جلسنا بعد فرقة دامت شهورا انا وأحد أقاربي فكان ضيفي وقدمت له حق الضيافه وبادرته بالسؤال عن أحواله فتدفق وكأني فتحت سدا يحوي طوفانا من الكلام الممل المميت بأمواجه القويه يتقدمها الزبد وتنتشر أغصان الاشجار والحجارة والميتات من قطعان الرعيان . وكان الحديث عن عمله العسكري الذي امضى فيه عشر سنين وماحوتها من بطولات وأمجاد تخلد شجاعته فيها وكنت استمع ولم اكن سوى مستمع فأحسست بالملل القاهر في أول سرده ولم أعي كلمة واحدة مماقاله ولم اشارك بغير نعم صحيح ممكن احسنت وكنت اصارع نفسي بان تبدو نظراتي مليئة بالإعجاب وانني ارتاح واستمتع لحديثه وسعيدا واجاهد ان اكون بشوش الوجه وفي الحقيقة كنت احس بالغثيان والحسرة والألم والأسف والأسى على روحي احسست انني اشيخ واهرم وكنت ارى في مخيلتي انني ابدو كعجوز بلغ من العمر عتيا يستند لعصا مليئة بالاشواك خشنة الملمس أمشي في ليلة سوداء حالكة الظلام فتوقفت في مكاني ولم يكن للقمر وجود فيها في مكان لايحوي سوى الثعابين اسمعها ولااراها واحس بأن الهاويات تحيط بي احس بسحقها السحيق فكان وقوفي حيرة اخشى ان احرك قدمي فإما لدغة من ثعبان او سقوط في احدى الهاويات فقررت الصمت والسكون والانتظار لأرى ماسيكون من احداث تنهي هذه اليلة الكئيبه فمرت الساعة الأولى فالثانية فالأخرى فالتاليه واذا بها اربع ساعات تمر علي عشت بها مئات السنين وقوفا في مكان واحد كانت افكاري تتسكع في عقلي ومخيلتي أرهقت روحي من هذا العذاب وجسدي مايزال صامدا كنت اشعر بجلدي يتقشر ليخرج بدلا منه جلد اسود وتخرج من بين اسناني انياب طويله وتحمر عيناي وتطول اظافري لتكون مخالب حاده وتمنيت انا انقض على هذا الرجل لأفتك به فينتهي حديثه الذي يقتلني به ويعذبني بسياط الملل ويقمعني بتفاهاته المفرطه التي بدت لي طحالب وطفيليات مزعجه . ومع نهاية المائة الأخيرة من فترة الاستضافة قام من مكانه فلمع برق بالسماء المظلمه فرأيت طريق نجاتي فجلس على راحته قليلا وأخذ الكأس وشرب ماتبقى فيها من ماء وأخذ الكأس الثانيه وشرب ماتبقى فيها من مشروب الكولا الذي كان معينا له في تعذيبي وبدأت تمطر في أعماقي مطرا غزيرا فأكثرت مسارعا بالتسبيح والدعاء الا افقد هذا الامل فإذا به يقوم ويقف على قدميه التي تحمل وزنا رهيبا وقال الكلمة السحريه التي اعادت لي شبابي وحررت روحي من تلك القيود والغلال القوية فقال انني استأذنك يافلان فأشرقت شمس الحريه فكاد جسدي ومشاعري تتصدع من الفرحة والسعادة لما قاله فقلت بدري يافلان وانا فرح الروح بشوش الوجه مبتسم الشفاه قال لا يأخي مشكور اصبح الوقت متأخرا وأعذرني ان اثقلت عليك قلت العفو العفو بالعكس لقد آنستني (( وكان نفاق الضيافه )) وشرفتني وكنت صادقا بها .
خرج الضيف فأنتشر اللون الاخضر بأعماقي وتبدلت الظلمات نورا مع اشراقة الشمس التي ازدانت السماء الصافيه بلمعانها وغردت الطيور حتى ملئت مسامعي بأحلى الألحان طارالفراش من وردة لأخرى بكل نعومة أحسست بروعة الجمال حين تحسه بفؤادك .
صدقوني بمجرد ان خرج الضيف المتألق اللطيف هممت بأخذ قلمي وورقي وكتبت ماترون من مأساة سهرة كانت وأردت ان اطرح عليكم سؤالا بعد ان ادعي الله لكم الا تصادفقكم ليلة سعيده كهذه .
سؤالي هو ماذا لو زاركم ضيف يحترف هذا الصنيع بمضيفه وكان الحديث طويلا ومملا وسمجا ويطول به الوقت اتمنى ان اعرف ماهو تصرفكم وكيف ستبدون واهم شيئ ماهو احساسكم ؟