من الإنصاف أن نقول بأن منطقة جازان تعيش حركة تنموية ملحوظة خلال السنوات القليلة الماضية، أي منذ أن تولى مقاليد إدارتها سمو الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز. إنه طموح كبير ذلك الذي يحمله سموه، وحين نقول ذلك فإننا لا نجامل أو نتزلف وإنما نتحدث عن برامج وخطط نعرفها، ومنجزات على أصعدة كثيرة نلمسها، ورؤى مستقبلية واعدة ندركها، بيد أن هذا الواقع لا يجب أن يطغى ليجعلنا لا نهتم بما يقبع خلفه من بعض السلبيات، بل إن الإنصاف بذكر الإيجابيات يتطلب من باب العدل ضرورة التنويه عن عكسها، خصوصاً عندما تستمر طويلاً ويبدأ تأثيرها يتفاقم دون مبررات كافية. ولأن الأمانة تقتضي أن نكون صادقين وواضحين مع المسؤول الذي نقدره ونعتز به فإننا لا بد أن ننقل له النبض الذي يتردد في الشوارع الخلفية، والإيقاع الذي قد لا يكون مسموعاً بوضوح أو يتعرض لتغيير في نغمته بسبب الذين يحرصون على ألا تصل الحقائق كما هي..
نحن هنا لا نود الحديث عن مشكلة يصعب حلها لوجودها في تضاريس جبلية صعبة على سبيل المثال أو في منحدرات أودية جارفة كمثال آخر.
لا نتحدث عن تجمع سكاني في جغرافية نائية أو خدمات يمكن تأجيلها ولن تؤثر في حياة الناس..
إننا نتحدث عن الوجه في الجسد، وعن الواجهة بين الملامح. نتحدث عن أول صورة تقابلها العين. نتحدث عن العنوان الرئيسي للمنطقة. نتحدث عن رمز تنميتها ونموذج تطورها في عين أي زائر لها. نتحدث عن جازان المدينة فقط كما يتضح من سياق الحديث. وحين نتحدث عنها فنحن لا نتحدث عن الرياض أو جدة أو الدمام بمساحاتها الشاسعة وأطرافها المترامية، بل نتحدث عن مدينة صغيرة يمكن السيطرة عليها. كذلك فإننا لا نقصد تحويلها بين يوم وليلة إلى مدينة نموذجية في كل شيء لأننا لا نكون واقعيين إذا طالبنا بذلك. كل ما في الأمر أننا نتحدث عن مشكلة مزمنة كان بالإمكان التخفيف من حدتها وحجمها على الأقل لأنها لا تتطلب حدوث معجزة.
نعرف أنها تقع على البحر وتربتها سبخية، ولكن كم هي المدن البحرية السبخية التي تنتشر في أرض الله. نعرف أن صخور الملح أو جباله تجثم في أجزاء منها، ولكن كم هي مدن الملح على الكرة الأرضية.. إنني بذلك أود أن أستبق تكرار المبررات التي نسمعها جيلاً بعد جيل لأنها لم تعد مقنعة بعد أن تطور العلم وبعد أن توفرت الخبرات وبعد أن من الله علينا بوفرة المال..
جازان تغرق.. تغرق.. تغرق..
قد يقول قائل بأنه لا يمكن الوقوف في وجه السماء وصد مطرها الغزير، ونقول لم يطلب أحد ذلك، وإنما ما رأيكم حين يتحول المطر إلى بحيرة باتساع المدينة لا ينخفض منسوبها أياماً عديدة بكل ما يفرزه هذا الوضع من أخطار عاجلة وآجلة على البشر؟ هنا السؤال أيها السادة..
ليس المطلوب تجفيف الأرض في غمضة عين وإنما الحد من تفاقم الوضع، فأين الإمكانات وأين الجهات المعنية وكوادرها وأجهزتها ومعداتها وميزانياتها الضخمة؟ إنني بقدر ما سرني الخبر الذي نشرته صحيفة الوطن يوم أمس عن اهتمام الأمير نايف بن عبدالعزيز وتوجيهه بتأمين أربعة مواتير شفط ضخمة، فإنني أعجب غاية العجب كيف لم تقم جهة الاختصاص في المدينة بتوفير هذه الأجهزة من قبل كأدنى حد من وسائل الاحتياط والمعالجة، ولاسيما أن المشكلة معروفة ومتكررة..
جازان اليوم تستغيث طالبة أطواق النجاة.. سال كحلها، وذبل فلها وغطى الوحل فستانها الأنيق.. وكم أتمنى أن يسمح لي أميرنا الذي نحبه ونثق به لكي نعود لحظة إلى الماضي، إلى اليوم الذي كانت جازان تنتظر قدومه بينما البعض يسابق الوقت لوضع أكبر طبقة ممكنة من المكياج فوق التشوهات والجروح الغائرة، يومها كتبت مقالاً كان عنوانه "إنهم يدهنون.. يا سمو الأمير".. فهل ما زال بيننا فلول الذين كانوا يدهنون وقد جئت يا سيدي لكي تنقذنا منهم؟