شك أن السعادة وراحة البال وطمأنينة النفس هي مبتغى كل البشر، فالناس على اختلاف أجناسهم وألوانهم وعقائدهم وأديانهم كلهم يبحثون عن السعادة، المسلمون والكفار، الأغنياء والفقراء، الكبار والصغار، كلهم تواطأوا على البحث عن السعادة.


فلو سألت أي إنسان عن أي عمل يعمله، لماذا يعمله ؟ لأجابك: أبحث عن السعادة، فإنما أكل من أكل وشرب من شرب وذهب من ذهب ولعب من لعب وسافر من سافر إلا لكي يطرد عن نفسه الملل وليجلب لنفسه السعادة والسرور، ولكن كثيرا منهم يخطئ الطريق الموصل إليها فيسير في غير مسارها، ويلتمسها في غير مظانها، ويسلك غير طريقها، وذلك لجهله وغفلته بحقيقة السادة وأسبابها ومنابعها.


فبعضهم يظن أن السعادة في الأموال والقصور والسيارات ومتاع الدنيا، وبعضهم يظن أن السعادة في التلذذ بالنساء والزنا، وبعضهم يظن أن السعادة في المعاصي والذنوب، وبعضهم يظن أن السعادة في إعطاء الجسم راحته وما يريد. فهؤلاء في الحقيقة لم يعرفوا حقيقة السعادة ولا أسبابها. فمن الناس من هو محروم من جنة الدنيا وسعادة القلب، فلم يذق قط طعم السعادة، ولم يعرف لها سبيلا أو طريقا.إن السعادة شيء معنوي، لا يرى بالعين، ولا يقاس بالكم، ولا تحويه الخزائن، ولا يشترى بالدراهم.


فالسعادة شيء يشعر به الإنسان بين جوانحه، صفاء في النفس، وطمأنينة في القلب، وانشراح في الصدر، وراحة في الضمير.


فكيف يحصل الإنسان على هذه السعادة؟


فأسباب السعادة كثيرة يصعب حصرها، فكل ما أمر به الله ورسوله هو سبب السعادة، وفي المقابل كل ما نهى عنه وحذر منه الشرع فهو سبب للتعاسة.


ومن أهم أسباب السعادة:


1 - إن من أعظم أسباب السعادة: توحيد الله وإخلاص الدين له وصدق الاستسلام له: فبقدر توحيدك وإخلاصك تزداد سعادتك وينشرح صدرك، قال تعالى: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه}، وقال: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء}.


وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا). فتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ذاق طعم الإيمان) أي ذاق حلاوة الإيمان، وكأن للإيمان في القلب حلاوة، وليس المراد بها الطعم الحسي، ولكن المراد الطعم المعنوي الذي يحسه الإنسان وبطعمه في قلبه وفؤاده.
2- الإيمان والتقوى: فبحسب إيمانك وتقواك تزداد سعادتك، فالإيمان نور يقذفه الله في قلب العبد، فيشرح الله به الصدور، ويضيء به القلوب، وإذا فقد نور الإيمان من القلب، ضاق وصار أضيق من السجن، وصار مظلما أشد ظلمة من ظلام الليل.


قال تعالى : {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله، ذلك هو الفوز العظيم }، وقال: {ومن يؤمن بالله يهد قلبه}، وقال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب }، وقال: {إن الأبرار لفي نعيم ، وإن الفجار لفي جحيم}.


فالأبرار المؤمنون المتقون في نعيم ليس في الدار الآخرة فقط، بل في نعيم في الدنيا والبرزخ والآخرة، فهم أطيب الناس عيشا، وأنعمهم وأشرحهم صدرا، فهم في جنة الدنيا قبل جنة الآخرة.


3 - وإن من أسباب السعادة الحقيقة، والراحة الدنيوية والأخروية: إتباع معلم البشرية وهادي الإنسانية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: فباتباعك لسنته وتمسكك بها ومحبتك لها ودعوتك إليها وذودك عنها، تنال السعادة.


فالمسلمون متفقون أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أسعد البشر على الإطلاق، وهو أكمل الناس انشراحا للصدر وراحة للقلب، فبحسب نصيبك من متابعتك لسنته وهديه، يكون نصيبك من السعادة، فكلما كنت أكثر قربا وتشبها وتأسيا به زادت سعادتك. قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}.

4- ومن أسباب السعادة: الاستقامة والالتزام على دين الله تعالى وشريعته، وتحقيق العبودية لله تعالى: فبقدر استقامتك والتزامك بشرع الله تعالى يكون نصيبك من السعادة، فالله خلقنا وما خلقنا إلا لعبادته والاستقامة على شرعه. قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، وقال: {فاستقم كما أمرت}. ويقول تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ، نزلا من غفور رحيم}.


فمهما كان للإنسان من منصب أو مال أو جاه، فهو عبد لله تعالى، وكلما زاد تحقيقه لمقام العبودية، كلما أورثه الله سعادة القلب وطمأنينة النفس.

5ـ الأعمال الصالحة: فهي تورث الطمأنينة وراحة البال، قال تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}.


تأمل أخي القارئ إلى لام القسم في قوله: {فلنحيينه حياة طيبة}، فأقسم الله أن من عمل صالحا بشرط الإيمان فسيحييه الله حياة طيبة هنيئة في الدنيا قبل الآخرة.


وروى الترمذي وهو حديث قدسي: (قال تعالى: يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى ويديك رزقا، إلا تفعل ملأت قلبك فقرا ويدك شغلا).

6- قراءة القرآن: فالقرآن هو حبل الله المتين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، من عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم، لا يشبع منه القراء، ولا تمل منه الأسماع، ولا تزيغ به الأهواء. يقول الله تعالى: {طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، إلا تذكرة لمن يخشى}.

7- الرضا بقضاء الله وقدرة، والصبر على البلاء: فكلما كان العبد راضيا بقضاء الله وصابرا على البلاء كان من السعداء، فالرضا هو مفتاح السعادة، والصبر هو مفتاح الفرج، يقول الله تعالى: {وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة و أولئك هم المهتدون}.
8- شكر النعمة: وهو من أسباب السعادة والسرور، فكم أنعم الله علينا من نعم لا تعد ولا تحصى، {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}.


فالواجب على المسلم شكر هذه النعم بقلبه ولسانه وجوارحه ، قال تعالى: ؟وأما بنعمة ربك فحدث؟، وبهذا الشكر تدوم النعم وتزداد، قال تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم}.


8-التوبة والاستغفار: فكلما كان العبد كثير التوبة والاستغفار لله، ازدادت سعادته، لأن التوبة والاستغفار تكفر الخطايا والسيئات التي هو من أعظم أسباب الشقاء، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. قال تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون }.

9- حسن التعامل مع الناس: فهو يورثك السعادة، فبقدر إحسانك للناس، وحسن تعاملك معهم تكون سعادتك أكبر، فالكريم المحسن أشرح الناس صدرا، وأطيبهم نفسا، وأنعمهم قلبا. وقال تعالى: {فبما رحمة من الله لنت منهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}.


روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه).

10- الاستعداد للآخرة والاهتمام بها: فبقدر اهتمامك واستعدادك للآخرة تزداد سعادتك. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كانت الدنيا همه فرق الله عليه شمله، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة همه جمع الله عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة)، رواه ابن خزيمة وهو صحيح.

منقول