إفطار رمضان بين الإسراف والكرم
ظاهرة لافتة نشهدها كل عام مع بداية شهر رمضان تتمثَّل في التكالب الكبير على شراء المواد الغذائية والزحام غير العادي على الأسواق ومحلات الأطعمة وغيرها مما يؤدي إلى أزمة لا تتناسب ومغزى الصوم وتوحي بأن هذا الشهر هو أكثر شهور السنة استهلاكاً للطعام والشراب يبدو أننا لا نقوم بأي عمل في رمضان سوى الأكل وإعداد الموائد العامرة، ظاهرة تعدد الأطباق وبكميات كبيرة على موائد الإفطار أصبحت مظهراً من المظاهر الاجتماعية التي تعكس الإمكانيات المادية والاجتماعية لشريحة كبيرة من المجتمع، الإسراف الذي تشهده المائدة في رمضان.. من المسئول عنه؟
مع بداية شهر رمضان وفي الشهر نفسه يتضاعف شراء اللحوم والدواجن عدة مرات ويتضاعف عدد المطروح للبيع أيضاً عدة مرات.. ويتضاعف شراء الكثير من المواد الاستهلاكية والمواد الغذائية أكثر من مرة وتشهد محلات بيع الجملة ومحلات الخضار ومحلات بيع اللحوم والأسواق ازدحاماً غير عادي بالبشر بل تقف في طابور الزحام الشديد على (الحساب) لأن الكل ينتظرون (حاملة المواد التموينية) ينتظر الدفع وكأن هذا الشهر شهر أكل وشرب أو كأن هذه المواد التموينية ستختفي من الأسواق.
ومن المحزن بل مما يثير في النفس الألم والمرارة والخوف من العقوبة أن عمال النظافة يؤكدون تضاعف حجم النفايات في رمضان عدة مرات مما يضطرهم إلى تحميل النفايات أكثر من مرة في اليوم لمواجهة حجم النفايات التي تتضاعف في هذا الشهر. فيما أكد عدد من الجزارين أنه في رمضان يضاعف عدد الذبائح المطروحة للبيع أكثر من أربع مرات، وهكذا يتضاعف شراء المواد الغذائية الأخرى فلماذا كل هذا الزحف على الأسواق؟ ولماذا كل هذا النهم على الأكل؟! ثم كيف ترمى بقايا الأكل هكذا دون خوف من العقوبة؟
ومع قدوم شهر رمضان المبارك تسمع من الجميع حديثاً عن أنه إزاء موسم (صرف) فالكثير من الموظفين يؤكد أنه محتاج لضعف راتبه لمواجهة مصاريف رمضان!! مع أنه من المفترض أن تخفض المصاريف إلى النصف أو أكثر لأن الكل صائم لأكثر من 31 ساعة.
المبالغة بالكرم إسراف
يقول علي الخليفة: إن هناك مبالغة في كثير من موائد الإفطار الرمضانية لدرجة تصل إلى حد الإسراف والتبذير، فقد يكون عدد أفراد الأسرة الواحدة خمسة أفراد مثلاً وما يتم إعداده من أطباق ناهيك عما يتم إحضاره من المطاعم قد يكفي لعشرين فرداً، علماً أنه أثناء رمضان تكون نسبة الأكل لدى الصائمين أقل من الأشهر الأخرى وبالتالي، فإن جزءاً كبيراً من هذه الأطباق لا يقربها أحد وتوضع في الثلاجة لليوم الثاني، والذي يتم به أيضاً أعداد أطباق جديدة على اعتبار أن الصائم يحب التجديد يومياً. وهكذا طوال الشهر. هناك فرق كبير بين الكرم والإسراف غير المبرر، فإذا كانت الإطباق التي يتم إعدادها تؤكل أو توزع فهذا كرم، ولكن أن يلقى بها في أكياس القمامة فهذا تبذير وإسراف يجب الابتعاد عنه قدر الإمكان وأعتقد بأن هذه المسؤولية تقع على عاتق ربات البيوت أكثر منها على الرجال.
