دمـعة تـــــائب


أيام العشر الأواخر من رمضان بدأت تنقضي ... و العيد قاب قوسين أو أدنى لا

أعرف أين سنذهب و أنا أنتظر صديق الطفولة .. و لكن كالعادة الجزء الأكبر

من وقتنا ليلا نقضيه في جولات بين الأسواق و التجمعات و الشوارع ...

و حين استلقيت على مقعد السيارة بجوار عبدالرحمن سألني ..

هل جهزت ثوبا جديدا ؟! .. لقد أقبل العيد !!

قلت له ... لا !! قال : ما رأيك نذهب للخياط الآن ..

و أنا أهز رأسي متعجبا سألته ... بقي ثلاثة أيام أو أربعة على العيد .. أين

نجد الخياط

الذي يسابق العيد و يختصر الأيام ؟!

لم يعجبه حديثي و استغرابي ..

سابق الزمن بسيارته حتى توقفتْ أمام الخياط بصوت قوي يوحي بالعجلة

والتسرع !!

فاجأني صاحبي بالسلام الحار على الخياط فهو يعرفه منذ زمن و قال له :

نريد أن نفرح بالعيد .. ونلبس الجديد !!

ضحك الرجل و أجاب و هو يربت على كتفه !! كم بقي على العيد ..

لماذا لم تأت مبكرا ؟!

أجاب عبدالرحمن و هو يهز يده بحركة لها معنى .. سنزيد لك في الأجرة .. المهم

أن ينتهي بعد غدا !!

و أعاد الموعد مرة أخرى .. بعد غد .. !!

و أنا أراقب المفاوضات الشاقة إذا بصاحبي يدفع جزءا من الثمن و هو يردد ..

و يؤكد .. بعد غد لا تنس الموعد ..

حتى قبيل الفجر.. و نحن لاهون .. ساهون .. غافلون مضت الليلة كاملة لم نذكر

الله – عز و جل –
فيها و لا مرة واحدة .. ربما أنها ليلة القدر ..

حياة لاطعم فيها .. و سعادة لا مذاق لها ..

ولجنا من المعاصي كل باب .. و هتكنا منها كل حجاب .. و حسبنا الأمر دون

حساب .. إظهار للسرور

و السعادة و ضحكات تملأ المكان .. و لكن في القلب هم و غم .. و النفس تحلق

بها حسرات و يحيط بها نكد .

افترقنا قبيل الفجر .. يجمعنا الليل و السهر والعبث .. نلتقي على المعاصي و

تجمعنا الذنوب ..

نوم طويل .. يمتد من الفجر حتى العصر .. صيام بلا صلاة .. و صلاة بلا قلب .

ساعة الصيام التي أستيقظ فيها قبل المغرب كأنها أيام .. أقطعها بالمكالمات

الهاتفية العابثة ..

و بقراءة الصحف و المجلات ..

و أنا أنتظر موعد آذان المغرب حادثني بالهاتف أحد الأصدقاء .. و صوته متغير

و قال .. أما علمت

أن عبدالرحمن مريض ..

قلت .. لا .. مساء البارحة كان بصحة جيدة و عافية .

قال .. إنه مريض .

انتهت المكالمة .. الأمر لا يعني لي شيئا .. سوى معلومة غير صحيحة .. و المؤذن

يرفع أذان العشاء ..

فإذا بالهاتف يناديني .. إنه الشقيق الأكبر لعبدالرحمن ..

قلت في نفسي .. ماذا يريد ؟!

هل سيؤنبني على ما أفعله أنا و عبدالرحمن ؟!

أو أن أحدا أخبره بزلة من زلاتنا أو سقطة من سقطاتنا ..

ولكن أتى صوته منهكا مجهدا .. وعبارته تقطع الحديث ..

وأخبرني بالخبر .. مات عبد الرحمن .

بهت .. و لم أصدق .. لا أزال أراه أمامي .. و صوته يرن في أذني .. كيف مات ؟ !

