طال البكاء لوحدتى وبلائي ***ما الذنبُ ذنبى معشرَ الآباءِ

لا ذنبَ لي ، فعلامَ أدفن فى الثرى *** وأعيش عيش تذلل وشقاءِ

مل الوسادُ دموع عيني كلما***هاجت عليّ بجفنها المعطاءِ

وبمضجعي وخز كأن دبيبه***السم يسري فى حمى الأحشاءِ

قد كدتُ أقضي حسرة وتأسفا***لولا الرضا وتجلدي وعزائي

ودعتُ نفسي قبل حين وفاتها***وبكيتها والحزن في أرجائي

ورثيتها قبل الرحيل بأدمعٍ***تغنى عن التأليفِ والإنشاءِ

فالوردةُ البيضاءُ فى ريعانها***صارت كمثل الصخرة السوداءِ

ذبلت على طول السنين فأخفقت***من طولهن محاسني وصفائي

قد كنت أحلم أن أكون عروسة***يُهدى لها بروائح وغناءِ

وتزف من بيت الأبوة للذي***هو كفؤها فى الدين والعلياءِ

وبجانبي أهلي كأن مقامهم***يوم الزفاف معطر ببهاءِ

قاموا إليّ وقد حَبَوني نصحهم***فى رحمةٍ وتعطفٍ وجلاءِ

والصاحباتُ الباقياتُ على الوفا***يبكين من بُعدي ومن إقصائي

ودعنني والبعدُ عندي قاتل ***والناس بين تنقلٍ وتناءِ

وإخال بعلي فى جميل ثيابه***كالشمس بل كالبدر فى الظلماءِ

حلو الشمائل لم تعبه نقيصة***كلا ، ولم يركن إلى فحشاءِ

وكأن نظم القول من منطوقه***الدر فوق ترائب الحسناءِ

وحلمت بالطفل الذى هو منيتي***كيما أسر بوجهه الوضاءِ

أهفو إليه وأستشف نسيمه***وأضم منه الصدر فى سراءِ

يا كم حلمت بأن أقبل رجله***وأداعب الوجه الضحوك بماءِ

أسقيه باللبن المصفى جرعة***وأذود عنه نوازل الأرزاءِ

إن بات يشكو بالبكاء متمتما***كنتُ الفداء لسائر الأعضاءِ

نفسي فداه من الأسى ومن الأذى***ومن الخطوب ومن جميع الداءِ

رباه قد أعيا البكاء قلوبنا***فإليك أشكو حرقتي وشقائي

رباه فرج ما لقيت من الأسى***يا واسع الإكرام والإعطاءِ

إن كان حظي فى الحياة كما أرى ***فلأصبرن على عظيم بلائي