الميزانية تتضاعف
ويتفق مع الرأي السابق سليمان المعيوف ويقول: إن شهر رمضان يحتاج إلى ميزانية قد تفوق بأضعاف الميزانيات الخاصة بالأشهر الأخرى، حتى إن بعض الناس للأسف أصبحوا لا يعرفون عن رمضان سوى الطعام والشراب، حيث يبدأ إعداد الأطباق قبل حلول موعد الإفطار بساعات طويلة وترى أحياناً كل أفراد الأسرة يقومون بإعداد الوجبات وتوزيع الأدوار، وعند الإفطار يتناول الصائمون جزءاً بسيطاً من الإطباق التي تم إعدادها ويذهب الجزء الأكبر منها إلى الحفظ بالثلاجات لأيام وبعدها لا يجد طريقاً له سوى القمامة، فهذا بالتأكيد إسراف وتبذير تجاوز الكرم. ويرى: أن ما يجرى خلال شهر رمضان هو تبذير وإسراف، نابع من إننا مازلنا من أكثر المجتمعات الاستهلاكية، ومما يدعو للأسف أن كميات الطعام التي تتبقى بعد الإفطار وما أكثرها تلقى في صناديق القمامة، على اعتبار أن توزيع ما تبقى من الأكل حتى على المحتاجين ما زال ينظر له على أنه (عيب). وأضاف أن هذا الشهر هو شهر الكرم والخير والبركات ولكن خير الأمور دائماً أوسطها، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ } [الإسراء: 29] فمن هنا يجب الاقتصاد وقدر الإمكان وعدم إهدار هذه النعم.
ما يجري تبذير.. تبذير..
ويرى إبراهيم الموسى: أن غياب الرقابة والتوجيه والإرشاد سواء من قبل رب الأسرة أو أجهزة الإعلام أدى إلى ترسيخ بعض العادات التي تتنافى مع قيم رمضان وواجباته ومعانيه، ويضيف: للأسف تجد الناس تتدافع على ممارسة هذه العادات بما فيها الإطباق اليومية التي يتم إعدادها لدرجة بدؤوا يعتبرونها من مقومات الشهر المستحسنة والمأمور بها، لذلك نجد اختلاط الحابل بالنابل فنجدهم يعرفون الإسراف في الإنفاق بأنه كرم له جذوره المتأصلة ويصفون فائض الأطباق بالجود والكرم وفي اعتقادي أن هذه السلوكيات مفاهيم خاطئة يجب التفريق بينها وأعتقد بأن وسائل الإعلام لها دور كبير في هذا الجانب الاستهلاكي.
خطأ كبير
وتستشهد نورة الزبن بقول الله تعالى: { وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]. وتقول بصراحة لقد حملنا نحن معشر النساء الإسراف من جميع النواحي فالمرأة سيدة البيت التي بيدها الأمر، والتي قد عوَّدت أفراد أسرتها على هذا النمط من العيش حتى لو طلب الزوج منها أن تمد له سفرة عامرة بالمطيبات فلها أن تقتصد في الإعداد حتى يعتادوا على هذا النمط فهذا شهر عبادة وليس عادة.
وتضيف: أن التبذير تقع مسئوليته أولاً على الرجل لأنه هو المسئول عن بيته فلو رفض هذا التبذير فإن الزوجة لا تفعل خلاف رأيه السبب قد يكون من الرجل وقد يكون من المرأة فبعض الرجال لا يرتاحون إلا إذا وجدوا السفرة مليئة بأصناف متعددة وبعض النساء تتفنن في رمضان وتصنع الأصناف الكثيرة بالرغم من أن عدد أفراد أسرتهن قليل. إن شهر رمضان المبارك هو شهر الاعتدال وعدم الإسراف في المأكل والمشرب، وديننا الحنيف يحثنا على الاعتدال وعدم الإسراف في رمضان، بل وفي جميع الشهور والأوقات يقول سبحانه وتعالى: { وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]. وتحرص الكثير من ربات البيوت على إعداد مائدة رمضان بشكل مميز فتقوم في أواخر شعبان بالنزول إلى الأسواق والمراكز التجارية وهذا خطأ كبير وأنا انصح بأن نجعل شهر رمضان رمزاً للاعتدال وليس رمزاً للشره الاستهلاكي وليكن رمضان شهر المحبة والود والتواصل بين الناس بدلاً من أن يكون شهر التسوق والفضائيات والنوم والكسل ويكون رمضان رمزاً للعبادة ونقاء السريرة والنشاط بدلاً من السهر لمتابعة المسلسلات قبل الإفطار وبعده والنوم في أغلب ساعات النهار.
