بسم الله الرحمن الرحيم


الكبر, كما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه قال : الكبر بطر الحق وغمط الناس, وبطر الحق رده وغمط الناس احتقارهم واستصغارهم , وعاقبة هذا الكبر هي عكس مراد من تعاطاه من نقص عقله وصغاره وهوانه, وكل هذا بمقدار ما أقترف من الجرم, فما يزال الكبر بعقل صاحبه ينقصه ويرديه حتى يأتي بقبائح يضحك منها الصبيان, كذلك بحاله من الصغار والهوان حتى يحشر يوم القيامة في صورة الذر يطؤه الناس .

جملة المستكبيرن ...

فرأس المستكبرين إبليس, الذي طلب لنفسه الشرف بمعصية الله حيث أمره فكان عاقبة أمره أن أخرج مذموما مدحورا وأهبط إلى السفل بعد العلو, ونقص عقله حتى سأل الله الانظار لعلمه بفقره إلى ربه وغنى ربه التام ثم جعل على نفسه غواية العباد .


وبعده من المستكبرين هم المكذبين للرسل واتباع الرسل, فطلبوا لأنفسهم العلو فردوا الحق واستهزؤوا بهم فكان عاقبتهم أن أتوا باسقط الكلام وجعلوه حجة في رد ما جاءت به الرسل, وكان عاقبة استهزائهم بهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا وفي الآخرة يقال له ذق إنك أنت العزيز الكريم .

وأخو هؤلاء المبتدع الذي نفخ فيه الشيطان حتى ظن لنفسه منزلة يشرع فيها شيء من الدين ويقترح ويختار فباطنه فيه الأنفة عن اتباع الرسل وقلبه استحكم عليه الهوى فهو ينتقي ويختار فخرج عن مقام العبودية في باطنه وانطلقت جوارحه بغير زمام في ظاهره, فكان عاقبته من جنس عقوبة ابليس والمشركين فصار يأتي بكلام ساقط وبحجج يضحك منها الصبيان ويكفي في بيان خسرانه ذكرها بغير تبيان, وأما حاله الظاهرة فهوان وصغار وإن هملجة بهم البراذن وطقطقت بهم البغال وتحلوا بفاخر الثياب فصاروا مناديل لأهل الدنيا وخلف أهل الخساسة ممشاهم , وفي الآخرة يقال لهم سحقا لمن بدل وغير ويذادون عن الحوض ويردون خائبين .


وأذكر لك هنا حال المتمسكنين الخاضعين ...

فأولهم آدم عصا ربه فتاب وأناب واعترف بظلمه لنفسه وأقر بحالها وأنها ليس لها المقام الذي خطرت به زمن الخطيئة فقال ربنا ظلمنا أنفسنا , وأنزل نفسه منزلتها وأظهر فقرها وتبرأ من حولها فقال وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين , فتاب عليه وهدى وكان عاقبته حميده فكرم الله بني آدم وحملهم في البر والبحر ورزقهم من الطيبات وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلا, وفي الآخرة لمن وفى بالعهد جنات وعيون في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

وكذلك الرسل عليهم السلام وأتباعهم آمنوا بالحق واتبعوا أمر الله وتواضعوا حتى كانوا يحلبون للضعفاء ويكنسون لهم الدور ويجلسون على التراب ويتوسدون الحصير , فكان عاقبتهم أن رفع الله ذكرهم وأعلى منزلتهم وأختارهم للقرب منه في جنات النعيم .


اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد