السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قآل تعآلى : ~● يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا
وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ●~سورة الحجرات آية12
كلنا لحومنا مسمومة
*********
الطعن في العلماء ( الأسباب - الآثار - العلاج )
" منقول للفائدة "
بسم الله الرحمن الرحيم يقول فضيلة الشيخ / محمد بن عبدالرحمن الخميس في كتابه القيم (( نظرات وتأملات من واقع الحياة )) :
(( إن العلماء بالشريعة هم مفاتيح الهدى، ومصابيح الدجى الذين ينيرون للناس الطريق ، وهم من دعامات الاستقرار الأساسية في البلاد ، وصلاحهم صلاح للأمة ، وفسادهم فساد لها ، ومن المعلوم أن الدولة السعودية ما تكونت في الأصل إلا على أساس التعاون وتضافر الجهود بين المصلح الديني الشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله تعالى – والمصلح السياسي محمد بن سعود – رحمه الله تعالى - ، وباجتماع الإصلاح الديني والسياسي يكون الاستقرار والنهضة وغيرها . ولهذا فإن من مصلحة الأمة جمعاء أن تحفظ قدر العلماء ، وتعرف لهم مكانتهم ، فلا تنشر أخطاءهم ، ولا يشهر بهم ولا يقدح في أحد منهم ، أو يتهم بتهمة تشينه وتشين أهل العلم ، ولا يتجرأ على مقامهم ، فإنهم خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته ، والعلماء ورثة الأنبياء .
قوله في : (( معرفة قدر العلماء / ص90 )) :
(( وخصوصا في وقت أصبح العلماء فيه هدفا ( لطائفة ) من المتشددين الذين شنعوا على العلماء أو بعضهم ، ورموهم بالأباطيل واستحلوا ذكرهم بالسوء وإلصاق التهم بهم ، ورميهم بالنقائص ، فهم – عند ( هذه الطائفة ) – فقهاء حيض ونفاس ، لا علم عندهم بالواقع ، وأنهم علماء سلطة ……… إلى آخر هذه الترهات التي كان يجب على الجميع تنزيه ألسنتهم عن لوكها ، والوقوع في العلماء فإن لحومهم مسمومة ، ولهذا يجب توقيرهم ، واحترامهم ، والدعاء لهم ، والنصح لهم ، وتنبيههم على أي خطأ ، وستر زلاتهم ، وعدم التشهير بهم ، فإنهم خيار الأمة على الإطلاق . والله أعلم )) انتهى .
قوله في : (( الطعن في العلماء / ص95 )) :
(( حيث انتشر بين كثير من الناس القدح في العلماء ، ورميهم بالخيانة وأنهم عملاء السلطان ، وأنهم منافقون مداهنون ، وأنهم لا يفقهون الواقع ، وكان من نتيجة ذلك فقدان الثقة في العلماء ، والحط من شأنهم حتى بين العامة والدهماء ، وبالتالي وجدت هوة كبيرة ولازالت تتسع وتكبر بين العلماء ، وبين أهل الغلو ، بل إن بعض العلماء أحيانا قد يقف موقف العداء ضد المغالين لما وجده منهم من التسفيه والطعن والتجريح……… . )) انتهى .
قوله في : (( ظاهرة سوء الظن بالعلماء والصالحين / ص123 )) :
(( فإن إساءة الظن بالعلماء والصالحين وغيرهم مما حرمه الإسلام ، ونهى عنه ، كما قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ) ، ومما يؤسف له أن ظاهرة إساءة الظن بالمسلمين ، ولا سيما بالعلماء والصالحين منهم ، قد استشرت في زماننا الحاضر ، وأصبحت آفة خطيرة تهدد الترابط والوحدة الداخلية بين أفراد المجتمع المسلم ، وهذا مما يؤثر سلبا – ولا شك – على قوة المجتمع ، وقدرته على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية……… . )) انتهى .
قوله في : (( الطعن في العلماء وتنقصهم / ص129 )) :
(( فقد تفشت في بعض المجتمعات الإسلامية ظاهرة خطيرة جدا لها آثار وخيمة للغاية ، بل ومدمرة بالنسبة للمجتمعات الإسلامية ، هذه الظاهرة هي الطعن في علماء الشريعة والقدح فيهم ، ورميهم بالتهم والعظائم والبهتان وهذا أمر خطير جدا .