بذخ وإسراف
وتدافع أم سارة عن اتخاذها البذخ والإسراف منهجا في شهر رمضان بقولها إن المبالغ الكبيرة التي تصرف على شراء مقاضي رمضان من الأمور العادية التي درجت عليها ربات البيوت غير أنها تستدرك إن بقايا الأطعمة الرمضانية كثيراً ما تجد طريقها إلى مقالب النفايات.
وتقول: إن شهر رمضان ليس شهراً للتخمة وإعداد الأطعمة الدسمة لدرجة انك تشاهد المتسوقين وهم يتكالبون على الشراء من محلات السوبر ماركت.وترى أن الإعلانات هي السبب الرئيسي وراء الإسراف في الشراء.
إذا لم أصرف... أنا بخيلة!
وتؤكد أم ياسر بأن الأسر تبالغ في كمية الأطباق الرمضانية، وربما ينتهي شهر رمضان من دون أن تنتهي مشترياتها من المواد الغذائية، وهذه الظاهرة متأصلة في المجتمع وبدرجة كبيرة، أما عن نفسي فأنا لا أطالب زوجي بالكثير لأنني أدرى بظروفه المادية وترى أن استهلاك أسرتها من المواد الغذائية تقريباً ثابت ولا يزيد في شهر رمضان كثيراً، إلا في استهلاك الحلويات الرمضانية ومستلزماتها.
حبر على ورق
أما عبدالله المنصور فيقول: إنه في كل عام يتفق مع زوجته بتقليص مصروفات رمضان غير أنه يفاجأ أن كلامه معها مجرد حبر على ورق وإن نهم الشراء يزيد لديها عاماً بعد الآخر، لدرجة أن مصروفات شراء مقاضي رمضان تستنزف أكثر من 70% من راتبه. إن الإسراف في رمضان قد يكون مبرراً لبعض الأسر، حيث يكثر زوارها وضيوفها مما يدفعها للإسراف في الشراء.. ويعترف أن الرواتب في شهر رمضان معروف بنود صرفها بين احتياجات الشهر الفضيل والمشاوير إلى الأسواق.
مظاهر وتنافس
ويقول محمد الراشد مدرس: إن شهر رمضان يمتاز عن بقية الأشهر الأخرى بأنه شهر الخيرات لذلك نجد الناس كانوا أغنياء أم فقراء يهرعون لشراء كل ما يقدرون عليه من أكل وغيره باعتبار أن هذه الفترة تكون فيها العلاقات الاجتماعية والروابط الأسرية في أوجها.. وهذه المسألة تقاس على جميع المجتمعات وبالذات مجتمعنا في الفترة الأخيرة طغت هذه النظرة على الأسر بحيث إننا نجد ما يعرف أو ما لا يؤكل خلال هذا الشهر يمكن أن يكون كافياً لإشباع دولة من الدول الفقيرة، وهذه حقيقة وتتنافى بشكل لا يقبل الجدل مع مبادئ وقيم هذا الشهر الفضيل، فالصوم يفرض علينا ألا نغالي في شراء كل السلع وهذه النقطة الأساسية لذلك نجد على موائد الإفطار في المنازل حتى للأسر بنفسها أطباقاً ما أنزل الله بها من سلطان وبكميات كبيرة لأن المرأة بطبيعتها تحب قضاء معظم وقتها في المطبخ. وأضاف أن الكرم مطلوب خاصة خلال هذا الشهر ولكن موائد الإفطار الرمضانية تجاوزت الكرم إلى الشكلية وأصبح ينظر لهذه الموائد الآن على أنها مرآه تعكس الوضع المادي والاجتماعي فخلقت نوعا من التفاخر والمباهاة لدرجة أن الإنسان العادي والبسيط أصبح الآن يسير على نفس النهج حتى ولو كانت الإمكانيات المادية لا تسمح. ويرى أن هناك عدة عوامل ساهمت في تعزيز الإنفاق البشع، فالقنوات الفضائية تتسابق في طرق إعداد أطباق الطعام والحلويات ولك أن تتخيل ما أكثرها وبطبيعة الحال المرأة تحب التفنن بهذه الأطباق خاصة في رمضان فتأخذ بتطبيق ما شاهدته والمحصلة قد تكون 15 طبقاً مختلفاً، إضافة إلى الإغراءات التي تقدمها المحلات التجارية ومراكز التسوق لجذب المستهلكين لذلك نجد أن مؤشر الشراء في هذا الشهر يصل إلى أعلى مستوياته لدرجة يمكن فيها القول أن الإنسان أصبح كائناً استهلاكياً بامتياز.
