من أخبار السلف في يوم عرفة:
كانت أحوال الصادقين في الموقف بعرفة تتنوع: فمنهم: من كان يغلب عليه الخوف أو الحياء ،. و منهم من يتعلق بأذيال الرجاء
روى أبو عثمان الصابوني بإسناد له عن رجل كان أسيراً ببلاد الروم فهرب من بعض الحصون قال : فكنت أسير بالليل و أكمن بالنهار فبينا أنا ذات ليلة أمشي بين جبال و أشجار إذا أنا بحس ، فراعني ذلك فنظرت فإذا راكب بعير فازددت رعباً ، و ذلك لأنه لا يكون ببلاد الروم بعير فقلت : سبحان الله في بلاد الروم راكب بعير إن هذا لعجب فلما انته إلي قلت : يا عبد الله من أنت ؟ قال : لا تسأل ، قلت : إني أرى عجباً ! فأخبرني ؟ فقال : لا تسأل فأبيت عليه فقال : أنا إبليس و هذا وجهي من عرفات رافقتهم عشية اليوم اطلع عليهم فنزلت عليهم المغفرة ، و وهب بعضهم لبعض فداخلني اللهم و الحزن و الكآبة ، و هذا وجهي إلى قسطنطينية انفرج بما أسمع من الشرك بالله وادعاء أن له ولداً فقلت : أعوذ بالله منك ، فلما قلت : هذا الكلمات لم أر أحدا.
و يروى عن علي بن موفق أنه وقف بعرفة في بعض حجاته فرأى كثرة الناس فقال : اللهم إن كنت لم تتقبل منهم أحداً ، فقد وهبته حجي ، فرأى رب العزة في منامه و قال له : يا ابن الموفق أتسخى علي ، قد غفرت لأهل الموقف و لأمثالهم ، و شفعت كل واحد منهم في أهل بيته و ذريته و عشيرته ، و أنا أهل التقوى و أنا أهل المغفرة . و يروى نحوه عن غيره أيضاً من الشيوخ.
وقف مطرف بن عبد الله بن الشخير و بكر المزني بعرفة فقال أحدهم : اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي ، و قال الآخر : ما أشرفه من موقف و أرجاه لأهله لولا أني فيهم . وقف الفضيل بعرفة و الناس يدعون و هو يبكي بكاء الثكلى المحترقة قد حال البكاء بينه و بين الدعاء ، فلما كادت الشمس أن تغرب رفع رأسه إلى السماء و قال : و اسوأتاه منك و إن عفوت .
و قال الفضيل أيضاً لشعيب بن حرب بالموسم : إن كنت تظن أنه شهد الموقف أحد شراً مني و منك فبئس ما ظننت . دعا بعض العارفين بعرفة فقال : اللهم إن كنت لم تقبل حجي و تعبي و نصبي فلا تحرمني أجر المصيبة على تركك القبول مني .
وقف بعض الخائفين بعرفة إلى أن قرب غروب الشمس فنادى الأمان فقد دنا الإنصراف . فليت شعري ما صنعت في حاجة المساكين .
وقف بعض الخائفين بعرفة فمنعه الحياء من الدعاء فقيل له : لم لا تدعو ؟ فقال : ثم وحشة فقيل له : هذا يوم العفو عن الذنوب فبسط يديه و وقع ميتاً .
وقف بعض الخائفين بعرفات و قال : إلهي الناس يتقربون إليك بالبدن ، و أنا أتقرب إليك بنفسي ثم خر ميتاً .
للناس حج و لي حج إلى سكني تهدي الأضاحي و أهدي مهجتي و دم
كان أبو عبيدة الخواص قد غلب عليه الشوق و القلق حتى يضرب على صدره في الطريق و يقول : واشوقاه إلى من يراني و لا أراه ، و كان بعد ما كبر يأخذ بلحيته و يقول : يا رب قد كبرت فاعتقني ، و رؤي بعرفة و قد ولع به الوله و هو يقول :
سبحان من لو سجدنا بالعيون له على حمى الشوك و المحمى من الإبر
لم نبلغ العشر من معاشر نعمته و لا العشير و لا عشراً من العشر
هو الرفيع فلا الأبصار تدركه سبحنه من مليك نافذ القدر
سبحان من هو أنسى إذا خلوت به في جوف ليلي و في الظلماء و السحر
أنت الحبيب و أنت الحب يا أملي من لي سواك و من أرجوه يا ذخر
قال ابن المبارك :جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة و هو جاث على ركبتيه و عيناه تهملان فقلت له : من أسوأ هذا الجمع حالاً ؟ قال : الذي يطن أن الله لا يغفر لهم . و روي عن الفضيل أنه نظر إلى تسبيح الناس و بكائهم عشية عرفة فقال : أرأيتم لو أن هؤلاء ساروا إلى رجل فسألوا دانقاً ـ يعني سدس درهم ـ أكان يردهم قالوا : لا ، قال : و الله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق .
و إني لأدعو الله أطلب عفوه و اعلم أن الله يعفو و يغفر
لئن أعظم الناس الذنوب فإنها و إن عظمت في رحمة الله تصغر
قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله, حدثنا محمد بن حازم, حدثنا هشام, عن أبيه, عن عائشة, قالت: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة, وكانوا يسمون الحمس, وسائر العرب يقفون بعرفات, فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها, فذلك قوله {من حيث أفاض الناس} وكذا قال ابن عباس ومجاهد وعطاء وقتادة والسدي وغيرهم, واختاره ابن جرير وحكى عليه الإجماع, وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن عمرو عن مجاهد عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه, قال: أضللت بعيراً لي بعرفة فذهبت أطلبه, فإذا النبي صلى الله عليه وسلم واقف, قلت: إن هذا من الحمس ما شأنه ههنا ؟ أخرجاه في الصحيحين,
اخلو بنفسك عشية عرفة
وقال عبد الله بن احمد بن حنبل حدثنا ابو عبد الله السلمى حدثنا ضمرة عن عمر بن الورد قال قال عطاء ان استطعت ان تخلو بنفسك عشية عرفة فافعل البداية والنهاية ج9 ص307
حج بعض المتقدمين فنام ليلة فرأى ملكين نزلا من السماء فقال أحدهما للأخر فكم حج العام ؟ قال : ستمائة ألف ، فقال له : كم قبل منهم ؟ قال : ستة ، قال : فاستيقظ الرجل و هو قلق مما رأى فرأى في الليلة الثانية كأنهما نزلا و أعادا القول ، و قال أحدهما : إن الله وهب لكل واحد من الستة مائة ألف . كان بعض السلف يقول في دعائه : اللهم إن لم تقبلني فهبني لمن شئت من خلقك . من رد عليه عمله و لم يقبل منه فقد يعوض ما يعوض المصاب فيرحم بذلك . قال بعض السلف في دعائه بعرفة : اللهم إن كنت لم تقبل حجي و تعبي و نصبي فلا تحرمني أجر المصيبة على تركك القبول مني . و قال آخر منهم : اللهم ارحمني فإن رحمتك قريب من المحسنين ، فإن لم أكن محسناً فقد قلت : " و كان بالمؤمنين رحيما " ، فإن لم أكن كذلك فأنا شيء و قد قلت : " و رحمتي وسعت كل شيء " ، فإن لم أكن شيئاً فأنا مصاب برد عملي برد عملي و تعبي و نصبي فلا تحرمني ما وعدت المصاب من الرحمة