نشأة مدينة جدة:
تعود نشأة مدينة جدة إلى ما يقارب 3000 سنة على أيدي مجموعة من الصيادين كانت تستقر فيها بعد الانتهاء من رحلات الصيد، ثم جاءت قبيلة قضاعة إلى جدة قبل أكثر من 2500 سنة فأقامت فيها وعُرِفت بها حيث يقال أنها سميت بأحد أبناء هذه القبيلة وهو (جدة) بن جرم بن ريان بن حلوان بن عمران بن إسحاق بن قضاعة، ويعود نسبهم إلى الجد التاسع لرسول الله (صلى الله عليه وسلم).


ويقال أيضاً إن أصل التسمية لهذه المدينة هو جُدة (تُلفظ جِدة) معناها بالعربي _وربما يكون منطقياً بما فيه الكفاية_ شاطئ البحر، لكن المدرسة الفكرية تفضل تسميتها جَدة (الجدة وهي والدة الأم)، وهذا ربما يؤكد أن حواء (أم البشر) دفنت في المدينة، في الواقع لفظ جِدة غير صحيح لكنه اللفظ الشعبي المستخدم من أغلب المغتربين الذين يعيشون هنا.

وعند ظهور الإسلام في الجزيرة العربية ارتبط تاريخ مدينة جدة بشكل كبير مع تطور التاريخ الإسلامي لكونها بوابة الحرمين الشريفين من اتجاه البحر وقد اكتسبت مكانتها عندما قام الخليفة عثمان بن عفان رضى الله عنه سنة 25 هـ باختيارها لتصبح ميناء رئيسيا لمكة المكرمة.

وازدادت أهمية جدة مع مرور الزمن حتى أصبحت واحدة من أكبر المدن وأهمها كما أنها اليوم الأكثر تميزا في المملكة العربية السعودية من ناحية النشاط الاقتصادي والصناعي والسياحي حيث نمت جدة بشكل سريع و أقيمت فيها خلال العقدين الماضين الكثير من المشاريع الاقتصادية كما أقيمت فيها قاعدة عريضة من المنشآت الأمر الذي أكسبها أهمية كبيرة بالنسبة لحركة التجارة الدولية للمملكة مع الأسواق العالمية. وتعتبر جدة مركزا تجاريا رئيسيا يتسم بالحركة الدائمة حيث تطورت تطورا كبيرا في جميع المجالات التجارية والخدمية وبها نهضة صناعية كبرى فأصبحت مركزا هاما للمال والأعمال.

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

أهمية مدينة جدة:
تقع مدينة جدة على الساحل الغربي للمملكة عند منتصف البحر الأحمر، وتبلغ مساحتها الإجمالية 748 كيلو متر مربع، وتعد مدينة جدة عروس البحر الأحمر و أكبر المدن المطلة عليه، وتعتبر مدينة جدة من أهم مدن المملكة العربية السعودية، والبوابة التجارية لها مما أكسبها أهمية كبيرة بالنسبة لحركة التجارة الدولية مع الأسواق الخارجية، وهي من قديم الزمان كانت تمثل المنفذ الخارجي للمملكة، ونتيجة لذلك عاشت نهضة صناعية كبيرة وتطور في جميع المجالات التجارية والخدمية، الأمر الذي جعلها من أكثر المدن استقطاباً للأعمال حتى صارت مركزاً هاماً للمال والأعمال.

من ذلك اكتسبت جدة أهمية سياحية وباتت من أكثر المدن السعودية التي تحتضن مرافق ومنشآت سياحية متطورة كالفنادق والشقق المفروشة والمنتجعات، إضافة إلى المطاعم التي تقدم ألواناً مختلفة من الأطعمة، إضافة إلى المراكز الترفيهية والمتاحف الأثرية والعملية والتاريخية متاحف التراث، هذا إلى جانب، ومن جانب الآخر تحتوي مدينة جدة على أكثر من 320 مركزاُ وسوقاً تجارياً، وبذلك تمثل ما يزيد على 21% من إجمالي الأسواق والمراكز التجارية بالمملكة، وكما أن جدة تعرف بالمتحف المفتوح وذلك لوجود أكبر عدد من المجسمات الجمالية (360 مجسم) صممها فنانين عالميين في فن النحت.

كما أن من أجمل ما يميز المدينة هو كورنيش جدة والذي يمتد بطول الساحل لما يزيد عن عن 48 كيلو متر (35 كم منه تحتوي مرافق وخدمات عامة) ويملك أحدث تجهيزات الرفاهية والمناظر الرائعة للبحر الأحمر، وعند المشي من الكورنيش باتجاه مركز المدينة يمكن مشاهدة أعلى نافورة في العالم نافورة الملك فهد الرائعة التي ترتفع قرابة 262 متراً عن سطح البحر.

وتتميز جدة باعتبارها بوابة الحرمين الشريفين وأول محطة للحجيج والمعتمرين القادمين المؤدية إلى الأراضي المقدسة (مكة المكرمة والمدينة المنورة) فيدخل إلى جدة سنوياً عبر مطار الملك عبد العزيز الدولي أعداداً كبيرة، تصل إلى 5 مليون نسمة سنوياً بهدف العمرة أو الحج أو العمل أو سياحة وترفيه. وهذا بخلاف القادمين براً بالسيارات الخاصة أو العامة إضافة إلى سكان جدة (تشير تقديرات إدارة خدمات الطرق بوزارة المواصلات إلى أن حركة السيارات في الاتجاهين لـ مكة وجدة والمدينة خلال سنة يتراوح ما بين (40 ألف و60 ألف سيارة يومياً) مما يشكل قوة شرائية هامة للغاية وذات طلب مؤثر على المشروعات السياحية والترفيهية وقطاعات الأعمال والتجارة.


