بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
هذا درس من كتاب تيسير العلام
بَــاب في شيء مِن مَكــرُوهَات الصَّـلاة
المكروه عند الأصوليين، هو ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله.
ومكروهات الصلاة أشياء تخل بكمالها ولا تبطلها، وهي كثيرة ذكر المؤلف منها ما يتضمنه هذان الحديثان.
الحديث الأول
عن عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا أقيمت الصلاة وَحَضَرَ العشَاءُ فَابْدَأوا بِالعشَاءِ" وعن ابن عمر، نحوه.
المعنى الإجمالي :
يطلب في الصلاة الخشوع والخضوع وحضور القلب، لأن ذلك هو روح الصلاة، وبحسب وجود هذا المعنى، يكون تمام الصلاة أو نقصها.
فإذا أقيمت الصلاة، والطعام أو الـشراب حاضر، فينبغي البداءة بالأكل والشرب حتى تنكسر نهمة المصلي، ولا يتعلق ذهنه به، وكيلا ينصرف قلبه عن الخشـوع الذي هو لبُّ الصلاة، هذا ما لم يضق عليه الوقت.
فإن ضاق، فحينئذ يقدم الصلاة في وقتها على كل شيء، لأن المستحب لا يزاحم الواجب.
ما يؤخذ من الحديث:
1- أن الطعام والشراب إذا حضرا وقت الصلاة، قدما عليها مالم يضق وقتها فتقدم على أية حال.
2- ظاهر الحديث : سواء أكان محتاجا للطعام أم غير محتاج.
لكن قيده كثير من العلماء بالحاجة، وأخذا من العلة التي فهموها من مقصد الشارع.
3- أن حضور الطعام للمحتاج إليه عذر في ترك الجماعة، على أن لا يجعل وقت الطعام هو وقت الصلاة دائما وعادة مستمرة.
4- أن الخشوع وترك الشواغل مطلوب في الصلاة ليحضر القلب للمناجاة.
الحديث الثاني ولمُسلِمٍ عَنْ عَائِشَة رضيَ الله عَنْهَا قَالتْ: سَمِعتُ رَسول الله صلى الله عليه يَقولُ: "لا صَلاة بِحَضْرَةِ الطعَام، ولا وَهُوَ يدَافِعُهُ الأخبَثَان "
المعنى الإجمالي : تقدم في الحديث السابق ذكر رغبة الشارع الأكيدة في حضور القلب في الصلاة بين يدي ربه، ولا يكون ذلك إلا بقطع الشواغل، التي يسبب وجودها عدم الطمأنينة والخشوع.
لهذا، فإن الشارع ينهي عن الصلاة بحضور الطعام الذي نفس المصلي تتوق إليه، وقلبه متعلق به.
وكذلك ينهي عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين ، اللذين هما البول والغائط، لأن صلاة الحاقن أو الحاقب غير تامة، لانشغال خاطره بمدافعة الأذى.
اختلاف العلماء:
أخذ بظاهر الحديث " الظاهرية " وشيخ الإسلام " ابن تيمية ".
فلم يصححوا الصلاة مع وجود الطعام ، ولا مع مدافعة أحد الأخبثين، وَعَدوا الصلاة باطلة.
إلا أن شيخ الإسلام لم يصححها مع الحاجة إلى الطعام.
" الظاهرية " شذوا ، فلم يصححوها مطلقاً.
وذهب جمهور العلماء إلى صحة الصـلاة مع كراهتها على هذه الحال.
وقالوا: إن نَفْى الصلاة في هذا الحديث، نَفيٌ لكمالها، لا لصحتها.
ما يؤخذ من الحديث:
1- كراهة الصلاة عند حضور الطعام المحتاج إليه، وفي حال مدافعة الأخبثين، ما لم يضق الوقت فتقدم مطلقاً.
2- أن حضور القلب والخضوع مطلوبان في الصلاة.
3- ينبغي للمصلى إبعاد كل ما يشغله في صلاته.
4- أن الحاجة إلى الطعام أو الشراب أو التبول أو التغوط كل أولئك عذر في ترك الجمعة والجماعة، بشرط ألا يجعل أوقات الصلوات مواعيد لما ذكر ما هو في مقدور الإنسان منها.
5- قال الصنعاني واعلم أن هذا ليس في باب تقديم حق العبد على حق الله تعالى ، بل هو صيانة لحق البارئ ، لئلا يدخل في عبادته بقلب غير مقبل على مناجاته.
6- فسر بعضهم الخشوع بأنه مجموع من الخوف والسكون، فهو معنى يقوم في النفس يظهر منه سكون في الأعضاء يلائم مقصود العبادة.
فــائدة :
قال العلماء: الصلاة مناجاة الله تعالى، فكيف تكون مع الغفلة! وقد أجمع العلماء على أنه ليس للعبد إلا ما عقل منها ، لقوله تعالى : " وأقم الصلاة لذكري " وقوله " ولا تكن من الغافلين" ولما رواه أبو داود والنسائي وابن حبان مرفرعا : " إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له، عشرها ولا سدسها " فالصلاة إنما فرضت لإقامة ذكر الله، فإن لم يكن في قلب المصلي تعظيم وهيبة له نقصت قيمة الصلاة. وحضور القلب هو تفريغه من كل ما هو ملابس له، فيقترن إذ ذلك العلم والعمل ، ولا يجري الفكر في غيرهِما. وغفلة القلب في الصلاة عن المناجاة مالها سبب إلا الخواطر الناشئة عن حب الدنيا0
نقلا من كتاب تيسير العلام للشيخ البسام رحمه الله