أنظر أيها المتأمل كيف اتبعت قوله فإنما الحياة كالمدامه بقوله فالعمر مثل الكاس
وإذا نظرت إلى آخر البيت رأيت الاتفاق العجيب منها
( وكل إنسان فلا بد له ... من صاحب يحمل ما أثقله )
( جهد البلاء صحبة الأضداد ... فإنها كي على الفؤاد )
( أعظم ما يلقى الفتى من جهد ... أن يبتلى في جنسه بالضد )
( فإنما الرجال بالإخوان ... واليد بالساعد والبنان )
( لا يحقر الصحبة إلا جاهل ... أو مارق عن الرشاد غافل )
( صحبة يوم نسب قريب ... وذمة يحفظها اللبيب )
( وموجب الصداقة المساعده ... ومقتضى المودة المعاضده )
( لا سيما في النوب الشدائد ... والمحن العظيمة الأوابد )
( فالمرء يحيى أبدا أخاه ... وهو إذا ما عد من أعداه )
( وإن من عاشر قوما يوما ... ينصرهم ولا يخاف لوما )
( وإن من حارب من لا يقوى ... لحربه جر إليه البلوى )
فحارب الأكفاء والأقرانا ... فالمرء لا يحارب السلطانا )
( واقنع إذا حاربت بالسلامه ... واحذر فعالا توجب الندامه )
( فالتاجر الكيس في التجارة ... من خاف في متجره الخساره )
( يجهد في تحصيل رأس ماله ... ثم يروم الربح باحتياله )
( وإن رأيت النصر قد لاح لكا ... فلا تقصر واحترز أن تهلكا )
( واسبق إلى الأجود سبق الناقد ... فسبقك الخصم من المكايد )


( وانتهز الفرصة إن الفرصه ... تصير إن لم تنتهزها غصه )
( كم نظر الغالب يفترك ... عنه التوقي واستهان فهلك )
( ومن أضاع جنده في السلم ... لم يحفظوه في لقاء الخصم )
( وإن من لا يحفظ القلوبا ... يخذل حين يشهد الحروبا )
( والجند لا يرعون من أضاعهم ... كلا ولا يحمون من أجاعهم )
( وأضعف الملوك طرا عقدا ... من غره السلم فأقصى الجندا )
( والحزم والتدبير روح العزم ... لا خير في عزم بغير حزم )
( والحزم كل الحزم في المطاولة ... والصبر لا في سرعة المزاولة )
( وفي الخطوب تظهر الجواهر ... ما غلب الأيام إلا الصابر )
( لا تيأسن من فرج ولطف ... وقوة تظهر بعد ضعف )
( فربما جاءك بعد الياس ... روح بلا كد ولا التماس )
( في لمحة الطرف بكاء وضحك ... وناجذ باد ودمع ينسفك )
( تنال بالرفق وبالتأني ... ما لم تنل بالحرص والتعني )
( ما أحسن الثبات والتجلدا ... والحيرة والتبلدا )
( ليس الفتى إلا الذي إن طرقه ... خطب تلقاه بصبر وثقه )
( إذا الرزايا أقبلت ولم تقف ... فثم أحوال الرجال تختلف )
( وكم لقيت لذة في زمني ... فاصبر الآن لهذي المحن )
( فالموت لا يكون إلا مرة ... والموت أحلى من حياة مره )
( إني من الموت على يقين ... فاجهد الآن لما يقيني )
( صبرا على أهوالها ولا ضجر ... وربما فاز الفتى إذا صبر )
( لا يجزع الحر من المصائب ... كلا ولا يخضع للنوائب )
( فالحر للعبء الثقيل يحمل ... والصبر عند النائبات يجمل )
( لكل شيء مدة وتنقضي ... ما غلب الأيام من رضي )
( قد صدق القائل ف الكلام ... ليس النهي بعظم العظام )
( لا خير في جسامة الأجسام ... بل هو في العقول والأفهام )
( فالخيل للحرب وللجمال ... والإبل للحمل وللترحال )