إن الطعن في العلماء ، والقدح فيهم ، والتشهير بهم ونشر عيوبهم ، كل هذا غير جائز ، بل هو محرم أشد التحريم ، فلا يجوز للمؤمن أن يأكل لحم أخيه ، ولحم العلماء أشد حرمة ، قال الإمام ابن عساكر : ( اعلم أخي – رحمنا الله وإياك – أن لحوم العلماء مسمومة ، وسنة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة ، ومن أطلق لسانه في العلماء بالثلب ، بلاه الله قبل موته بموت القلب ، ولذلك فلا يجوز أبدا الطعن في العلماء ولا يحل ذلك بحال ) )) انتهى .
قوله في : (( أصناف الطاعنين في العلماء / ص130 )) :
(( بعض من المنتسبين إلى الدعوة الإسلامية ، من أفراد الجماعات المختلفة ، وهؤلاء قد يوجد عند بعضهم قدح في بعض العلماء بسبب الجهل واتباع الهوى ونحو ذلك ، فيرمون هذا العالم بالعمالة والتهور ، وهذا بالجبن ، وهذا بأنه عالم سلطة ، وهذا بأنه عالم حيض ونفاس ولا علم له بالواقع ، وهذا بأنه عميل …… إلخ )) انتهى .
قوله في : (( اتهام بعض العلماء بالمداهنة والنفاق / ص131 )) :
(( ولا سيما إذا كانوا من العلماء الذين يرتبطون بمؤسسات رسمية أو حكومية ، فحينئذ يكثر اتهامهم بالمداهنة وتشجيع السلطة والنفاق وبيع الدين بالدنيا ، والحرص على المناصب والمكافآت ، وغير ذلك من التهم الشنيعة )) انتهى .
قوله في : (( الآثار السيئة لظاهرة الطعن في العلماء / ص131 )) :
(( إن الطعن في العلماء كما ذكرنا أمر محرم وظاهرة سيئة جدا ، ولها آثار سلبية خطيرة جدا أذكر منها :
1- فقدان الثقة في العلماء : وهذه نتيجة خطيرة جدا ، ومرحلة متقدمة من مراحل الضلال ، فإن الناس إذا فقدوا الثقة في العلماء الذين هم ورثة الأنبياء ، وحملة الشريعة ، أقول : إذا فقدوا فيهم الثقة لم يقبلوا منهم كلاما ولا فتوى ، وقد يتطور الأمر إلى اتخاذ رؤوس جهال يفتون بغير علم ، أو أن يستقل كل واحد بنفسه ويعرض عن العلماء ، ويكون هذا من أهم أسباب الضلال والانحراف ، وقد يتطور الأمر إلى أن يفقد العلماء دور الريادة في الأمة .
2- إشاعة العداوة والبغضاء في المجتمع : فإن من تكلم في أحد العلماء وشهر به ، فقد استجلب عداوة ذلك العالم وعداوة المتبعين له ، وبالتالي ينقسم المجتمع المسلم إلى أحزاب وشيع وفرق متنافرة متناحرة تدب بينها العداوة والبغضاء والكراهية والطعن بالتبادل ، وكل هذا فيه إضعاف لقوة المجتمع المسلم .
3- تشتيت جهود العلماء : إذ قد يضطر الواحد منهم إلى الرد على من قدح فيه من خلال كتاب أو نحوه ، فيضيع بذلك وقته ، ولعله كان من الأنفع للأمة أن يغتنم العالم وقته في التعلم والتعليم وإفادة الأمة .
4- جرأة السفهاء والسفلة على العلماء : فإنه لو شاع في المجتمع الطعن في أحد العلماء سواء من قبل غيره من العلماء أو طلبة العلم أو الإسلاميين أو حتى العلمانيين ونحوهم ، فإن ذلك يكون سببا في اجتراء العامة والسفهاء عليه ، والتطاول عليه والاستهانة به ، وهذا أمر خطير ، لأنه قد يجر إلى التطاول على الشريعة كلها بعد ذلك .
5- إعراض الناس عن الدين : وذلك لأن العامة والجهال إذا فقدوا الثقة في العلماء فقد يعرضون عن الشريعة بالكلية ، ويستخفون بها ، ويكون ذلك سببا لتحللهم من تعاليم الشريعة بكاملها ، وفي هذا من الفساد ما لا يعلمه إلا الله تعالى )) انتهى .
قوله في : (( وسائل العلاج / ص133 )) :
(( إن من الواجب علينا أن نحرص على معالجة هذه الظاهرة الخطيرة ، والقضاء عليها ، ومن وسائل علاج هذه الظاهرة السيئة :
1- معرفة قدر العلماء وأنهم أصحاب الريادة في الأمة ومصابيح الهدى فيها ، وأن صلاح الأمة بصلاحهم وفسادها بفسادهم ، وأنهم أولى الناس بالتقدير والاحترام والإجلال .
