الأداء الوظيفي
في صباح يوم من الأيام دخل مكتبي أحد المعلمين المتميزين لدي وسلًّم علي ورديت السلام ، ولاحظت أنه لم يجلس واستغربت من ذلك ، فطلبت منه الجلوس فرفض
وقال : لن أجلس حتى تنفذ طلبي
فقلت له : بقدر ما أستطيع سأقدم لك يد العون والمساعدة ،
فارتاح عندما سمع ما قلت له وجلس
وقال : يا مديري أنت دائما تسعى لرضانا ، وتبذل قصارى جهدك وكل ما تملك من مقومات لتذليل الصعوبات وتسهيلها لإسعادنا ، والرقي بنا، ونحن نقدر لك هذا، ولن أطيل عليك وسأدخل في لب الموضوع مباشرةَ ، فأنت تعلم بأن مسكني بعيدُ عن المدرسة ، وأنا أحلم بالنقل والدوام لمدرسة قريبة من مسكني ، وأنت قد أعطيتني في تقييمك في الأداء الوظيفي ثمان وتسعون درجة
فقلت له وأنا مقاطعا لحديثه : وما لمشكلة في ذلك ؟
فقال : يا مديري درجتي لا تقدمني بل تؤخرني مما سوف أفقد فرصتي في النقل لهذا العام لاسيما أن من ينافسني على النقل درجاتهم أعلى مني
فقلت له : إن درجتك هي الأعلى بين زملائك وهي مناسبة لك حسب تقييمي
فقال المعلم : أقترح عليك أن تكتب الدرجة المناسبة في ملفي ، والدرجة التي ترضيني وهي مائة درجة في التبادل الالكتروني ، حتى تكون فرصتي في النقل أقوى لهذا العام
فقلت له : هذا مخالف للنظام
فقال : المعلم وأين الحل لهذه المشكلة ؟
فقلت : اترك لي مساحة لأفكر وأجد الحل الذي يتوافق مع قناعتي ، وأكتب درجتك وأنا مطمئن بما أسجله لك
عندما انصرف المعلم من مكتبي جاءتني الهموم من كل حدب وصوب ، فوقعت في فخ الحيرة وبدأت أفكر كيف أخرج من هذه المشكلة ؟ وكيف أظفر بالحل ؟!! حتى أني لم أذق طعم النوم ،
وأنا أفكر في إيجاد حل يبعد عني شبح الاصطدام مع قناعتي ونصوص النظام التي حفظتها عن ظهر غيب ، وكيف أتجاوزها!! ،وبين تلك الفكرة وتلك الفكرة التي كانت تراود مخيلتي ، حتى توصلت إلى ابتكار فكرة اختراع لمساعدتي في التقييم بكل مصداقية ووضوح ترضي الجميع ،
وفي الصباح وبينما أنا في مكتبي دخل علي وكيلي فتحي وسلم علي و رددت سلامه
وقال : أرى عليك علامات الإرهاق والتعب ، ألم تنم البارحة ؟
فقلت : نعم فلقد بت أفكر في برنامج يحقق معايير النجاح ويرسم صورة واضحة للمعلم لكي يخطو خطاها ويرتقي في سلم الدرجة
فقال : أقترح بأن تشارك بذلك في مسابقة الإبتكار العالمية
فقلت : أتظن هذا ؟
قال : نعم وكلي ثقة فيك ، فتوكل على الله ولا تتردد .
