قال حسان بن ثابت يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما حدثنا ابن هشام ، عن أبي زيد الأنصاري :
بطيبة رسم للرسول ومعهد = منير وقد تعفو الرسوم وتهمد
ولا تمتحى الآيات من دار حرمة = بها منبر الهادي الذي كان يصعد
وواضح آثار وباقي معالم = وربع له فيه مصلى ومسجد
بها حجرات كان ينزل وسطها = من الله نور يستضاء ويوقد
معارف لم تطمس على العهد آيها= أتاها البلى فالآي منها تجدد
عرفت بها رسم الرسول وعهده = و قبرا بها واراه في الترب ملحد
ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت = عيون ومثلاها من الجفن تسعد
يذكرن آلاء الرسول وما أرى = لها محصيا نفسي فنفسي تبلد
مفجعة قد شفها فقد أحمد = فظلت لآلاء الرسول تعدد
وما بلغت من كل أمر عشيره =ولكن لنفسي بعد ما قد توجد
أطالت وقوفا تذرف العين جهدها= على طلل القبر الذي فيه أحمد
فبوركت يا قبر الرسول وبوركت = بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد
وبورك لحد منك ضمن طيبا = عليه بناء من صفيح منضد
تهيل عليه الترب أيد وأعين = عليه وقد غارت بذلك أسعد
لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة = عشية علوه الثرى لا يوسد
وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم= وقد وهنت منهم ظهور وأعضد
يبكون من تبكي السماوات يومه= ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد
وهل عدلت يوما رزية هالك = رزية يوم مات فيه محمد
تقطع فيه منزل الوحي عنهم = وقد كان ذا نور يغور وينجد
يدل على الرحمن من يقتدي به= وينقذ من هول الخزايا ويرشد
إمام لهم يهديهم الحق جاهدا = معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا
عفوا عن الزلات يقبل عذرهم = وإن يحسنوا فالله بالخير أجود
وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله = فمن عنده تيسير ما يتشدد
فبينا هم في نعمة الله بينهم = دليل به نهج الطريقة يقصد
عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى = حريص على أن يستقيموا ويهتدوا
عطوف عليهم لا يثني جناحه = إلى كنف يحنو عليهم ويمهد
فبينا هم في ذلك النور إذ غدا = إلى نورهم سهم من الموت مقصد
فأصبح محمودا إلى الله راجعا = يبكيه حتى المرسلات ويحمد
وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها = لغيبة ما كانت من الوحي تعهد
قفارا سوى معمورة اللحد ضافها= فقيد يبكينه بلاط وغرقد
ومسجده فالموحشات لفقده = خلاء له فيه مقام ومقعد
وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت = ديار وعرصات وربع ومولد
فبكى رسول الله يا عين عبرة = ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد
وما لك لا تبكين ذا النعمة التي = على الناس منها سابغ يتغمد
فجودي عليه بالدموع وأعولي = لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد
وما فقد الماضون مثل محمد = و لا مثله حتى القيامة يفقد
أعف وأوفى ذمة بعد ذمة = و أقرب منه نائلا لا ينكد
وأبذل منه للطريف وتالد = إذ ضن معطاء بما كان يتلد
وأكرم صيتا في البيوت إذا انتمى = وأكرم جدا أبطحيا يسود
وأمنع ذروات وأثبت في العلا = دعائم عز شاهقات تشيد
وأثبت فرعا في الفروع ومنبتا = وعودا غذاه المزن فالعود أغيد
رباه وليدا فاستتم تمامه = على أكرم الخيرات رب ممجد
تناهت وصاة المسلمين بكفه = فلا العلم محبوس ولا الرأي يفند
أقول ولا يلقى لقولي عائب = من الناس إلا عازب العقل مبعد
وليس هواي نازعا عن ثنائه = لعلي به في جنة الخلد أخلد
مع المصطفى أرجو بذاك جواره = وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد
***وقال حسان بن ثابت أيضا يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم ***
ما بال عينك لا تنام كأنما = كحلت ما فيها بكحل الأرمد
جزعا على المهدي أصبح ثاويا = يا خير من وطئ الحصى لا تبعد
وجهي يقيك الترب لهفي ليتني = غيبت قبلك في بقيع الغرقد
بأبي وأمي من شهدت وفاته= في يوم الاثنين النبي المهتدي
فظللت بعد وفاته متبلدا = متلددا يا ليتني لم أولد
أأقيم بعدك بالمدينة بينهم = يا ليني صبحت سم الأسود
أو حل أمر الله فينا عاجلا = في روحة من يومنا أو من غد
فتقوم ساعتنا فنلقي طيبا = محضا ضرائبه كريم المحتد
يا بكر آمنة المبارك بكرها = ولدته محصنة بسعد الأسعد
نورا أضاء على البرية كلها = من يهد للنور المبارك يهتدي
يا رب فاجمعنا معا ونبينا= في جنة تثني عيون الحسد
في جنة الفردوس فاكتبها لنا = يا ذا الجلال وذا العلا والسؤدد
والله اسمع ما بقيت بهالك = إلا بكيت على النبي محمد
يا ويح أنصر النبي ورهطه = بعد المغيب في سواء الملحد
ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحوا= سودا وجوههم كلون الإثمد
ولقد ولدناه وفينا قبره = وفضول نعمته بنا لم نجحد
والله أكرمنا به وهدى به = أنصاره في كل ساعة مشهد
صلى الإله ومن يحف بعرشه = والطيبون على المبارك أحمد
*** وقال حسان بن ثابت يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم ***
نب المساكين أن الخبر فارقهم = مع النبي تولي عنهم سحرا
من ذا الذي عنده رحلي وراحلتي = ورزق أهلي إذا لم يؤنسوا المطرا
أم من نعاتب لا نخشى جنادعه = إذ اللسان عتا في القول أو عثرا
كان الضياء وكان النور نتبعه = بعد الإله وكان السمع والبصرا
فليتنا يوم واروه بملحده = وغيبوه وألقوا فوقه المدرا
لم يترك الله منا بعده أحدا = ولم يعش بعده أنثى ولا ذكرا
ذلت رقاب بني النجار كلهم = وكان أمرا من أمر الله قد قدرا
واقتسم الفيء دون الناس كلهم = وبددوه جهارا بينهم هدرا
***وقال حسان بن ثابت يبكي رسول الله صلى الله عليه سلم أيضا ***
آليت ما في جميع الناس مجتهدا = مني إليه بر غير إفناد
تالله ما حملت أنثى ولا وضعت = مثل الرسول نبي الأمة الهادي
ولا برا الله خلقا من بريته = أوفى بذمة جار أو بميعاد
من الذي كان فينا يستضاء به = مبارك الأمر ذا عدل وإرشاد
أمسى نساؤك عطلن البيوت فما = يضربن فوق قفا ستر بأوتاد
مثل الرواهب يلبسن المباذل قد = أيقن بالبؤس بعد النعمة البادي
يا أفضل الناس إني كنت في نهر = أصبحت منه كمثل المفرد الصادي
--------------------------------------------------------------------------------