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

ما قبل الاسلام
بعض دراسات علماء الآثار تشير إلى وجود سكان في المنطقة المعروفة الآن بجدة منذ أيام العصور الحجرية إذ وجدت بعض الآثار والكتابات الثمودية في وادي بريمان شرقي جدة ووادي بويب شمال شرقي جدة. بعض المؤرخين يرجع تأسيسها لبني قضاعة الذين سكنوها بعد انهيار سد مأرب عام 115 ق.م. يرى البعض أن جدة كانت مسكونة قبل قبيلة قضاعة من قبل صيادي أسماك في البحر الأحمر كانوا يعتبرون جدة مركزا لانطلاقهم للبحر ومقصدا لراحتهم. حسب بعض الروايات فإن تاريخ جدة يعود إلى ما قبل الإسكندر الأكبر الذي زارها ما بين عامي 323 و356 ق.م.
في العهد الإسلامي:
اختار عثمان بن عفان في عام 647 م المدينة كميناء رئيسي لدخول مكة المكرمة والوصول إليها عن طريق البحر وسميت في ذاك الوقت باسم بلد القناصل. يشير ابن جبير وابن بطوطة في رحلتيهما إلى أن المدينة ذات طراز معماري فارسي عندما زاراها.

يقول عنها المقدسي البشاري (توفي 990م) صاحب كتاب أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم "محصنة عامرة آهلة، أهل تجارات ويسار، خزانة مكة ومطرح اليمن ومصر، وبها جامع سري، غير أنهم في تعب من الماء مع أن فيها بركاً كثيرة، ويحمل إليهم الماء من البعد، قد غلب عليها الفرس، لهم بها قصور عجيبة، وأزقتها مستقيمة، ووضعها حسن، شديدة الحر جداً".

ويصف الرحالة الفارسي المسلم ناصر خسرو جدة عندما زارها عام1050 م بأنها مدينة كثيرة الخيرات مزدهرة بالتجارة باسقة العمران ووصف أسواقها بأنها نظيفة وجيدة وقدر عدد سكانها بحوالي 5000 نسمة.

تبدل حال سكان مدينة جدة في القرن السادس الهجري فصاروا يعيشون في "شظف العيش" كما يقول ابن جبير (المتوفي 1217م) فيخبر عن سكانها وديانتهم فيقول "أكثر سكان هذه البلدة مع ما يليها من الصحراء والجبال أشراف علويون: حسنيون وحسينيون وجعفريون، رضي الله عن سلفهم الكريم. وهم من شظف العيش بحال يتصدع له الجماد إشفاقا، ويستخدمون أنفسهم في كل مهنة من المهن: من إكراء جمال إن كانت لهم، أو مبيع لبن أو ماء، غير ذلك من تمر يلتقطونه أو حطب يحتطبونه. وربما تناول ذلك نساءهم الشريفات بأنفسهن."، وكان ذلك أمراً طبيعياً للحالة العامة التي يعيشها العالم الإسلامي في ظل الحروب الصليبية واضطراب الحكم بين السلاجقة والأيوبيين. وبعد قرن من الزمان تقريباً يخبر مؤرخ عربي آخر وهو ابن المجاور بأن شيئاً من الازدهار قد صادف جدة في عهده.
تحت حكم المماليك:
اختار عثمان بن عفان في عام 647م المدينة كميناء رئيسي لدخول مكة المكرمة والوصول إليها عن طريق البحر وسميت في ذاك الوقت باسم بلد القناصل. يشير ابن جبير وابن بطوطة في رحلتيهما إلى أن المدينة ذات طراز معماري فارسي عندما زاراها.

استمرت جدة تحت نفوذ الخلافات الإسلامية المتعاقبة بدءا بالأمويين والعباسيين فالأيوبيين ثم المماليك. في العصر المملوكي بسط المماليك نفوذهم على جدة لتأمين طرق التجارة والحج، وحماية الحرمين، وعين السلطان المملوكي حاكماً عاماً لجدة أطلق عليه مسمى نائب جدة يطل مقر إقامته على الميناء ليشرف على حركته. ورغبة من السلاطين المماليك في تشجيع التجار على استخدام ميناء جدة اتخذوا إجراءات عدة منها: تخفيض الرسوم الجمركية ومنع تجار مصر والشام من النزول في ميناء عدن ومضاعفة الرسوم الجمركية على التجار الذين يمرون على عدن قبل قدومهم إلى ميناء جدة.

قام السلطان قانصوه الغوري عام 915هـ/1509م ببناء سور جدة حماية لها من غارات السفن الأوروبية التي لم تهاجم المدينة إلا بعد وصول العثمانيين إليها، وقد كان قانصوه آخر المماليك السلجوقيين الذين حكموا جدة في القرن العاشر الهجري. تذكر بعض المصادر التاريخية أن المدينة بقيت أغلب فترات القرن الخامس عشر الميلادي مستقلة في الحكم حتى دخلت تحت حكم العثمانيين.

يقول عنها الرحالة المغربي ابن بطوطة (المتوفي 1377م) "وهي بلدة قديمة على ساحل البحر ... كانت هذه السنة قليلة المطر، وكان الماء يجلب إلى جدة على مسيرة يوم وكان الحجاج يسألون الماء من أصحاب البيوت".


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

في العهد العثماني:
قام الشريف بركات حاكم الحجاز (بما فيه جدة) بإعلان ولائه للخلافة العثمانية وكان ذلك عام 931هـ. تعرضت جدة في أوائل العهد العثماني للعديد من غارات الأساطيل البرتغالية في القرن السادس عشر ميلادي العاشر الهجري ثم لغارات القراصنة الهولنديين في القرن السابع عشر الميلادي. وصل أسطول لوبو سوارس البرتغالي أمام جدة عام 1516م وقد صدته الحامية العثمانية بقيادة سليمان باشا وأسرت احدى السفن وأرسلتها للأستانة.

خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر كانت طرق التجارة البحرية في العالم قد ملكت من قبل البرتغاليين والهولنديين والإنجليز الأمر الذي جعل قيمة جدة الاقتصادية تنحدر وتقل، ولولا وفود الحجيج والمعتمرين لما عاشت أو استمرت.

تنطق جدة من قبل سكانها الحجازيين بكسر الجيم مع تشديد الدال بالفتح. في وسائل الإعلام العربية أحيانا تنطق بفتح الجيم. بسبب وجود جاليات كبيرة في المدينة من دول عربية مختلفة وغير عربية فإن لكل جالية طريقة خاصة في نطق اسمها إلا أن الاختلاف ليس بكبير وأحيانا غير ملحوظ.


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

لأصل تسمية المدينة ثلاث آراء:
بكسر الجيم:
يقال أن جدة سميت باسم شيخ قبيلة قضاعة وهو جدة بن جرم بن ريان بن حلوان بن علي بن إسحاق بن قضاعة ويعود نسبهم إلى الجد التاسع لرسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
بضم الجيم:
أيضاً إن أصل التسمية لهذه المدينة هو جُدة التي تعني بالعربية شاطىء البحر. وهي التسمية التي يذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان وابن بطوطة في رحلته.
بفتح الجيم:
هناك رأي يقول أن الاسم هو جَدة (بمعنى والدة الأب أو الأم). ينسب سكان المدينة التسمية لأم البشر حواء التي يقولون أنها دفنت في هذه المدينة التي نزلت إليها من الجنة بينما نزل جدنا آدم في الهند والتقيا عند جبل عرفات ودفنت هي في جدة. توجد مقبرة في المدينة تعرف باسم مقبرة أمنا حواء.


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

الموقع الجغرافي:
تقع مدينة جدة على الساحل الغربي من المملكة عند التقاء خط العرض 29.21 شمالا وخط الطول 39.7 شرقا عند منتصف الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر جنوب مدار السرطان ويحيطها من الشرق سهول تهامة وتمثل منخفضا لمرتفعات الحجاز ومن الغرب يوجد على مسافة الشاطئ سلاسل متوازية من الشعب المرجانية.


المساحة وعدد السكان:
تصل مساحة جدة الحضرية إلى ما يقارب (1765) كم2، وتصل المساحة الإجمالية إلى ما يقارب (5460) كم2. يقدر عدد سكان محافظة جدة
حوالي (3.4) مليون نسمة، أي ما يمثل نسبة 14% من عدد سكان المملكة العربية السعودية الذي يبلغ حوالي (25.37) مليون نسمة، ويصل معدل النمو السكاني إلى 3.5% في مدينة جدة.
المناخ:
يتأثر مناخ جدة مباشرة بموقعها الجغرافي حيث ترتفع درجة الحرارة ونسبة الرطوبة خلال فصل الصيف، و تصل درجة الحرارة إلى بداية الأربعينات مئوية حيث تقع تحت تأثير امتداد منخفض موسمي عبارة عن كتلة هوائية حارة وصلبة وتصل الرطوبة إلى معدلات أعلى في فصل الصيف بسبب ارتفاع حرارة مياه البحر وتنخفض في فصل الشتاء نتيجة لتأثير المنطقة بالكتلة الهوائية المعتدلة المرافقة للمرتفع الجوي.

الرياح السائدة على مدينة جدة هي الرياح الشمالية الغربية وذلك لموقعها الساحلي على شاطئ البحر الأحمر وهذه الرياح عادة ما تكون رياحا خفيفة إلى معتدلة في معظم أيام السنة. كما تهب أحيانا رياح جنوبية خلال فصول الشتاء والربيع والخريف يصحبها ارتفاع في درجة الحرارة. والرياح قد تنشط أحيانا وتشتد سرعتها مثيرة لعواصف ترابية ورملية وقد تصحبها أيضا عواصف رعدية وهطول أمطار.

معظم الأمطار من نوع الزخات المصحوبة بالعواصف الرعدية. وتهطل عادة خلال فصل الشتاء وكذلك في الربيع والخريف نتيجة لمرور المنخفضات الجوية من الغرب إلى الشرق والتقائها مع امتداد منخفض السودان الحراري على المنطقة.


تقع مدينة جدة على الساحل الغربي من المملكة عند التقاء خط العرض 29.21 شمالا وخط الطول 39.7 شرقا عند منتصف الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر جنوب مدار السرطان ويحيطها من الشرق سهول تهامة وتمثل منخفضا لمرتفعات الحجاز ومن الغرب يوجد على مسافة الشاطئ سلاسل متوازية من الشعب المرجانية.


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

بعض الأمثال الحجازية القديمة:
بعد ما اكل واتكا قال ريحته مستكا
حاجة ما تهمك وصي عليها جوز امك
ست وجاريتين على قلي بيضتين
أعمى ويلضم خرز
حبيبك يمضغ لك الزلط وعدوك يعد لك الغلط
ياريتني بيضه وعرجه اصلوا البياض فرجه
اللي ماله ام حاله يغم
كنس بيتك ورشه ماتدري مين يخشوا
مين في حالك يالي في الضلام تغمز
على قد زيتوا سرجلوا
روح ياناكر خيري بكرة تشوف زماني من زمن غيري
عقربة في الغار ولا ضُرة في الدار
عمية تحفف مجنونة وتقولها حواجبك سودا ومقرونة
كل عيش البخيل ولا تأكل عيش المنان
أكلوا الملوخية وصاروا أفندية

من أشهر الألفاظ ونطقها بالحجازية:
دحين = الان
هادا = هذا
ايش = ماذا
احنا = نحن
هُمّا = هم
هادولا = هؤلاء
اديلو = اعطه
اشبك =مابالك

مركز الملك عبدالعزيز الثقافي:
كسب موقع أبرق الرغامة شهرة واسعة بسبب ارتباطه بتاريخ المملكة العربية السعودية . فقد شكل هذا الموقع آخر نقطة وقف فيها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود وهو يقود مسيرة توحيد الملكة. في هذه المنطقة الجغرافية الجرداء عسكر الملك عبد العزيز بجيشه و من حسن الطالع أن الاستعدادات الحربية انتهت بسلام و دخلت جدة في أحضان الدولة الفتية ومن أبرق الرغامة رسم الملك عبد العزيز (رحمة الله) بداية مرحلة البناء للدولة الحديثة و الأخذ بأسباب العلم و المعرفة وفي جمادى الثانية عام 1344هـ الموافق 25 ديسمبر 1952م أعلن الملك عبد العزيز من جدة بأن "بلد لله الحرام في إقبال وخير وأمن و راحة".
وقال للأمة : " لقد مضى يوم القول ووصلنا إلى يوم البدء في العمل ". لقد حقق الله آمال الملك عبد العزيز، لأنه صدق ما عاهد الله عليه. فاستتب الأمن و بدأت النهضة الكبرى للبلاد من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها. ووضع الأسس التي قامت عليها الدولة السعودية الحديثة. وأصبحت جدة بوابة الحرمين الشريفين وازدهرت و نمت و تطورت حتى أصبحت من أجمل المدن و تستحق أن يطلق عليها عروس البحر الأحمر.


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

سور جدة وبواباتها

بقيت جدة حتى عام 1366هـ (1947م) داخل سور يحيط بها من جميع جهاتها إحاطة السوار بالمعصم، أمر ببنائه السلطان أبو النصر قانصوه الأشرف الغورى الجركسي الجنس وهو آخر سلاطين المماليك البرجية في مصر عام 917هـ (1509م) لحمايتها من غارات الغزاة البرتغاليين في سعيهم إلى السيطرة على الملاحة في البحر الأحمر. وكلف أحد قواده سعيد الكردي بالمهمة والذي قام بتسخير الأهالي، أكابرهم وصغارهم، لبناء السور. وتخلل السور (7) بوابات ربطت جدة بالعالم خارجه. ومن المؤكد أن هذه البوابات السبعة قد بنيت على مراحل وفق الضرورة. والمعروف أن هذه البوابات في الفترة الأخيرة للعهد الهاشمي كانت تقفل بعد صلاة العشاء مباشرة وتفتح عند الأذان الأول لفجر اليوم التالي، إلا أن هذا الإجراء ألغي العمل به في مطلع العهد السعودي. وبسبب ضيق بوابة المدينة أضيفت في بداية العهد السعودي بوابة ثامنة مزدوجة بعرض كاف يسمح بمرور السيارات عبرها بسهولة على الجانب الشمالي للسور.
وسنشرح، ببعض التفصيل، فيما يلي عن هذه البوابات الثمانية كما نذكر وضعها في مطلع العقد الرابع من القرن الميلادي الماضي وقبيل هدم السور عام 1947م (1366هـ) بدءًا بباب المدينة شمالاً وفي اتجاه دوران عقرب الساعة:
باب المدينة:
ويقع أمام حديقة مقر القائمقام في حارة الشام، والذي هدم في تاريخ لاحق، المواجهة لبيت باجنيد من جهة الشرق والذي عرف في ذلك الوقت بإسم "بيت أمريكاني" لأنه كان مقرًا وسكنًا لمندوب شركة كاسوك (أرامكو فيما بعد)، ويفصل بين الحديقة والبوابة شارع عريض أصبح فيما بعد جزءًا من شارع الملك عبد العزيز الدائري. وكانت هذه البوابة تستخدم للوصول إلى "القشلة" وهي الثكنة العسكرية القائمة حتى يومنا هذا وللمسافرين إلى المدينة المنورة والقادمين منها، وكذلك للمسافرين إلى مكة المكرمة والقادمين منها وذلك لتعذر انتقال القوافل من المنطقة الغربية لمدينة جدة إلى باب مكة. كما كان باب المدينة يستخدم لمرور العربات المحملة بالحجارة المستخرجة من المناقب الواقعة شمال مدينة جدة والطين المستخرج من بحر االطين أو ما أصبح يعرف ببحيرة الأربعين والمستخدم في بناء بيوت جدة في ذلك الوقت.
باب جديد:
بني في مطلع العهد السعودي - ربما في نهاية الثلاثينات أو بداية الأربعينات الميلادية - وهي آخر البوابات التي بنيت على السور. وتقع في القطاع الشمالي من السور، شرق بوابة المدينة، في مواجهة بيت الهزازي. وهي عبارة عن بوابة مزدوجة تتسع كل واحدة منها لمرور السيارات بسهولة ويسر.
باب مكة:
بوابة جدة الشرقية وتقع أمام سوق البدو و تنفذ إلى أسواق الحراج والحلقات الواقعة خارج السور، كما كانت أيضا معبرا للجنائز المتجهة إلى مقبرة الأسد الواقعة في تلك الناحية خارج السور.
باب شريف:
بوابة جدة الجنوبية وتقع أمام برحة العقيلي. يخرج منها الأهالي للتبضع من حراج العصر خارجه، أو قاصدين "قوز" الهملة
(بفتح الهاء وتسكين النون)، وهي تلة مرتفعة، والذي كان متنفسا لأهالي جدة خاصة كبار السن منهم حيث يطل الجالس أعلاه على منظر بديع لبرحة باب شريف وحراج العصر. كما أنها كانت معبرا يربط أحياء بيشة وبرة ونكتو بالبلد.
باب النافعة:
هو أول بوابات السور من جهة الغرب من ناحية الجنوب، وليس أقدمهم، وموقعه في الجزء الجنوبي من موقع برج المحمل المواجه لمركز المحمل التجاري على شارع الملك عبد العزيز. وكان معبرًا للعاملين في البنط والبحر وجلّهم من سكان حارتي البحر واليمن.
باب الصبة:
ثاني بوابات السور الغربية ومن أهمها، وموقعه هو مدخل سوق البنط (برحة مسجد عكاش) من ناحية ساحة البنط غربا (حاليا بين عمارتي الأمير منصور التي أزيلت إحداهما مؤخرا). وسمي باب الصبة لأن الحبوب المستوردة كانت تصب عنده حيث تنقي وتوضع في أكياس تم توزن بواسطة القباني تمهيدًا لنقلها لمستودعات التجار. وترجع أهمية باب الصبة في وقته من أنه كان محاطًا بعدة إدارات حكومية هامة من على يمينه (البلدية) وعن يساره إدارتي البريد والبرق ومخفر للشرطة وفوقه المحكمة.
باب المغاربة:
ثالث بوابات السور الغربية وموقعه حيث عمارة الجفالي على شارع الملك عبد العزيز حاليا. وكان هذا الباب، وحتى فتح الجزء الغربي لشارع الملك عبد العزيز في منتصف أربعينات القرن الميلادي الماضي، هو المخرج الوحيد للحجاج القادمين عن طريق البحر للتوجه إلى كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة عبر باب المدينة.
باب صريف:
رابع بوابات السور الغربية وموقعه بين مبنى فندق البحر الأحمر وعمارة الفيصلية حاليًا ولا يُعرف مصدر تسميته بهذا المسمى.


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


أحياء جدة القديمة

في نهايات القرن التاسع عشر الميلادي كانت مدينة جدة مقسمة إلى 3 أقسام إدارية (حارات أو محلات) رئيسية سميت اثنتان منها حسب موقعها النسبي داخل السور:حارة الشام لكونها تحتل الجزء الشمالي من المدينة في اتجاه بلاد الشام، وحارة اليمن لكونها تحتل الجزء الجنوبي من المدينة في اتجاه بلاد اليمن. أما الحارة الثالثة والتي تقع بينهما فسميت حارة مظلوملأسباب اختلف الرواة فيها. ونظرًا لوجود مرافق الميناء: الكرنتينة وتشمل سقالة اللنشات (الإسكلة) ومقر طبيب الحجر الصحي، والبنط ويشمل مرسى السنابيك وساحات ومستودعات الجمرك، على الطرف الغربي من حارة اليمن أطلق على ذلك الجزء في تاريخ متأخر اسم حارة البحر لعلاقته الوثيقة بأعمال البحر في ذلك العهد وقبل إنشاء الرصيف البحري في موقعه الحالي جنوب الميناء القديم. وكان لكل حارة من الحارات الثلاث شيخ "عمدة" يعرف بلقب "شيخ الحارة" وهو مسئول عن الشأن العام فيها كما أنه كان بمثابة همزة الوصل بين السلطة ممثلة في القائمقام والشرطة وأهل الحارة.
المصدر: د. طلال عبد الكريم بكر


حارة اليمن:
تقع في الجزء الجنوبي من داخل السور جنوب شارع العلوي واكتسبت مسماها لاتجاهها نحو بلاد اليمن وبها دار آل نصيف ودار الجمجوم ودار آل شعراوي ودار آل عبدالصمد.
حارة البحر :
تقع في الجزء الجنوبي الغربي من مدينة جدة وهي مطلة على البحر وبها دار آل رضوان المعروفة ذلك الوقت برضوان البحر.
وحسب كتاب (موسوعة تاريخ مدينة جدة - تأليف: عبد القدوس الأنصاري)، فإن حارة البحر تعتبر جزءًا من حارة اليمن.
حارة المظلوم:
سميت هذه الحارة نسبة للسيد عبدالكريم البرزنجي الذي قتلته الحكومة العثمانية وتقع في الجزء الشمالي الشرقي من داخل السور شمال شارع العلوي وبها دار آل قابل ومسجد الشافعي وسوق الجامع.
حارة الشام:
تقع في الجزء الشمالي من داخل السور في اتجاه بلاد الشام وفي هذه الحارة دار السرتي ودار الزاهد.


بيوت جدة القديمة

بنى أهالي جدة بيوتهم من الحجر المنقى والذي كانوا يستخرجونه من بحيرة الأربعين ثم يعدلونه بالآلات اليدوية ليوضع فـي مواضع تناسب حجمه إلى جانب الأخشاب التي كانت ترد إليهم من المناطق المجاورة كوادي فاطمة أو ما كانوا يستوردونه من الخارج عن طريق الميناء (خاصة من الهند). كما استخدموا الطين الذي كانوا يجلبونه من بحر الطين يستعملونه في تثبيت المنقبة ووضعها بعضها إلى بعض، وتتلخص طريقة البناء فـي رص الأحجار فـي مداميك يفصل بينها قواطع من الخشب "تكاليل" لتوزيع الأحمال على الحوائط كل متر تقريباً، ويشبه المبنى القديم إلى حد كبير المبنى الخرساني الحديث والأخشاب تمثل تقريباً الحوائط الخارجية للمنشأ الخرساني وذلك لتخفيف الأوزان باستعمال الخشب.
ومن أشهر وأقدم المباني الموجودة حتى الآن:
دار آل نصيف ودار آل جمجوم فـي حارة اليمن
دار آل باعشن وآل قابل والمسجد الشافعي فـي حارة المظلوم
دار آل باناجة وآل الزاهد فـي حارة الشام
وبلغ ارتفاع بعض هذه المباني إلى أكثر من 30 متراً، كما ظلت بعضها لمتانتها وطريقة بنائها باقية بحالة جيدة بعد مرور عشرات السنين.
وتميزت هذه الدور بوجود ملاقف على كافة الغرف فـي البيت، وأيضاً استخدمت الرواشين بأحجام كبيرة واستخدمت الأخشاب المزخرفة فـي الحوائط بمسطحات كبيرة ساعدت على تحريك الهواء وانتشاره فـي أرجاء الدار وإلقاء الظلال على جدران البيت لتلطيف الحرارة كما كانت الدور تقام بجوار بعضها البعض وتكون واجهاتها متكسرة لإلقاء الظلال على بعضها.



أشهر مساجد جدة القديمة:
مسجد الشافعي:
يقع في حارة المظلوم في سوق الجامع وهو أقدم مساجدها وقيل أن منارته بنيت في القرن السابع الهجري الموافق الثالث عشر ميلادي وهو مسجد فريد في بنيان عمارته وهو مربع الأضلاع ووسطه مكشوف للقيام بمهام التهوية وقد شهد المسجد أعمال ترميمية لصيانته وتقام به الصلاة.
مسجد عثمان بن عفان:
ويطلق عليه مسجد الأبنوس (الذي ذكره ابن بطوطة وابن جبير في رحلتيهما) لوجود ساريتين من خشب الأبنوس به ويقع في حارة المظلوم وله مئذنة ضخمة وتم بناؤه خلال القرنين التاسع والعاشر الهجريين.
مسجد الباشا:
ويقع في حارة الشام وقد بناه بكر باشا الذي ولي جدة عام 1735م وكان لهذا المسجد مئذنة أعطت المدينة معلماً أثرياً معمارياً وقد بقيت على حالها حتى 1978 م عندما هدم المسجد وأقيم مكانه مسجد جديد.
مسجد عكاش:
يقع داخل شارع قابل غرباً أقيم قبل عام 1379 هـ وقام بتحديد بنائه عكاش أباظة وتم رفع أرضية المسجد عن مستوى الشارع بحيث يصعد إليه بعد درجات وهو في حالة جيدة وتقام به صلوات حتى اليوم.
مسجد المعمار:
يقع في شارع العلوي غرباً بمحلة المظلوم وقد عمره مصطفى معمار باشا عام 1384 هـ وهو الآن بحالة جيدة وتقام فيه الصلاة وله أوقاف خاصة به.
مسجد الرحمة:
يقع فوق سطح البحر على كورنيش جدة.
مسجد الملك سعود:
يقع في منطقة البلد وتم بنائه في عهد الملك سعود.



مقابر جدة القديمة:
مقبرة أمنا حواء:
تقع في وسط المدينة ويعتقد أن حواء أم البشر دفنت في هذه المقبرة.
مقبرة الشيخ حامد بن نافع:
وتقع في طريق مكة جدة القديم وتسمي بمقبرة شيخ الاسد نسبة للشيخ حامد بن نافع وهو من آل البيت النبوي الهاشمي ويمتد نسبه الي الشريف ابي مالك بن شيخة القاسم امير المدينة المنورة وتوجد زريته اليوم بالسودان الشرقي ويعرفون بعد شيخ حامد بن نافع.


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

أشهر أسواق جدة القديمة

بلغت المساحة التقريبية لداخل سور مدينة جدة 1,5 كيلو متر مربع وهي مازالت تحوي لمسات من الحياة التقليديةذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي القديم التي تتركز حالياً حول مساجد وأسواق المنطقة حيث تنتشر بعض محلات الحرف الشعبية والتقليدية القديمة. ومن أشهر أسواق المنطقة التاريخية قديماً وحديثاً والتي تشكل شريان المنطقة الاقتصادي والحيوي:
سوق العلوي
سوق البدو
سوق قابل
سوق الندى

وأهم الأسواق والخانات التي كانت موجودة بجدة القديمة هي:
سوق السمك: "البنقلة"
سوق الخضروات والجزارين: يقع بالنوارية الواقعة في نهاية شارع قابل إلى ناحية الشرق.
السوق الكبير: تباع فيه الأقمشة في دكاكين كبيرة وصغيرة مكتظة بفاخر الأقمشة على مختلف أنواعها.
سوق الخاسكية: وتقع خلف دار الشيخ محمد نصيف.
سوق الندى: ومعظم المحلات فيه لبيع الأحذية.
سوق الجامع: نسبة إلى جامع الشافعي.
سوق الحبابة: ويقع في باب مكة.
سوق الحراج: "المزاد العلني " وكان يقع في باب شريف.
سوق البدو: في باب مكة ويباع فيه كل ما يجذب سكان البادية.
سوق العصر: ويقع في باب شريف ويقام في كل عصر في ذلك الوقت.
سوق البراذغية: كانت تصنع فيه براذع الحمير والبغال وسروج الخيل عند عمارة الشربتلي.
سوق السبحية: كانت تصنع وتباع فيه المسابح وهو سوق في موقع الخاسكية.
خانات جدة القديمة: والخان مايسمى بالقيسارية أي السوق التي تتكون من مجموعة دكاكين تفتح و تغلق على بعض،
ومن أهم خانات جدة القديمة (خان الهنود، خان القصبة وهو محل تجارة الأقمشة، خان الدلالين، خان العطارين).


فنادق جدة منذ ألف
خبرات تراكمية في مجال خدمة حجاج بيت الله الحرام:
يرى كثير من المؤرخين أن صناعة الفندقة كانت من أفكار العرب. ومن هؤلاء، المؤرخ المعروف عبد القدوس الأنصاري - رحمه الله - الذي استند في ذلك إلى ماجاء في كتاب (شمس العرب تسطع على الغرب) لكاتبته الألمانية (زيفريد هونكه)، الذي عربه كل من فاروق بيضون، وكمال دسوقي، والذي جاء فيه ما نصه "ففي كل الموانئ، وفي كل منافذ الحدود أنشأ فردريك بيوتا حكومية على نمط الفنادق العربية وبالاسم العربي نفسه وجعلها تخدم المسافرين والتجار وتعد لهم مبيتهم". وقد شرحت مؤلفة الكتاب كيف انتقلت صناعة الفندقة من مملكة صقلية وايطاليا التي نقلتها من حضارة العرب إلى أوروبا بالتدريج حيث بدأت بقية المدن الأوروبية تقلد ما حدث في المدن الإيطالية من بناء للفنادق.
ويعرف الأنصاري كلمة الفندق بأنها من الكلمات المعجمية، أي التي أوردها أصحاب المعاجم العربية وحللوها وشرحوا معانيها وأوردوا أصلها، حسب ما توصل إليه علمهم". فإبن منظور في "لسان العرب"، يعرف الفندق بأنه الخان، ويقول إن "الفندق بلغة أهل الشام خان من هذه الخانات التي ينزلها الناس مما يكون في الطرق والمدائن".

وتاج العروس شرح القاموس يبين أن أهل الشام يسمون الفندق (خانا). واليوم تكاد لا توجد مدينة في العالم لا تنتشر فيها الفنادق، بل وربما لا يوجد بيننا من لا يعرف فندقا أو سكن في فندق أو عمل بواحد. والفندقة صناعة كبرى على مستوى العالم تدر البلايين من الدولارات وتوفر الملايين من الوظائف، وهي صناعة قديمة راجت في بلاد العرب منذ مئات السنين. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أورد الرحالة ابن جبير أسماء الفنادق التي نزل بها في رحلته الشهيرة التي زار خلالها عدة دول عربية وغير عربية، وقام خلالها بأداء مناسك الحج عام587هـ/1182م وبقى في جدة خلالها فترة من الزمن.
وقد أورد الشيخ عبد القدوس الأنصاري في كتابه الموسوم (مع ابن جبير في رحلته) بعض المعلومات عن هذه الفنادق التي سكنها ابن جبير، ‏ننقل بعضا من ذلك هنا بتصرف. يقول الأنصاري: "حينما وصل ابن جبير إلى الإسكندرية بحرا نزل بفندق (الصفار) بمقربة من الصبانة، ثم نزل بفندق أبي الثناء بمصر القديمة بالقرب من جامع عمرو بن العاص - رضي الله عنه -، نزل فيه هو وصحبه في حجرة كبيرة على بابه. يقول الأنصاري - رحمه الله - إن ابن جبير ذكر مراراً أن نزوله هو ومن معه في الفنادق أثناء رحلته كان "في حجرة كبيرة على باب الفندق"، ويشرح الأنصاري ذلك بقوله: "فلربما كان هناك سر خاص أو عام لم يشر إليه وراء نزوله في الحجر والأبواب المذكورة".

ويكمل الأنصاري قائلأ: "ثم نزل بها (مصر) بفندق ابن العجمي بالمنيا في مدينة (قوص)، وقد نزلوا فيه على باب الفندق أيضا ويستمر قائلا: "وقوص هذه التي بها الفندق المذكور هي "محط الرحال ومجتمع الرفاق وملتقى الحجاج المغاربة والمصريين والاسكندريين ومن يتصل بهم، فيحق لها أن يكون بها هذا الفندق".

ويستطرد الأنصاري قائلأ : وفي طريق عودته من بلاد المشرق نزل (ابن جبير) بخان أبي الشكر وكان هذا الخان في مدينة حلب، ثم نزل (بخان التركمان) ويقع في موضع يعرف بـ (باقدين)، وصفه ابن جبير بأنه وثيق الحصاة، ثم نزل بخان (تمنى) ويقع في موضع يعرف بهذا الاسم. بعد ذلك نزل بخان (حماة) في مدينة حماة في بلاد الشام.

ثم نزل (بخان قرية القارة) وهو فندق يقع في قرية القارة من قرى بلاد الشام، وبعد ذلك نرل بخان السلطان أي السلطان صلاح الدين. يقول الأنصاري إن صلاح الدين - على ما يقوله ابن جبير - بنى هذا الخان، وهو في غاية الوسامة والحسن... بباب حديد على طريقة بناء الخانات في الطرق آنذاك.


فنادق جدة في زمن ابن جبير ( خلال القرن السادس الهجري):
من المعروف أن ابن جبير قام بثلاث رحلات، أشهرها الرحلة التي أصدر عنها كتاب وسمه، (رحلة ابن جبير)، والتي وصل خلالها إلى جدة في شهر ربيع الثاني من عام 579هـ في طريقه إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج.

وقد وصف ابن جبير الدار التي سكن بها في جدة خلال إقامته فيها، وقد نقل هذا الوصف لنا مؤرخ جدة، الأستاذ عبد القدوس الأنصاري - رحمه الله - في كتابه آنف الذكر ما ننقل بعضه هنا بتصرف. يقول ابن جبير: "وكان نزولنا في صرح من تلك الصروح الخوصية التي يبنونها - يعني أهل جدة - في أعالي ديارهم ويخرجون منها إلى سطوح يبيتون فيها". يبين الأنصاري أن ذلك يدل على أن ابن جبير قدم جدة في فصل الصيف.

ويكمل ابن جبير واصفا جدة فيقول: "وجدة هذه قرية على ساحل البحر المذكور، أكثر بيوتها أخصاص وفيها فنادق مبنية بالحجارة والطين، وفي أعلاها بيوت من الأخصاص كالغرف، ولها سطوح يستراح فيها بالليل من أذى الحر". وبعد ذلك يقول ابن جبير "ولهذه القرية آثار قديمة تدل على أنها كانت مدينة قديمة" ثم قال "وأثر سورها المحدق بها باق إلى اليوم". يقول الأنصاري معلقا على قول ابن جبير هذا: "إن وجود الفنادق في جدة على ما تحدث به ابن جبير يدل على أنها كانت مدينة ثم تقلص عمرانها فأصبحت قرية على ما شاهدها عليه في أواخر القرن السادس الهجري".


فنادق جدة في زمن ابن المجاور (خلال القرن السابع الهجري):
أما الرحالة جمال الدين أبي الفتح يوسف بن يعقوب بن محمد المعروف بابن المجاور الشيباني (المولود عام 6.1هـ) صاحب كتاب (تاريخ المستبصر) والذي رسم أقدم خريطة معروفة لجدة، فقد قال عن جدة عند زيارته لها في القرن السابع الهجري، إنها كانت شديدة الازدحام بالحجاج ‏ووصف أبنيتها بأنها من الحجر الكاشور وهو نفس الحجر الرملي المعروف في جدة اليوم "بالمنقبي" كما ذكر أنه كان بجدة فنادق تؤجر فيها الغرف للمسافرين والحجاج، وأنه كان فيها حينئذ خانين كبيرين متقابلين.

وأضاف ابن المجاور "أن الأمير شمس الدين طبنغا بنى بظاهرها خانـًا كبيرًا سنة 623هـ، وذكر ابن المجاور أنه كانت تدفع رسوم عقارية قدرها ثلاثة دراهم سنويًا لكل عقار. كما قال إن "جدة كلها خانات". وقد فسر الأستاذ عبد القدوس الأنصاري قوله هذا بأنه ربما قصد "أن جميع منازل جدة، أي ما كان خاصا بسكن أهله وما كان غير ذلك تصبح كلها فنادق في موسم الحج، من أجل إنزال الحجاج بها أو بجزء منها بالكراء".

وقد كان حديث ابن المجاور عن فنادق جدة شاملأ إذ سجل أسماء بعض هذه الفنادق في زمنه وعين أماكنها وبين أن اسم أحدها كان " خان البصر".


فنادق جدة في زمن ابن بطوطة (خلال القرن الثامن الهجري):
قال ابن بطوطة عن جدة عندما وصلها عام 729هـ، "أنها بلدة قديمه على ساحل البحر بخارجها مصانع قديمة، وبها جباب للماء منقور فر الحجر الصلد يتصل بعضها ببعض تفوت الاحصاء كثره". يقول الأنصاري إن ابن بطوطة: "ذكر أنه وجد بجدة لما زارها فنادق، كان الواحد منها يسمى (الخان)، ينزله المسافرون بدوابهم، بخارج كل خان ساقيه للسبيل وحانوت يشتري منه المسافر ما يحتاجه لنفسه ودابته.


فنادق جدة في القرن التاسع عشر الميلادي:
أما الرحالة السويسري لويس بوركهارت في كتابه (رحلات إلى شبه الجزيرة العربية) فيقول إنه: "عندما قدم إلى جدة التي وصلها في الخامس عشر من يوليو عام 1814 ‏وكتب عنها واصفا أسواقها وأهلها ومساكنهم وطرق حياتهم وبين أنه كان بها فنادق كبيرة فيها "ينزل فيها الأجانب القادمون للتجارة".

عن ذلك يقول بوركهارت: "وهناك في شارع المتاجر الكبير عشرة أنزال (فنادق) واسعة وتكتظ دائما بالغرباء والبضائع" وقال بوركهارت إن هذه الأبنية في جدة تدعى (أحواشا) بينما تسمى في سوريا (خانا) وشرح أن هذه كلمة تعني في اللهجة المصرية ساحة أو فناء.


فنادق جدة في بداية القرن الرابع عشر الهجري:
أما إبراهيم رفعت باشا في رحلته عام 1318هـ إلى جدة فقد سجل وجود فندقين بها إلا أنه لم يحدد موقعهما ولم يذكر اسميها.



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



تحياتي