|
[1]
نشأ منعمًا في مكة ، يلبس أحسن الثياب ، ويتطيب بأندر أنواع العطور،زينة فتيان قريش ، فإذا به يرضى بشظف العيش ، ويلبس الخشن من الثياب ، يا ترى مالذي غيّر هذا الشاب وجعله يتنازل عن دعته ورفاهيته وراحته ، بل وهو في تمام الرضا بهذا القرار ؟! إنه الحق ، إنه الإسلام الذي استقر في قلب هذا الفتى ، هو الصحابي الجليل (مصعب بن عمير) رضي الله عنه ، حُورب من أقرب الناس إليه (أمـــه) ، فقد كان وحيدها المدلل ، لكنه فرّ بدينه هاربا إلى الحبشة ، وقد حكت عن حاله ليلى بنت حثمة رضي الله عنها وهم في طريق الهجرة : “وكان مصعب بن عمير رقيق البشر ليس بصاحب رجله, ولقد رأيت رجليه يقطران دمًا من الرقة فرأيت عامر خلع حذاءه فأعطاها , ولقد كنت أرى عامر بن ربيعة يرق على مصعب بن عمير رقة ما يرقها على ولده وما معه دينار ولا درهم وكان معنا خمسة عشر دينار “
[2]
وهاهو يعود بعد هجرتي الحبشة إلى مكة ، وهاهو النبي عليه الصلاة والسلام يختاره لمهمة عظيمة وجليلة بالرغم من وجود كبار الصحابة كأبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم جميعا ، فيظهر من القائد العظيم نبينا _عليه الصلاة والسلام_ اهتمامه بجميع الشخصيات ، ليصبح مصعب أول سفير في الإسلام ، فبعثه عليه الصلاة والسلام إلى المدينة ، ليدعو الناس إلى دين الله ، وليلقب بالمدينة بالمقرئ ، فكان يُقرأ الناس سرًا ثم جهرًا ، ويعلمهم دين الله وآيات القرآن، فأسلم على يديه أشراف المدينة وكبارها (سعد بن معاذ) و(أسيد بن الحضير)و (عمرو بن الجموح) ، أي أن مصعب بن عمير قام ببناء الأمة قبل الدولة وبذلك خلال أشهر تحولت المدينة من بيئة جاهلية إلى أفضل حاضنة للثلة المؤمنة ومهد الهجرة والدولة الأولى في الإسلام ,,
[3]
كان مصعب بن عمير في غزوة أحد حاملا للواء المسلمين ، فقاتل قتال الأبطال حتى قتل قتله ابن قمئة الليثي يظنه رسول الله، وفي مصعب وإخوانه الذين قتلوا في أحد نزل قوله تعالى: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا .
[4]
مات فتى مكة المدلل بعد أن طلق الدنيا ، وبذل من أجل الدين غاية البذل ، حتى أن كفنه الذي كُفّن به لم يكن يسعه ،إن غُطي رأسه بدت رجلاه وإن غُطي رجلاه بدا رأسه !
سيرة مصعب بن عمير والصحابة الكرام
تعلمنا أن الدين لم يصل إلينا بطريق ممهد ومزين بالورود، ولم ينتصرالإسلام بخطابات السلام والوداعة والتنازل ، بل وصل إلينا بدماء وتضحيات وجماجم ، ولم يكن للصحابة هذا النصر المؤزر والقوة الثابتة والبذل الصادق إلا ببناء راسخ تحويه قلوبهم وبعقيدة قوية تدفعهم ، لنبني دواخلنا، ولنسعى لبناء الأمة، ليتحقق لنا النصر العظيم والفتح المبين …
مما قرأت لكم
|
|