الولائم من القيم الاجتماعية
وتعتقد نورة العقل أن الولائم والعزائم للأهل والأقارب ما زالت ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقيم الاجتماعية الموجودة في المجتمع وهذه القيم يصعب التخلي عنها لأن ذلك قد يعتبر تخلياً عن العادات والتقاليد التي سار عليها الآباء والأجداد.
وأضافت إن المجتمع رغم الظروف والأجواء التي يعيش فيها إلا أن الروابط الأسرية والاجتماعية ما زالت تحافظ على وضعها فتجد مثلاً الأبناء يتجمعون يومياً في بيت الوالد وقد يأتي الأقارب أيضاً بدون مواعيد مسبقة على اعتبار أن المجلس مفتوح ومعروف بأن ما يتم إعداده يكفي ويزيد، لذلك لا يمكن أن تقول بأن زيادة نسبة الطبخ وتعدد الأطباق خاصة في مثل هذه الحالات هو إسراف وتبذير، بل احتياطات يتم أخذها مسبقاً حتى لا يفاجأ أحد بزيارة غير متوقعة. نتمنى أن تتواصل هذه العلاقات الاجتماعية والروابط الأسرية على نفس وتيرة شهر رمضان طوال العام لأن في ذلك أجر وثواب.
خير الأمور الوسط
ويعلِّق محمد الأحيدب أخصائي اجتماعي على هذه الظاهرة قائلاً: من المعروف أن شهر رمضان هو شهر كريم مبارك شهر الطاعة والإقبال على المكرمات وبخاصة التوسعة على الأسر والفقراء فيطلب في هذا الشهر زيادة التوسعة بالإنفاق سواء من ناحية إنفاق الرجل على بيته أو إنفاقه للصدقات في سبيل الله وأي توسعة في هذا الشهر لا تعتبر إسرافاً وإنما تعتبر قربة من الله عز وجل لأنها نوع من التكافل بين المسلمين غنيهم وفقيرهم وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يوسع على عياله وعلى المسلمين في شهر رمضان وكان كالريح المرسلة في جوده وكرمه. لذلك المطلوب أن يقوم المسلمون بكفالة بعضهم البعض والتوسعة على فقرائهم في هذا الشهر الفضيل دون ضن ولا شح، أما في غير هذا الشهر فالإسلام يدعو إلى الوسطية في كل الأمور (لا تقتير ولا تبذير) انطلاقا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "خير الأمور الوسط".