( لا تحتقر شيئا صغيرا محتقر ... فربما أسالت الدم الإبر )
( لا تحرج الخصم ففي إحراجه ... جميع ما تكره من لجاجه )
( لا تطلب الفائت باللجاج ... وكن إذا كويت ذا إنضاج )
( فعاجز من ترك الموجودا ... طماعة وطلب المفقودا )
( وفتش الأمور عن أسرارها ... كم نكتة جاءتك مع إظهارها )
( لزمت للجهل قبيح الظاهر ... وما نظرت حسن السرائر )
( ليس يضر البدر في سناه ... إن الضرير قض لا يراه )
( كم حكمة أضحت بها المحافل ... نافقة وأنت عنها غافل )
( ويغفلون عن خفي الحكمه ... ولو رأوها لأزالوا التهمه )
( كم حسن ظاهره قبح ... وسمج عنوانه مليح )
( والحق قد تعلمه ثقيل ... يأباه إلا نفر قليل )
( فالعاقل الكامل في الرجال ... لا ينثني لزخرف المقال )
( إن العدو قوله مردود ... وقلما يصدق الحسود )
( لا تقبل الدعوى بغير شاهد ... لا سيما إن كان من معاند )
( أيؤخذ البريء بالسقيم ... والرجل المحسن باللئيم )
( كذاك من يستنصح الأعادي ... يردونه بالغش والفساد )
( إن أكل من ترى أذهانا ... من حسب الإساءة الإحسانا )
( فادفع إساءة العدا بالحسنى ... ولا تخل يسراك مثل اليمنى )
( وللرجال فاعلمن مكايد ... وخدع منكرة شدائد )
( فالندب لا يخضع للشدائد ... قط ولا يغتاظ بالمكايد )
( فرقع الخرق بلطف واجتهد ... وامكر إذا لم ينفع الصدق وكد )
( فهكذا الحازم إذ يكيد ... يبلغ في الأعداء ما يريد )
( وهو بريء منهم في الظاهر ... وغيره مختصب الأظافر )

( والشهم من يصلح أمر نفسه ... ولو بقتل ولده وعرسه )
( فإن من يقصد قلع ضرسه ... لم يعتمد إلا صلاح نفسه )
( وإن من خص اللئيم بالندا ... وجدته كمن يربي أسدا )
( وليس في طبع اللئيم شكر ... وليس في أصل الدنيء نصر )
( وإن من ألزمه وكلفه ... ضد الذي في طبعه ما أنصفه )
( كذاك من يصطنع الجهالا ... ويؤثر الأرذال والأنذال )
( لو أنكم أفاضل أحرار ... ما ظهرت بينكم الأسرار )
( إن الأصول تجذب الفروعا ... والعرق دساس إذا أطيعا )
( ما طاب فرع أصله خبيث ... ولا زكا من مجده حديث )
( قد يدركون رتبا في الدنيا ... ويبلغون وطرا من بغيا )
( لكنهم لا يبلغون في الكرم ... مبلغ من كاب له فيها قدم )
( وكل من تمايلت أطرافه ... في طيها وكرمت أسلافه )
( كان خليقا بالعلا وبالكرم ... وبرعت في أصله حسن الشيم )
( لولا بنو آدم بين العالم ... ما بان للعقول فضل العالم )
( فواحد يعطيك فضلا وكرم ... فذاك من يكفره فقد ظلم )
( وواحد يعطيك للمصانعة ... أو حاجة له إليك واقعه )
( لا تشرهن إلى حطام عاجل ... كم أكلة أودت بنفس الآكل )
( واحذر أخي يا فتى من الشره ... وقس بما رأيته ما لم تره )
( فليس من عقل الفتى أو كرمه ... إفساد شخص كامل لقرمه )
( فالبغي داء ماله دواء ... ليس لملك معه بقاء )
( والبغي فاحذره وخيم المرتع ... والعجب فاتركه شديد المصرع )
( والغدر بالعهد قبيح جدا ... شر الورى من ليس يرعى العهدا )
( عند تمام الأمر يبدو نقصه ... وربما ضر الحريص حرصه )
( وربما ضرك بعض مالكا ... وساءك المحسن من رجالكا )
( فالمرء يفدي نفسه بوفره ... عساه أن ينجو به من أسره )
تمت وختمها شيخنا رحمه الله بقوله
( لا تعطين شيئا بغير فائده ... فإنها من السجايا الفاسده )
( هذا الذي ألفته واخترته ... من رجز الشريف وانتخبته )
( وحرمة الآداب يا أهل الأدب ... إن الشريف قد أتانا بالعجب )
( قلنا جميعا إذ سمعنا رجزه ... كم قد أتى محمد بمعجزة )
( من كل بيت شطره قصيد ... وكلنا لبيته عبيد )
( فرحمة الله له في الآخرة ... خاتمة مع الهبات الوافره )
( ثم الصلاة والسلام دائما ... على الذي للرسل جاء خاتما )