قضية ورأي...يافعون وليسوا طائشين
ما هي أجمل اللحظات التي تعتقد أنها تدخل البهجة إلى قلبك? وما أسوأها?!
حين طرحت هذا التساؤل على عدد من أطفال (السن المحيرة) من 11-14 عاماً كنت أضمر اختبار مشاعر ابني ولأشعر بالفخر لأنني حققت له الأمان وراهنت سلفاً بأنه سيختار( بيته) على كل ما عداه..لكني أصبت بخيبة أمل سرعان ما أنقذني منها حدسي المسبق وهو أن مجرد طرحي للسؤال يعني أن شكوكاً انتابتني سابقاً..حول مشاعره وسلوكه بدخوله المرحلة تلك . معظمهم أجاب: أسعدها بين الأصدقاء..أسوأها على مقاعد الدراسة! إذاً البيت لم يكن الأفضل ولا الأسوأ وهذا ما جعلني أشعر ببعض العزاء.
لماذا نعيش مع أولاد وبنات هذا (السن) حالات كثيرة من التشنج وصعوبة التواصل? ماذا نعلم عن التحولات المذهلة التي تطرأ عليهم? هل نعلم أن المراهقة مراحل تبدأ من 11-14 عاماً وثانية من 14-18 وثالثة من 18-21? وأن لكل منها فرادتها وخصوصيتها وأصعبها المرحلة الأولى التي تبدأ منها النقلة والقفزة السريعة والمفاجئة بكل ايجابياتها وسلبياتها.
هل أدركنا أن التغيير الفيزيولوجي والجسدي عاملان يحدثان فيهما(الصبي والفتاة) مشاعر تتأرجح بين الخيبة والزهو.. الخوف والتشاؤم..الثقة والخجل..?!
من الواضح أننا نولي مرحلة الطفولة المبكرة والمراهقة بشكلها العام أهمية أكبر من التركيز على بداية المراهقة..لهذا سعيت وقرأت والتقيت بعدد من المقربين وبعض الاختصاصيين لقراءة أقرب لأن تكون صحيحة لأتدارك بعض النقص (أو كثيره) بما يتعلق بالعلاقة مع أولادنا..
المفاتيح تبدأ بمعرفة الأزمات والانفراجات التي يعيشها هؤلاء الفتيان والدخول إلى تفاصيل ما يحدث لهم من تغيرات خارجية(الشكل) وداخلية ..يحتد فيها الصراع ليتغلب الخير الذي نسعى جميعاً ليكون الأغلب والأعم في سلوك أولادنا وجوهر دواخلهم...
لقد بدؤوا يشعروننا بالعجز أحياناً أمام ردات فعلهم غير المتوقعة والمباغتة فأصبحوا (لايسمعون الكلام) و(يردون الأجوبة في وجوهنا) ..آخر همهم الدراسة .
بعض الآباء قال: ابني يضع رأسه مقابل رأسي..(يقصد أن العلاقة أصبحت بينهما تكسير رؤوس) .. آخر يصف الوضع بأنه مجرد تحصيل حاصل للمرور إلى مرحلة النضج .. كبرنا ولم يسأل أهلنا يوماً عن هذه الفواصل, يكفينا ما نحن فيه هذه كلها ¯¯ فذلكات ¯¯
نعم نحن لم نلتفت كثيراً إلى المشاعر الخاصة (جداً) التي دخلت وأربكت هذا اليافع .. نراه حيناً مكتئباً منطوياً وفجأة سعيداً منطلقاً.
يغالي بغضبه (مع تفاهة السبب أحياناً), مزاجي متقلب, بطيء الحركة أو سريعها بإفراط.. لا يدرك أن عليه تبرير أخطاء أو عثرات الآخرين ..
ولا يفهم بوعي أن المرء هو لحظات ضعف وقوة .. قادر على تأمين طلباته أولاً.. كل ما نقو له أو نفعله إنما لمصلحته أولاً وأخيراً, هو يرى أننا أصبحنا في عالمين مختلفين, فنظرته المثالية للأشياء تأتي من تطور التفكير المجرد الذي بدأ يتضح .. أحد هؤلاء الأطفال يعتبر أن حريته أمر غير قابل للنقاش هو يعرف مصلحته ولا يريد أوصياء.. لقد بدأ يحلل الأشياء ولم يعد يتلقى التعليمات ولن يعتبرها مسلمات.
طغت المثالية عليه وإن أي إساءة له أو تأنيب خاصة أمام الأخرين يعتبر كما يقول (أحدهم) أن الدنيا أطبقت عليه وأوقعت عليه (ظلم العالم) الذي لا يرحم ولا وجود للعدل فيه, وراح يستعرض عدد المرات التي فضل فيها أبواه إخوته عليه والعقوبات والحرمان الذي يقاسيه في هذه الدنيا !!
نحن إذاً أمام حالة خاصة نرى نتائجها أحياناً في التأخر الدراسي خاصة عند الذكور وكذلك بعض الانحرافات بالاضافة إلى تعثر الحوار وصعوبته..تختلف حدتها من شخص لآخر وبين شريحة وأخرى تبعاً للوعي الاجتماعي للأسرة وظروفها الاقتصادية ونتائجها على تطور حالة هذا الطفل إيجابياً أو سلبياً.
إن تخبطهم النفسي والداخلي (الفيزيولوجي) يؤثر بشكل عشناه عن كثب (سواء أبناء لنا أو اخوة أو أصدقاء ) ونقف غالباً عاجزين عن إيجاد حلول سريعة وجاهزة للخروج من ورطة أو مطب تأثيرها (قريب أو بعيد )..
أتصور أن الحل يبدأ من نشر الوعي بأهمية الالتفات إلى هؤلاء اليافعين أصحاب سن (11-14) ذكوراً وإناثاً في البيت والمدرسة عبر وسائل الإعلام والتأسيس للقاءات دورية علمية مدرسية-أهلية بإشراف متخصصين (وما أكثرهم..لكن ليس لديهم عمل, فالاعتمادات شحيحة)?! وخلق حوار ونقاش وتواصل بين المعلم وطلابه وترك مساحة منطقية توجدها (إدارات المدارس) لخلق خطاب نوعي قائم على المحبة والإيمان بأن هؤلاء الركيزة الأساسية للمستقبل واعطاء الجانب الترفيهي والرياضي والمنوعات أهمية وخاصة القائم منها على (الفريق أو الشلة) الإيجابية باعتبارها المكان الأنسب لاحتواء الشعور المضخم للذات عند هؤلاء اليافعين وتوظيفه لخلق المنافسة والتحفيز بشكل حيوي حيث تتفرغ هنا الشحنات بطريقة جذابة ومفيدة.
أعتقد أن هذه المسألة تحتاج إلى المحاولة والتفكير للبدء بها (نيسان وأيار يصنعان طحين السنة بطولها.)