الإيحاء
عندما عُرض على أنطوني كوين دور أحدب نوتردام صار يمضي لياليه و هو يحاول أن يستوعب ما يشعر به كوازيمودو الأحدب المنكوب بالعديد من العاهات و في أحد الأيام استيقظ ليجد وجهه مغطى ببثور
متقيحة و ملتهبة و مع مرور الأيام زادت حالة تلك البثور سوءا ً لدرجة أنه اضطر لوضع وشاح يغطي وجهه لتفادي نظرات الناس إليه و نصحه أحد الأصدقاء بالذهاب إلى طبيب مغمور في إحدى حواري باريس و عندما حكى له حكايته مع كوازيمودو ضحك الطبيب و سأله هل سمعت عن نيكوس كازنتزاكي ?
ثم بحث بين كتبه و أخرج منه كتاب مخلصو الرب الذي يتحدث عن المسافة الفاصلة بين الوعي و اللاوعي و قال له أنت أردت أن تعرف كيف يبدو الوحش الآدمي و قد عرفت بعد أن تقمصت شخصه أما الآن اذهب إلى غرفتك و اغسل وجهك بالماء المعدني ثم بلله بروح الكافور و ستزول البثور من تلقاء نفسها
هذه القصة هي أكبر دليل على مدى تأثير اللاوعي في حياة الإنسان و مدى قدرته على تغيير هويته ففي النهاية نحن نبدو كما نفكر
و من القصص التي تروى عن مدى القدرة على التحكم بفعل الإنسان عن طريق زرع أفكار في لا وعيه ما حدث في الحرب الكورية التي كان فيها عدد أسرى الحرب الأمريكيين الذين أبلغوا عن زملائهم أكبر من أية حرب في التاريخ الحديث حيث أن الصينيين لم يتعاملوا مع هؤلاء الأسرى معاملة وحشية بل كانوا ينفذون استراتيجية مدروسة لتحويل الجندي الأمريكي إلى قناعاتهم السياسية و كانوا ينطلقون من فكرة أن الجندي الأمريكي قد تم تدريبه بحيث لا يعطي إلا اسمه و رتبته و رقمه التسلسلي وبالتالي كانوا يسعون لتبديل قناعة السجين حول هويته و انتمائه بأن يتحدثوا إليه لفترات طويلة تمتد من اثني عشرة إلى عشرين ساعة و يتناولون سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الداخلية و الخارجية
و بعد أن ينهك الأسير تماما ً يطلبون منه طلبا ًبسيطا ً كأن يقول مثلا ً : أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست كاملة ثم يطلبون منه أن يكتب مقالة صغيرة عن انتقاداته لسياسة بلاده و يوقع عليها ثم تذاع تلك المقالات ممهورة بتوقيع و اسم الأسير الذي كتبها
و حين يحاصر الأسير باستهجان زملائه الأسرى و أسئلتهم عمّا دفعه لانتقاد نظام بلاده لا يستطيع أن يبرّر ذلك بأنه تعرض للتعذيب أو التهديد لأن هذا لم يحدث و بالتالي و ليحافظ على تقديره لمواقفه و لاستقامته يجد نفسه مضطرا ًأن يقول إنه كتب ما كتب لأنه يؤمن بأنه الحقيقة و هنا تتغير هوية هذا الشخص و يعّزز هذا التغيير تعامل المساجين معه بحذر و كره كما يتعاملون مع حراس السجن و هكذا و بتأثير الظروف الجديدة التي أصبحت تحيط بهذا الشخص و بلاوعي منه تتغير هويته فجأة و يصبح عميلا ً لدى آسريه و هو مؤمن تماما ً بأنه يفعل ذلك بناءا ً على قناعاته الشخصية رغم أن الحقيقة أن قناعاته الجديدة قد فرضتها هويته الجديدة التي شكلتها مجموعة من الظروف و الإيحاءات و المواقف
و بمقاربة صغيرة لهاتين القصتين مع قصصنا التي نعيشها نستطيع أن نعيد النظر ببعض المواقف و القناعات التي تشبثنا بها في أوقات معينة و اعتقدنا أنها تمثل ما نؤمن به و لكنها كانت نتيجة لمرورنا بظروف أو بأشخاص يملكون قدرات واعية على التأثير بمن حولهم بما يتلاءم مع رؤى أو أهداف لديهم بينما كنا نحن غير محصنين نفسيا ً لكن مجرد إدراك تأثير اللاوعي و قدرته على التحكم بحياتنا و حتى بهويتنا ربما يعطينا حصانة ما بحيث أن تساقط عابر لأوراقنا في خريف ما لا يؤثر على رسوخ جذورنا .
منقوووووووووووووووول![]()