أين نحن السعوديون في خريطة الإنسان ؟ هذا السؤال مهم ويستحق الطرح والبحث الجاد لمعرفة الحقائق التي تسكن في بيوت وشوارع هذا الوطن الكبير . ونظراً لكثرة الهموم التي يصعب تجميعها في مقالٍ واحد ؛ سألتفت إلى الهمّ الأكبر في وجه الشباب وهو التوظيف في القطاع الخاص وطرق تعاملهم مع السعوديين . ولا أقصد بالقطاع الخاص الشركات (المضبطّة) من قِبل الحكومة بقدر ما أحكي عن الشركات التي تتكئ على ظهر المواطن الغلبان ( راتب 3000 ريال ) وتجني أرباحاً خيالية لا يمكن رصدها .





يعمل أحد أصدقائي في شركة صغيرة بشهرتها وكبيرة بوارداتها التي تصل إلى ملايين الريالات شهرياً ، وبراتب يخجل المرء من ذِكره مع الجنسية السعودية ، راتب لا يتجاوز 3500 ريال لمهندس أهدر من عمره الافتراضي 5 سنوات ونصف ما بين الدراسة المعقدّة وبين التنقل الشبه أسبوعي من مدينته إلى الجامعة . تخيلوا معي وقع الصدمة عليه بعدما أختار الدراسة في مجال صعب لكي يحصل على وظيفة محترمة تلاءم مقاس تعبه الدراسي وينتهي به الأمر إلى هذا الحال !





فهو يحلم بزوجة جميلة تشاركه تفاصيل حياته المتبقية ، ويحلم بأن يمتلك منزل يأويه من جشع الإيجار ووحشية من يقفون خلفه ، ويحلم بأن ينجب ابناً لكي تصبح كنيته (بأبو فلان) حقيقية وليست وهمية بين الشباب ، ويحلم بسيارة باردة بعد (ماتغربل) بشمس العصر وهو يسافر بسيارة غير مكيفة ، ويحلم براتب يكفي لتسديد فواتير هاتفه الجوال وقروض زواجه المحتملة ودُفعات سيارته المقسطة ، ويحلم بأن يقضي إجازة الصيف في دولة لا تعترف بالمناخ الصحراوي الجاف ، ومازال يعددّ بقائمة أحلامه ...





ولكي لا أكون ظالماً ، وظيفته الحالية قضت على حرارة سيارته وقام بشراء مكيف جديد (من الكرتون) ، وتمكن أيضاً من السفر إلى البحرين في نهاية الأسبوع ، وأصبح لا يعاني في سداد فواتير هاتفه. سألته : وكم يتبقى لك في آخر الشهر ؟ فيرد بخجل : أقل من ألف ريال . قلت : لا تُحبط فأنت ولله الحمد أفضل من القاضي الذي سرق 400 مليون ريال وأن (الجني بتاعك) أمين ويخاف الله في حقوق الناس ، أنت فلوسك بالحلال وغيرك عاش وسيعيش وسيموت بالحرام . قول الحمدلله أنت حالك أفضل من مليون ونصف شخص تقريباً ببرنامج حافز ومعونتهم لا تتجاوز 2000 ريال وضوابط القبول صفّت وستصفي الكثير من المسجلين كما يصفَّى الزيت من البطاطس ! قول الحمدلله أنت أحسن من غيرك ! قول الحمدلله ؟ قول مرة ثانية ؟





ولأن أحلام صديقي كانت طويلة وممتدة كربعنا الخالي ، لم تتمكن تلك الشركة من توفير المبلغ الذي يؤهله للحصول على أبسط متطلباته ، رغم أن وارداتها بالملايين من الريالات شهرياً ، وأغلب العمّال بها من غير الجنسية السعودية (وبعضهم) يتقاضى مرتّب أكبر من مرتّب صديقي المهندس لأنهم مخلصين للشركة على حد تعبير صاحبها الأجنبي ؛ بمعنى أن السعودي قد أصبح تحت ظل الخيانة ، فهو غير مؤتمن – على حد تعبيره - وسيغادر المكان مباشرةً متى ما توفرت له فرصة عمل أفضل .





ولذلك هم لا يفضلوا من كتب بخانة (الجنسية) في سيرته الذاتية بأنه : سعودي ! لأن طرده من العمل سيكون صعباً على عكس طرد الأجنبي ، لذلك لا تستغرب مثلي حين دلفت لمبنى مؤلف من 7 أدوار وممتلئ بمكاتب الشركات الخاصة ولم أجد سوى سعوديين اثنين : أحدهما كان حارس أمن والآخر سكرتير (لطحطوح) قادم من الفرع الرئيسي بالعاصمة!





كيف تطالبون بنهضة فكرية وتكنولوجية وعلمية في شعب به نسبة كبيرة من (العطالة) والفقر ؟ نحن مطالبون بنهضة كرامة حقيقية للإنسان. يجب أن نبدأ بمشاريع ترتقي بالإنسان وتوفر الراحة له ، لا أن نبدأ بمشاريع نهضوية وأغلب المشاركين بها تحت ظلال القروض والحياة البائسة . كيف نطالب الموظف بالابتسامة والإخلاص والاختراع والإبداع والراتب بالكاد يغطي فستان زوجته وحفائظ أبنائه وفواتير هاتفه وبنزين مركبته؟ لن ينظر الفقير إلى مشاريع النهضة قبل أن ينظر في مشروع كرامته.إطعامه وإسكانه وتزويجه وتوفير حياة كريمة له أهم بمراحل من مشاريع النهضة برمتها .





البيوت اسرار








نقلا عن الكاتب الرائع (م/ ماجد محمد )





نقلته لصدقه وروعته واهميته





شكرا لك ماجد ولما سطرت من كلمات