تململت في فراشها بكسل, صوت بائع الحليب ينبئها بالوقت ,إنها الثامنة صباحا يزداد صوته ارتفاعا معلنا اقترابه ,تبتسم بمرارة كم مكلفٌ السعي وراء الرزق!


تجوب عيناها ارجاء الغرفة لكأنها تراها لأول مرة يحصل أن نتآلف مع أشيائنا حدّ أن لا نراها ,زهورها المستلقية منذ أكثر من خمسة عشر عاما,ماركة عطرها هي الأخرى


رافقتها رحلتها ,طاولة زينتها الخشبية اللون ,كتبها وأوراقها المبعثرة.

كم من الذاكرة تحمل لنا الأشياء ؟!وهي التي تعرف عنّا ما لا يعرفه سواها ,أخيلتنا ,أحلامنا ,طقوس حزننا ...عمر وشكل خيباتنا.

يخرجها من استغراقها صوت الجرس

_صباح الخير يابا نجلاء

_صباح النور يابا أبا جمال تفضل هذا السطل

_كيف حالك وكيف الوالدة ؟

-الحمد لله بخير كيف أنت والعائلة؟

_عايشين يابا عايشين الحمد لله


كنت أيضا جزءا من ذاكرتي القديمة وكنت في كل مرة أمدّ يدي بثمن الحليب أخجل مني ,وأشعر أنني أغتال الوطن برغيف خبز ٍ,وعندما أغلق الباب أعرف أني خلفت وراءه

وطنا على شاكلة أبي.

كلما طالعت وجهك تذكرت عينيه واستعدت أحاديثكما وأحلامكما عن العودة وهموم اللجوء والرحيل.

أدرك اليوم أنكما كنتما تحاولان الإستعاضة عن الوطن بوطن ,هو بالأحزاب والتنظيمات الفدائية وأنت بقطعة أرض وبضع رؤوس من الماشية جاهدت طويلا لتحصل عليها.

أكنت تستعيض عن فلسطين بهذه الأرض لتجعل منها خنجرا مزروعا في الذاكرة ينكأ كل حين أحزانك ويخبرك أنك لست في وطنك ؟؟

أم كانت العزاء البديل بعدما أيقنت الحقيقة وعزّ الرجوع ؟؟

_صباح الخير

_صباح الخير يا وجه الخير

-شربت قهوتك

-لا لم أشربها بعد

_تشربين قهوة أم حليبا؟؟

_يا غالية أما مللت ذات السؤال وذات الجواب؟ قهوة بالتأكيد ,يهيأ لي أحيانا أنك صبي قهوة لا يمل أبدا من سؤال الزبائن


_ويهيأ لصبي القهوة أنك يوما ما ستغيرين عاداتك وتطلبين حليبا عوضاعن القهوة

_غلبْتِني يا أجمل صبيّ قهوة

_مزاجك اليوم رائق ,واستغرب صحوك باكرا وهو يوم كسلك كما تقولين دائما

_سألتقي اليوم بصديقات لم ألتق بهن منذ أيام الدراسة

-أأعرفهن ؟؟

_ربما تذكريهن هيفاء ,سمر ,عبير


-لا أعرف الا عبير

_بالتأكيد يا ست الحبايب ,فهي الوحيدة التي تواصلت معها طوال السنوات التي مضت


مزاجي رائق ؟؟!!وهل هدوء الصخور الإنكسارية ينفي أن تحتها زلازلا لا يشعر بها إلا هي ؟!

تحضر معشوقتي السمراء في ثوب أبيض يتماهى سحرا ودلالا .

تعالي يا حلوتي بمذاقك المرّ

_شكرا

_أهلا وسهلا ألا بقشيش

أضحك مجددا

_البقشيش وصاحبته فداء لعينيك


_من يقدر على طلاوة لسانك تستحقين منصبك كمديرة إعلانات

تسأل وهي متجهة صوب الباب

_تحضرين للغداء؟

_لا سأتغدى معهن

_حسنا سلمي عليهن

_حاضر


فنجان قهوة بدون سكر وسيجارة ياللترف!!

ماذا ارتدي؟

أشرع أبواب الخزانة وأمام الملابس المعلقة تستوقفني فكرة أني ومنذ زمن طويل لم أفكر ماذا أرتدي؟

كل ما كان يعنيني في الأقمشة ,هو زي عملي الرسمي الكحلي وقميصه الزهري وما عداهما لا شيء يثير فضولي

لم اليوم أهتم ؟أأريد أن أبدو بأجمل صورة حين ألاقيهن؟أم تراني أتحايل على السنوات وأحاول أن أستعيد ذاكرة طوتها الأيام يوم كنت أتفجر شبابا وجمالا وأنوثة

فأتجمل عسى لا تشهر في وجهي تاريخ اليوم والعام.

أي الأقنعة أرتدي؟

قناع الشباب فألبس جينز, أم الرزانة فأرتدي طقما رسميا ,أم الأنوثة فيكون فستاني الفيروزي ؟

يخيل إلي أن الملابس لا تغطي أجسادنا وحسب بل تغطي أعمارنا وتستر ضمائرنا, فكم من لباسٍ رزين تحته جسد يتمنى أن يلبس الجنون ويحترف المراهقة؟

وكم من لباس مراهق يستر جسدا يتوق للهدوء والسكينة؟!

مضللة ملابسنا كما الأنا

م/ن