ويضيف: هناك بعض الممارسات الخاطئة التي يقوم بها البعض وبخاصة أثناء احتفالات الزواج أو أثناء رمضان مثل إلقاء ما تبقى من الحفلات والولائم في صناديق القمامة، وهذا فيه نوع من الاحتقار للنعم التي من الله بها علينا وفيها أيضاً حرمان للطبقات الفقيرة من أن تستفيد من هذه الأطعمة وهذا أمر لا يقره الشرع، فمن الناحية الشرعية مرفوض إلقاء الأطعمة في صناديق القمامة لأنها نعمة يجب أن تكرم ولا تهان، ومن الناحية الثانية التخلص من بقايا الطعام بهذه الطرق هو نوع من التبذير، بل يجب أن يتم توزيعها على الفقراء والمحتاجين. الذين هم في أمس الحاجة لها. الحديث النبوي الذي يقول "من فطَّر صائماً فله مثل أجره" وهناك آيات أيضاً تنهى عن الإسراف مثل قوله تعالى: { وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31] والآية الأخرى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ }[الإسراء: 27] ، فالنصوص القرآنية والنصوص والتطبيقات النبوية وتطبيقات الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين كانوا في هذا الإطار كرماء ولكن ليس إلى حد الإسراف وإذا فاض عليهم شيء من النعمة وسعوا به على إخوانهم. أشك أن المظاهر الاجتماعية والعرف يلعب دوره في هذا المجال، فالمسلم يعرف حق المعرفة أن التبذير حرام والإسراف لا يجوز ومع ذلك يغلبه التقليد، كيف أفعل خلاف ما يفعله جيراني وأقربائي، المفروض أن نلتزم بما بما يأمر به الله سبحانه وتعالى وننتهي بما ينهى الله عنه، أما التقاليد والأعراف فتأتي في الدرجة الثانية التي لا تصطدم مع نص، أما هنا فالصدام مع نصوص تطبيقية واضحة تمنع الإسراف والتبذير وتمنع احتقار النعمة خاصة من قبل اللا مبالين في إلقاء هذه النعم أما إذا كان عن طريق الخطأ فنسأل الله أن يتوب عليهم وهو خير التوابين.
عادات غير سليمة
وفيما يتعلق بالأسباب التي تجعل النساء أكثر إسرافاً خلال أيام الشهر المبارك قال الدكتور إبراهيم يعقوب تركستاني أستاذ الطب النفسي بجامعة أم القرى: أن الإسراف له عوامل عديدة من ضمنها الخلفية الاجتماعية والعادات والتقاليد والتي تدفع المرأة إلى تقليد ومنافسة قريناتها حتى ولو كانت قدراتها المادية أقل من غيرها وهذا الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى الشخصية هل هي مسرفة أم مدبرة وهل أثَّرت بها ظروف الحياة المحيطة أم لا، فنزعة الإسراف الموجودة لدى الشخص تكون موجودة طوال العام والمرأة غير العاملة هي مسرفة بشكل أكبر من العاملة لأنها لا تشعر بقيمة المال ولم تتعب في سبيل الحصول عليه كإحساس الرجل بهذا الأمر ولا بد لنا ليس عرض الأسباب بحسب، بل التأكيد على سبل الحد من هذه الظاهرة بالاجتهاد ليس بالكلام السهل فقط، بل بالعمل على تغيير هذه العادة السيئة بالتوعية بحرمة البذخ والإسراف شرعاً ومن هنا يأتي دور الإعلام والعلماء.
ويضيف: خلال شهر رمضان تختلف الأمور وتكثر الحفلات والزيارات والتجمعات العائلية الفريدة التي لا تتكرر دائماً طوال العام وتتزايد في هذه الفترة الطلبات المخصصة للشهر الفضيل مما يدفع النساء للتنافس في تجهيز السفر الفاخرة طيلة الشهر وهذا أمر طبيعي ولكن لابد من موازنة معدل الصرف خلال هذا الشهر بما يتناسب مع ميزانية الأسرة وقدراتها المادية لتخرج بقرار مشترك من الزوجين يضع لهما الحدود والخطوط الحمراء التي لا ينبغي تخطيها للحفاظ على الميزانية المقدرة بدلاً من إسراف أحد الطرفين وتبادل الاتهامات عند تعمق الأزمات المادية.
الدكتور تركستاني يضيف لا بد من التخطيط المسبق لضبط مصروف الأسرة من قبل الزوج في حين يتعيَّن على الزوجة مراعاة الظروف والإقلاع عن عادة إدمان التسوق التي باتت تنتشر بين نسائنا بسبب أوقات الفراغ الطويلة غير المستغل.
وأوضح تركستاني أن من ضمن العادات غير السليمة في المجتمع اعتياد بعض النساء خلال فترة الاستعداد لشهر رمضان وخلاله الإسراف والتبذير في اقتناء الحاجيات والمستلزمات التي تفوق احتياجات الأسرة بما يرهق الأزواج فعلاً بالطلبات غير الضرورية وهذا الأمر ملموس وبشكل كبير ومن اليوم الأول لهذا الشهر تعج الأسواق بالنساء اللواتي يتجهن إلى شراء الأطعمة والملابس والأثاث دون حاجة مع كونهن لا ينقطعن عن هذه العادة طوال العام لاحترافهن مهنة التكديس المستمر وهذا بلا شك يرهق كاهل الأزواج وخصوصاً ذوي الدخل المحدود فيضطرون إلى اللجوء إلى الدين والاستعانة بالآخرين لسد العجز المادي ومن هنا أوجه النصيحة بضرورة الاهتمام بالاحتياجات الضرورية بعيداً عن الطلبات التي ترهق ميزانية الأسرة وتؤدي إلى نشوب المشاكل الزوجية وأدعو النساء خاصة إلى تحكيم العقل والتقليل من زياراتهن للأسواق لأن الزيارات تدفعهن للشراء بينما يتوجب عليهن ترك النزهات المتكررة.
الإعلام يشجع الإسراف
وحول ظاهرة الاستهلاك المسرف في رمضان بينت الاختصاصية الاجتماعية أمل فراونة أن الإسراف موجود في كل المجتمعات العربية وليس في مجتمعنا فقط، وأضافت: هناك أنماط وعادات استهلاكية يصاب بها الأفراد والعائلات خلال شهر رمضان دون غيره من الشهور، تدفعهم إلى اتخاذ قرارات شراء تتجاوز في كثير من الأحيان عامل السعر في مقابل الوفرة، كما أن شراء الناس لكل احتياجاتهم بكميات كبيرة يعطي انطباعاً بأن منازلهم خالية من الطعام والشراب وكأن رمضان يأتي فجأة وبدون معرفة! وللإعلام دور مهم في تشجيع المرأة بالذات على الإسراف، فالإعلانات التجارية عن السلع المخفضة والتي تسبق رمضان تحفز بداخلها عادة الإسراف، كما أن للعادات دوراً مهماً، إذ إن المجتمع يعتمد على الولائم في شهر رمضان، لذلك تلجأ الأسر إلى الشراء بكميات كبيرة، ربما تفيض عن حاجاتها اليومية من الطعام، وهنا لا بد من الموازنة بين الإنفاق والاستهلاك فيجب على المرأة، المسئولة الأولى عن إدارة شؤون المنزل، أن تقتصد في إنفاقها في رمضان وشددت فراونة على ضرورة الاقتصاد وعدم الإسراف في شهر رمضان. قائلة: "إن الإسراف والتبذير عدوان للنعم بسببهما تتبدل وتتغير ويتحول حال العباد، فالإسراف نفسه صفة قبيحة في الإنسان والتبذير وصف ذميم وكفى بهاتين الصفتين قبحاً للمرء يتصف بهما. والمسرفون أنفسهم في خطر وبلاء كبيران فإنهم لا يحبهم الله { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]، وشهر رمضان شرع لتقوى الله تعالـى لقوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179]، أي لم يشرع حتى تتفنن الأسرة في أنواع الطعام والشراب، ودعا الشيخ المسلمين إلى تفعيل شهر رمضان بداخلهم للوصول إلى أهدافه الحقيقية التي تتضمن تقوى الله وخشيته والاستزادة من العمل الصالح وجعل رمضان موسماً من مواسم الخيرات التي تتوافر فيها العلاقات الاجتماعية، وتقوى فيها صلة الأرحام، ولذلك ينبغي أن يقتصر فطور رمضان على المتيسر من الطعام لأن الزيادة فيه تضعف النفس عن ممارسة العبادة والمعروف عن شهر رمضان أنه شهر للعبادة.