يرى كثير من المفكرين أن الضحك والابتسامة من أقوى الأسباب التي تدفع الإنسان ليكون أكثر فاعلية وإنتاجًا، ولا غرو فإن الضحك المعتدل بلسم للروح، ودواء للنفس، وراحة للخاطر المكدود بعد الجهد والعمل، ويقول أبو الفرج ابن الجوزي: مازال العلماء الأفاضل يعجبهم المُلَح، ويهشُّون لها؛ لأنها تجم النفس، وتريح القلب من كد الفكر.
يقول أحمد أمين في "فيض الخاطر": " ليس المبتسمون للحياة أسعد حالاً لأنفسهم فقط، بل هم كذلك أقدر على العمل، وأكثر احتمالاً للمسؤولية، وأصلح لمواجهة الشدائد ومعالجة الصعاب، والإتيان بعظائم الأمور التي تنفعهم وتنفع النَّاس.
لو خيرتُ بين مال كثير أو منصب خطير، وبين نفس راضية باسمة؛ لاخترت الثانية، فما المال مع العبوس؟!
وما المنصب مع انقباض النفس؟!
وماكل مافي الحياة إذا كان صاحبه ضيِّقًا حرجًا كأنه عائد من جنازة حبيب؟! وما جمال الزوجة إذا عبست وقلبت بيتها جحيمًا؟! لخيرٌ منه ـ ألف مرة ـ زوجة لم تبلغ مبلغها في الجمال وجعلت بيتها جنة.
النفس الباسمة ترى الصعاب فيلذُّها التغلب عليها، تنظرها فتبسم، وتعالجها فتبسم، وتتغلب عليها فتبسم .
والنفس العابسة لاترى صعابًا فتخلفها، وإذا رأتها أكبرتها واستصغرت همَّتها بجانبها فهربت منها، وقبعت في جُحرها تسبُّ الدهر والزمان والمكان، وتعللت بلو وإذا وإن . وما الدهر الذي لعنه إلا مزاجه وتربيته، إنه يود النجاح في الحياة ولا يريد أن يدفع ثمنه، إنه يرى في كل طريق أسدًا رابضًا، إنه ينتظر حتى تمطر السماء ذهبًا أو تنشقّ الأرض عن كنز.
ليس يعبِّس النفس والوجه كاليأس، فإن أردت الابتسام فحارب اليأس. إن الفرصة سانحة لك وللناس، والنجاح مفتوح بابه لك وللناس، فعوِّد عقلك تفتُّح الأمل وتوقُّع الخير في المستقبل".
إذن ابـــــــــتـــــــــــســـــــــــم
يقول إيليا أبو ماضي :
قال السماء كئيبة ! وتجهما
قلت: ابتسم يكفي التجهم في السما !
قال: الصبا ولى! فقلت له: ابتــسم
لن يرجع الأسف الصبا المتصرما !!
قال: التي كانت سمائي في الهوى
صارت لنفسي في الغرام جــهنما
خانت عــــهودي بعدما ملكـتها
قلبي , فكيف أطيق أن أتبســما !
قلـــت: ابتسم و اطرب فلو قارنتها
لقضيت عــــمرك كــله متألما
قال: الــتجارة في صراع هائل
مثل المسافر كاد يقتله الـــظما
أو غادة مسلولة محــتاجة
لدم ، و تنفثـ كلما لهثت دما !
قلت: ابتسم ما أنت جالب دائها
وشفائها, فإذا ابتسمت فربما
أيكون غيرك مجرما، و تبيت في
وجل كأنك أنت صرت المجرما ؟
قال: العدى حولي علت صيحاتهم
أَأُسر و الأعداء حولي في الحمى ؟
قلت: ابتسم, لم يطلبوك بذمهم
لو لم تكن منهم أجل و أعظما !
قال: المواسم قد بدت أعلامها
و تعرضت لي في الملابس و الدمى
و علي للأحباب فرض لازم
لكن كفي ليس تملك درهما
قلت: ابتسم, يكفيك أنك لم تزل
حيا, و لست من الأحبة معدما!
قال: الليالي جرعتني علقما
قلت: ابتسم و لئن جرعت العلقما
فلعل غيرك إن رآك مرنما
طرح الكآبة جانبا و ترنما
أتُراك تغنم بالتبرم درهما
أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما ؟
يا صاح, لا خطر على شفتيك أن
تتثلما، والوجه أن يتحطما
فاضحك فإن الشهب تضحك و الدجى
متلاطم, و لذا نحب الأنجما !
قال: البشاشة ليس تسعد كائنا
يأتي إلى الدنيا و يذهب مرغما
قلت ابتسم مادام بينك والردى
شبر, فإنك بعد لن تتبسما
كتاب ( ابتسم ) د. عائض القرني