2- معرفة مدى الإثم والحرمة المترتبة على الطعن في العلماء والقدح فيهم ، وذلك لشدة حرمة الكلام فيهم وغمزهم ولمزهم ، لأن لحومهم مسمومة كما سبق .
3- معرفة الآثار الخطيرة المترتبة على القدح في العلماء كما سبق الكلام عنها .
4- إشاعة جو الاحترام والتقدير للعلماء في أفراد المجتمع ونشر فضائلهم ، وتذكير الناس بوجوب احترامهم ومعرفة حقهم .
5- كتمان عيوب العلماء وعدم نشرها بين الناس ، فإن ستر عيب المسلم واجب ، والعلماء أحق من غيرهم ، فالواجب مراعاة ذلك حرصا على حفظ مكانة العلماء .
6- الدعاء للعلماء بأن يوفقهم الله – تعالى – في القول والعمل ، وأن يجنبهم الخطأ والزلل ، ويستر عوراتهم ، فإن الدعاء من أعظم أسباب التوفيق .
7- النصح للعلماء ، فإن الدين النصيحة ، كما أخبر بذلك النبي – صلى الله عليه وسلم - والنصيحة للعلماء واجبة فيجب النصح لهم وتذكيرهم إذا نسوا أو أخطئوا وتعريفهم الصواب ، وذلك بالأسلوب الذي يتناسب مع مكانتهم .
8- التماس المعاذير لهم إذا أخطئوا في أمر ، فهم بشر أولا وآخرا وليسوا معصومين ، وكل بني آدم خطاء ، ولو التمسنا لهم المعاذير لم نطعن فيهم أبدا .
9- إحسان الظن بهم ، لأنهم أعلم الناس بالشريعة ، وأعلمهم بالكتاب والسنة ، فيجب إحسان الظن بهم ، وبما يصدر عنهم من أقوال وأفعال )) انتهى .
والحمد لله رب العالمين .
للفائدة
تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)
السؤال: أرجو تفسير قوله تعالى : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) .
الجواب:
الحمد لله
"هذه الآية عظيمة ، تدل على : أن العلماء ، وهم العلماء بالله وبدينه وبكتابه العظيم وسنة رسوله الكريم ، هؤلاء هم أكمل الناس خشية لله ، وأكملهم تقوى لله وطاعة له سبحانه ، وعلى رأسهم : الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
فمعنى : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ) أي الخشية الكاملة من عباده : العلماء ، وهم الذين عرفوا ربهم بأسمائه وصفاته وعظيم حقه سبحانه وتعالى ، وتبصروا في شريعته ، وآمنوا بما عنده من النعيم لمن اتقاه ، وما عنده من العذاب لمن عصاه وخالف أمره ، فهم لكمال علمهم بالله ، وكمال معرفتهم بالحق كانوا أشد الناس خشية لله ، وأكثر الناس خوفا من الله وتعظيما له سبحانه وتعالى ، وليس معنى الآية : أنه لا يخشى الله إلا العلماء ، فإن كل مسلم ومسلمة وكل مؤمن ومؤمنة يخشى الله عز وجل ويخافه سبحانه ، لكن الخوف متفاوت ، ليسوا على حد سواء ، فكلما كان المؤمن أعلم بالله وأفقه في دينه كان خوفه من الله أكثر وخشيته أكمل ، وهكذا المؤمنة كلما كانت أعلم بالله وأعلم بصفاته وعظيم حقه كان خوفها من الله أعظم ، وكانت خشيتها لله أكمل من غيرها ، وكلما قَلَّ العلم وقَلَّت البصيرة قَلَّ الخوف من الله وقَلَّت الخشية له سبحانه ، فالناس متفاوتون في هذا حتى العلماء متفاوتون ، فكلما كان العالم أعلم بالله ، وكلما كان العالم أقوم بحقه وبدينه وأعلم بأسمائه وصفاته كانت خشيته لله أكمل ممن دونه في هذه الصفات ، وكلما نقص العلم نقصت الخشية لله ، ولكن جميع المؤمنين والمؤمنات كلهم يخشون الله سبحانه وتعالى على حسب علمهم ودرجاتهم في الإيمان ؛ ولهذا يقول جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) البينة/7، 8 ، وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) الملك/12 ، وقال تعالى : (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) الرحمن/46 ، فهم مأجورون على خشيتهم لله ، وإن كانوا غير علماء وكانوا من العامة ، لكن كمال الخشية يكون للعلماء ؛ لكمال بصيرتهم وكمال علمهم بالله ، فتكون خشيتهم لله أعظم ؛ وبهذا يتضح معنى الآية ويزول ما يتوهم بعض الناس من الإشكال في معناها، والله ولي التوفيق" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (24/268-270) .