من 55% من حجم استهلاك الدول العربية للحوم غير الحية (المذبوجة والمطبوخة) وذلك بحسب احصاءات ميزان التجارة الخارجية بين دول الاتحاد الاوروبي والعالم العربي.
أمر لا يدعو إلى الضحك، كما فعل يوريس. !!
********
لا شك بأن موضوع الرقابة في المجتمعات الاوروبية مسألة دقيقة وحساسة إلى حد بعيد، لكن حين يكون الكلام عن أمور تتعلق بالاسلام تختلف المعايير بحدة. بمعنى أدق تتخلى أوروبا عن موضوعيتها وقيمها "النبيلة" التي تبهر الكثيرين منا حتى الذوبان، والسبب ببساطة أن الاسلام وتعاليمه و"طقوسه" كما يحلو للعلمانيين تسميته أمر لا يعنيها ولا تجد نفسها مضطرة للعمل به، بل بات اليوم يستفزها أكثر من الماضي. أي تغيب الرقابة الفعلية، وذلك بحسب ما يؤكده أغلب المسلمين في دول الغرب.
منذ مدة تتفاعل تداعيات فضيحة مدوية هزت مدينة لندن وبريطانيا كلها، أطلقت عليها الصحافة اسم "فضيحة اللحم الحلال المغشوش". في التفاصيل، ولأن أسعار اللحم الحلال أغلى من أسعار اللحم العادي في بريطانيا، وبسبب تزايد الإقبال على هذا النوع من اللحوم حتى من قبل غير المسلمين بعد أن اكتشفوا صحته من الناحية العلمية، عمد الكثير من التجار والجزارين إلى بيع لحوم على أنها "حلال" وهي في الحقيقة مصعوقة كهربائيا.
الفضيحة في بريطانيا، لكن الكثير من المسلمين في أوروبا يؤكدون أنها سيناريو قد يتكرر في أغلب البلدان الاوروبية وحتى في دول أميركا اللاتينية التي تستورد منها الدول العربية الكم الأكبر من اللحوم المبردة.
على الرغم من أن تلك اللحوم الفاسدة وغير الشرعية التي اكتشفت في لندن كانت «ممهورة بخاتم الرقابة الصحية الرسمي والشرعي" إلا أن المسلخ البريطاني الذي تمت فيه عملية الذبح أجاب إحدى الصحف حين استفساره رأيه أنه "لا يعلم ما المقصود بسؤال هل يتم الذبح وفق الشريعة الاسلامية."
عدا عن لا شرعية عملية الذبح يقول متابعون لهذا الموضوع أن هناك دلائل ملموسة أن اللحوم التي تباع على أنها حلال يتم أحيانا كثيرة تخزينها مع لحوم الخنزير.
للإشارة فقط : تمنع القوانين في أغلب الدول الأوروبية عملية الذبح بإراقة دماء الحيوان، والسبب تفشي حمى بريجيت باردو.
********
في لقاء جمعني مع نقيب القصابين وتجار المواشي في لبنان معروف بكداش منذ فترة أكد لي أن الكثير من اللحوم المبردة المستوردة من الخارج على أنها حلال لا تمت إلى الذبح وفق الشريعة الاسلامية بصلة.
وكشف بكداش أن الشهادات التي ترسل غالبا مع هذه اللحوم إلى البلدان العربية يتم التوقيع عليها مسبقا من قبل لجنة شرعية لا تعرف طريق المسالخ في تلك البلدان، بل تتم عملية التوقيع على الاوراق في بداية كل عام مقابل أتعاب مادية... وانتهى الأمر.
الأمر أكبر من مجرد ختم ليصبح الحرام حلالا. من يراقب ومن يتابع ومن يسهر على التقوى، أسئلة لا يمكن الجزم بها.
ما هو أكيد أن هامش "الحلال" يضيق يوما بعد يوم أكثر فأكثر، ليس في أوروبا فحسب بل حتى في بلداننا الاسلامية، حتى يمسي الحليم بالفعل حيرانا!
*********************
التعليق
غريب فعلاً أن تقرأ أو تسمع مثل هذا الكلام والأغرب منه أن تشعر بأن الفساد استفحل كثيراً ليطال مسألة عقدية تمس كل المسلمين على امتداد هذه المعمورة !
والمضحك المبكي معاً أن ترى في محلات السوبرماركت أسماك ومعلبات سمك على أنواعها كتب عليها عبارة ( حلال ) !...
فهل نستعيد حميتنا وغيرتنا على ديننا يوماً ؟...
__________________