و هو عائد إلى المنزل ارتطم بسيارة أخرى ثم حمل إلى المستشفى .. و لكنه

فارق الحياة ظهر هذا اليوم .

أذني لا تصدق ما تسمع .. لا أزال أراه أمامي .. نعم أمامي بل اليوم موعدنا

لنذهب إلى السوق الفلاني .. بل

و غدا ثياب العيد .

و لكنه أيقظني من غفوتي و هز جوانحي و أزال غشاوة على عيني عندما

قال .. سنصلي عليه الظهر غدا ..

أخبر زملاءك !! ... انتهى الحديث ..

تأكدت أن الأمر جد لا هزل فيه و أن أيام عبدالرحمن انقضت .. آمنت بأن الأمر

حق وأن الموت حق ..

و أن غدا هناك في المقبرة لا عند الخياط !!

لقد ألبس الكفن وترك ثوب العيد .. تسمرت في مكاني وأصبت بتشتت في ذهني

وبدوار في رأسي ..

قررت أن أذهب إلى منزل عبدالرحمن لأستطلع الأمر .. و أستوضح الفاجعة ..


و عندما ركبت سيارتي فإذا بشريط غناء في جهاز التسجيل .. أخرجته ..

فانبعث صوت إمام الحرم

من المذياع يعطر المكان بخشوعه و حلاوته أنصت بكل جوارحي وأرهفت

سمعي كأن الدنيا انقلبت والقيامة قامت .. والناس تغيرت ..

أوقفت سيارتي جانبا أستمع .. و أستمع .. و كأني أول مرة أسمع القرآن .. و

عندما بدأ دعاء القنوت

كانت دمعتي أسرع من صوت الإمام .. رفعت يدي تستقبل تلك الدموع و قلبي

يردد صدى تلك العبرات


.. و بارقة أمل خلف تلك الدموع ..

أعلنت توبة صادقة .. بدأتها بصحبة طيبة ورفقة صالحة .. من كرهتهم هم أحب

الناس إلي

من تطاولت عليهم هم أرفع الناس في عيني ..

من استهزأت بهم هم أكرم الناس عندي ..

كنت على شفا جرف هار .. و لكن الله رحمني .


بعد فترة من الزمن هدأت نفسي .. أطلّت سعادة لا أعرفها .. انشراح في القلب

وعلى عيني سكينة و وقار..

فاجأت الخياط و سألته عن ثوبي .. سأل عن عبدالرحمن .. قلت له مات .. أعاد

الاسم مرة أخرى ..

قلت له .. مات .. بدأ يصف لي الرجل و سيارته و حديثه .. قلت نعم هو .. لقد مات .

و عندما أراني ثوبه بدأت أسترجع الذاكرة .. هل حقا مات ؟!

ثوبي بجوار ثوبه .. و مقعدي في السيارة بجوار مقعده .. و لكن بقي لي أجل و

عمر .. لعلي أستدرك ما فات .

حمدت الله على التوبة و الرجوع و الأوبة و لكن .. بقي أخ لي هناك ..

لا يزال على عينيه غشاوة و يعلو قلبه ران المعصية ..

هل أتركه ؟! .. شمرت عن ساعدي .. لن أتركه ..

أمامه نار وعذاب .. و أهوال و صعاب ..

لن أتركه .. و قد هداني الله ..

هنا كتاب .. وهناك شريط ..

و بيني و بينه نصيحة صادقة ..




وصلني عبر الايميل


فنداء لك أخي المسلم أختي المسلمة

نعم نداء لك يا من تقرأ هذه الحروف الان وتعقل بعقلك بأن ترجع إلى الله

قبل أن يأتيك ويزورك من لا تود زيارته قبل أن يفاجئك الموت وأنت على غفلة

أيام قلائل من رمضان انتهزوها ولا تضيعوها ، قبل أن لا ينفع الندم .






اختكم في الله
رديمه