فخامة الرئيس: جورج دبليو بوش

أما بعد، فدعني أقدم نفسي إليك، مسلم عربي سعودي مسالم لم يطلق ولم يمسك بيديه منذ الولادة حتى اليوم بمسدس ولم يضع بين أصابعه رصاصة. وفوق هذا متهم في تصنيفات بلدي الفكرية بالسير في الركاب الأمريكي، ويا للمفارقة فقد بات أكثر ما أخشى منه ألا تنتهي فترتكم الرئاسية بعد عامين من اليوم إلا وقد خلقتم مني بالإجبار متطرفاً جديداً ينضم إلى قوافل المتطرفين بفضل سياستكم، وأحمد الله أنكم جئتم إلى سدة (البيت الأسود) حين بلغت الأربعين فلم يعد جسدي بالقادر بعدها أن يتعلم ما تصنعونا (بالقوة) له. تأملوا كلمتي من وسط هذا المجتمع الشرق أوسطي الذي أرقبه وأراقبه. فكلما نجحت القاعدة في توظيف متطرف جديد، تفوق جورج بوش عليها بأن يخرج للنور أربعة في المقابل في سباق على (التفريخ) ولو سلمت منها مع الزمن لما سلمت من أن تصنع سياستك مني بذرة متطرف. حتى لو احتجبت وقررت بشكل شخصي ألا أستمع لأدبيات القاعدة ولا أن أرى حتى بصيص بربريتكم فمن سيضمن لي أن أطفالي أو بني أشقائي سيحتجبون عنك؟.
فخامة الرئيس: بدأت فكرة هذه الرسالة لدي وأنا أشاهدكم تخطبون في مدينة ميامي الأمريكية ووقفت طويلاً، طويلاً بنفس مكتوم أمامكم إذ تقولون: إن الحرب في لبنان اليوم هي حرب ما بين الإرهاب وبين الحرية. وللمفارقة المدهشة تابعت كلمتكم على شاشة التلفزة البريطانية، اللسان الرسمي لذلكم السياسي المعتمد، ومع هذا كانت الشاشة تعرض في صورة نصفية إلى اليمين مشاهد الأشلاء في قانا حتى توقفت عند طفل ممزق يحتضن بقايا لعبة إلى صدره. تذكرت فخامة الرئيس جيش المتطرفين الذين تدفعهم أمريكا إلى الجحيم، فالعالم، صاحب الفخامة، ليس غبياً ولا ساذجاً كي يفهم أين الإرهاب وأين الحرية، ولو أن حيواناً أخرس أصم شاهد هذه الشاشة بنصفيها: أنت في طرف ونساء وأطفال قانا في طرف آخر لعرف أين يقبع الإرهاب وأين تمتهن الحرية.
فخامة الرئيس: هذه السنوات الثماني العجاف ستكتب في ذاكرة التاريخ على أنها سنوات الإرهاب والعنف والتطرف وسيخلدك التاريخ كصانع محترف لأسوأ العواصف والحروب. وفي مساحتي الصغيرة بهذا الشرق الكئيب سيخلدك التاريخ على أنك هولاكو ولكنه قادم هذه المرة من الغرب الذي وقف على أشلاء أربع عواصم حتى اللحظة فيما ما زال العرض مستمراً وما زلنا معك نحاول فهم الفارق بين الإرهاب وبين الحرية.
فخامة الرئيس: سأوافقك الأسى على أن الإرهاب ضرب واشنطن وأبراج نيويورك وأنفاق لندن وقطارات مدريد. دعني أعد بك للمعادلة لأن كل فرد من كتائب متطرفينا جاء في وجه كل أربعة - منا أيضاً - تدفعهم سياسة أمريكا إلى هذا الخط ودعني أصدقك القول إننا لا نخاف من مصنع القاعدة قدر خوفنا من ملايين المعتدلين الذين تدفعهم صناعة بوش لأن يكونوا على خط الإرهاب، ودعني أصدقك القول إن سياستكم اليوم أخطر من كل منظومات العالم الإرهابية. دعني أصدقك القول إنني أخاف على أولادي من امتهان هذا الخط لا تحت تأثير القاعدة المنتهية بل ردة فعل على القاعدة الملتهبة في حناجركم وقنابلكم وطائراتكم وصواريخكم الذكية، فلا يمكن لهؤلاء الأطفال أن يشاهدوا على يمين الصورة أطفال المجازر ثم يصدقوا براءتكم في تفريق الحرب بين الإرهاب وبين الحرية. خجلت لك ومنك، كمتهم بالسير في الركب الأمريكي، وأنت تتحدث للعالم وتستغبيه بالفارق بين الإرهاب والحرية.