شاركت في المسابقة ، وحضرت في اليوم التي تقام فيه ، وعندما جاء دوري لأقف على المنبر، اتجهت إلى المنصة أمام كاميرات التلفزة و حشد كبير من الجمهور وأعضاء لجنة التقييم ،
وقلت : سأتكلم في البداية عن الهدف من ابتكاري وهو عدم زيارة المدير للمعلم داخل أورقة الصف ، وماهو البديل لذلك هو ابتكاري الذي أسميته الراصد ، وسأشرح لكم ذلك من خلال الصورة التي ستظهر في العارض
تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها
فستجدون في أسفل الجهاز موجات صوتية ترتفع وتنزل حسب صوت المعلم والطلاب ، وتعطي المؤشر الرقم المناسب لنبرة الصوت ، ودرجة التقييم في المؤشر من الواحد إلى اثنا عشر،
وهناك كاميرا في الأعلى تتحرك مثل حركة العين المجردة بكل سهولة ، وتصور كل ما يدور داخل الصف ،
وفي نهاية الحصة تصوًّر الكاميرا السبورة وتنهي الفيلم بذلك وتعطيه تقييمه من الصوت ، و أيضا التاريخ والوقت الذي شُرح فيه ،
و هناك مدخل للذاكرة فكل معلم لديه ذاكرة ، وعند إدخال الذاكرة في الجهاز يبدأ الفيديو بالتسجيل ،
ويا أعزائي المشاهدين فلا توجد هناك رقابة على المعلم فذاكرته معه ،
ومتى طلب المدير الذاكرة لتقييمه يعطيه ويكون معه حتى يقتنع بدرجته ،
وأيضا سوف أنوه عن فوائد الذاكرة فمنها على سبيل المثال أنه يرى نفسه عندما يدخلها في جهاز الحاسب ،
ويرى سلبياته وإيجابيته فيطور من نفسه ،
وأيضا الطالب يخاف من الكاميرا ، لأنها ستكون شاهدة عليه إن بدر منه سلوك سيء ،
وتساهم في رفع مستواه خاصةً عندما يعطي المعلم المرشد الطلابي ،
ويتواصل مع ولي الأمر ولاشيء يخفى عليه ، وهنا النقلة النوعية في عالم التكنولوجيا ، فالكل مستفيد من هذا الابتكار،
و لا أنسى فإن هذا الابتكار مساعد في تقييم المعلم ، وستكون متابعتي يوميا وبشكل دائم للمعلمين من خلال التطبيق ،
لأعرف مدى وصول المعلومة للطلاب والواجب الذي يثبتها ،
وسوف أقوم بوضع إحصائية توضح نسبة الطلاب الذين فهموا الدرس بحل التطبيق ، وأيضا عدد الطلاب الذين حلو الواجب بشكل صحيح ،
حتى تكون الصورة واضحة لكي يبدع المعلم ويتميز في عمله ، ويصبح يومه أفضل من أمسه وغداه أفضل من يومه ،
وعندما انتهيت من حديثي صفق الجمهور ووقف رئيس لجنة التقييم
فقال : أحييك لابتكارك الأكثر من الرائع وأخبرك بأن ما قدمته لنا قد لاقى رضا واستحسان أعضاء اللجنة ، وأنا سأعطيك صوتي ،
حينها تقدم العضو الثاني
وقال: وأنا أضم صوتي معك
فقال العضو الثالث وأنا سوف أعطيك صوتي ، وأتمنى لك الفوز في المسابقة ، ونيل الجائزة ،
ثم قال رئيس اللجنة : سوف نعلن الفائز بعد ثلاثة أيام في الصحف المحلية ، وسوف نكرمه في حفل تكريم يليق به .
وبعد ترقب وانتظار امتد لثلاثة أيام
لمعرفة صاحب الجائزة ،
والشوق قد بدا واضحا في محيا محبي ، إلا والوكيل يأتي وهو يحمل الصحيفة ويزف لزملائه خبر فوزي ،
ليدخل جميع الزملاء
مكتبي ليُهنئوني ، وأنا لا أعلم ماذا يريدون ؟!!
فتقدم فتحي من بين زملائه
وقال : أبارك لك الفوز بالمسابقة وسوف يكرمونك في إجازة نهاية الأسبوع ،
فذرفت عيني من شدة الفرح
وقلت : إن نجاحي ماهو إلا
صورة لنجاحكم ، فأنتم مثل الشمعة التي أنارت طريقي ،
فلقد أهديتموني نصائحكم وشاركتموني بأفكاركم ، فلساني يعجز عن شكركمْ
فقال المعلمون : تأكد أن جميعنا سوف يحضر حفل تتويجك ، ولن يتغيب منا أحد وسندعو كل من نعرف ، وهذا أٌقل شيء نقدمه لك
فقلت : بل حضوركم مثل الوسام الذي أتقلده ، وأفتخر به ،
وفي حفل الختام وقف رئيس اللجنة على المنبر
وقال: أحيي المدير رجب الذي فاز بالجائزة ونال الدرجة الكاملة في المسابقة ،
ولا أنسى أن أشكر كل من شارك في المسابقة ، وأتمنى لهم التوفيق والفوز في
المسابقات القادمة ،
والآن فليتقدم الفائز بأن يقول كلمته ويستلم جائزته ،
فاتجهت وسط تصفيق حار من الجمهور ووقفت على المنبر
وقلت : جائزتي أراها في عمل المعلم وتنفيذ برنامجي على الشكل المطلوب ، وليس حبرا على ورق ، فمتى تحقق ذلك كنت أسعد الناس ،
وأنا أشاهد بأم عيني تغيره وتطوره ،
وعندما انتهيت من كلمتي اتجهت لاستلام الجائزة ، وسط هتافات الجمهور وهم يرددون رجب رجب .