فخامة الرئيس: كان جميلاً جداً أن تقول إننا إذا أردنا وضع نهاية لهذه الحرب فإن علينا أن نعالج جذور الأسباب التي ابتدأت منها. حسناً سيادة الرئيس الأوحد لهذا الكون ولكن جذر السبب أبعد من حكاية خطف جنديين من داخل الخط الأخضر. فلأكثر من خمسين عاماً سكت العالم كله على اختطاف شعب بأكمله تقديراً وخوفاً من تعريفكم للإرهاب والحرية. وعلى حين يسافر كلبكم المدلل وأسلافه من الكلاب إلى كل جهات الدنيا ببطاقة تعريف وشهادة صحية، ما زال هذا الشعب الفلسطيني بعيداً حتى عن هذه الدرجة ولكم أن تتخيلوا شعباً في القرن الحادي والعشرين وما زال يحلم بجواز سفر. وحتى مع حكاية الخطف التي تمخضت بطولاتنا فيها عن ثلاثة عساكر، فأنت تعلم أن إسرائيل تحتجز اليوم - وبشهادتها - عشرة آلاف أسير كلهم من خارج الخط الأخضر. كلهم من غزة وأريحا والخليل وصور وصيدا، وأكثر من هذا فأنتم أول من بارك اقتحام إسرائيل لسجن أريحا المحرر بالوهم واختطاف ثمانية مساجين منه في بطولة صهيونية لرجال الكوماندوز. وهذا يعني أن إسرائيل اجتازت خطوطنا الخضراء أمامها عشرة آلاف مرة وعادت من بيننا بعشرة آلاف أسير ونحن اجتزنا خطوطها الحمراء مرتين ليدمر شعبان فأين هو الفارق ولو بالرقم بين الإرهاب وبين الحرية؟.
فخامة الرئيس: أكتب لكم في اليوم الخامس والعشرين لحرب لا أشك أنكم تشاهدونها لحظة بلحظة. وبالأمس فقط سجل البقاع ثاني مجزرة جماعية بعد قانا في بلد تحول إلى مجزرة. والخمسة والعشرون يوماً متصلة حتى اليوم، ما زال كل العالم بأسره يضغط على قرار بارد خجول فيما تقفون أنتم وحدكم في مواجهة كل الأرض فلا أظن أن الكون بأسره غبي وساذج كي يقرر الفارق بين الإرهاب وبين الحرية. أمريكا اليوم تغتال الأمم المتحدة بنفس اغتيال مصداقية مجلس الأمن، ودعني أعد بك للحقيقة التاريخية التالية: فعندما غزا صدام الكويت فلا أظنك بناس أو جاهل عن مواقفنا ولا حتى عن دماء أبنائنا التي سالت في وجه الغازي المتكبر. هذا لا يمنع من الاستشهاد بأن أمريكا صاغت أربعة قرارات لمجلس الأمن في اليوم الأول للغزو العراقي صدر الأول منها حتى قبل أن تشرق شمس ذلك اليوم. أليست الحروب هي ذات الحروب مهما أعطينا لها من مبررات؟ أليست إسرائيل تربض اليوم على أملاك ثلاث دول عربية باعترافكم الرسمي واعترف المجتمع الدولي فلماذا يمر عشرون عاماً متصلة دون قرار واحد لهذا المجلس في حق إسرائيل؟ ولماذا لم تنفذ هذه الدولة قراراً واحداً من تلك التي صدرت بحقها قبل تلك السنوات العشرين وقبل أن تتحول أمريكا إلى القطب الأوحد وإلى مظلة كاملة لغطاء السياسة الصهيونية؟.
فخامة الرئيس: ورغم معرفتي أنك آخر من يقرأ فقد كتبت إليك وقد لا أستطيع الكتابة مرة أخرى لسبب بسيط: لأن خطاباً جديداً منكم على شاشة التلفزة سيحيلني إلى قنبلة جديدة متطرفة. أنتم أكبر (قاعدة) في وجه الاعتدال والتسامح والحق.

علي سعد الموسى*


* أكاديمي وكاتب سعودي

نزل هذا الموضوع في صحيفة الوطن السعودية / اليوم الأحد / 12 / 7 / 1427


الدكتور / علي سعد الموسى .. تحية عطرة
بالرغم عن كل ما يقال عنك وعن فكرك المتأثر بالغرب ، إلا إنك استطعت أن تقل ما لم يستطع أن يقله
كل العرب والعالم ، فلك مني التحية والتقدير .
والجميع يعلم إن الخنزير بوش لن يقرأ هذا الموضوع ، ولو قرأه فلن يفهمه لأنه خنزير لا يعقل ولا يفهم هو
والكلبة وزيرة خارجيته ( رايس )
وأنا اعلم إنك لن تقرأ ردي هذا ولكن كلمة في نفسي أحببت نطقها وعلى الله التكلان .